مصير سدّ النّهضة في خِضّم الصّراع الأثيوبي.. خيارات مصر l تقرير خاص

news image




مروة شاهين - بث:

اكتسب شهرته الكبيرة من التوتر الذي يحدثه على صعيد العلاقات بين مصر و اثيوبيا، فمن منّا لم يسمع يوماً عن سدّ النهضة و أهميته لإثيوبيا و خطورته على مصر، الدولة ذات التعداد السّكاني الذي يصِل الى ١٠٠ مليون نسمة و التي تعتمد في حياة شعبها و اقتصادها على نهر النيل بشكل رئيسي منذ تاريخها القديم.

حتّى ان المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد قد اختصر أهمية النيل بالنسبة لمصر بمقولته الشهيرة «مصر هبة النيل». كيف سيتأثر مصير سدّ النهضة بالصراع الدائر في اثيوبيا، و ما هي خيارات مصر للردّ على التهديد الخارجي لأمنها المائي، و هل يُشعِل سدّ النهضة الاثيوبي حرباً في القارّة الأفريقية؟

كيف نشأ سدّ النهضة، و ما هي اهميته لأثيوبيا؟

بدأت فكرة إنشاء السد خلال فترة حكم آخر إمبراطور اثيوبي “هيلا سيلاسي” اذ قام مكتب الاستصلاح الاميركي بإجراء مسح على نهر النيل الأزرق لتحديد موقع السد في العام ١٩٦٤، و لكن بعد سقوط حكم الامبراطور عام ١٩٧٤ اثر ثورة شعبية تلاها انقلاب عسكري ، توقف العمل على تنفيذ السد حتى عام ٢٠٠٩، اذ عاودت الحكومة الاثيوبية العمل على بدء تنفيذ مشروع بناء السد، و بالفعل تم وضع حجر الأساس و البدء في بناء سدّ النهضة في العام ٢٠١١.

الغرض الأساسي لأثيوبيا من إنشاء السد هو توليد الكهرباء لتعويض النقص الحاد في الطاقة في إثيوبيا، ولتصدير الكهرباء إلى البلدان المُجاورة. من المُتوقع أن يكون السد أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم بسعة مُخططة تبلغ 6.45 جيجاواط.

و بالنسبة للإثيوبيين فمن المتوقع أن يجعل السد من اثيوبيا من أكبر الدول المصدرة الكهرباء في افريقيا، و أن يُدر على الدولة الاثيوبية عائدات هائلة سوف تساهم في إنشاء العديد من المشاريع الاستثمارية وبالتالي رفع نسبة التوظيف و الدخل القومي و كل ما هو ضروري لتحقيق النهضة الاثيوبية.

موقف الدولة المصرية من بناء السدود على ضفاف النيل

لطالما عبرت مصر على لسان العديد من مسؤوليها أنها لا تمانع إنشاء السدود على ضفاف النيل، و أنها تحترم حق دول المنبع في الاستفادة من النهر لتحقيق مصالح شعوبها اقتصاديا و تنموياً، شرط الّا يؤثر ذلك على حصّتها المكتسبة من مياه النيل.

موقف الدولة المصرية من سدّ النهضة

وضحنا سابقا أن مصر لا تمانع أن تقوم دول المصب بالاستفادة من السدود على نهر النيل شرط الّا يؤثر ذلك على حصّتها المكتسبة من مياه النهر، و عند البحث في تاريخ مسالة سد النهضة، نجد ان مصر تعارض و بشدة بناء هذا، اذ لطالما اعتبرته تهديداً لأمنها المائي وخطرا على امنها القومي، إضافة الى وجود اعتقاد لدى بعض النخب المصرية بأن اثيوبيا تتعمد الاضرار بمصر، اذ أن النيل الأزرق يمد المجرى الذي يتدفق الى مصر ب حوالي ٥٠ مليار متر مكعب.

اثيوبيا تريد احتجاز ٤٠ مليار متر مكعب من المياه خلال فترة التعبئة الأولى للسد، ما سيؤدي الى كارثة مائية قد تحصل في مصر إذا ما تم هذا الأمر.

سعت مصر منذ أيام جمال عبد الناصر الى بذل كل الجهود الممكنة لمنع اقامة السد، اذ تم في عهد عبد الناصر تدمير معدات استوردتها اثيوبيا لبناء السد بواسطة عملية استخباراتية، كما سعى الى الضغط على اثيوبيا من خلال دعمه لما سُمّي وقتها بحركات التحرر في اثيوبيا، التي كانت تعتبرها الدولة الاثيوبية حركات انفصالية.

و في عهد خلفه، الرئيس محمد انور السادات، وصلت التهديدات الى ذروتها، حيث قال الرئيس السادات جملته الشهيرة «اننا لن ننتظر حتى نموت من العطش بل سنذهب لنموت هناك فى اثيوبيا»، ما اعتبرته اثيوبيا بمثابة تهديد مباشر باستخدام القوة العسكرية لمنع اثيوبيا من بناء السد الذي تعتبره مصر تهديدا لأمنها القومي.

و إنه من الضروري الاشارة الى التوقيت الذي بدأت فيه اثيوبيا ببناء سد النهضة، و هو في العام ٢٠١١، إذ كانت مصر تعاني من عدم استقرار سياسي نتيجة احداث ٢٥ يناير و ما تلاه من تغييرات في الحكم، فانكفأت مصر على الاهتمام بشؤونها الداخلية، مما وجدته اثيوبيا توقيتاً يجب استغلاله لبناء السد بينما تنشغل مصر بالأوضاع و التطورات في الداخل المصري.

مصير سدّ النهضة و تأثير الصراع الاثيوبي عليه

قد يظن البعض ان مصر مستفيدة من الصراع الأثيوبي، و هذا صحيح، فإن مصر تكسب المزيد من الوقت نسبة لانشغال اثيوبيا بصراعاتها الداخلية وتأخرها عن تعبئة السد و تطويره، لهذا فإن مصر هي من أكبر المستفيدين من الصراع، لكنها في الوقت عينه أكبر الخاسرين اذ أن تطور الصّراع الاثيوبي قد يؤدي الى السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: استمرار الصراع و بالتالي تكون الحكومة المركزية الاثيوبية ضعيفة، و غير قادرة على عقد اتفاقية لتشغيل السد، و بالتالي غير قادرة على الوفاء بأي التزامات تتعهد بها تجاه الحكومة المصرية.

السيناريو الثاني: وجود حكومة مركزية تسعى الى حشد الرأي العام و توحيد الشعب الاثيوبي حول مسألة سدّ النهضة، مما قد يدفع هذه الحكومة الى اتخاذ قرارات عدائية ضد مصر بهدف كسب تأييد الرأي العام الاثيوبي.

السيناريو الثالث: و هو الأفضل لمصر، هو حدوث تقسيم في اثيوبيا جراء الصراعات العرقية و انفصال اقليم بني شنقول الذي يقع عليه السد، و بالتالي تكون الحكومة المصرية في مواجهة دولة جديدة اضعف من الدولة الاثيوبية، مما قد يسهل الأمر على مصر الوصول إلى اتفاق يرضيها فيما يتعلق بتشغيل السد.

خيارات مصر في مواجهة السد

في ظل السعي المصري لايجاد حلول لإبعاد خطر سد النهضة عن الأمن القومي المصري، تقول الوقائع أن امام مصر ثلاث خيارات لا يمكن الخروج عنهم:

الخيار الأول:

البحث عن بدائل لمياه النيل، أي قبول الأمر الواقع الذي يقضي أن تقبل مصر بخسارة حصتها المكتسبة من مياه النيل، و تبحث عن بدائل أخرى للمياه، كبناء محطات التحلية لمياه البحر، و ترشيد الاستهلاك، و شراء المياه من دول الجوار، لكن هذا الخيار صعب و مكلف جداً، خصوصاً الدولة كمصر، اذ أن اتباع هذه الإجراءات سوف يكلف الاقتصاد المصري الكثير من المليارات من العملات الصعبة و قد يحمل مصر الى زيادة الاستدانة من أجل تنفيذ مشاريع بناء محطات التحلية، أي أنه سوف يضع الدولة المصرية تحت وابِلٍ من الديون، سيما و أن مصر بالاساس تعاني من تراكم الدين العام و آثاره الكارثية على الاقتصاد المصري.

الخيار الثاني:

حمل المجتمع الدولي للضغط على اثيوبيا، و هذا الخيار صعب ايضاً، لا سيما أن هناك العديد من الدول التي تستفيد من تصاعد التوتر بين مصر و اثيوبيا، على سبيل المثال، الدول التي تصدر الأسلحة الدفاعية لأثيوبيا و الدول التي تصدر الأسلحة الهجومية لمصر كلها مستفيدة من زيادة الطلب على التسلح من قبل الدولتبن، عدا عن الدول التي تستخدم السد كورقة سياسية، نذكر باختصار الدور الاميركي في دعم فكرة السد خلال الحروب العربية الاسرائلية بهدف الضغط على مصر، ناهيك عن أن اي دولة سوف يكون لها مطالب مقابل دعم الموقف المصري في المحافل الدولية.

الخيار الثالث:

و هو الخيار العسكري، و هو أصعب الخيارات و أكثرها ضرراً للجانبين، اذ أنه مكلف جداً و خطير، و قد يتسبب باشتعال حرب شاملة بين مصر و اثيوبيا، و الجدير بالذكر أن هذا الوضع سوف يضر بمصر ليس فقط اقتصاديا و هي الدولة الرازحة تحت وابِلٍ من الديون، بل امنيا اجتماعياً على الصعيد الداخلي، اذ أن مصر تواجه من سنين عدة خطر خلايا و تنظيمات ارهابية تعبث بأمنها و استقرارها، و إن هذه الجماعات سوف تجد بيئة خصبة للتمدد و العبث بأمن مصر، إذا ما انشغلت القوات المسلحة المصرية في صراع عسكري مع اثيوبيا.

محلل سياسي لبناني يتحدث لـ “بث” عن الحلول..

الدكتور مصطفى اسماعيل، الباحث و المحلل السياسي و استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية.. قال لوكالة “بث”:

إن أفضل الحلول لكي تستطيع مصر تحييد خطر سد النهضة هو التالي:

الحل بالنسبة لمصر لا يكون باستخدام أي من هذه الخيارات على حدى، بل بجمعها كلها ضمن مسار واحد يهدف الى تحقيق اقصى استفادة لمصر من جميع الخيارات.

و يضيف الدكتور اسماعيل قائلاّ: لو كنت مكان صانع القرار المصري لفعلت الآتي: استنفار المحافل الدولية من خلال الضغط على المجتمع الدولي لتحريك مسألة السد، و اظهارها على أنها جريمة تهدد ١٠٠ مليون مصري بالموت عطشاً او جوعا نتيجة الجفاف الذي قد يسببه السد، و بالتالي خلق رأي عام عالمي مؤيد الموقف المصري، و من ثم استغلال جميع القدرات الدبلوماسية المصرية لحشد تأييد أعضاء الأسرة الدولية لمصر فيما يتعلق بمسألة السد، و بعد ذلك استكمال المفاوضات مع اثيوبيا، و إذا استمر التعنّت الأثيوبي في رفض الوصول إلى اتفاق عادل يضمن الحفاظ على حقوق مصر المكتسبة من مياه النيل، عندها يجب أن تقوم الدولة المصرية بضربة عسكرية تكتيكية و محدودة لسد النهضة، و أن تكون الضربة صغيرة بحيث لا تستفز الاثيوبيين الى درجة الدخول في حرب شاملة مع مصر، و تكون في الوقت نفسه مؤثرة تقنيا على السد بحيث تجعل الاثيوبيين يفكرون بمدى الضرر الكبير الذي قد تحدثه ضربة عسكرية شاملة على السد من قِبَل القوات المسلحة المصرية، ما يجعلهم اكثر “تواضعاّ” على طاولة المفاوضات وبالتالي يحملهم على التنازل بعض الشيء، و يسهل على مصر الوصول إلى اتفاق عادل، يضمن لمصر حماية امنها القومي و المائيّ.