الخرافة والعبقرية

news image

✍️   عبدالله العميره

 

في عالمٍ تتصارع فيه المفاهيم بين العقل والخرافة، يُطرح سؤالٌ مفصلي وجريء:
هل من الممكن لمجتمع غارق في الخرافة والتخلف، أن ينتج عباقرة يقودون العالم؟

ببساطة… الإجابة تحمل وجهي الحقيقة.

 

عبقرية مشوهة أم عبقرية محررة؟

الخرافة تقيّد العقل، وتقتل روح السؤال، وتبني حول الإنسان أسوارًا من الوهم.

العبقرية تحتاج إلى تربة خصبة: حرية فكر، جرأة على التساؤل، إحساس بالمسؤولية تجاه الحقيقة.

لا يعني ذلك أن العقول الاستثنائية لا تظهر أبدًا في بيئات متخلفة،
لكنها غالبًا تكون كومضات برق في ليلٍ كثيف — عباقرة يولدون رغم المجتمع، لا بفضله.

صحيح، إذا كان العباقرة الحقيقيون لم يستطيعوا تغيير مجتمعاتهم، فكيف نتوقع أن يقودوا العالم؟

🔵 السبب الأول: العائق البنيوي للمجتمع المتخلف.

المجتمع الذي يغرق في الخرافة والجهل لا يمنح العبقري فرصة.

بل كثيرًا ما يقاومه، يسجنه، يسفه أفكاره، أو يجبره على الرحيل.

🔵 السبب الثاني: العبقرية الفردية تختلف عن التغيير الجماعي.

قد يكون الإنسان عبقريًا في الفيزياء أو الأدب أو الرياضيات… لكنه لا يملك وحده أدوات التغيير السياسي أو الاجتماعي الجذري.

التغيير يحتاج مؤسسات، تعليم، ثقافة مجتمعية، لا عبقريًا واحدًا فقط.

🔵 السبب الثالث: هجرة العباقرة.

كثير من العباقرة في العالم الثالث يضطرون للهجرة إلى بيئات حاضنة (أوروبا، أمريكا...) كي يستطيعوا الإبداع.

بمعنى آخر: عبقريتهم تظهر حين يتحررون من البيئة الخانقة.

🔵 النتيجة: العبقرية لا تكفي وحدها لصنع النهضة.

تحتاج مجتمعًا يقدّرها، ويستثمرها، ويؤمن بها.

 

عبقرية الفرد... وعجز المجتمع

قد تظهر العقول الاستثنائية أحيانًا في بيئات متخلفة، لكنها غالبًا كومضات برق في ليلٍ كثيف — عباقرة يولدون رغم المجتمع، لا بفضله.
وهنا يبرز سؤال جوهري:
إذا لم يستطيعوا تغيير مجتمعاتهم، فكيف نثق أنهم قادرون على الإسهام في ارتقاء العالم؟

الإجابة مركبة:

المجتمع المتخلف لا يمنح العبقري فرصة، بل قد يحاربه أو يطرده.

العبقرية الفردية لا تعني بالضرورة امتلاك القوة السياسية أو الاجتماعية لصنع نهضة كاملة.

كثير من العباقرة لا يجدون بيئة حاضنة إلا خارج أوطانهم.

النهضة تحتاج إلى تكتل من العقول والمؤسسات لا فردًا معزولًا.

🔎 لذلك، عندما ينطلق العبقري من بيئة متحررة تحتضنه — يصبح قادرًا على تقديم مساهمته للعالم، التي ربما حُرم منها في بلده الأصلي.

 

العبقرية والابتكار… ذاتية أم مكتسبة؟

العبقرية في جوهرها طاقة ذاتية فطرية.

لكن هذه الطاقة تحتاج إلى مكتسبات بيئية لتتفتح:

عائلة تغرس حب المعرفة بدلًا من الخضوع الأعمى.

شارع يُكافئ الإبداع بدلًا من احتقار المختلف.

مجتمع يحتضن الأفكار، لا يخنقها باسم العادات.

دولة تفتح المدارس والمختبرات، لا تكدّس الشعارات والخرافات.

🔎 بدون هذه الروافد، قد يموت العبقري خامدًا… أو يهاجر بحثًا عن فضاء يتنفس فيه.

 

هل يمكن لرجل من عالم ثالث متخلف أن يقود هيئةذات طابع دولي؟

نعم… لكن بشروط قاسية.

الفرد قد يتجاوز بيئته إذا امتلك إرادة خارقة للتغيير الشخصي.

لكنه يظل يحتاج إلى تبنٍّ دولي، ودعم منظومات حديثة، ومؤسسات تعترف بالكفاءة لا بالجغرافيا.

رجل من عالم ثالث يقود الأمم المتحدة؟ ممكن.
لكن بشرط أن يكون قد نجا بذهنه من تلوث الخرافة والتخلف الذي نشأ فيه.

 

العلاقة بين التقدم والإبداع العالمي

التقدم في الدول ليس رفاهية حضارية… بل هو الحاضنة الطبيعية للإبداع.

المجتمعات المتقدمة تخلق بيئات تشبه "الحاضنات" للعقول الخلاقة:
🔵 حرية التعبير،
🔵 احترام العقل،
🔵 دعم البحث العلمي،
🔵 احتضان الفشل كجزء من الطريق للنجاح.

بينما المجتمعات المتخلفة غالبًا: 

🔴 تجرّم التجديد،
🔴 تكفر التجربة،
🔴 تحتقر الموهبة المستقلة.

🔔 لذلك، العبقرية الفردية ممكنة هنا وهناك…
لكن العبقرية الجماعية، تلك التي تصنع حضارات، لا تنمو إلا فوق أرض تحررت من الخرافة.

 

🌀 ومضة:

الخرافة تزرع الخوف، والعقل يزرع الأمل.

✨ تأمل ختامي: هل العبقرية تكفي؟

قد يقال: إذا كانت العبقرية تظهر في البيئات المتخلفة كما تظهر في المتقدمة،
فلماذا تبقى المجتمعات المتخلفة أسيرة الجمود والانحطاط؟
ولماذا لا ينهض العباقرة بها كما ينهضون بغيرها؟

الإجابة المؤلمة أن العبقرية، رغم عظمتها، لا تكفي وحدها لبعث نهضة.
العبقري قد يبدع فكرة أو يخترع نظرية،
لكنه بحاجة إلى مجتمع يؤمن بالعلم أكثر من الخرافة،
ويقدس العقل أكثر من العادة،
ويحتضن المحاولة بدل أن يكسر المجددين.

🔵 المجتمع الذي يخنق مبدعيه، يدفعهم إما إلى الهجرة، أو إلى الصمت.
🔵 والعبقرية التي لا تجد مؤسسات تتبناها، قد تبقى مجرد ومضة تُبهر ثم تنطفئ.

من هنا، نفهم أن الإبداع لا ينقذ أمةً بمفرده.
بل الإبداع يحتاج بيئة حرة، وعقلية جماعية تؤمن أن التقدم رحلة جماعية، لا مغامرة فردية.

في النهاية: العباقرة يصنعون الأفكار، لكن المجتمعات الحية وحدها هي التي تصنع الحضارات.

🖼️ تعليق الصورة:

"الصورة تخاطب النخبة الواعية، لا الجمهور العابر.
الصورة تطلب من المشاهد أن يفكر، لا أن يستهلكها بنظرة واحدة.
هنا في بث؛ فكر… هنا رمزية… هنا أشياء تستحق التأمل."

⟡ "في بث... نكتب للعقول، لا للصدفة."