المؤامرة والبيئة المناسبة
كتب - عبدالله العميره
قبل سنوات؛ كنت مستشاراً في أحد المراكز الثقافية والتراثية بالرياض.
ووصلت إلى المركز دعوة بريطانية للمشاركة في مسابقة وندوة حول القبائل في الجزيرة العربية والروابط الثقافية بينها، بما في ذلك الشعر وعلاقته بالخلافات والحروب، وأثره في عقليه سكان الجزيرة.
وتحدد أن تكون المسابقة في أبو ظبي بدولة الإمارات.
عرض عليّ مدير المركز الدعوة؛ وطلب مني البحث في أهدافها.
درست الدعوة؛ ثم ذكرت له رأيي.
وقلت لمدير المركز:
هل تعتقد أن بريطانيا حريصة على الإنسان العربي؟ وهل تبحث عن ثقافته التي ترتقي به وتوحد صفه؟
هل هدف بريطانيا تعزيز الوحدة والتلاحم بين أفراد المجتمع السعودي والخليجي؟
إذا كان هذا هو هدف المركز الثقافي البريطاني، فالمشاركة مهمة.
لو كان هدفهم إيجابي، لجعلوا المسابقة في قلب الجزيرة العربية، في الرياض، المستهدف مجتمعها بالندوة، وليس في مكان آخر. ويمكن لمركزنا تنظيم الندوة بدعم من الدولة ، ومشاركة جهات ذات علاقة، كدارة الملك عبدالعزيز، ومكتبة الملك عبدالعزيز، ومكتبة الملك فهد..
فهم ما أعنيه، فقرر ما أراه، وهو عدم المشاركة في المسابقة والندوة.
وأتذكر أن هذه المسابقة لم تقم، فقد ألغتها أبو ظبي.
__________
إنني لا أعتقد بنظرية المؤامرة على الوجه المطلق. ولكن أؤمن أن المؤامرة تقع إذا تهيأت البيئة المناسبة لها.
فالحرب - في الأصل - مؤامرة ، وقد قال العرب: الحرب خدعة.
وخير حكمة عربية ( بعد الآيات القرانية والأحاديث النبوية الصحيحة المتعلقة بالحرب والأعداء وخداع الشياطين)، هو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني".
المتآمر ليس بذلك العبقري الساعي للخير.. بل إبليس - أحايين كثيرة، يلبس لباس الخير، ليغري من هم ضعاف القلوب أو شهوانيين، ومن نظرتهم على جيوبهم وتحت أقدامهم وبين أرجلهم، ولا تهم الأوطان وسلامة المجتمع !
نعم؛ إبليس عبقري جداً، لكن في الشر.. لو فكر في الخير لصار أغبى خلق الله.
ومن منحه الله قليل من الحنكة والتبصر في قرارات الأبالسة، سيجد قدر سعيهم في تهيئة البيئة المناسبة لتحقيق تآمرهم.
عندما تتحقق المؤامرة، فإنها لا تعني قوة في العدو، بقدر ماهو تراخي فينا. وعدم اهتمام بأدوات العبث في المجتمع المستهدف، التي قد لاترى بالعين، أو ترى بالعين ولايراها مؤثرة، بسبب الميل إلى الكسل والتباطوء في قطع خيوط المؤامرة، وعادة تبدأ بخيوط واهنة، ممكن نفخة تطيرها وتحرقها.. ولكن الكسل واللامبالاة يمنحها الوقت حتى تقوى خيوط المتآمر وتنمو بذوره ويشتد عودها .. ليبدأ بعدها في حصد ما زرعه ورعته الأيادي والأفواه القذرة.
__________
المؤامرة كما يعلم البعض، وذكرت ذلك سابقاً:
لاتقع إلا في البيئة المناسبة لها.
ولتهيئة البيئة المناسبة / الإعداد للمرحة الأخطر، بواسطة بعض من المجتمع المستهدف نفسه!
(جر المجتمع إلى مكان ذبحه.. أو بمعنى أصح؛ جعل المجتمع يسير باتجاه مذبحه بنفسه).
ولتحقيق هذا الهدف، لابد من تغييب المجتمع، وفصله على أسباب قوته وتماسكه.. وأسهل أسباب تحقيق البيئة الضعيفة المناسبة للمؤامرة؛ زرع الفتنة ورعايتها، حتى تنتج التناحر والتنافر بين أفراد المجتمع. ليسهل الصيد والذبح.
أنظرو ماذا فعلت المؤامرة بالعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وليبيا، والسودان ... وفي أي بلد تمكن المتآمرون من السيطرة على توجهات المجتمع فيها.
كيف وصلت تلك البلاد إلى ذلك؟
المجتمع في العراق وغيرها هو الهدف، تم تمزيقه، والإستثمار في الجهل بالفتنة.. بنشر النعرات القبلية، و تضخيم المذهبية وما فيها من كراهية وحقد.
ويتعاملون مع كل بلد بما فيه من إمكانات لتهيئة البيئة:
بالقبلية.. والنعرات القبلية
وبالمذهبية..
وبتضخيم التناحر الكروي الرياضي.
وبالتفاخر بالأنساب، واستحضار أساليب أبا جهل.
هنا، في الجزيرة العربية .. عجزو عن تضخيم كل الأدوات، فالقبلية متماسكة حول نفسها، وحول قياداتها وحكوماتها، فاتجهو إلى الرياضة.. يرون التعنصر والتعصب في كرة القدم هي الوسيلة المناسبة لتفكيك المجتمع.
أسلوب الطرح الرياضي ، والتعامل مع المنافسة الكروية، يؤكدان أن هناك مؤامرة للإيقاع بالمجتمع ، وجره إلى أتون العبث - لاقدر الله.
__________
لماذا ينجحون في مؤامراتهم؟
- يعلمون أن الشعوب العربية يفكرون من مشاعرهم، سريعي العاطفة والإنفعال، وأن عاطفتهم كعود الثقاب / الكبريت، يشتعل بسرعة ويحرق نفسه.
- يعلمون أن نجاح مساعيهم لايمكن أن تتحقق في المجتمع الواعي، قوي التماسك ، والتمسك برأس الهرم فيه.
لذلك يلجأون إلى إضعاف التعليم، وإخراج الإعلام عن اتجاهه الوطني، وإذا لم يستطيعوا إخراج التعليم والإعلام كما يريدون، فإنهم يزرعون برامج مثيرة تهز الأركان المتماسكة. أو ترسخ التبلد واللامبالاة، والكسل، والكآبة المؤدية إلى تبلد المشاعر الوطنية.
- يتم توظيف عينات من الساقطين الفارغين.. مهمتهم تنفيذ الإملاءات، بدون أن يفكروا فيها..
إنهم لايأتون بالوطنين والأذكياء.. قلت؛ يأتون بالتافهين الفارغين الساقطين.
وتلك سقطة لاتلعب لصالح المتآمرين!
( لايمكن - مهما بلغت عبقرية إبليس، إلا وله سقطة )
من قدرة الله تعالى ، أن حمى سبحانه وتعالى هذه البلاد من سلسلة تآمر، طوال تاريخها . كثير من الدول حولها تسقط، والمملكة باقية راسخة، يعلو شأنها، لسببين رئيسيين:
1- الحرمان الشريفان، ورعايتهما ، ورعاية ضيوف الرحمن، والتمسك بالقرآن والدين الحنيف، فهو الجامع - خى لو اتسعت دائرة الفرقى بفعل فاعل، فإنها تعود لتضيق بسرعة ، فما يجمع الشعب السعودي أكبر وأقوى من أن تؤثر فيه وسائل تآمر من تافهين قصيري نظر، حرموا من الإنسانية ومن العقل الخيري، ومن الوطنية.
2- أن قادتنا (منا وفينا)، راسخون، جذور الحكم ضاربة في أعماق تاريخ الجزيرة العربية.. لم نستورد قانون، ولا يحكمنا غريب. هذه الدولة، المملكة العربية السعودية، لم يشكلها استعمار، ولم يديرها في يوم حاكم أجنبي، ولم تتكون من استقلال ..
بل دولة، وحد أركانها قائد من سلالة حكام، - الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه - وتستمر إلى اليوم ، وإلى أن يشاء الله تحت قيادة آل سعود.. يقودنا أخيارهم، والاخرين منهم الأخيار كلنا خلف قائد واحد.
اليوم، خلف الملك سلمان بن عبدالعزيز، و وولي العهد الأمير محمد بن سلمان - أطال الله في أعمارهما..
منا وذريتنا؛ عهد لهم ولأبنائهم وأحفادهم ، باقون عليه.
هذا هو أصل المواطن السعودي.. العربي الأصيل، المسلم المتيقن بإيمانه بالله وبقدرته سبحانه على حماية هذه البلاد.
فالإستقرار مشهود.. والإستقرار السياسي، هو السلاح القوي ( بعد التمسك بالعقيدة) لمواجهة أي خطر، مهما بلغت قوته.
ومع كل ذلك .. لابد من الحذر، وأخذ الحيطة .. ومن الحيطة ، إحباط أي محاولة لبعثرة المجتمع، وواجب القضاء على المتسببين في المهد.. وإن كنت أراهم اليوم ( في الرياضة ) بلغوا ذروه تعصبهم الذي يصب لصالح المتآمرين.. ولكنها ذروتهم كما النملة ، عندما يقترب حتفها، يظهر لها جناحين.
__________
السؤال: هل هناك مؤامرة إيجابية؟!
خارج الموضوع ؛ في ذات الإطار..
يقول بعض الأصدقاء، إنني - دائماً - أركز على السلبيات..
ويسألونني: هل هذا تشاؤم ، أم ماذا أراه؟!
أقول :
1- قمة التشاؤم أن تكتب أو تنتقد بدون هدف أوحل بديل.. فقد المزيد من الإحباط..
ولم أصل إلى ذلك المستوى أبداً ، هذا يعرفه ويفهمه كل متابع أو متابعة من المتبصرين، صحفيين أو خبراء.
2- يجب أن نعلم أن قمة التفاؤل هو في الرغبة أن يكون كل ماتريده كاملاً أو يقترب من الكمال.
أرجو التركيز بدقة على النقطة الأخيرة (رقم2) ففيها خلاصة الإجابة.
__________
لاحظوا معي أنني لا أناقش نظريات المؤامرة، لا علمياً، ولا حسب ما يراها البعض انها شائعات..
والمصير للدهشة أن بعض من وصفوها بالكذبة والشائعة، قالوا إنها شائعة، كشائعة فيروس كورونا!
لا أدري كيف يفكر أولئك المشككون..
ببساطة .. أقول، الأهم.
كورونا مرض تعرضت له الشعوب ، وعطل المصالح.
لماذا الدوران في دائرة ضيقة، وحصر الإهتمام في منشأ المرض، واهمال المستفيدمنه.
المهم، أن نتيجة المؤامرة وقعت..
وهنا في مقالي هذا، احذر من مؤامرة يتم إعداد البئية الصالحة لاستزراعها، وأدوات الزراعة ظاهرة أمامنا، يجب القضاء عليها.
المتابع يعلم، أين تنشأ وتزدهر بيئة المؤامرة، وعلاقتها بالأزمات.
ونعلم أين وضعت نظريات المؤامرة، وأي القواميس تحصرها، وتؤكدها.
وأي علماء نفس يهتمون فيها..
وننعلم كيف يفسر أولئك العلماء تصديق نظريات المؤامرة.
كل ذلك لايهم .. ودائماَ يحاول صناع المؤامرة إبعاد الشبهات.
المهم، ما نراه بأم أعيننا، وما ينقله التاريخ..
دائماً؛ المتآمر الضليع؛ يلبس جلباب الورع، أو كما العاهرة الخبيرة الخبيثة تسكن في حي الطيبين وتتحشم باللبس، وتتنمق بالكلام، لإبعاد الشبهة، أوكعصابة اللصوص الذين يستأجرون منزلا بجوار الشرطة ..
العبرة بالأفعال الحقيقية..
وكما قال عمر رضي الله عنه : "لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني".
والمجتمع فيه ما يكفي من الصالحين المخلصين لبلدهم وقيادتهم.. وعلى مستوى عالي من الوعي والإنتباه.
لذلك أجزم أنهم لن يحققوا هدفهم.. إنما يجب الحذر.. والحذر من الإنسياق وراء إستفزازات أدواتهم.
__________
هناك بعضاً من طيبين، يشاركون في وسائل التواصل بما يساهم في تحقيق أهداف الأبالسة ( كثير منهم بحسن نية، وبعضهم بسوء مقصد).
وأرى أن وزارة الإعلام لهم بالمرصاد .. الوزارة تقوم بدورها إعلامياً، رغم ما (قد يبدو) لنا من مصاعب أمام الوزير سلمان الدوسري.. لكنه ومعاونيه ماضون في طريق الحماية للمجتمع من مثيري التعصب والكراهية.
وأعلم علم اليقين أن القيادة تؤمن بحرية الإعلام، وبتطبيق مبدأ " خذ حريتك وتحمل مسؤليتك".
لكن إذا تخطت الحرية الحدود إلى العبث، فليتحمل كل عابث نتيجة تخليه عن المسؤلية الوطنية.