الأصل في الإبداع.. والتنوع الثقافي
كتب عبدالله العميره
خلال بحثي من أجل إسناد مقال جديد عن التنوع الثقافي وأثره على العقل والحياة؛ وقعت على قصة - معروفة، ولكن لا يمكن أن يمل منها القارئ.
قصة على بن الجهم ، ورائعته الشهيرة، استوقفتني، فغيرت اتجاهي اليوم.
سأنقلها - كما وجدتها، مع بعض التعديل في السياق (الحواشي)، وليس على المتن.
علي بن الجهم: (804 - 863 م) شاعر عربي بدوي، عاش في العصر العباسي.
وقف الشاعر لأول مرة بين يدي الخليفة العباسي المتوكل، مادحًا، وهو الشاعر البدوي الفصيح المطبوع، فلم تسعفه قريحته بأجمل من قوله في مدح الخليفة:
أنت كالكلب في حفاظك للود
و كالتيس في قراع الخطوبِ
أنت كالدلو، لا عدمناك دلوًا
من كبار الدلا، كبيرَ الذنوبِ
ودهش الحاضرون في مجلس الخليفة من هذا الشاعر الذي يمدح الخليفة بأنه كالكلب في حفظه الود، وكالتيس في مواجهة المصاعب والأخطار، وكالدلو الذي يحمل الماء و يجلبها ــ كثير الذنوب ــ اي غزيرة من قاع البئر.
لكن الخليفة المتوكل لم يغضب، ولا تصيبه الدهشة، بل أدرك بلاغة الشاعر و نبل مقصده وخشونة لفظه وتعبيره، لملازمته البادية، فقد أتى بهذه التشبيهات والصور والتراكيب من بيئته التي عاش فيها.
وأمر الخليفة للشاعر بدار جميلةٍ على شاطئ دجلة، بحيث يخرج الشاعر الى محال بغداد يُـطالع الناس ومظاهر مدينتهم وحضارتهم وترفهم العباسي.
وأقام الشاعر "علي ابن الجهم" مدة من الزمن على هذه الحال، ثم استدعاه الخليفة ، فألقى ابن الجهم على الخليفة المتوكل هذه القصيدة:
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمرًا عَلى جَمرِ
فقال المتوكل: انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه ان يذوب رقة و لطافة.
وذاعت شهرة قصيدة "عيون المها"، ومنها:
خليليَّ، ما أحلى الهوى، وأمـرَّهُ
وأعرفني بالحلو منه وبالمُر
بما بيننا من حُرمةٍ هل علمتما
أرقَّ من الشكوى، وأقسى من الهجرِ
وأفضح من عين المُحب لسِـرّهِ
ولاسيما إن أطلقت عَبرةً تجري