اعترافات وعرفان.. أم نسيان؟
كتب - عبدالله العميره
يسألني زميل عن دور الصحفي والصحافة؟
أسئلته تحديداً:
- هل دور الصحافة تبني أخبار العلاقات العامة / بمعنى؛ نقلها ونشرها كما هي دون مراجعة وتنقيح؟
وأخذها بقضها وقضيضها، بدقها وجلها؟
بشكر الذات والتبجيل الشخصي الزائد، الأكثر، من كونه خبر (معلومة ورقم) ؟
بعدم الإستيعاب بأن " وراء كل مشروع عظيم مدير عظيم.. وليس؛ وراء كل مدير؛ تطبيل عظيم"؟
وسؤال آخر:
- هل دور الصحافة والصحفي نشر ما يصل إليها عن إنجازات وأعمال (أي وزارة أو مؤسسة، أو مركز) بتلك الكثافة والطريقة المشاهدة؟
سأبدأ بالسؤال الأخير، وأقول:
نعم، دور الصحفي الحقيقي، هو نشر الإنجازات ، وليس فقط الإخفاقات والسلبيات والمشكلات.
السلبيات سهل البحث عنها، يقوم بها أي مبتدئ أو ما يُسمى بـ (المخبر)، يصور الحادث أو الواقعة وينقل مشهد.. وهذا الدور مازال مستمراً رغم التطور في وسائل الإعلام.
ليس هذا بعمل..
دائماً أقول؛ عندما يشب حريق، فإن الخبر ليس في الحريق الظاهر، بل الخبر في البحث عن عود الثقاب الذي أشعل النيران / السبب / ومعالجة السبب حتى لايتكرر الحريق.
أرجو أن لايُفهم ؛ وجود تضارب بين قولي الأول، بأن مهمة الصحفي الرئيسية ، البحث عن الإنجازات، وبين نشر السلبيات.
أوضح لكم..
نعم الإنجازات أهم، ولكن لابد من التحقق، بخاصة عندما يتم تلقي رسائل من بعض الجهات التي تبالغ في الأرقام. والأكثر؛ تبالغ في الإشادة بالذات..
هذا يشبه إعلام الحرب : قصف .. قصف.. قصف يومي في الليل والنهار. لوكان حقيقياً لأزيلت البلاد المقصوفة خلال أسبوع، ولو اعتمدنا عدد القتلى؛ لأبيد الناس في تلك البلاد.
مثال، ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا.. إعلام حربي مبالغ فيه جداً. لو كان حقيقياً لكانت أوكرانيا قد احترقت منذ زمن، ولكانت روسيا محاصرة بجيوش الناتو، وانتهت..
المهم، دور الصحفي أن يتحقق من التقارير..
لاننسى أن المتلقي ليس غبياً.
أما نشر السلبيات أرى أنها ضرورة ، ولكن يجب أن يكون الطرح صحفي علمي بمعنى الكلمة .
فالأخطاء واردة في المكان الذي يوجد فيه إنجازات..
من لايخطئ هو من لا يعمل.
والإدارة التي لاتقبل النقد المفيد؛ فإن هذه الإدارة لاتستحق البقاء، لأنها لن تنجز أكثر من القليل المنجز!
أقصد بالطرح العلمي، أن تحاصر الواقعة، وتحدد أسبابها، والمساعدة في العلاج.
بعض الناس من الصحفيين القدماء يقولون : ليس دور الصحافة أن تعالج!!
هذا كلام مغلوط وقاصر جداً.
بل من أدوار الصحافة الدلالة على العلاج، بعد التحقيق والإستدلال على الأسباب.. فذكر أسباب المشكلة هو إشارة إلى العلاج.
ويعتقد البعض أن التركيز على السلبيات، والنقد، هو من أسلوب المتشائمين!
وهذا كلام مغلوط وقاصر جداً أيضاً.
فالنقد بتعريف بسيط، هو " طلب تمام الإنجاز".
وقمة التفاؤل أن يسعى الإنسان ليكون العمل أقرب إلى الكمال منه إلى النقص، ولا يتحقق ذلك إلا بالشغف والطموح لعمل المزيد من الإنجازات بإتقان.
ولكن؛ لايجب أن يسير الصحفي في الشارع النظيف، ويترك الرصيف الجميل، والأشجار والزهور؛ ويركض إلى برميل النفايات ليقلب فيه، أو يسلط العدسة على بلاطة مكسورة أو حفرة صغيرة.. لاأحد يعرف؛ أهي في ذلك الشارع الجميل، أو في صحراء لا عمران فيها.
والإجابة على السؤال الأول؛ أعتقد واضحة.
__________
أكتب هذا المقال اليوم، وأنا خارج المملكة، في اجازة قصيرة ( للترويح ) عن نفس أجهدها العمل والتفكير، وأمور أخرى يعرفها بعض الناس.
ولأول مرة؛ أكتشف أن الهدوء والإبتعاد عن المكان الأول أو الرئيسي، لايعني هدوء العقل.. فهناك أفكار تتوارد ـ تحل مكان ما يحاول الإنسان أن يزيلها.
نعم؛ عندي عشق للطبيعة والبساطة.. وهذا لايلغي العقل!
لذلك، أنا ممن يشعر - عند كل سفر - أن ابتعادي عن بلدي، لايعني راحتى من التفكير.
كلما مررت بمكان خارج المملكة؛ أتأمل، فينقض عليّ حنين وشوق للرياض، ولكل جزء من المملكة . وأبدأ أردد بيني وبين نفسي:
" الله يديم عزك يالسعودية"
فالشعور بالإتنماء شئ لايقدر بثمن..
أو كما قال صديق رافقني ذات مرة في سفر - قبل سنوات، إلى بلاد ذات طبيعة خلابة، وكل أسباب الراحة التي يتهيأ للإنسان أن ينسى فيها كل شئ ..
بعد عدة أيام داهمه الشوق ، فصار يردد:
" وطني وطني، ولو قطع الجوع بطني"..
كنت أقول دوماً، لاتكون كفقير يدعو ربه: يكفيني سكن بسيط.. ويقول: أدعو الله أن يرزقني بقصر أسكن فيه بالجنة.
أقول له: يا أخي أدع ربك أن يرزقك بقصر في الدنيا وفي الآخرة، فهو سبحانه وتعالى قادر على كل شئ ، وما العباد إلى رسل يأتمرون بأمر الرزاق الودود.
والملائكة ، ومن في أخلاق الملائكة، رسل ؛ لاتنسى أبداً تنفيذ أمر الله.
__________
قد يسأل سائل: ماعلاقة الجزء الأخير بما قبله؟
ج : لايوجد صحفي أو مفكر يمكن أن يعطي بدون أن يكون مُقدراً ومرتاحاً، ويأخذ ما يستحقه من التقدير المعنوي والمادي المعين له على حياة كريمة.
ولا يوجد صحفي أو مفكر بدون أن يكون في داخله ذلك الشغف، وتلك المشاعر الوطنية الفياضة.
ولا يوجد صحفي يمكن أن يكون مستقر البال والحال، إلا إذا شاهد مستقبله قبل موته .. فإما نسيان، أو عرفان. وأي منهما هو محفز للأجيال الجديدة.