تطور الصراع الاثيوبي.. السيناريوهات المتوقعة l تقرير

news image

مروة شاهين - بث:

في الرابع من شهر نوفمبر من العام ٢٠٢٠، و بينما كان العالم منشغلاً بنتائج الانتخابات الامريكية،قامت قوات الجيش الفيدرالي الاثيوبي بقصف اقليم تيغراي شماليّ البلاد، ما أدّى الى اشتعال صراع عسكري بين الجيش الاثيوبي الفيدرالي التابع للحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد و جبهة تحرير شعب تيغراي التي تحكم الإقليم التيغرانيّ، صراعٌ تتطور و تسارع لهيبه لدرجة ادخال البلاد في حرب اهلية لم تنطفئ نيرانها حتّى يومنا هذا.

كيف بدأ الصراع؟ و ما هي أسبابه؟

في العام ١٩٧٤ سقط حكم آخر إمبراطور اثيوبي على إثر ثورة شعبية ضدّه ، ليحكم اثيوبيا بعده مجموعة من الضباط من ذوي الميول الاشتراكية و الشيوعية، كان ابرزهم ضابط يدعى “مانغستو” و الذي حكم اثيوبيا حتّى عام ١٩٩١،لتقوم بعد ذلك ثورة شعبية دعمتها الولايات المتحدة الامريكية ضد حكم مانغستو الشيوعي، لينتقل حكم الدولة الاثيوبية الى احد قيادات هذه الثورة ،وهو مليس زيناوي قائد جبهة تحرير تيغراي.

استمرّ حكم مليس زيناوي لاثيوبيا منذ عام ١٩٩١ و حتّى وفاته في عام ٢٠١٢، و كانت فترة حكمه تتّسم بالنفوذ الواسع لاقليم تيغراي و ابنائه في كافة مفاصل الدولة الاثيوبية ،حتّى يمكن القول بأن خلال تلك الفترة(١٩٩١-٢٠١٢) كان اقليم تيغراي هو الذي يحكم اثيوبيا ، مما جعل الكثير من العرقيات و القوميات الأخرى تشعر بالغُبن.

و بعد وفاة مليس زيناوي في عام ٢٠١٢، دخلت اثيوبيا في مرحلة انتقالية اتّسمت بالاضطرابات المتتالية و حركات التمرّد من الأعراق و الشعوب الاثيوبية و ابرزها “الأمهرة و الأورومو” التي كانت تشعر بأنها تتعرض لمظالم و لا تحصل على حقوقها في الحكم والادارة في ظلّ حكم “التيغرانيين” للدولة الاثيوبية من عام ١٩٩١، و بالتالي نجح التمرّد الذي قاده شعبيّ الأمهرة و الأورومو في ايصال آبي أحمد الى منصب رئيس الوزراء الاثيوبي في العام ٢٠١٨، بعد اتفاقهم مع اقليم تيغراي على اقامة انتخابات في العام ٢٠٢٠.

قام آبي أحمد بعد وصوله الى سدّة مجلس الوزراء بإجراء العديد من التعديلات الدستورية و السياسية و الإدارية ، هذه التعديلات التي اعتبرها آبي احمد “إصلاحات” ،اعتبرتها جبهة تحرير شعب تيغراي تغييرات تهدف الى إعادة سيطرة شعب الأمهرة على الدولة الاثيوبية، إضافة إلى نزع السلطات الموجودة في يد الاقاليم و تجميعها بيد الحكومة المركزية في أديس أبابا، و من هنا بدأت الخلافات تأخذ أشكالاّ توحي بصراع عميق بين العرقيات الاثيوبية.

الشرارة الأولى التي ألهبت الصراع

في العام ٢٠٢٠ قام آبي أحمد بتأجيل الانتخابات التي اتُفِق على عقدها في العام نفسه ، لاسباب قال أنها اسباب صحية مرتبطة بانتشار وباء كوفيد-١٩ ، بينما اعتبر قادة اقليم تيغراي بأن الحكومة المركزية بقيادة آبي أحمد قامت بتأجيل الانتخابات عن عمد لكي يبقى آبي أحمد في السلطة، و على إثر ذلك اعتبرت جبهة تحرير شعب تيغراي بأن آبي أحمد هو رئيس غير شرعي للبلاد و أنه يسعى الى البقاء في سدة الحكم عبر تقويض العملية الديمقراطية.

و على إثر تأجيل الانتخابات من قِبَل الحكومة المركزية، رفض اقليم تيغراي هذا القرار و قام بتنظيم الانتخابات المتفق عليها ، ضمن حدود الاقليم التيغرانيّ ، مما اغضب الحكومة المركزية، التي اتهمت شعب تحرير تيغراي بعصيان الحكومة و محاولة تفكيك اثيوبيا، كما اتهمت الحكومة المركزية جبهة تحرير شعب تيغراي بالإستيلاء على مركز القيادة الشمالية للجيش الاثيوبي، و نهب معداته العسكرية، و على إثر ذلك، قامت الحكومة المركزية بقيادة آبي أحمد في الرابع من نوفمبر ٢٠٢٠ بقصف اقليم تيغراي مما أشعل صراعاً عسكريا تحول إلى حرب اهلية اثيوبية يستمر لهيبها حتى يومنا هذا.

هل من سبيل لحل الأزمة و اطفاء نيران الحرب؟

بعد ثلاثة عشر شهر من الصراع العسكري، و ما نتج عنه من عشرات آلاف القتلى و مئات آلاف المشردين ، يبدو أن أحداً من الطرفين لم يستطع حسم مجريات المعارك لصالحه ، و أن لا أحد منهم يريد التراجع ، فالحكومة المركزية تريد الانصياع الكامل لاقليم تيغراي، بينما لا زال اقليم تيغراي يعتبر آبي أحمد رئيسا غير شرعي للبلاد، ما يعني أن حل الخلافات بين جبهة تحرير شعب تيغراي و الحكومة المركزية بقيادة آبي أحمد قد يأخذ المزيد من الوقت، ما يعني مزيداً من المعارك، و بطبيعة الحال،مزيداً من القتلى والجرحى و المشردين. فما السيناريوهات المستقبلية المتوقعة؟

خمس سيناريوهات تسيطر على المشهد.:

مع تصاعد وتيرة الهجمات و العمليات العسكرية، لا بد من قراءة واقعية للأحداث لمحاولة استشراف المستقبل و معرفة ما قد ينتهي عليه الحال،و لهذا سنقوم باستعراض السيناريوهات التي تبدو منطبقة على الحالة الاثيوبية:

١-السيناريو الأول:

سيطرة الحكومة المركزية و قواتها على الاقليم و تحييد جبهة تحرير شعب تيغراي ، و نسبة حدوث هذا السيناريو ضعيفة نظراً للقوة العسكرية و البشرية التي يتمتع بها الاقليم، فضلاً عن نفوذ ابنائه في مفاصل الجيش و الدولة.

٢-السيناريو الثاني: سيطرة اقليم تيغراي على العاصمة أديس أبابا و بالتالي سيطرتها على الحكومة الفيدرالية ، و مؤخراً استطاعت جبهة تحرير تيغراي الوصول إلى مسافة ٣٠٠ كيلومترات من العاصمة أديس أبابا، ألا أن الجيش الفيدرالي الاثيوبي تمكن من حملها على التراجع، و بالتالي فهذا السيناريو ايضاً نسبة حدوثه ضئيلة و تتوقف على عوامل كثيرة منها تماسك الجيش الفيدرالي والتدخلات الخارجية في الصراع.

٣-السيناريو الثالث: لا حسم للصراع بالمعارك العسكرية، و بالتالي قد تطول الحرب الاهلية و تستمر سنوات عديدة دون أن يتمكن أي طرف من حسم الصراع لصالحه.

٤-السيناريو الرابع: التقسيم ، أي نتيجة عدم تمكن جبهة تحرير تيغراي من الفوز بالمعارك و حسم الصراع، قد تلجأ الجبهة الى الانفصال عن اثيوبيا و اعتبار تيغراي دولة مستقلة، سيما ز أن الدستور الاثيوبي يسمح بالانفصال سلميا عن الدولة المركزية.

٥-السيناريو الخامس :التسوية السلمية و الحل عبر التفاوض: أي الاتفاق بين الطرفين حول مواضيع الاختلاف و حلها، و إنتاج سلطة جديدة و تقسيم السلطات الدستورية بما يحقق مصالح جميع الاطراف.

وبعد كل ماسبق، تبقى كل التوقعات و الاحتمالات رهن ما قد يحدث في المستقبل، سيما و أن الحالة الاثيوبية تحمل في طيّاتها الكثير من الغموض و التعقيد، مما يجعل من الصعب تأكيد أي سيناريو متوقع لنهاية الحرب الاهلية الدائرة و تحديد الطرف الغالب من المغلوب..فوحدها الأيام القادمة هي من تحمل الاجابات المؤكدة الأسئلة المطروحة حول المسألة الاثيوبية ، تطوراتها و نهايتها.