قراءةٌ في خَلفيّاتِ التّوجّه السّعوديّ نَحوَ الشّرق.. مَا هِيَ المَصالِحُ المُشترَكةَ التي قد تَجمعُ المملكةَ مع دول البريكس؟

news image

 بث - تقرير خاص 
كانت للتغيرات التي شهدها العقد الأخير من الزمن، على كل الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الأمنية، تأثيراتٌ هامة على السياسة العالمية و خريطة التحالفات و التوازنات، و بالتالي على السياسات الخارجية للعديد من الدول العظمى و الإقليمية، كلٌ منها في إطار سعيها إلى الحصول على مكاسب جديدة في النظام العالمي من جهة، و لمواجهة التحديات من الدول الأخرى الصاعدة التي تحاول استقطاع ذاك النفوذ كلِه أو بعضِه، لصالح صعودها الشخصي على سُلَّم النفوذ العالمي من جهة أخرى. 
و لما كانت الدول الإقليمية هي الفاعل الأبرز على الصعيد العالمي في هذه الحقبة بالذات، اتجهت الأنظار بشكل كبير إلى طريقة تفاعل هذه الدول مع مكونات النظام العالمي في إطار سعيها لحجز مقعدٍ مؤثرٍ في النظام العالمي الجديد الذي يُعدُّ حالياً قيد التبلور.. 
و في سياق الحديث عن الدول الإقليمية، و خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، تأتي المملكة العربية السعودية على رأس الدول التي يعد من الضروري التعمق في دراسة حركاتها السياسية و تغير سياساتها الخارجية، لاسيما أن المملكة كانت أول الدول العربية و الشرق اوسطية التي بدأت باتخاذ توجهات تقاربية مع المحور الشرقي الصاعد، و قد كان هذا واضحاً في علاقاتها مع كل من روسيا و الصين اللذان يعتبران الخصمين الأبرز للولايات المتحدة الاميركية التي كانت تقليدياً صاحبة النفوذ الأكبر في منطقة الخليج العربي و الشرق الأوسط.

تَغيّرُ السياسات الخارجية السعودية.. الخلفيّاتُ و الأسباب:

لطالما عُرِفَت المملكة العربية السعودية منذ عقودٍ من الزمن بمتانة علاقاتها مع الغرب و خصوصاً مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعتبر الحليف الاستراتيجي الأول للملكة في شؤون السياسة و الأمن و الاقتصاد، أي باختصار، كانت المملكة تُعدُّ جزءاً لا يتجزأ من المحور الأميركي كونها أهم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط و المنطقة العربية، لكن تغير العوامل السياسية و الاقتصادية على الصعيد العالمي في الفترة الأخيرة جعل من المملكة العربية السعودية تبدأ العمل على إنجاز تحولات كبيرة و هامة في سياساتها الخارجية تجاه المحور الغربي و في علاقاتها مع الدول المنضوية تحت ما يعرف بالحلف المعادي للولايات المتحدة أو the anti-american states. 
فما هي خلفيات و أسباب التوجهات السعودية الجديدة:

أولاً: اختلاف الاستراتيجيات الشرق أوسطية: خصوصاً في الشأن الإيراني و مسألة الأذرع الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة ، إذ أن المملكة العربية السعودية تعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية تساهلت في التعامل مع إيران خاصةً في مسألة الملف النووي الإيراني، إذ ترى المملكة أن تصاعد قدرات إيران النووية يهدد أمن المملكة خصوصاً لجهة تطور البرنامج الصاروخي، إذ طلبت المملكة العربية السعودية من حلفائها في الولايات المتحدة إما وقف تصاعد القدرات النووية الإيرانية و اما تطوير المملكة العربية السعودية  قدرات نووية لتحقيق توازن القوى في منطقة الخليج وهو ما لم تنفذه الولايات المتحدة الأمريكية. 
ثانياً: اختلاف الاستراتيجيات الأمنية: إذ تعتبر المملكة العربية السعودية أن حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية لم تقم بواجبها بالحفاظ على أمن حلفائها في المنطقة العربية و خصوصاً الأمن السعودي الذي تعرض للعديد من المخاطر بسبب الميليشيات المُسلّحة الموجودة في اليمن و المدعومة من إيران و التي استهدفت خلال كثير من المرات الأراضي السعودية عبر طائرات مسيرة، كما ان الولايات المتحدة الأمريكية لم تتعامل بحزم مع المتمردين المدعومين من إيران في اليمن عبر التساهل في دعم قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن و عدم استخدام الوسائل العسكرية و الدبلوماسية الكافية للضغط على إيران لإجبارها على التراجع عن أنشطتها المزعزعة للاستقرار في اليمن. 
ثالثاً: اختلاف التوجهات الاقتصادية: خصوصاً في مجال أسواق الطاقة و النفط، اختلفت المملكة العربية السعودية مع حلفائها في الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية حول مسألة تحديد أسعار النفط، إذ أن الدول الغربية الصناعية تعتمد على استيراد النفط بشكل كبير من منطقة الشرق الأوسط خصوصاً المنطقة العربية و بالتالي فإنها تستفيد من انخفاض أسعار النفط و الغاز الطبيعي، بينما يشكل هذا الانخفاض في الأسعار أزمة اقتصادية بالنسبة للدول العربية المصدرة للنفط و خصوصاً المملكة العربية السعودية، لا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تحاول الضغط على حليفتها السعودية من أجل خفض أسعار النفط متجاهلةً بذلك مصالح و تطلعات حلفائها من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، ما يعتبر أساساً لزعزعة ثقة المملكة بمدى جدوى التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. 
رابعاً:  اختلاف التوجهات التنموية: إذ تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنويع اقتصادها لتحويله من اقتصاد معتمد على النفط بشكل أساسي إلى اقتصاد متنوع، و من المعروف أن مسألة التنمية الاقتصادية تحتاج إلى عنصرين أساسيين هما التقنية (التكنولوجيا) و راس المال، و من الواضح أن رأس المال موجود بفوائض كثيرة في السعودية، لكن هناك نقص في التقنية التي لا بد من استيرادها من الخارج، لكن الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في تحول دول الشرق الأوسط إلى دول نامية مصنعة و منتجة، بل ترغب في إبقائها كمنابع نفط و أسواق استهلاكية للسلع الغربية، و بالتالي فإن الغرب ليس على استعداد لتصدير التقنية إلى دول الشرق الأوسط لا سيما المملكة العربية السعودية التي يعتبرها الغرب سوقاً استهلاكياً ضخماً للسلع الغربية، و بناءً على ما تقدم، فإن السعودية أدركت في الفترة الأخيرة أن التحالف الاستراتيجي مع الغرب لن يؤتى بثماره على مستوى تحقيق الطموحات السعودية في الشراكة و النمو و تنويع الاقتصاد، و بالتالي فيجب النظر في إعادة رسم العلاقات الخارجية السعودية بما يتناسب مع تحقيق الأهداف الوطنية على مستوى التنمية و الاقتصاد.

بدايةُ التحرر من عوائقِ التحالفِ الاستراتيجي مع الغرب..و بريكس أوّلُ الحلول:

إن كل الأسباب التي ذكرناها أعلاه، دفعت المملكة العربية السعودية إلى التفكير جدياً في التخلص من ما أصبحت تعتبره عبء التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن هذه الأخيرة لا تريد أن تضع المصالح و الطموحات السعودية في عين الاعتبار عند تبادل الأدوار بين الجانبين، و لا تريد أيضاً أن تترك المملكة تمضي في تحقيق أهدافها عبر تقوية العلاقات مع فاعلين آخرين على المستوى الدولي، باختصار، شكلت كل هذه الأهداف مجتمعة، رغبة سعودية جامحة بالتوجه نحو الشرق، أي نحو خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار سعي السعودية إلى إعادة رسم خريطة علاقاتها الخارجية و تحالفاتها لكي تتوافق أكثر مع طموحاتها الوطنية..

و هذا  دفع بالمملكة العربية السعودية إلى الاهتمام بالانضمام إلى مجموعة دول البريكس، و هي تكتل اقتصادي عالمي بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر/أيلول 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
يضم هذا التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكلمة "بريكس" (BRICS) بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول.
هناك عدد من المكونات التركيبات المالية والاقتصادية في البنية المالية لبريكس، أهمها وهما بنك التنمية الجديد (NDB) أو يشار إليهما أحيانا باسم بنك تنمية البريكس وترتيبات الاحتياطي الاحتياطي (CRA). تم توقيع كل من هذين المكونين في معاهدة في عام 2014 وتم تنشيطهما عام 2015.
أصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل.
كما بدأت الصين في تطوير نظام الدفع الخاص بها والذي يسمى نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك  'CIPS’  -Cross-Border Inter-Bank Payments System   والذي سيكون بديلاً لنظام سويفت. وهو نظام مدفوعات بديلة مخطط لـ SWIFT التي من شأنها أن توفر شبكة تمكن الشعوب في جميع أنحاء العالم لإرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات المالية في بيئة آمنة وموحدة وموثوقة.
كما تشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة "مجموعة السبع" (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.

و هنالك معادلة اقتصادية يتفق عليها أغلب الباحثين والمتخصصين والتي تقول (أنهُ كلما زادت مساحة الدول الجغرافية زادت حظوظها في الحصول على الموارد الطبيعية المتنوعة والثرورات الباطنية التي تحتاجها في تنمية اقتصادها)، ولو أخذنا هذه الفكرة وطبقناها على البريكس لوجدنا أن روسيا الاتحادية هي أكبر دولة من حيث المساحة في العالم وفي البريكس بريكس تشكلها دول في أربع قارات: البرازيل في الأمريكتين، روسيا في أوروبا، الهند والصين في آسيا وجنوب أفريقيا في أفريقيا. تغطي الدول الأعضاء فيها مساحة تزيد على 39,000,000 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 27٪ من مساحة سطح الأرض في العالم.
و لهذه الأسباب مجتمعة، تشكلت الرغبة السعودية في سلوك الاتجاه الشرقي، خصوصاً نحو دول البريكس، إذ أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ، الشهر الماضي حرص بلاده على تطوير التعاون المستقبلي مع مجموعة "بريكس" من خلال الاستفادة من القدرات والإمكانيات التي تمتلكها الرياض ودول "بريكس" بهدف تلبية المصالح المشتركة وتحقيق الازدهار للجميع.
وقال الأمير فيصل بن فرحان، إن المملكة العربية السعودية لا تزال أكبر شريك تجاري لمجموعة بريكس في الشرق الأوسط، والعلاقات التجارية مع دول البريكس شهدت نموًا كبيرًا يعكس العلاقات المتنامية والمتطورة مع دول المجموعة؛ حيث ارتفع إجمالي التجارة الثنائية مع دول المجموعة من 81 مليار دولار في عام 2017 إلى 128 مليار دولار في عام 2021، وتجاوز 160 مليار دولار في عام 2022.
وأشار إلى أن السعودية تتشارك مع دول مجموعة "بريكس" قيمٌ أساسية، وهي الإيمان بأن العلاقات بين الدول تقوم على مبادئ احترام السيادة وعدم التدخل والتمسك بالقانون الدولي، ووجود أطر عمل متعددة الأطراف وعمل جماعي كنقاط مرجعية لمواجهة التحديات المشتركة، وأن المملكة تتشارك أيضًا مع دول "بريكس" الإيمان بأهمية السلام والأمن والاستقرار؛ من أجل إعادة تركيز الجهود نحو التنمية الوطنية والازدهار المشترك.

كيف يمكن أن تستفيد السعودية من بريكس؟:

يعتمد اقتصاد المملكة العربية السعودية بشكل كبير على صادرات النفط ، مما يجعلها عرضة للصدمات في سوق الطاقة العالمي. من خلال الانضمام إلى البريكس ، يمكن تنويع هذا الاعتماد الاقتصادي وتوسيعه ليشمل قطاعات أخرى من الاقتصاد. أن تكون جزءًا من مجموعة البريكس يمكن أن يكون مفيدًا من حيث الوصول إلى أسواق جديدة وفرص الاستثمار. كعضو في هذه المجموعة ، ستتمكن المملكة العربية السعودية من الوصول إلى أكبر الأسواق الناشئة في العالم ، والتي بدورها يمكن أن تزود المملكة بقنوات جديدة للتجارة والنمو الاقتصادي المتزايد.
ومن المزايا الأخرى التي ستتمتع بها المملكة العربية السعودية كعضو في مجموعة البريكس هي الوصول إلى نقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة، اذ تشتهر دول البريكس بنقاط قوتها في الابتكار والتكنولوجيا. 
فمن خلال الانضمام إلى البريكس ، يمكن للمملكة العربية السعودية الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة لدعم الصناعات المختلفة ، وتطوير صناعات جديدة للتنويع الاقتصادي. يمكن أن يكون تبادل المعرفة بين أعضاء البريكس مفيدًا أيضًا للاقتصاد السعودي ، لأنه سيمكن من نقل المهارات والخبرات والتكنولوجيا في مجالات مثل الزراعة وتطوير البنية التحتية والتصنيع المتقدم.
علاوة على ذلك ، فإن الانضمام إلى بريكس سيوفر أيضًا للمملكة العربية السعودية منصة للمشاركة في صنع السياسات العالمية. عُرفت مجموعة البريكس بدفعها نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتعدد الأطراف، بتعبير آخر، كسر الهيمنة الأحادية الأميركية.. 
فكونها عضوًا في هذه المجموعة يعني أنه يمكن للمملكة أن يكون لها صوت وتأثير بارز في المناقشات العالمية وأن تتمتع بإمكانية الوصول إلى مؤسسات ومنتديات الحوكمة العالمية الهامة. وهذا سيمكن المملكة من لعب دور أكثر بروزًا في السياسة العالمية ، وتعزيز مكانتها الدبلوماسية ، وتعزيز مصالحها الاقتصادية على الساحة العالمية.
إذ تمتلك المملكة العربية السعودية الكثير من الإمكانات للانطلاق من خلال كونها عضوًا في مجموعة البريكس. من خلال توسيع الاقتصاد إلى ما بعد النفط ، والوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والأسواق الجديدة ، وتعزيز تأثير سياستها العالمية ، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتمتع بتنمية ونمو اقتصاديين دائمين وطويلي الأمد. 
فالانضمام إلى مجموعة بريكس يخلق شرطا لهذه الفوائد، كما ستكون فرصة للمملكة للاستفادة من خبرة المجموعة ومواردها لتحقيق أهداف التنويع الاقتصادي في نهج قائم على الشراكة.
و لكن إن كانت هذه هي الفوائد التي قد تجنيها السعودية من انضمامها إلى مجموعة دول البريكس، فكيف ستستفيد هذه المجموعة بالمقابل من انضمام السعودية لها؟ :

أولاً:  الاستثمار: تمتلك المملكة العربية السعودية قدرًا كبيرًا من رأس المال وتتطلع إلى تنويع استثماراتها. يمكن أن تقدم دول البريكس فرصًا استثمارية جذابة للمملكة العربية السعودية ، مما يؤدي إلى منافع اقتصادية متبادلة.
ثانياً:  الطاقة: المملكة العربية السعودية لاعب رئيسي في سوق النفط والغاز ، ويمكن أن تزود دول البريكس بهذه الموارد.
ثالثاً:  البنية التحتية: تمتلك المملكة العربية السعودية خبرة كبيرة في تطوير البنية التحتية ، بما في ذلك في مجالات مثل النقل والطاقة والمياه. يمكن أن تستفيد مجموعة بريكس من هذه الخبرة في بناء وتحسين بنيتها التحتية الخاصة.
رابعاً: التجارة: تتطلع المملكة العربية السعودية إلى توسيع علاقاتها التجارية بما يتجاوز صادرات النفط والغاز ، ويمكن أن تستفيد من التجارة مع دول البريكس. يمكن أن تستفيد دول البريكس بدورها من خلال توسيع علاقاتها التجارية وتنويع اقتصاداتها.
خامساً:  الدبلوماسية: باعتبارهما لاعبين رئيسيين في المشهد السياسي العالمي ، يمكن أن تستفيد دول البريكس والمملكة العربية السعودية من زيادة الدبلوماسية والتعاون. يمكن أن يشمل ذلك العمل معًا في قضايا مثل تغير المناخ والأمن الدولي والاستقرار الإقليمي.

التّوجُه السعودي شرقاً..بين التطّلُعاتِ السياسيةِ و الاقتصادية:

انه من غير الممكن واقعياً فصل السياسة عن الاقتصاد أو فصل الاقتصاد عن السياسة، فإن تزاوج المال و السلطة (بمعنى آخر السياسة و الاقتصاد) هو من ركائز علم السياسة و الحكم، و في إطار المفهوم الحديث عن التوجه السعودي نحو الانضمام إلى مجموعة البريكس، يقول الكاتب الروسي ألكسندر نازاروف، أنه و بعكس المفهوم الراسخ والخاطئ، فإن مجموعة "بريكس+" (أي بريكس +السعودية) ليست منظمة اقتصادية، إنما منظمة سياسية بحتة، على الرغم من احتفاظها بمظهر الأولى. في واقع الأمر، "بريكس+" هي رابطة للدول غير الراضية عن حقيقة أن تأثيرها السياسي على النظام العالمي أحادي القطب أقل بكثير من إمكاناتها الاقتصادية أو العسكرية. وهدف هذه الدول الأوحد هو استبدال النظام العالمي الراهن بنظام جديد، يكون لهم فيه وزن أكبر بكثير.
و لا يوجد ما يجمع هذه الدول أكثر من تلك الحقيقة، لكن الغرب لا يزال شريكهم الرئيسي في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا، ولا يزال معظم حجم التبادل التجاري لهذه الدول مع دول الغرب الجماعي، ولهذا السبب، لم تتجاوز المشروعات الاقتصادية والتكاملية لدول "بريكس+" حد الخطط والبيانات.
ولهذا السبب أيضا، من الممكن نسيان فكرة عملة البريكس الموحدة.
ذلك أنه لإنشاء عملة موحدة، من الضروري إنشاء مركز لإصدار النقود المشتركة، ولهذا من الضروري التخلي عن جزء كبير من السيادة في المجال الاقتصادي. لكن أعضاء المنظمة لا يسعون إلى تقليص درجة سيادة سياساتهم، بل على العكس من ذلك، يسعون لزيادتها. أي أن عملة "بريكس+" الموحدة مستحيلة من حيث المبدأ، لأنها تتعارض مع الهدف الرئيسي غير المعلن لهذه المنظمة.
ومع ذلك، فإن الخروج المؤقت عن هذا المبدأ ممكن فيما يتعلق باليوان الصيني، والذي يعتبره معظم المشاركين بمثابة المعول الذي يمكن استخدامه ضد هيمنة الدولار. وكل ذلك تزداد إمكانيته بالنظر إلى الحصة المتزايدة للصين في التجارة الخارجية لكل عضو من أعضاء المنظمة، والصين تحتل الصدارة في المعتاد.
و يضيف نازاروف أنه ومع ذلك" فأنا على يقين أن الدول الكبيرة، مثل الهند وروسيا والبرازيل لن تتخلى عن طموحاتها الخاصة، وستحاول جعل عملاتها، على أقل تقدير، إقليمية. بدلا من ذلك، سيحصل اليوان أولا على وضع إحدى العملات العالمية، وبعد ذلك، سيحصل بهذه الصفة على بعض المزايا في إطار "بريكس+"، أو سيدخل في سلة العملات للكتلة، والتي تتكون من عدة عملات".
إذ تحتاج المنظمة إلى أن تقرر ما إذا كانت ستصبح "مجتمع أصدقاء الصين"، أو أنها ستصبح أساسا لإنشاء أمم متحدة مستقبلية، حيث سيكون جوهر الأعضاء القياديين في المجموعة هو مجلس الأمن الجديد في "بريكس+".
و بالطبع، تهتم الصين أكثر من غيرها بتوسيع وتعزيز دور "بريكس+"، والذي لا يمكن إنكار دورها فيها. وليس من قبيل الصدفة أن تكون الصين هي البادئ في مبادرات زيادة عدد أعضاء المنظمة في كلتا الحالتين، حيث أن دورها في مجموعة "بريكس+"، على ما يبدو، سوف ينمو، لا سيما فيما يتعلق بالمكون الاقتصادي.
ومع ذلك،  فإن وجود روسيا والهند وغيرهما من الدول الكبيرة والطموحة في صفوف "بريكس+" سيمنع أي احتكار داخل المنظمة.

توسُّع البريكس علامةٌ أولية على تَبَلوُرِ النظام العالمي الجديد:

إذ بينما تتطور حرب الغرب ضد روسيا إلى حرب ضد الصين، أي في الواقع، إلى حرب عالمية، سيكون هناك حتما إعادة تصنيف مع دول ثالثة بحسب انتمائهم إلى معسكرات مختلفة، وقليلون هم من سيستطيعون البقاء على الحياد، فيما ستصبح "بريكس+" حينها بمثابة نوع من المظلة، التي لن تترك الدول الإقليمية فرادى وجها لوجه أمام الضغط الأمريكي.
كما أنه من الواضح أن المنظمات الدولية القائمة، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، تخضع لسيطرة واشنطن بالكامل، وفقدت طابعها الدولي الحقيقي، فيما تهدف مجموعة "بريكس+" إلى استبدالها كمنظمة دولية حقيقية.
إلا أنه، وفي نفس الوقت، لا يمكننا حتى الآن الحديث سوى عن الخطوط المبدئية للنظام السياسي العالمي المستقبلي، وليس من الواضح أي منظمة ستلعب أي دور. على سبيل المثال، فقد انضمت المملكة العربية السعودية، الأربعاء الماضي، إلى منظمة شنغهاي للتعاون، كشريك في الحوار. ربما تكون منظمة شنغهاي للتعاون هي التي ستتعامل مع القضايا الأمنية، وليس "بريكس+". على أي حال، فإن نشاط السعودية في هذا الاتجاه، إلى جانب استعدادها لرفض التجارة بالدولار، هو مؤشر واضح ويتوافق تماما مع روح العصر.
و ختاماً يقول الكاتب ان "بريكس+" ومنظمة شنغهاي للتعاون هي هياكل النظام العالمي الجديد، ورابطة الدول الصاعدة، التي تقف مقابل التكتلات التي تغرب شمسها مثل حلف "الناتو" و"أوكوس" AUKUS وغيرها. والدول التي تنضم إلى مجموعة "بريكس+" ومنظمة شنغهاي للتعاون هي تلك الدول التي تسعى للحصول على أماكن مميزة في النظام العالمي المستقبلي، للدخول في المليار الذهبي الجديد. وعلى الرغم من ذلك، وكما يقول المثل الروسي الشائع: لا تقل "هوب" قبل أن تقفز، سيتعين علينا أولا أن نمرّ بالعقد شديد الصعوبة الذي ينتظرنا الآن…
في نهاية المطاف، إن التوجهات التي تعتزمها العديد من دول المنطقة و خصوصاً المملكة العربية السعودية حول مسألة التوجه شرقاً لا يمكن الحكم عليها قبل بدايتها بالفشل أو النجاح، فالتوجه شرقاً اليوم في ظل التغييرات التي يشهدها النظام العالمي أصبح ضرورة لا بد منها، و لكن و على الرغم من صعود القوى الشرقية المناوئة للولايات المتحدة و الغرب، فإنه لا يمكن اغفال أن هذه القوى رغم صعودها فإنها مجتمعة لا ترقى إلى المستوى الذي يؤهلها من خوض المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها في أوروبا و آسيا، و لهذا فإن نجاح إستراتيجيات التوجه شرقاً يجب أن يقوم عدة عوامل أهمها العقلانية و التوازن، فلا يمكن التوجه شرقاً بكل الآمال و الإمكانيات الوطنية و اغفال قدرات المحور الغربي، و كما أنه لا يمكن الاستفادة من التعاون مع المحور الشرقي دون إتمام مبدأ توازن العلاقات و التفاعلات مع كلا المحورين بشكل لا يقصي المصالح الوطنية للمملكة العربية السعودية من جهة، و لا يقصي أيضاً مصالح دول المحورين الشرقي و الغربي من جهة أخرى. 
و عليه، فإنه من الضروري خلال صناعة القرار الخاص باستراتيجية التوجه شرقاً مراعاة الحفاظ على التوازن بين العلاقات مع الشرق و الغرب، إضافة إلى مراعاة كيفية تطبيق هذه الاستراتيجية و توقيتها و آليات الاستفادة منها، تفادياً لأي نتائج سلبية قد تنبع من التطبيقات العملية لمثل هذه الإستراتيجيات التي تحتاج إلى خبرة و حنكة سياسية لكي تطبق على وجه لا يؤدي إلى نتائج معاكسة لتلك المبتغاة..