كيف يسير الغرب لتدمير الاقتصاد الروسي؟ .. ودور العرب


مروة شاهين - بث:
في ٧ ديسمبر ٢٠٢٠، تحدثّ رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بوب مينيديس مهدداً روسيا بتدمير اقتصادها اذا ما أقدمت على غزو اوكرانيا، و توالت بعدها الكثير من التهديدات الأميركية التي حذّرت روسيا من القيام بأي أعمال عدائية تجاه الجارة أوكرانيا، و لكنّ هذه التهديدات لم تفِ بالغرض.
روسيا أقدمت على المحظور:
في الرابع و العشرين من شهر شباط/ فبراير من العام الجاري، ظهر الرئيس الروسي فلاديميير بوتين في خطاب متلفز، يُعلن فيه عن بدء عملية عسكرية في أوكرانيا، متجاهلاً المخاطر الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها روسيا، و يعود ذلك التجاهل للمخاطر الأمنية لسببين رئيسين:
الاول: ضعف القدرات العسكرية للجيش الاوكراني مقارنة بالقدرات و الخبرات العسكرية الروسية.
الثاني: اطمئنان الجانب الروسي الى عدم وجود نيّة لدى حلف شمال الأطلسي و اعضاء الاتحاد الأوروبي للدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش الروسي للدفاع عن الأراضي الأوكرانية.
و بذلك فإن روسيا تكون قد حيّدت الخطر الأمني عن اراضيها، و بالتالي تبقى المخاطر الوحيدة التي قد تواجهها روسيا في حال خوضها غمار التوسع نحو الجارة في اوكرانيا، هي المخاطر الاقتصادية التي يمثلها سلاح العقوبات الاقتصادية.
تخطيط روسيّ مُسبق لمواجهة العقوبات الاقتصادية:
كما ذكرنا سابقاً، فإن روسيا و بعد تأكدها من تحييد المخاطر الامنية العسكرية التي قد تواجهها في حال غزو اوكرانيا، إنكبّت على تحضير الوسائل و الطرق التي سوف تمكنها من مواجهة سلاح العقوبات الاقتصادية التي ستفرض عليها من قبل الدول الغربية، و بالفعل فإن روسيا و منذ اجتياحها شبه جزيرة القرم في العام ٢٠١٤، قد تعلمت الدرس و بدأت بالفعل تحضر السبل و الوسائل الممكنة لمواجهة العقوبات و تخفيف الاضرار التي قد تسببها العقوبات الاقتصادية في الاقتصاد الروسي، لا سيما أن روسيا شهدت انخفاضا هاىلاً في قيمة الناتج المحلي الاجمالي الذي انخفص من ٢,٣ ترليون دولار الى ١٫٣ ترليون دولار خلال سبع سنين، و كان هذا الانخفاض المدمر في حجم الناتج المحلي الاجمالي نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا بعد قيامها بضمّ شبه جزيرة القرم.
و تجدر الاشارة الى أن طبيعة الاقتصاد الروسي المعتمد بشكل اساسي على الاسواق المالية الدولية تجعله هشّا امام اي عقوبات قد تُفرض عليه من الخارج.
و هذا ما دفع روسيا خلال الأعوام الثمانية الماضية الى اعادة هكيلة الاقتصاد الروسي، بحيث يصبح اقوى و اكثر قدرة على مواجهة العقوبات الاقتصادية، من خلال تقليل الاعتماد على الدولار الامريكي و النظام المالي الغربي في معاملاته التجارية، كما عمدت روسيا الى رفع قيمة الاحتياطي من النقد الاجنبي التي بلغت ٦٤٣ مليار دولار في العام ٢٠٢٠، بعدما كانت تبلغ ٣٨٥ مليار دولار في العام ٢٠١٤.
عقوبات اقتصادية مدمّرة:
مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، او ما نعرفه باسم غزو روسيا لاوكرانيا، قامت الولايات المتحدة الامريكية بفرض عقوبات اقتصادية على عدد من البنوك الروسية، كما فرضت عقوبات اقتصادية على شركة الطاقة الروسية “غاز برووم” و هي الشركة التي تتولى إنشاء و تشغيل مشروع ” نورد ستريم ٢” لنقل الغاز الروسي الى المانيا، ما دفع بالحكومة الالمانية الى وقف اجراءات ترخيص الخط، الذي لم يدخل بعد حيز التنفيذ.
كما اعلنت الولايات المتحدة الامريكية و لأول مرة عن عقوبات تستهدف الرئيس الروسي فلاديميير بوتين و وزير خارجيته سيرغي لافروف، ما سبب تجميد اصولهما في الخارج.
كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات تستهدف النظام البنكي الروسي إضافة إلى عدد من الشركات الروسية و رجال الأعمال الروس، إضافة الى الرئيس الروسي و وزير الخارجية سيرغي لافروف.
كما قامت المملكة المتحدة بفرض عقوبات على اكثر من ١٠٠ شركة روسية بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال الروس و تجميد اصولهم فضلاً عن منعهم من دخول المملكة المتحدة.
روسيا تحت سيل العقوبات..كيف ستتأثر:
منذ بدء الغزو الروسي لاوكرانيا، لم يمضِ على روسيا يوم واحد من دون عقوبات، بدءاً من العقوبات الاقتصادية التي ذكرناها سابقاً وصولاً الى اغلاق الأجواء الجوية أمام الطائرات الروسية، وصولاً الى الإجراء الاقتصادي المدمر و الذي يتمثل بفصل روسيا عن نظام سويفت، و كنا قد بينّا أثر هذا الإجراء على الاقتصاد الروسي في تقريرٍ مفصل نُشر في وكالة بث للأنباء.
ما الإجراء الذي قد يسحق الاقتصاد الروسي اكثر من من كل تلك العقوبات؟
إن روسيا دولة نفطية، تشكل صادرات الطاقة فيها ما لا يقلّ عن ٦٠٪ من اجمالي الصادرات الروسية، و حوالي ١٦٪ من الناتج المحلي الاجمالي، مما قد يجعل فرض عقوبات اقتصادية على القطاع النفطي الروسي اجراءً ليس بالمدمر فقط، بل قاتل للاقتصاد الروسي.
ما الذي يمنع الغرب من استهداف قطاع الطاقة الروسي، كما فعل مع إيران؟
باختصار، انه الاعتماد الأوروبي الكبير على روسيا في واردات الطاقة، فإن الاتحاد الأوروبي يستورد حوالي ٤٠ بالمىة من احتياجه من الغاز الطبيعي و حوالي ٢٧ بالمئة من احتياجاته من النفط من روسيا، مما يجعل استهداف قطاع الطاقة الروسي، مضراً جداً بالنسبة للغرب.
أي دور قد تلعبه الدول العربية؟
إن موقع الدول العربيه كدول مصدرة للنفط، يمكنها من لعب دور إستراتيجي في مسألة امكانية استهداف قطاع الطاقة الروسي، فالدول الغربية لا يمكنها فرض اية عقوبات على قطاع الطاقة الروسي إلا من خلال التنسيق مع الدول العربيه المصدرة للنفط و الغاز، و إن هذا التنسيق قد يكون على شكلين:
الأول: زيادة الانتاج و زيادة المعروض من النفط و الغاز في الاسواق العالمية مما يسبب انخفاضا كبيراً في أسعار الطاقة و بالتالي يخفض ايرادات روسيا من صادرات الطاقة، علما أن هذا الإجراء سوف يضر بالدول العربية أيضا.
الثاني: تعويض الدول العربية الاتحاد الأوروبي عن النفط الروسي، بحيث يصبح الاتحاد الأوروبي قادرا على الاستغناء عن روسيا في مسألة الواردت النفطية، و هذا الأمر إن حدث سوف يزيد من الأهمية السياسية و الاستراتيجية للدول العربية المصدرة للنفط و الغاز الطبيعي.
روسيا الخاسر الأكبر:
و في مجمل الاحوال، و مهما كانت الاستعدادات و التجهيزات الروسية لمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية، فإن روسيا لا يمكنها تحمل الاضرار الكبيرة التي سوف تسببها هذه العقوبات على اقتصادها الذي لم يلملم أضراره بعد منذ عقوبات عام ٢٠١٤ و التي ما زالت سارية حتى يومنا هذا، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الدول الغربية منذ بدء الأعمال العسكرية في اوكرانيا.
ناهيك عن التكاليف المرهقة اقتصاديا و التي تستهلكها الأعمال العسكرية، اذ قدمت دراسة جديدة أجراها مركز التعافي الاقتصادي وشركة الاستشارات Civitta وEasyBusiness تقييماً سريعاً لتكاليف الحرب على الاقتصاد الروسي، ووجدت أنه - حتى وفقاً للتقديرات الأكثر تحفظاً – فإنها تكلف عشرات المليارات يومياً.
وقدّرت الخسائر المباشرة من الحرب وحدها بما في ذلك المعدات العسكرية التي تم تدميرها، وسقوط ضحايا بين الأفراد، فقد كلفت روسيا في الأيام الخمسة الأولى حوالي 7 مليارات دولار. كما من المتوقع أن تشكل الخسائر في الأرواح البشرية وحدها 2.7 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي المفقود خلال السنوات القادمة.
وعلاوة على ذلك، فإن حجم التعبئة بما في ذلك اللوجستيات والأفراد والذخيرة والوقود وإطلاق الصواريخ وما إلى ذلك ، سيكلف المزيد من الأموال كل يوم.
ونتيجة لذلك، وفقاً للخبراء، من المرجح أن تتجاوز التكلفة اليومية للحرب بالنسبة لروسيا 20 مليار دولار مع تزايد الغزو.
كما تتراجع القيمة السوقية للشركات الروسية بصورة سريعة جداً، ومع القيود الجديدة على تداول السندات الحكومية وتجميد أصول البنك المركزي، أصبح من الصعب جداً على السلطات الروسية الحفاظ على الاستقرار الكلي وخدمة الدين السيادي للبلاد.
وفي غضون ذلك، ستلحق القيود التجارية خسائر فادحة باقتصاد روسيا المعتمد على الطاقة. إذ تم بالفعل فرض عقوبات على خط أنابيب نورد ستريم 2 مما أدى إلى خسارة الإيرادات المستقبلية المتوقعة.
فيما سيؤثر الحظر المفروض على استيراد المنتجات عالية التقنية على سلاسل القيمة على المدى المتوسط والطويل. وبالنسبة للمواطنين الروس العاديين، سيؤدي هذا إلى التضخم وانخفاض القوة الشرائية مما يدفع بالملايين إلى الفقر ويهدد بركود عميق.