العودة إلى سويسرا الشرق.. هكذا قد يتخلص لبنان من حزب الله l تقرير خاص "بث"

news image



بيروت - مروة شاهين - بث:

منذ حصوله على استقلاله في العام 1943؛ حظي لبنان، ذلك البلد الصغير مساحةً و سكانّاً، باهتمام عربي و دولي كبير لعدة عوامل تتعلق بموقع هذا البلد و جغرافيته وتركيبته السّكانية، هذا الاهتمام ساعد لبنان كثيراً على صعيد علاقاته الدولية و الاقتصادية مع دول العالم، و استطاع لبنان ان يحقق تقدماً اجتماعياً و اقتصادياً، ما أكسبهُ لقب “سويسرا الشرق”.

و بالرغم من الأزمات المتعددة التي مرّ بها لبنان منذ استقلاله، استطاع ان يحافظ على تقدمه و ازدهاره، لا سيما بعد الحرب الاهلية اللبنانية التي كلّفت لبنان الكثير من الخيار على الصعيدين الاقتصادي و الانساني، إلا ان لبنان استطاع ان ينهض من جديد، لا سيما بعد اتفاق الطائف الذي جرى بين الأطراف اللبنانية المتنازعة في العام 1989 و الذي كتب نهاية الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت حوالي خمسة عشر عاماً.

العام 2019: لبنان، من ” سويسرا الشرق” نحو الدولة الفاشلة

منذ اواخر العام 2019، شهد لبنان تحولات و تقلبات لم يشهدها في تاريخه، انهيارات اقتصادية طاحنة، تجاذبات سياسية و طائفية، فراغ حكومي، و تعطل المؤسسات الدستورية بفعل الخلافات الحزبية و الفئوية بين الأطراف اللبنانية، توتر في العلاقات مع الدول العربية، و انهيار غير مسبوق للعملة الوطنية التي انحدرت الى مستويات غير مسبوقة امام العملات الصعبة، و ما يتبع ذلك من نتائج كارثية على مستوى معيشة الافراد و بالتالي على الاستقرار و الأمن الاجتماعي.


اسباب الانهيار

لا شك في ان للانهيار الذي شهده لبنان اسباب عديدة منها داخلية و منها خارجية، اذ يرى الاستاذ وليد عبد الله، المحامي و الباحث القانوني اللبناني، ان الأزمة اللبنانية تقف ورائها عدة اسباب، اهمها الهدر و الفساد على مستوى الهيكلية السياسة و الإدارية اللبنانية، إضافة الى تلاعب القطاع المصرفي بالقواعد القانونية لصالحه، و السياسات المالية الخاطئة لمصرف لبنان، هذا على الصعيد الداخلي، اما على الصعيد الخارجي، فإن لبنان اليوم قد اصبح بلداً منبوذاً من قِبَل الدول الاوروبية و الولايات المتحدة الامريكية، إضافة الى الدول العربية و خصوصاً دول الخليج، بسبب النفوذ الكبير الذي يتمتع به حرب الله داخل الدولة اللبنانية و خارجها، لا سيما لجهة ضلوعه في الحرب السورية و حرب اليمن.

حزب الله: منذ النشأة و حتّى الانقضاض على الدولة اللبنانية

نشأ حزب الله خلال الحرب الاهلية اللبنانية، وبالأدّق خلال العام 1982، اي بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، كان قيام الثورة في إيران عام 1979 بقيادة الخميني دافعا قويا لنمو حزب الله،وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير/ شباط 1985 أن الحزب “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في الخميني مفجر ثورة وباعث نهضتهم “.

و يضيف الاستاد وليد عبد الله قائلاً: «كان هذا البيان حينها كافياً لمعرفة ان حزب الله، هو اداة ايرانية لتصدير ما اسمته الثورة الاسلامية، و إن هذا التنظيم المسلح الذي انشأته ايران عام في العام 1982 كان يخدم الطموحات التوسعية الإيرانية في المنطقة عبر السيطرة على الاقليات الشيعية في الدول العربية، و لكن، انّ احداً لم يحرك ساكناً حول هذا الأمر، لا من الدول العربية و لا حتّى الداخل اللبناني، فلم يكن أحدٌ يتصوّر أن هذه الأداة الإيرانية قد تكون بهذه الخطورة على لبنان و سيادته يوماً من الأيام، بل إذا ذهبنا أبعد من ذلك، فإن أحداً لم يكن يعلم بأن ذاك النظام الثوري الايراني الحديث النشأة سيحمل ما حمله من دمار و خراب على الدول العربية، و إنه سيصبح تهديداً كبيراً على الأمن العالمي و خصوصاً الامن القومي العربي».

و هنا نصل الى سؤال يفرض نفسه:

هل سيتمكن لبنان من الانتعاش مجدداً؛ إن اختفى حزب الله؟

يجيب الاستاذ وليد عبدالله عن هذا السؤال قائلا: « ان حزب الله مشكلة كبيرة من مشاكل لبنان، و لكنه ليس المشكلة الوحيدة، فإن استقيظنا غداً في لبنان خالٍ من حزب الله و الأذرع الإيرانية، هل سيعود لبنان الى وضعه الطبيعي تلقائياّ؟ بالطبع لا، فإن استطعنا جعل لبنان خالياً من أذرع ايران، فكيف سنستطيع جعله خالياً من الفساد و الهدر و الواسطة و المحسوبية و تفضيل المصالح الفئوية و الشخصية و الطائفية على المصلحة الوطنية؟ ».

و في هذا السياق يقول الدكتور يحيى مسعود و هو استاذ محاضر في عدد من الجامعات اللبنانية و باحث متخصص في العلاقات الدولية: « صحيح أن حل مشكلة حزب الله لن تحلّ مشكلة لبنان تلقاىياً، ألا انها ستكون خطوة مهمة في طريق تعافي لبنان من أزماته، فتورط حزب الله بالحرب و النزاعات الطائفية هو أكثر ما يغذي الفكر الطائفي لدى اللبنانيين، و لهذا نجد أن حزب الله يلعب دوراً هامّاً في تغذية المشملات عوضاً عن حلها، فضلاً عن أن ضلوعه بالحروب الخارجية كلّف لبنان الكثير على صعيد العلاقات الخارجية خصوصاً دول الخليج العربي، هذا بالنسبة لمشكلة الطائفية، أما عندما نأتي الى مشكلة الفساد و الهدر فهو يحمي الفاسدين المتحالفين معه بقوة السلاح، مما يعيق أي محاولات جدية لمحاسبة المسؤولين عن الفساد الإداري و المالي، و بضغط سياسياً للحصول على اعلى المناصب و الوظائف في الهيكل الإداري و السياسي اللبناني لأتباعه، لزيادة و تعميق نفوذه في مفاصل الدولة اللبنانية».

إذا كان التخلّص من حزب الله يعتبر الخطوة الاولى في بداية التعافي اللبناني؟ فكيف يمكن للبنان أن يتخلص من حزب الله؟

في بادئ الأمر يبدو التخلص من حزب الله، الذراع الايراني اللبناني امراً بالغ الصعوبة، أولاً لناحية التفوق العسكري على الجيش اللبناني لناحية العتاد و الأسلحة و خبرات القتال، و ثانياً لجهة وجود حاضنة شعبية شيعية موالية لحزب الله، لا يقلّ عددها عن ٢٠٪ من التكوين السكاني اللبناني.

في هذا السياق يقول العميد ميشال معيكي، أن محاولة انهاء نفوذ حزب الله بطريقة عسكرية لن يكون الخيار الصحيح، ليس فقط لكونه متفوقاً بالعتاد و الخبرة على الجيش اللبناني، انما ايضاً بسبب الظروف التي تعيشها المنطقة، فسوريا التي تحيط بلبنان، و يسيطر عليها الأسد و ميليشيات إيران إضافة إلى الروس، يهمها جداً بقاء سيطرة حزب الله على لبنان، و بالتالي فإن اندلاع أي نزاع مسلح في لبنان بين حزب الله و أي فريق آخر سواء الجيش ام غيره من المجموعات المسلحة الموجودة في لبنان، سيشكل امتدادا للحرب السورية، و بالتالي قد يشهد لبنان تدخلاً مباشراً من قبل الميليشات الإيرانية الموجودة في سوريا لدعم حزب الله و بالتالي فإن أي صراع عسكري في لبنان سينتهي في الأغلب لصالح حزب الله، حتى و ان تدخلت دول خارجية لدعم الفئات التي تصارع الحزب، فإن لبنان سينتهي به الحال الى سيناريو اليمن، و بالتالي فإن المعارك ستطول و سيبقى لبنان الخاسر الوحيد في هذه الحالة.

و تعليقاً على ما سبق، يقول الدكتور يحيى مسعود « اتفق مع العميد معيكي في كون الصراع العسكري مع حزب الله طريقة غير ناجحة للتخلص من الهيمنة الإيرانية على لبنان، و لكن، يبقى الجيش اللبناني-بالرغم من تفوق حزب الله عليه عسكريا- العقبة الوحيدة و الاقوى امام الحزب، اذ ان الجيش يلعب دوراً مهما ليس كقوة مسلحة في مواجهة حزب الله عسكريا ، و انما كقوة مسلحة رادعة لحزب الله تجعله يعيد حساباته عند التفكير بأي عمل عسكري داخل اراضي الدولة اللبنانية».

و يرى الدكتور مسعود، أن السياسة هي افضل الحلول، فحزب الله له حاضنة شعبية و نفوذ عسكري و ان الحديث عن التخلص منه، هو أمر بعيد المدى و غير ممكن على المدى المنظور إلا بتحولات كبيرة على الصعيد العالمي، كسقوط النظام الايراني، او سقوط الأسد في سوريا، أو نجاح الولايات المتحدة الامريكية في اجبار إيران على التخلي عن اذرعها في المنطقة عن طريق العقوبات او الضغوط السياسية، وبالتالي فإن العمل على إخراج لبنان من الهيمنة الإيرانية يجب أن يتم على خطوات.

خطواتٌ نحو السيادة

عن الخطوات التي يرى الدكتور يحيى مسعود وجوب اتباعها في سبيل انتشال لبنان من سيطرة حزب الله، فيقول الدكتور :« ان الخطوة الاولى تكمن في التوعية و التعليم، فيجب أن يعلم كل اللبنانيون و بما فيهم مؤيدو حزب الله، ان تفضيل مصلحة دول أخرى على مصلحة وطنهم هو خطأ فادح و خيانة بحق الوطن، و يجب أيضاً خلق اجيال تتمتع بالوعي السياسي، و على صعيد الانتخابات النيابية القادمة، فيجب على كافة الاطراف اللبنانية أن تتوحد في جبهة سيادية تسعى الى توحيد الجهود لمواجهة الهيمنة الإيرانية هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فيجب على الدول الصديقة للبنان مساعدته في استرجاع سيادته، وليس التخلي عنه، اذ ان سياسية التخلي و رفع اليد عن لبنان التي اتبعتها بعض الدول الصديقة، لا تساعد إلا في اغراق لبنان اكثر فأكثر في ازماته، مما يسهل انغماسه في المحور الايراني، و يجعل احتمالية تعافي لبنان و خروجه من المستنقع الايراني مهمة اكثر صعوبة بالنسبة للبنان دولةّ و شعباً، و بالتالي يجعل أي مسعى من مساعي الدول الصديقة العربية و الغربية لاسترجاع لبنان الى وضعه الطبيعي مسألةً بالغة الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة».