الرابط الاجتماعيّ من "الأنا" الفرديّة إلى الـ "نحن" الجماعيّة
ما هو المجتمع؟ وما هي الجماعة؟ وكيف حصل انتقال البشر من حال الطبيعة إلى حال المجتمع؟ أو، بعبارة أخرى، كيف حـدث أن أصبح في كلّ "أنـا" فرديّة، ما يربطها بالآخـر ويُولِّـد "نحنُ" اجتماعيّة؟
إنّ الإجابة عن أيٍّ من هذه الأسئلة تُحيلنا بالضرورة إلى دراسة وتفكيك مفهوم "الرابط الاجتماعيّ"، وهو عنوان الترجمة العربيّة لكتاب Le Lien Social التي أنجزتها مؤسّسة الفكر العربيّ، في إطار برنامج "حضارة واحدة". والكتاب الذي نُشِر سابقاً ضمن سلسلة "ماذا أعرف؟" "?Que sais-je" عن دار النشر الفرنسيّة Humensis في العام 2018 هو من تأليف المفكّر الفرنسي ســيــرج بـوغــام، وترجمة نصير مروّة.
يحاول المؤلِّف، في فصول الكِتاب الخمسة، شرح وتصنيف الروابط الاجتماعيّة، والإضاءة على الهشاشـة التي يُمكِن أن تطرأ عليها، مقترحاً أساليب تداركها من أجل التصدّي بفعاليّةٍ أكبر للتحـدّيات المُعاصِرة التي تُواجِه التضامُن الإنسانيّ. وفي معرض تشريحه لمفهوم الرابط الاجتماعيّ، يعرض الكاتب المقاربات السوسيولوجيّة المتفاوتة لهذه المسألة، بدءاً بآراء دوركهايم وماكس فيبر وصولاً إلى تونيز وغيرهم.
يعرض بـوغــام السيرورة التاريخيّة لمفهوم الرابط الاجتماعيّ والمنزلة الرئيسيّة التي يحتلّها منذ تأسيس علم الاجتماع "كعِلم روابِط" وحتّى يومنا هذا، حيث يزداد التخوّف والقلق من تحلّل الروابط الاجتماعيّة وتأزّمها، في ظلّ الحداثة والسيادة التامّة للفرديّة.
ما زالت مسألة الرّابِط الاجتماعيّ تحتلّ منزلةً رئيسة في عِلم الاجتمـاع، وهي لا تنفكّ تتعزّز في ظلّ ما يعتري المجتمع الحديث من جرّاء تحلّل الروابط الاجتماعيّة. وقد انشغل السوسيولوجيّون، منذ المؤسّس الأوّل اميل دوركهايم، بالتساؤل حول ماهيّة هذه الروابط، وماهيّة الجماعة والمجتمع، وكيف حـدث أنـّه أصبح في كلّ "أنـا" فرديّة، ما يربطها بالآخـر ويُولِّـد "نحنُ" اجتماعيّة.
إنّ تأزّم الرابط الاجتماعيّ في ظلّ السيادة التامّة للفرديّة هو موضوع بحث وتحقيق كتاب "الرابط الاجتماعيّ" الذي صدر بنسخته العربيّة عن مؤسّسة الفكر العربيّ، في إطار برنامجها "حضارة واحدة"، وقد تولّى ترجمته نصير مروّة. والكتاب الذي نُشِر سابقاً ضمن سلسلة "ماذا أعرف؟" "Que sais-je?" عن دار النشر الفرنسيّة Humensis في العام 2018 هو من تأليف المفكّر الفرنسي ســيــرج بـوغــام.
يحاول المؤلِّف، في فصول الكِتاب الخمسة، شرح وتصنيف الروابط الاجتماعيّة، والإضاءة على الهشاشـة التي يُمكِن أن تطرأ عليها، مقترحاً أساليب تداركها من أجل التصدّي بفعاليّةٍ أكبر للتحـدّيات المُعاصِرة التي تُواجِه التضامُن الإنسانيّ. وفي معرض تشريحه لمفهوم الرابط الاجتماعيّ الذي يخضع لشـروط التغيُّر الاجتماعيّ، يعرض الكاتب المقاربات المتفاوتة لهذه المسألة، بدءاً بآراء دوركهايم وماكس فيبر وصولاً إلى تونيز وغيرهم.
وتنطوي معالجة بوغام لسؤال "كيف حصل انتقال البشر من حال الطبيعة إلى حال الاجتماع والمجتمع؟" على عودةٍ إلى جواب القرن الثامن عشر الذي يفيد بأنّ عقْـداً اجتماعيّاً أوّليّاً هـو الذي جعل "الآخـر" يصير "نحنُ"، وهذا العقد هو الذي أوجَـد المُجتمع (جان جاك روسّو). إلّا أنّ المؤلِّف يتّفق مع دوركهايم باعتبار أنّه "ليس كلُّ ما في العقْـد تعاقُدِيّاً"، وذلك نظراً إلى علاقة الترابُط والارتهان المُتبادَل التي تربط كلَّ فرد بالآخرين، وما ينجم عنها من تضامنٍ يفرض نفسه على الفرد في مُختلف مَراحِل اكتسابه الكينونة الاجتماعيّة.
ومن هنا، يتطرّق المؤلِّف لمفهوم التضامُن الذي هو تضامنان: تضامُن جماعة وتضامُن مُجتمع. الأوّل أي تضامُن جماعات ما قبل الحداثة وهو تضامُنٌ آليّ أو تلقائِيّ قائم على الانتمـاء والهويّة، لكنّه يغدو مع المُجتمع الحديث وتقسيم العمل وتنامي الفرديّة تضامُناً عضويًّا. والتضامُن العضويّ هو كتضامُن الجسـد الواحـد: أي تضامن أعضاء متنوّعة مُتمايِزة، ولكنْ في جسـدٍ واحـد يتداعى بعضه لبعضه الآخر... بالتضامُن. وهـذا التمييز بين الجماعة والمُجتمع ورابطهما هي فكرةٌ لا تنفصل عن السيرورة التاريخيّة للمُجتمع، وانتقـاله من المُجتمع التقليديّ إلى المُجتمع الحـديث.
يختم المؤلِّف كتابه كما بـدأه بالحديث عن الروابط التي تربطنا بالمُجتمع، والتي تحتّم على كلّ جماعةٍ من البشر، من أكبرها إلى أصغرها حجماً، وضْع سياسةٍ للرابِط الاجتماعيّ، تهـدف تحديداً إلى تهـدئة ضروب القلق الناجِمة عن انعـدام الأمن في الحياة الاجتماعيّة، وإلى تثمين تقدير الأفراد والجماعات لاعـتراف الآخرين بهم وسعيهم للحصول عليه، والبحث عن الصالِح العامّ، الذي يعمّ خيرُه الجميع.
مؤسسة الفكر العربي
01/09/2023