مفارقات في زمن الكاميرا الكاذبة

news image

 

✍️ عبدالله العميره

BETH – تحليل خاص

قال الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس إن إيران طلبت منه نقل "بعض الرسائل" إلى إسرائيل. تصريح جريء في توقيت بالغ الحساسية. لكن المدهش ليس التصريح بحد ذاته… بل فيمن تصدى لنفيه. لم يكن مسؤولًا رسميًا إيرانيًا، بل محللًا ظهر على إحدى القنوات الإيرانية ليقول: "هذا غير ممكن… لأن في ذلك اعترافًا ضمنيًا بإسرائيل".
عجيب!

هذا النفي وحده كافٍ لفتح بوابة أسئلة عميقة:
ما الذي تعنيه "إسرائيل" لإيران؟
هل هي دولة؟ أم كيان غير معترف به؟ أم كائن إعلامي يستخدم في الخطاب أكثر مما يُستخدم في المواجهة؟
ولماذا لم "تمحُها" طهران منذ عشرات التصريحات التي وعدت بذلك؟
أسئلة لا نطلب فيها تعمقًا فكريًا… بل فقط قليلًا من المنطق.

 

🧠 مفارقات الحرب… عندما تصرخ الصورة وتكذب الكاميرا

في مشهد آخر من مسرحية المفارقات، ظهر وزراء في إسرائيل يتفقدون مواقع "الدمار" بعد الضربة الإيرانية. مشهد معتاد من حيث الشكل، لكن المضمون يحمل رسالة: إظهار الجانب الإنساني الإسرائيلي واستدرار تعاطف العالم.

في تلك الجولة ليس الزيارة، بل التركيز على شخصيات مشهورة بالتطرف والعدوانية ، مكروهة  عربيا وعالمياً - أعني وزير الأمن الداخلي ، ابن غفير. هذا وجوده في الكادر، يؤثر على التعاطف.
ابن غفير  عنوان كبير من عناوين الكراهية..

المثير في تجوال الكاميرات ، ترك الدمار، والتركيز على : دمية وسط الأنقاض،  وفي التسجيل وإيقاف الصورة ، يتضح أنها وضعت بيد فاعل للتأثير !!
لقطة مكررة، أثارت في ذهني مشهدًا قديمًا من أحداث 11 سبتمبر، حين قفزت الكاميرات فوق أكوام الحديد المحترق، لتصور جواز سفر "سليم" يظهر اسمه عربيًا… لتُحسم هوية الفاعل لحظتها.

ما أشبه الأمس باليوم…
الدمية هنا ليست سوى أداة توجيه عاطفي، صُنعت لتخلق مشهدًا "طفوليًا" على جثث السياسة.
وهنا تكمن جريمة الإعلام.

 

🎙️ الإعلام في زمن الحرب: مرآة نقيّة أو خنجر مسموم؟

الحروب تكشف كل شيء…
تكشف الجبناء والشجعان.
تكشف القادة الفعليين… وتُسقط الممثلين.
وتكشف – وهذا الأهم – الإعلام الحقيقي من الإعلام المزيف.

في كل حرب، يتساقط القناع عن القنوات التي تدّعي الموضوعية.
فتارةً نجد من يغرق في ثرثرة خالية من الجوهر،
وتارةً نرى مذيعًا عربيًا يستند إلى "رويترز" أو "تايمز أوف إسرائيل" وكأنها مرجع علمي لا يُمس، بينما وكالة أنباء بلده تُركن على الرف.

ما يؤلم فعلًا هو أننا، في عالمنا العربي، نمتلك الكاميرات… لكن لا نمتلك الرؤية.
نمتلك منصات… لكن نفتقر إلى عقول تحريرية مستقلة.
ندير إعلامًا… لكننا لا نُدير روايتنا.

 

🌐 إلى متى نعيش بعيون غيرنا؟

لطالما دعوت – بصوت عالٍ وأحيانًا وحدي – إلى أن تتحول وكالة بث (BETH) إلى وكالة أنباء عالمية.
ولكن من يسمع؟
كأن قدرنا في العالم العربي هو أن نظل مستهلكين لروايات الآخرين، حتى وإن كانت محشوة بالمغالطات.
والحجة الدائمة؟ "الإعلام العالمي له أدواته".
بل الحقيقة: نحن من استسلمنا قبل المعركة.

نملك في أوطاننا طاقات مذهلة… شباب وشابات يفهمون الإعلام الرقمي، ويملكون الحس الصحفي، ويجرؤون على السؤال.
لكننا نحاصرهم بصورة نمطية، ونستبدلهم بمكرّرين يُجيدون الصراخ ولا يعرفون ما الفرق بين العنوان والتحليل.

 

✊ حين يصبح الإعلام سلاحًا… لا بد أن نُحسن استخدامه

لا يمكن الفصل بين الإعلام والحرب… وبين الإعلام والسلام.
في الحرب: الإعلام يُجنّد.
وفي السلم: الإعلام يُوجّه.
وفي الحالتين: من يملك الكلمة، يملك التأثير.

وما بين كاميرا تصور دمية باكية، وصوت يكرر "المصادر الغربية تقول"، هناك فراغ هائل اسمه:
الإعلام العربي الحقيقي.

الفراغ لا يُملأ بشعارات… بل بوكالات ذات مصداقية، تقف وسط العاصفة، وتقول: "هذه هي الحقيقة، وهنا صوت الإنسان".

 

🕊️ ومضة ختام:

أخطر سلاح في الحروب الحديثة… ليس الطائرات ولا الصواريخ، بل الإعلام.
ولن ننتصر يومًا، ما دمنا ننتظر من عدونا أن يروي قصتنا.

انتظرونا…