هل انتهى تحالف حزب الله و التيار الوطني الحرّ؟ l تقرير خاص


بيروت - مروة شاهين - بث:
بعد حديث رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل في مؤتمر صحفي عقده الاسبوع الماضي عن “عواقب سياسية” و إجراءات سوف يتخذها التيار الوطني الحرّ ردّا على تصرفات حزب الله ضد التيار الوطني؛ بدأت الأوساط السياسية اللبنانية تتحدث عن تصدّع و انهيار التحالف بين حزب الله و التيار الوطني الحرّ و الذي يُعرف بتفاهم مار مخايل.
و قبل ان نحلل هذه المعلومات و نقرأ تداعياتها على مستقبل الوضع السياسي في لبنان لا بدّ لنا من ان نأتي على ذكر جوهر هذا التفاهم ، و ما الذي أدّى الى هذا التصدع الذي أصاب هذا التحالف بعد ١٦ عاماً من كونه الكتلة السياسية الاقوى على الساحة اللبنانية و التي رسمت شكل لبنان و سياساته الداخلية و الخارجية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.


ما هو اتفاق مار مخايل، و على ماذا ينطوي هذا التفاهم ؟
في 6 فبراير 2006، وقّع زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون مذكّرة تفاهم مع الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل، في العاصمة بيروت . ناقشت المذكّرة الاختلافات والأهداف المشتركة للحزبين، و تضمنت هذه الوثيقة العديد من المسائل الجوهرية التي تم الاتفاق عليها و أهمها:
الديمقراطية التوافقية اي تقاسم الحكم و السلطات بالتوافق بين الاحزاب و الطوائف اللبنانية، و قانون الانتخاب النسبي ، الذي يسمح بأكبر قدر من التمثيل السياسي للأقليات، و العلاقات الللبنانية مع دول الجوار لا سيما سوريا و فلسطين ، إضافة إلى المفقودين اللبنانيين بالسجون السورية و اللبنانيين المتواجدين في”اسرائيل” ، و يختصر اللبنانيون هذا التفاهم قائلين أنه يعني: ” أعطيني كرسي الرئاسة و خود البلد”.
ما الذّي أدّى الى تصدّع هذا التفاهم.. و جعل باسيل الخاضع للعقوبات الأميركية و غير المرغوب من معظم اللبنانيين بسبب “استقوائه” بحزب الله، يلوّح بإنهاء تحالف “مار مخايل”؟
الأمر كلّه يعود للانتخابات، اذ قام التيار الوطني الحرّ بتقديم طعن الى المجلس الدستوري اللبناني يقضي باقتراع اللبنانيين في بلاد الاغتراب لستة نواب فقط من أصل ١٢٨ نائباً في البرلمان اللبناني، اضافة الى ابطال تقديم موعد اجراء الانتخابات، فما كان من القضاة التابعين لحزب الله في المجلس الدستوري إلا ان صوّتو ضد هذا الطعن، الأمر الذي اعتبره باسيل صفعةً تعرّض لها التيّار الوطني الحرّ من قِبَل حليفه الأقرب حزب الله .

تعليق باسيل
وعلّق باسيل على هذا في تغريدة على تويتر قائلاّ : ” ما جرى هو نكسة للحق وليس للتيار وهو ايضا نكسة للمنتشرين وما حصل تم بقرار سياسي واضح من قبل منظومة متحالفة مع بعضها في عهد الرئيس عون وعلى رأسها في المجلس الدستوري اليوم كان الثنائي الشيعي وهذا ما ستكون له مترتبات سياسية”.
و تعليقاً على الأمر نفسه أضاف باسيل في مؤتمر صحفي عقده الاسبوع الماضي قائلاً : “اليوم تم إسقاط المجلس الدستوري وتعطيله لأن الطعن لم يسقط بل لم يصدر قرار في شأنه”، معتبراً أن ما حصل “ضربٌ للميثاقية وصلاحية رئيس الجمهورية في المادة 57 وسقوط إضافي للدستور الذي نحاول أن نحافظ عليه”.
فهل يعني ذلك موت التحالف العوني مع حزب الله بعد ١٦ عاماً على ولادته؟
لا شك بأن الصفعة التي تلقّاها التيار الوطني الحرّ من حليفه حزب الله ستكون ذات وطأة كبيرة على العلاقات بين الحليفين، و لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو ما إذا كانت هذه الصفعة ستشكل رصاصة النهاية للحلف السياسي الذي رسم سياسة لبنان لمدة ١٦عاماّ، و في هذا الإطار يقول الدكتور محمد عز الدين، و هو استاذ محاضر في القانون الدستوري اللبناني، ان التيار الوطني لا زال بحاجة ماسّة الى حزب الله في الانتخابات القادمة، خصوصاً ان الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان ادت الى تراجع الارصدة الشعبية للتيار الوطني الحرّ نظراً لما كان لعهد الرئيس الحالي ميشال عون زعيم التيار الوطني الحرّ من تأثيرات على تراجع الوضع الاقتصادي و الاحتماعي للبنان، اذ يعتبر اللبنانيون ان عون و صهره جبران باسيل سلّموا لبنان لحزب الله مقابل كرسي الرئاسة، و بالتالي اي انتخابات يخوضها التيار الوطني الحرّ وحيداً سوف تفقده الكثير من المقاعد البرلمانية و بالتالي سيخسر سلطته في الحكومة و السلطات الوزارية و الإدارية.

تعليق التيار الوطني
اما فيما يخص تعليق التيار الوطني الحرّ على هذه انباء فسخ التحالف بين التيار العوني و حزب الله فقد أكد النائب اللبناني و عضو تكتل لبنان القوي (اي كتلة التيار الوطني الحرّ)سيمون ابي رميا أن “لا وفاة أو انتهاء لاتفاق مار مخايل مع حزب الله”.
و أضاف أبي رميا؛ أن رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل سوف يقوم بتوضيح الملابسات في هذا الشأن في مؤتمر صحفي سوف يعقده في الايام الاولى من العام الجديد 2022 ، و قال “نكون قد تناقشنا بها داخلياً الى ذلك الحين، وبالتأكيد هناك توتُّر وعتب ولوم على حزب الله وربما أكثر من ذلك، لكن حتى الآن لا إعلان لوفاة تفاهم مار مخايل”.
إجراءات متوقعة من التيار الوطني
و أما عن الإجراءات التي يمكن ان يتخذها التيار الوطني الحرّ فقد أضاف أبي رميا “باسيل سيعلنها في الثاني من كانون الثاني المقبل، لكن الضربات التي حصلت ومسّت بجوهر العقد اللبناني والشراكة، تجعلنا نعتبر أنّ هذا النظام انتهى، ونطرح أسئلة مشروعة حول قدرة النظام على الاستمرار، فقد نكون على أبواب نظام وعقد جديدين، بعد الانهيار على مستوى المؤسسات وضرب جوهر الميثاقية والشراكة التي كانت من الركائز الأساسية لهذا النظام، ويجب الانتقال الى تعزيز المواطنة والى نظام منتج وفاعل، يفرز أكثرية تحكم ومعارضة تعارض، فلا يُمكننا أن نستمرّ في هذه الصيغة وبالنظام نفسه”.
مما يعني ان التيار الوطني الحرّ يفكر جدياً في تعديل الاتفاق للحصول على مكاسب أكثر، قد تعوّضه عن ما خسره شعبيا نظراً لنقمة العديد من المسيحيين المنتمين الى التيار الوطني الحرّ على تحالف التيار مع حزب الله الذي بعتبرونه حزبا ارهابيا يسعى الى اختطاف سيادة لبنان و جعله جزءاً من محور ما يسمى ب ” الممانعة” و بالتالي جعله جزءاً من ولاية الفقيه التي لا يفوت الامين العام لحزب الله فرصة للتأكيد على إنه جندي في ولاية الفقيه و ان كامل ولائه و تبعيته تعود لما يسميه”الجمهورية الاسلامية في إيران” ، عدا عن ما خسره التيار الوطني الحرّ دوليا اذ اصبحت الدول الغربية تنظر الى التيار العوني و رئيسه جبران باسيل على انهم “اذرع ايرانية” تابعة للمرشد الايراني، و هذا ما عرّض التيار العوني و رئيسه جبران باسيل للعقوبات الأميركية ، و بالتالي بدّد حلم جبران باسيل في الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية.
احتمالية إنهاء التحالف
اما عن احتمالية إنهاء التحالف نهائياً فإن هذا يبقى رهن تطور المباحثات السياسية بين الحليفين، و في مجمل الأحوال فإن اي انهاءٍ او تعديل يطرأ على هذا التحالف سوف يكون له تأثيرات كبيرة على السياسة اللبنانية الداخلية و الخارجية و خصوصاً العلاقات اللبنانية السورية، و الأهم إنه سيكون ذا تأثير كبير على علاقة لبنان بمحيطه العربي و خصوصاً دول الخليج، التي توترت علاقاته كثيراً مع لبنان في السنوات الماضية نتيجة سيطرة حزب الله و التيار العوني الموالي للحزب على مفاصل الدولة اللبنانية و سياساتها الخارجية،و هذا ما يمكن بحثه مطولاً في تقاريرٍ مقبلة.

