هل ستُعيد المبادرة الكويتية لبنان الى الحُضن العربي؟ .. l البحث في الإجابة من خلال هذا التقرير الخاص

بيرت - مروة شاهين - بث:
حمَل وزير خارجية دولة الكويت، الذي زار الجمهورية اللبنانية الاسبوع الماضي، مبادرة يمكن وصفها بالمتكاملة لإخراج لبنان من الأزمة السياسية التي يعيشها على صعيد علاقاته الخارجية مع الدول الغربية و محيطه العربي، والتأزم الإقتصادي الذي يرزح تحته لبنان منذ العام ٢٠١٩، و ما تبع ذلك من أزمة اجتماعية عزّزتها الأزمات السياسية و الاقتصادية التي ادخلت البلاد في حالة من الإنهيار الدراماتيكي المستمر، الذي حوّل لبنان من دولة مستقرة و مزدهرة الى دولة متخلفة، عاجزة عن تأمين ابسط الاحتياجات الاسياسية لمواطنيها.
جوهر المبادرة و أبرز بنودها:
تركّز المبادرة الكويتية على الجانب السيادي، اذ أن اول بند تطرحه المبادرة هو أن يستعيد لبنان سيادته الكاملة على أراضيه كافة من الشمال الى الجنوب، اذ يُعرف عن لبنان سيطرة بعض الأذرع المدعومة خارجياً، و ابرزها حزب الله، الذراع الإيراني في لبنان على بعض المناطق بشكل كامل، كالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت و محافظة جنوب لبنان، إضافة الى بعض المرافق العالية الأهمية كمرفا بيروت و مرفأ مدينة صور، بالإضافة إلى مطار بيروت الدولي، الذي يقع تحت نفوذ حزب الله.
وتطالب المبادرة بوقف تدخل حزب الله في الشؤون الخليجية بشكل خاص والشؤون العربية بشكل عام، والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون.
و بحسب معلومات حصلت عليها وكالة بث في لبنان، فإن المبادرة الكويتية تحظى بغطاء كامل خليجي - مصري - أردني - فرنسي - أميركي، و ترتكزعلى مجموعة من البنود، أبرزها احترام اتفاق الطائف بما فيه تحديداً بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وحلّ الميليشيات وسحب أسلحتها (البند الثاني من وثيقة الوفاق الوطني)، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة أي قرارات مجلس الأمن ١٥٥٩ و١٦٨٠ و١٧٠١، والتزام النأي بالنفس، وعدم استخدام لبنان أو تحويله منصة وساحة للتدخل في شؤون الدول العربية والخليجية وللهجوم اللفظي عليها، والتشدد في مراقبة المنافذ ومنع تهريب المخدرات، والتعاون الأمني والمعلوماتي، الى جانب التزام مدنية الدولة.
ردود فعلٍ لبنانية على المبادرة الكويتية:
و في سياق تفاعل القوى السياسية اللبنانية مع المبادرة التي طرحتها دولة الكويت، قال النائب في البرلمان اللبناني عن الحزب التقدمي الاشتراكي هادي ابو الحسن: « إن المبادرة الكويتية لم تأتِ من فراغ بل أتت برغبة صادقة للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني للبنان وتتلاقى مع توجهات كل اللبنانيين السياديين التواقين لاستعادة القرار الوطني اللبناني المستقل».
و أضاف أبو الحسن «ان المبادرة الكويتية مرتكزها الأساسي اعادة بناء الثقة بين لبنان ومحيطه العربي ومحاولة انقاذ لبنان من هذه الكبوة الكبيرة التي يغرق بها وهي رسمت بعناوينها العشرة خارطة طريق للخروج من الأزمة وقد حظيت بغطاء خليجي كامل ومصري ـ أردني ـ فرنسي ـ أميركي، وهي فرصة حقيقية يجب عدم اجهاضها وأن ما ورد فيها من بنود تعود بالخير والنفع على لبنان التي تعيده الى حاضنته العربية وتعيد توثيق العلاقات اللبنانية العربية بما ينعكس ايجابا على لبنان واللبنانيين، و في حال تم إجهاض بنود المبادرة فإن لبنان سيذهب الى مزيد من العزلة التي ستكون لها تداعيات سلبية على كل المستويات. متوقفا عند أهمية العناوين التي تضمنتها والتي تؤكد اولا على اتفاق الطائف وعلى الاصلاحات وضبط المعابر ومنع التهريب وعلى تطبيق القرارات الدولية وعلى مركزية الإمرة لدى الدولة اللبنانية».
أما عن موقف حزب القوات اللبنانية فقد صرّح رئيس الحزب النائب سمير جعجع بأن «كل يوم هناك خرق جديد للدستور والقوانين، و بدلاً من ان تطرح الورقة الكويتية على مجلس الوزراء لمناقشتها، اختزل الرؤساء الثلاثة المسألة بأشخاصهم وكلفوا وزير الخارجية بإعطاء جواب لبنان الرسمي».
و أضاف جعجع أن «لا شيء بالدستور اسمه الرؤساء الثلاثة، هناك رئاسة الجمهورية، مجلس النواب ومجلس الوزراء»، لافتاً الى أن «الرد على الرسالة الخليجية هو من صلاحيات مجلس الوزراء حصراً».
و بالمجيئ الى موقف حزب الله، فقد قال نائب برلماني عن حزب الله في مجلس النواب اللبناني بأن «المبادرة الكويتية تحمل في طياتها شروطاً وتهديدات وكأنها تملي على لبنان ما يجب أن يقوم به وإلا سيكون هناك تداعيات في حال عدم التطبيق،و موقف حزب الله واضح من التدخلات الخارجية في لبنان، وأن عنصر الضغط الذي يمارس عليه من بعض دول الخليج على رأسها السعودية إلى جانب الأميركيين والذي يأتي بالدرجة الأولى في إطار المعركة ضد الحزب ولا سيما على مقربة من الانتخابات النيابية التي يعول عليها بعض دول الخارج لضرب الحزب وتغيير المعادلة السياسية وإرساء سياستها التي تريدها في لبنان والمنطقة».
مطالبٌ بدأ تنفيذها بالفعل، و قبل طرح المبادرة الكويتية:
بدأت الدولة اللبنانية، و قبل طرح المبادرة الكويتية ببعض الإجراءات و الخطوات التي هدفت الى استعادة بعض نفوذ الدولة على المرافق و المنافذ البحرية و الجوية، فقد قامت قوات الامن الداخلي الأسبوع الماضي بتوقيف ثلاث شحنات من المواد المخدرة التي كان من المقرر نقلها الى بلدان عدة منها المملكة العربية السعودية و السنغال، كما تصاعدت بعض التصريحات السياسية التي تندد بالاعتداء على الدول العربية لفظياً أو مادياً، و تصاعدت أصوات القوى السياسية المعارضة لحزب الله بضرورة التخلّص من الهيمنة الإيرانية على الدولة اللبنانية.

الردّ اللبناني الرسمي على المبادرة الكويتية:
و في سياق الرد على المبادرة الكويتية، سلّم وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، إلى نظيره الكويتي أحمد ناصر الصباح، الأجوبة اللبنانية على الورقة الكويتية كما سلّمه رسالة من رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح. ويفترض أن تطرح الأجوبة اللبنانية على النقاش في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، وفيما وصف بو حبيب أجواء اجتماعه مع وزير الخارجية الكويتي بأنّها "كانت ممتازة " عمّمت معطيات إعلامية مساء تحدّثت عن أجواء إيجابية سادت لقاء بو حبيب مع نظيره الكويتي وأن الجانب الكويتي تفهم الأجوبة اللبنانية وأنّه أبدى موقفاً إيجابياً من الاقتراح الذي تضمّنته الأجوبة اللبنانية لجهة تأليف لجنة تواصل وتنسيق مشتركة بين لبنان والدول الخليجية تتولى معالجة أيّ مسألة تتصل بالعلاقات اللبنانية الخليجية.
التجاوب اللبناني، بين الواقع و التمنّي:
فيما يعرف الجانب اللبناني، بشقّيه السياسي و الشعبي، ضرورة المضي قُدُماً بالمبادرة الكويتية و استثمارها لما فيه مصلحة لبنان و شعبه، و لصالح نهضة لبنان من جديد و تحسين علاقاته مع اشقائه العرب، ألا أن العديد من العوائق تقق في وجه الارادة اللبنانية بتنفيذ المبادرة الخليجية، فمطالب المبادرة الخليجية بنزع سلاح الميليشيات و اعادة فرض سيادة و هيبة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية و جميع مرافقها ليست مطالب دول الخليج فقط، بل مطالب لبنان و اللبنانيين، و بحسب الخبراء فإن لبنان لو استطاع تنفيذ هذه البنود لما انتظر أن تطلب الدول العربية تنفيذها، و لكن من الممكن أن يكون تنفيذ لبنان لهذه المطالب أسهل عندما يكون مدعوماً من قبل الدول العربية، فلبنان وحده لا يستطيع ان يواجه المحور الإيراني السوري، بل يحتاج بكل تأكيد الى مساندة عربية و دولية لتمكينه من فرض سيادته و استرجاع هيبة دولته في مواجهة القوى المزعزعة لاستقراره و أمن شعبه، خصوصاً أن حزب الله، الذراع الإيراني في لبنان، يملك قوة مسلحة تزيد عن السبعين ألف مقاتل، و قد استخدمهم حزب الله سابقا على الأراضي اللبنانية في العام ٢٠٠٨، ضد الدولة اللبنانية عندما اجتاح العاصمة بيروت لمنع تنفيذ القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس السنيورة للحد من حرية الحركة لحزب الله و عناصره، لذا فإن لبنان يحتاج الى دعم و ضمانات من اصدقائه الدوليين و اشقائه العرب بالحفاظ على أمنه و استقراره الداخلي ضد أي محاولة لإرهاب الدولة و الشعب، لكي تتمكن الدولة اللبنانية من التحرك الى الأمام في معركة استرجاع هيبة لبنان و سيادته و استقلاله.