هل سعى العرب إلى امتلاك السلاح النووي؟ l تقرير


مروة شاهين - بث:
في ظل الحديث عن التوتر الكبير الذي يحدثه الملف النووي الإيراني و المخاوف العالمية من قدرة إيران على تطوير سلاح نووي، تعود الذاكرة السياسية بنا إلى عقود مضت، كانت فيها التوترات النووية تتمحور حول الدول العربية، التي سعت إلى تطوير قدراتها النووية و العسكرية، لتجاري التطور الحاصل في جميع أنحاء العالم، إما من الناحية العلمية، و إما من الناحية العسكرية، سعيا منها لاكتساب موقع أفضل و أقوى في النظام الدولي، بهدف تعزيز الدور السياسي و الاقتصادي و العسكرية الذي تلعبه هذه الدول على الساحة العالمية.
هل سعى العرب إلى امتلاك السلاح النووي؟
سعت بعض الدول العربية إلى امتلاك و تطوير قدرات نووية، و لكن لا يمكن الجزم بأن السعي إلى تطوير هذه القدرات النووية كان بهدف الاستخدام العسكرى، و لكن في جميع الأحوال تمت مواجهة الطموحات النووية العربية بضغوط سياسية و عسكرية كبيرة من قبل الغرب و خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية و حليفتها إسرائيل، التي تخشى على امنها و وجودها من أي تطور علميني او عسكري قد يحصل على الساحة العربية.
النماذج النووية العربية:
1- النموذج العراقي : بدأ العراق عام ١٩٦٨ بتشغيل مفاعل ابحاث سوفيتي الصنع، و بين عامي ١٩٧٥و ١٩٧٩ قامت فرنسا بتزويد العراق بمفاعلين نووين يعملان باليوارنيوم المخصب، فضلاً عن قيامها بتدريب اكثر من ٦٠٠ عامل عراقي في المجالات النووية، تتراوح ادوارهم بين علماء و مهندسين و عمال فنيين، و على أثر هذآ التطور السريع في الخبرات النووية لدى العراق، تمكن في العام ١٩٨١ من تشغيل مفاعل نووي آخر، بقوة ٤٠ ميغاوات، سمُّي مفاعل “اوزيراك” و هو فرنسي الصنع، مما أثار قلق الاسرائيليين الذين اعتقدو ان هذا المفاعل قد يمكن العراق من إنتاج قنبلة نووية، فقاموا في العام نفسه بتوجيه ضربة عسكرية لمفاعل اوزيراك بهدف تدمير القدرات النووية العراقية. فمن سهّل للعراق الحصول على كل تلك القدرات و الخبرات في المجال النووي؟
في الحقيقة لم تكن فرنسا وحدها من امدت العراق بالخبرات النووية، بل لعبت الولايات المتحدة و بريطانيا دورا مهما في بناء للقدرات النوويه العراقية، بهدف تقوية العراق عسكريا ليكون قادرا على موجهة الدول التي تشكل خطرا على المصالح الغربية في الشرق الأوسط، و لا سيما إيران التي كان يخشى الحلفاء الغربيون من نجاحها في تصدير مبادئ الثورة إلى خارج حدودها، و قد ترُجمت هذه المساعي الغربية في الدعم العسكرى الذي قدمه الغرب للعراق خلال حربه مع إيران منذ عام ١٩٨٠ و حتى عام ١٩٨٨، و بحلول العام ١٩٩٠ كان العراق قد قطع شوطا كبيرا نحو تطوير قدراته النووية، و بعد حرب الخليج الثانية اي بعد قيام العراق بغزو دولة الكويت، شعرت الدول الغربية بالطموحات التوسعية لدى النظام العراقي انذاك، و ادركت عندها أن القدرات العسكرية و النووية العراقية
تشكل خطرا على المصالح الغربية في الشرق الأوسط و خصوصا الخليج العربي، لهذا قامت الدول العربية بتوجيه عدة ضربات عسكرية للمفاعلات النووية العراقية بهدف تجريد العراق من قدراته النووية، و لا سيما مفاعل التويثة الذي كان يعُتقد بأنه يستخدم لاغراض عسكرية، و لم تكتفي الدول الغربية أيضا بضرب المفاعلات النووية العراقية، بل استمرت بالضغط على العراق سياسيا و اقتصاديا من خلال العقوبات الاقتصادية القاسية و الحصار الذي تمت ممارسته على العراق بهدف منعه من إعادة بناء قدراته النووية، و قد استمرت هذه الضغوط على العراق حتى عام
٢٠٠٣، إلى أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق بحجة تطهيره من أسلحة الدمار الشامل .
2-النمودج الليبي: في العام ١٩٧٥ عقدت ليبيا صفقة مع الاتحاد السوفييتي لشراء مفاعل نووي بقوة ١١٠ ميغاوات ،ثم لاحقاً في العام ١٩٧٧ اشترت ليبيا من الاتحاد السوفييتي مفاعلان نوويان لتوليد الطاقة بقوة ٤٤ ميغاوات لكل منهما، و في ظل السعي الليبي المستمر لتطوير القدرات النووية، عقدت ليبيا في العام ١٩٧٤ اتفاقا مع باكستان يقضي بأن تقوم ليبيا بتقديم الدعم المالي لباكستان في مشروعها النووي مقابل ان تقوم الأخيرة بتدريب الفنيين الليبيين في مجال تخصيب اليورانيوم، و بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ظل اسم ليبيا يظهر بإستمرار في التقارير الاستخباراتية الغربية حول تورطها في القيام بانشطة نووية سرية، ما أثار قلق العالم و الدول الغربية من سعي ليبيا لامتلاك قدرات نووية عسكري، و بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر و ما شهدته من هجمات إرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية و ما تبعها من قيام الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها بغزو أفغانستان و من ثم العراق، خشيت ليبيا من قيام الولايات المتحدة و حلفائها بتكرار النموذج العراقي مع ليبيا و بالتالي قامت بتفكيك جميع مكونات برامجها النووية، و هكذا قضت ليبيا في العام ٢٠٠٣ ذاتيا على كافة قدراتها النووية التي عملت على تطويرها منذ أواخر الستينات.
3- النموذج السوري : أنشأت سوريا في العام ١٩٧٦ المجلس الأعلى للشؤون الطاقة الذرة،. و بعد عامين على انشائه، قامت سوريا بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون مع عدد من الشركات الاوروبية لإجراء مسح لإدخال التكنلوجيا النووية الأغراض السلمية إلى الصناعات السورية، و لاحقاً في العام ١٩٩١ تسلمت سوريا من الصين مفاعلا نوويا صغيراً بقوة ٣٠ كيلو واط ،وعلى أثر هذه التطورات، مارست الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا سياسة و اقتصادية كبيرة على الدول التي كانت تتعاون مع سوريا في المجال النووي بهدف منع سوريا من تطوير اي قدرات في المجال النووي، و لاحقاً في العام ٢٠٠٧ تعرضت سوريا لضربة جوية إسرائيلية، قيل انها تستهدفت مفاعلا نوويا سوريا ذات منشأ كوري شمالي.
4- النموذج المصري :
تمتلك مصر عدة مراكز بحثية و مفاعلا نووية يقتصر دورها على الأبحاث العلمية و الأغراض السلمية، و دائماً ما تسعى مصر إلى تأكيد توجهاتها السلمية في ما يتعلق بانشطتها النووية ،تجنبا لأي مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، و بذلك فإن البرنامج النووي المصري لم يشكل حالة ازعاج بالنسبة للغرب، نظرا إلى أن مصر لم تحاول تحويل اي من مفاعلاتها النووية للاستخدام العسكرى، و لتأكيد مصر بأنها ملتزمة بقواعد الشراعية الدولية و القانون الدولي الذي يسمح لها بإستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية .
هل السلاح النووي محظور على العرب؟
يبدو واضحا من خلال سلوك الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها مع التجارب العربية السابقة لامتلاك قدرات نووية عسكرية، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترحب بانضمام اي دولة عربية إلى نادي الدول النووية، و ربما يكمن السبب في انعدام رغبة الدول الغربية بالسماح للدول العربية بتطوير القدرات النووية و امتلاك السلاح النووي، بسعي الدول الغربية إلى الحفاظ على التفوق العسكرى الاسرائيلي في الشرق الأوسط، فضلاً عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بأن تبقى لها اليد العليا عسكريا في الشرق الأوسط ،و بالتالي تبقى الدول العربية التي تعتبر خزان النفط العالمي بحاجة إلى حماية الولايات المتحدة الأمريكية من أي اخطار عسكرية سواء من إيران في الدرجة الأولى، او اي دولة أخرى قد تزاحم الولايات المتحدة على النفوذ العسكرى في منطقة الشرق الأوسط، الا و انه بالنسبة لما تعيشه المنطقة اليوم من أزمة بسبب السلوك الإيراني تجاه الدول العربية و اقتراب إيران من الحصول على قدرات نووية عالية تمكنها من إنتاج السلاح النووي، قد يصبح التوازن العسكرى النووي بين إيران والدول العربية مسألة بالغة الخطورة تطرح نفسها بقوة على الساحة العالمية، فهل ستتمكن الأمة العربية مستقبلاً من حيازة سلاح رادع يضمن لها توازنا معقولا في القوى في الشرق الأوسط، ام انها ستبقى تحت حماية الشرطي الأميركي و حلف شمالي الأطلسي إلى ما لا نهاية؟