١٧ عاماً على اغتيال رفيق الحريري / تقرير خاص


بيروت - مروة شاهين - بث:
“سبعة عشر عاماً على إغتيال لبنان”، هكذا يصف غالبية الشعب اللبناني الذكرى السنوية السابعة عشر لاغتيال رجل الأعمال و رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
النشأة المبكرة:
ولد رفيق بهاء الدين الحريري يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1944 بمدينة صيدا في جنوب لبنان، و كان والده مزارعاً بسيطاً، أنهى تعليمه الثانوي في العام ١٩٦٤ ثم إلتحق بجامعة بيروت العربية لدراسة اختصاص المحاسبة، لكنه قطع دراسته بعد سنة واحدة بسبب عدم توافر القدرة المادية لمتابعة الدراسة، و هاجر الى المملكة العربية السعودية بحثاً عن الرزق و العمل.
هجرته الى المملكة العربية السعودية و نجاحه في عالم الاعمال:
وصل رفيق الحريري، الشاب في مقتبل العمر الى المملكة العربية السعودية في العام ١٩٦٥، و عمل كمدرس للرياضيات في مدرسة ابتدائية في مدينة جدة، ثم عمل كمحاسب مالي في شركة هندسة، و في العام ١٩٦٩ أنشأ شركة خاصة تعمل في مجالات المقاولات، فلاقت شركته نجاحاً كبيراً في ظل فترة الإعمار التي شهدتها المملكة العربية السعودية في فترة السبعينيات، وكوّن ثروة ضخمة في فترة وجيزة أهّلته لأن يكون أحد عمالقة رجال الأعمال المتنفذين في مجال البناء والعمارة، حيث قامت شركته بتنفيذ عدد من التعاقدات الحكومية لبناء المكاتب والمستشفيات والفنادق والقصور الملكية.
وفي أواخر سبعينيات القرن العشرين قام بشراء «شركة أوجيه» الفرنسية ودمجها في شركته ليصبح اسمها سعودي أوجيه، وأصبحت الشركة من أكبر شركات المقاولات في العالم العربي، و بفضل النجاح المهني الكبير الذي حققه الحريري، حظي باحترام و تقدير الاسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية و تم منحه الجنسية السعودية في العام ١٩٧٨، و عمل خلال فترة الثمانينيات كمبعوث خاص للملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، مما مكنه للعب دور كبير في رسم وجه لبنان بعد انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية، اضافة الى مشاركته الفعالة في صياغة اتفاق الطائف.
بدء حياته السياسية:
تولى الحريري منصب رئيس الوزراء طوال الفترة التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك خلال الفترتين (1992-1998) و(200-2004)،وخلال فترة حكمه ،ارتفعت قيمة العملة اللبنانية بنسبة 15% في ايام قليلة، و ارتفعت نسبة النمو في لبنان إلى 8% بعام 1994، وانخفض التضخم من 131% إلى 29%، واستقرت أسعار صرف الليرة اللبنانية،كما أنه ساهم بإعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهلية عن طريق شركته وقد حمل المشروع اسم سوليدير، كما قام بتثبيت مكانة لبنان الاقتصادية والسياحية في العالم العربي والغربي.
الأزمة بين رفيق الحريري و سوريا.. و اعتذاره عن شغل منصب رئيس الوزراء:
في ظل الأزمة السياسية التي أسفرت عن تمديد رئاسة الرئيس إميل لحود فترة ثانية بضغط من سوريا التي كانت تنشر قواتها العسكرية في لبنان، استقال الحريري من منصب رئيس الوزراء وعلق على ذلك بقوله “لقد قدمت استقالتي للحكومة وأعلنت أني لن أترشح لرئاسة الوزراء في الحكومة التالية”.
وجاءت استقالته وسط توتر بين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد والأمم المتحدة التي كررت دعوة سوريا إلى سحب قواتها من لبنان، الأمر الذي ردت عليه دمشق بالرفض.
النائب السابق الرئيس السوري، عبد الحليم خدام يتحدث في مذكراته عن نصيحته للحريري بمغادرة لبنان:
و عن الأزمة السياسية التي احدثها الاصرار السوري من قبل بشار الأسد على التمديد لإميل لحود كرئيس للجمهورية اللبنانية و رفض رفيق الحريري لهذا التمديد، قال عبد الحليم خدام في مذكراته: « اتصل بي الرئيس الحريري وأبلغني أن الدكتور بشار غيّر رأيه فيما يتعلق بالتمديد، واستدعاه إلى دمشق، وكانت المقابلة قصيرة، وكان الأسد متوتّراً، وأبلغه أنه قرر دعم التمديد للعماد لحود، كما قال له: عليك أن تحدد موقفك: هل أنت مع سوريا أو ضدها؟، اذهب وفكّر في الموضوع وأبلغني قرارك بالموافقة أو الرفض. وتابع الرئيس الحريري في اتصاله معي: أريد نصيحتك. فسألته: هل اجتمعت إلى وليد جنبلاط؟ وماذا كان رأيه؟، فأجابني: اجتمعت به ونصحني بالموافقة على التمديد ثم الاستقالة بعد ذلك. فقلت له: أنت لا تستطيع أن تتحمل نتائج الرفض، نصيحة وليد لك صحيحة. من الأفضل أن توافق، وبعدها تغادر لبنان وتعلن استقالتك من الخارج».


الاغتيال:
في الرابع عشر من آذار/مارس من العام ٢٠٠٥، كان موكب الحريري عائدا من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة في وسط بيروت، عندما دوى انفجار ضخم استهدفه لدى وصوله قبالة فندق سان جورج على الطريق الساحلي، بعد دقائق، كانت شاشات التلفاز تنقل مباشرة صور سيارات مشتعلة، بينما تسبّب تطاير الركام في تحطيم زجاج نوافذ في دائرة قطرها نحو نصف كيلومتر، وعمّت الفوضى والذعر لوقت قصير، قبل أن تعلن وسائل الإعلام أن المستهدف هو الحريري.
و تجدر الاشارة الى انه في مطلع شهر فبراير، كان الحريري تلقى مناشدة من صديقه الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، بوجوب التزام الحذر، وبعدها بأيام من مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن في الإطار نفسه.
دماء الحريري اشعلت ثورة الارز التي طردت القوات السورية من لبنان:
لم يمضِ شهرٌ على إغتيال الحريري حتى نرل عشرات الآلاف من اللبنانيين الى الشوارع في مظاهرات حاشدة وصلت تعداد المتطاهربن فيها احيانا الى مليون متظاهر في بلد صغير لا يتجاوز عدد مواطنيه الاربعة ملايين في ذلك الوقت، كان الهدف الرئيسي من تلك التظاهرات هو إنهاء الإحتلال العسكري السوري للبنان والذي استمر 30 عامًا منذ 1976، تمثلّت أهداف المتظاهرين بإنهاء الوصاية السورية على لبنان وإنسحاب القوات السوريّة منه، استبدال الحكومة الحاليّة برئاسة عمر كرامي و الموالية لسوريا بحكومة ذات قيادة مستقلّة، و الاستعانة بمنظمة دولية للتحقيق في قضية إغتيال الحريري ومحاكمة المسؤولين عنها، اضافة الى استقالة قادة النظام الأمني في لبنان و إقامة إنتخابات نيابية حرّة بلا أي تدخل سوري.
و بالفعل، استقالت حكومة عمر كرامي الموالية لسوريا، وخرج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان/ابريل 2005، بعدما كان دخله عام 1976 تحت ذريعة وقف الحرب في لبنان، فتحول إلى “محتل” سيطر على مدى تسعة وعشرين عاماً على النظام اللبناني وقراراته السياسية والأمنية.