الحريري خارج السياسة.. كيف كان وقع هذا القرار داخلياً و دولياً؟


بيروت - مروة شاهين - بث:
أعلن الرئيس سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل و رئيس الوزراء اللبناني الاسبق، اليوم الأثنين من بيت الوسط، عن عزمه على الخروج رسمياً من الساحة السياسية اللبنانية، و عدم ترشيح نفسه او أي شخص آخر باسم تيار المستقبل في الانتخابات النيابية المقبلة.
عودةٌ مفاجئة
كان الرئيس سعد الحريري قد غادر لبنان منذ ثلاثة اشهر، بعد اعتذاره عن تشكيل الحكومة اللبنانية، التي استمرت محاولة تشكيلها و اخذ موافقة رئيس الجمهوية عليها تسعة اشهر من الوقت الضائع من عمر لبنان، في وقت ترزح فيه البلاد تحت اقسى ازمة سياسية و اقتصادية في تاريخها، و بعد ان توصل الرئيس الحريري، المكلّف بتشكيل الحكومة وقتذاك، الى طريق مسدود مع رئاسة الجمهورية، اعتذر عن تشكيل الحكومة و غادر البلاد، ليعود منذ ايام قليلة، في عودة مفاجئة اللبنانيين عموما، و لأعضاء و قيادات تيار المستقبل الذين لم يكن لديهم ادنى فكرة عن توقيت عودة الحريري.
بعد العودة المفاجئة، مفاجاةٌ أخرى أشدّ وطأة على الساحة اللبنانية
أن العودة غير المعلن عنها للرئيس الحريري الى لبنان، لم تكن المفاجأة الوحيدة التي أحدثها الحريري على المشهد اللبناني، ففور عودته؛ سارع الاخيرُ الى عقد الاجتماعات المتتالية مع رؤساء القوى السياسية اللبنانية، و قيادات الأحزاب و المسؤؤولين، بالإضافة إلى اجتماع خاص بقيادات تيار المستقبل، للتشاور حول مسألة الانتخابات النيابية المقبلة، و تحديد موقف تيّار المستقبل من المشاركة في الاستحقاق الانتخابي او العزوف عنه.
تيّار المستقبل يُعارض العزوف عن الانتخابات
بعد الاجتماع الذي عقده الحريري في منزله، " الذي يُعرف ببيت الوسط" ، لقيادات و اعضاء تيّار المستقبل، تعالت الاصوات المعارضة و المنددة بقرار الرئيس، لا سيما من نواب تيار المستقبل، الذين كانوا يتحضرون للمعركة الانتخابية المقبلة، و بالتالي فإن قرار الرئيس الحريري يعني عدم مشاركتهم في الاستحقاق النيابي القادم، و خسارتهم لمراكزهم السياسي، اذ ان تيّار المستقبل لن يـرشّح أحداً باسمه، ما يعني أن التيار لن يتبنّى ترشيحهم، و بالتالي فإن فرصهم في خوض الانتخابات و الفوز بها كمستقلين او خارج مظلّة تيّار المستقبل، ستكون شبه معدومة.
اسباب اعتزال الحريري للسياسة، يوضحّها في خطاب من بيت الوسط
في عصر اليوم، القى الرئيس الحريري خطاباً من بيت الوسط، توجّه فيه اللبنانيين عموماً، و موضحاً فيه أسباب عزوفه عن الحياة السياسية، اذ قال الحريري:
«بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقع الخيار علي لمواصلة مشروعه السياسي، لمواصلة مشروع رفيق الحريري، وليس لكي تبقى عائلة الحريري في السياسة، بغض النظر عن المشروع والمبادئ والظروف، مشروع رفيق الحريري يمكن اختصاره بفكرتين:
أولا: منع الحرب الاهلية في لبنان.
وثانيا: حياة أفضل للبنانيين،نجحت في الاولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية لا شك ان منع الحرب الاهلية فرض علي تسويات، من احتواء تداعيات 7 أيار إلى اتفاق الدوحة الى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها هذا كان سبب كل خطوة اتخذتها، كما كان سبب خسارتي لثروتي الشخصية وبعض صداقاتي الخارجية والكثير من تحالفاتي الوطنية وبعض الرفاق وحتى الاخوة».
و تجدر الإشارة الى أن أحداث سبعة ايار من العام ٢٠٠٨ كانت إثر صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير التابع لحزب الله، فقام الحزب بإنزال قواته العسكرية لاجتياح العاصمة بيروت.
و تابع الحريري قائلاً :«هذه التسويات، التي اتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة افضل للبنانيين. والتاريخ سيحكم. لكن الاساس، ان الهدف كان وسيبقى دائما تخطي العقبات للوصول إلى لبنان منيع في وجه الحرب الاهلية، ويوفر حياة افضل لكل اللبنانيين،قد اكون قادرًا على تحمل كل هذا، لكن ما لا يمكنني تحمله هو أن يكون عدد من اللبنانيين الذين لا ارى من موجب لبقائي في السياسة سوى لخدمتهم، باتوا يعتبرونني احد اركان السلطة التي تسببت بالكارثة والمانعة لأي تمثيل سياسي جديد من شأنه ان ينتج حلولا لبلدنا وشعبنا،من باب تحمل المسؤولية، كنت الوحيد الذي استجاب لثورة 17 تشرين 2019 فقدمت استقالة حكومتي. وكنت الوحيد الذي حاول بعد كارثة 4 آب في بيروت تغيير طريقة العمل عبر حكومة من الاختصاصيين. واللبنانيون يعرفون في الحالتين ما كانت النتيجة، وهم يتكبدون من لحمهم الحي كلفة الانكار».
أمّا عن نفوذ حزب الله و اختطاف القرار السياسي و الداخلي اللبناني فقد قال الحريري:
«من باب تحمل المسؤولية أيضًا، ولأنني مقتنع ان لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة.
وقال؛ أعلن التالي:
أولا، تعليق العمل بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها.
ثانيا، عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار.
وقال؛ لأحبتي ابناء وبنات مدرسة رفيق الحريري :
نحن باقون بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق اي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي .
أخيراً، قد يكون افضل الكلام في هذه اللحظة ما قاله رفيق الحريري في بيان عزوفه قبل 17 عامًا: "أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب.. واعبر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي خلال الفترة الماضية". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القوى السياسية الداخلية تستنكر قرار الحريري

نجيب ميقاتي
على صعيد القوى الداخلية اللبنانية، فقد صرّح رئيس الحكومة اللبنانية الحالية، الرئيس نجيب ميقاتي بما يلي:
«كلام الرئيس سعد الحريري اليوم صفحة حزينة للوطن ولي شخصيا،ولكنني أتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها، سيبقى الوطن يجمعنا والاعتدال مسارنا ولو تغيرت الظروف والاحوال، مستلهمين قوله تعالى "لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم».

وليد جنبلاط
وليد جنبلاط، الحليف التاريخي القديم لتيار المستقبل، فقد كتب في تغريدة على تويتر «تيتم الوطن اليوم والمختارة حزينة وحيدة» في اشارة الى الفراغ الكبير الذي سيحدثه غياب تيّار المستقبل عن الساحة السياسية اللبنانية.
وقال وليد جنبلاط في تصريحات إعلاميه له:
«قرار الحريري محزن جداً و نفقد به ركيزة للاستقلال و الاعتدال و يعني اطلاق يد حزب الله و الايرانيين في لبنان».

بيتر جرمانوس
المفكر و المحلل السياسي اللبناني بيتر جرمانوس، فقد علّق على الموضوع قائلاً :
الخطأ القاتل الذي إقترفته الاحزاب المسيحية كان مقاطعة انتخابات ١٩٩٢. خطأ إرتقى لرتبة الانتحار. ساحات القتال لها فرسانها واليوم اسمهم فؤاد مخزومي، أشرف ريفي وبهاء الحريري. البحر وراءكم الفقر أمامكم والعدو من حولكم»، في اشارة الى الافرقاء اللبنانيين من الطائفة السنية الذين من المفترض ان يحتلّوا الفراغ الذي سوف يتركه غياب الحريري في الساحة السنية.

طوني فرنجية
النائب عن تيّار المردة طوني فرنجية فقد علّق على عزوف الحريري عن الحياة السياسية قائلاً :
«تعليق سعد الحريري و تيّار المستقبل عمله في الحياة السياسية يأتي في وقت نحن احوج ما نكون الى تضامن و تضافر كل الجهود و المكونات و على رأسها الحريري بمن يمثل،و ما ينقله من اعتدال و انفتاح».
صمت الخصوم
خصوم الحريري، و ابرزهم التيار الوطني الحرّ و حزب الله و حزب الطاشناق التابع للاقلية الأرمنية، فلم يعلقّو حتى على تصريحات الحريري و قراره، و لكن مما لا شك فيه بأن خصوم سعد الحريري، سيرون اعتزاله للسياسة بمثابة انتصار يُحسب لهم على الصعيد السياسي و الاجتماعي.
الشارع السني
الشارع السني غاضب، و المتظاهرون يقطعون الطرقات احتجاجاً على قرار الحريري..
فعلى صعيد الشارع اللبناني و خصوصاً السني، فقد تجمع انصار سعد الحريري في العاصمة بيروت لحضور خطابه في بيت الوسط، و بعد اعلان الحريري عن قراره النهائي، عبّر أنصاره عن غضبهم من خلال الوقفات الاحتجاجية و قطع بعض الطرقات الفرعية في العاصمة بيروت.
و لا بد ان الشارع السني يعيش اليوم حالة من التخبط و الضياع نتيجة غياب اكبر الاحزاب السنية في لبنان و اكبر ممثل للسنة في الحكومة و البرلمان، لاسيما انه لا وجود لاحزاب سنية منظمة و قوية تستطيع جمع شمل أصوات الطائفة السنية في الانتخابات القادمة، مما سيتيح الفرصة لأحزاب غير سنية لاستغلال و تعبئة الفراغ الذي سيتركه غياب تيّار المستقبل عن الانتخابات القادمة.
الحريري وتيار المستقبل
و تجدر الاشارة الى أن تيّار المستقبل تم تأسيسه على يد رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري عام 1995، وبعد اغتياله عام 2005 تسلم قيادته نجله النائب سعد الدين الحريري، وهو الممثل الأكبر للطائفة السنية في لبنان بحسب ما فرضه نظام الديمقراطية التوافقية والمحاصصة الطائفية الناتج عن دستور ما بعد الحرب الأهلية أو ما يعرف باتفاق الطائف.
و منذ تأسيسه، لعب تيّار المستقبل دوراً هامّا في الحياة السياسية اللبنانية، فكانت رئاسة الوزراء اللبنانية من نصيبه في معظم الأحيان منذ ١٩٩٥ و حتى اليوم، الى أن اعلن الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي لتيار المستقبل الى أجل غير مسمّى. ولكن الكل متفق أنه لن يغيب طويلاً.
