الإستثمار في الجهل.. أو العلم والإبداع ؟!

news image

 
كتب - عبدالله العميره

سأبدأ مقالي اليوم بهذا التنويه:
إنني لا أكتب من نفسي لنفسي.
أربعون عاماً من العمل الصحفي .. ممارس وقبل ذلك دراسة، وتثقيف، واطلاع مستمر. وأعتقد خبرة تكفي تجعلني أميز ما أقول، وما أسمع وأشاهد وأقرأ.
ومازلت في طريق الإستزادة؛ قدر الإستطاعة، رغم العقبات التي لم ولن تعيقني أبداً.
أكبر العقبات؛ أن تجد القليل المتعلم المبدع الواثق، يدفع بك إلى الأمام..
وتجد الكثير من الجهلة يقفون في وجهك، للحد من تطلعاتك.
حينئذ؛ أردد أبياتاً غناها  لطفي أبوشناق:
انا مواطن
وحاير انتظر منكم جواب
منزلى فى كل شارع .. كل ركن .. كل باب
واكتفى بصبرى وصمتى
وثروتى حفنة تراب
ما أخاف الفقر لكن
كل خوفى من الضباب
ومن غياب الوعى عنكم
كم اخاف من الغياب

إلى أن قال:

خذوا المناصب والمكاسب.
لكن خلّو لي الوطن.
يا وطن وأنت حبيبي..
يشهد الله والزمن.. أنا حلمي كلمة واحدة:
أن يظل عندي وطن

_____

العمل الصحفي أن تقرأ مايريده الناس وتتحدث عنهم، وأن تساعد على الإرتقاء بالعقول - قدر المستطاع.
الصحفي؛  هو الدارس الممارس الخبير، المثقف.
الصحفي البارع؛ هو السيكولوجي الماهر.
هو من يستطيع النزول إلى مستوى الناس ليرتقي بهم.
_____

العمل الصحفي في العالم العربي؛ مصاب بالإرهاق، بسبب اختلاف المفاهيم، واختلاف العقول. ولأن الصحافة تركت بابها مفتوحاً لكل من هب ودب. وأتاحت الفرصة لـ " زعيط ومعيط "؛ليلعب في ملعب وهو حافي القدمين - كملاعب زمان الترابية التي يحكمها قانون العصبة والتعصب والتحزب.
اختلاف المفاهيم والعقول في العالم العربي؛ بسبب اختلاف منابع العلم والثقافة.. كلها أوجدت طرق تفكير من خارج العقل.
في السنوات الماضية، أُجبرت الشعوب العربية على أن تتلقى معارفها، وثقافتها من مصادر داخلية محدودة، دون علم بما يجري حولها - في الخارج.
وكانت الصدمة؛ عندما أصبح العالم مفتوح. 
عندما هبطت التقنية لتكون سيدة الموقف.
ومع انتشار التقنية، واتساع دائرة الإنتشار الإعلامي؛ مازالت بعض العقول محشورة في دائرة ضيقة، يطغى عليها الجهل والتخلف في طريقة التفكير. لم يفكروا في الدائرة التي تفضح تخلفهم!
الجهل؛ خلق التعصب والتحزب. ولم يضعوا في أذهانهم أن تعصبهم وتخلفهم يتابعه الملايين على الأرض!
الشعب العربي يتحدث لغة واحدة، وتربطه أواصر الأخوة، في الدم والنسب. ولكن مازالت محاولات تجزئته قائمة.. مازالت فكرة  "الإستثمارفي الجهل" سائدة.
أرى - اليوم - صراعاً على الحواجز التي تحاول بعض الحكومات أن تفرضها، وبين شعوب تريد أن توسع من إندماجها الفكري، مع أشقائها الأقل تعصباً!
في الوقت ذاته؛ أرى بقايا تأثير الإعلام القديم.. أراه في التعصب. رغم التطور المذهل في التقنية، واتساع إنتشار الرسائل.
ليس الإعلام القديم فقط هو من يزرع الجهل المؤدي إلى التعصب. بل أرى من يحاول تعزيز التعصب والتشرذم في المجتمع العربي، بل في المجتمع الواحد بكل وسيلة متاحة. ومن الوسائل المهمة - عند الجهلة، وجود بعضهم في الصف الأمامي - في الرياضة، في الإعلام ..الخ. 
تم زرعهم، ومازالو باقين!
_____

رغم تلك المحاولات، وبعض من الواقع المؤلم؛ أرى بداية رحلة لتوعية العقول.. لتثقيفها.
نرى بداية تحول من "الإستثمار في الجهل والمشاعر البائسة" إلى "الإستثمار في العقول المبدعة".
_____

في السابق؛ لم يكن لدينا في المملكة العربية السعودية "رؤية / استراتيجية"؛ فكان العمل يسير كـ " خبط عشواء " وضاعت أموال كان بالإمكان استثمارها الإستثمار الأمثل.. أموال تم حشرها في بعض الجيوب، وبعثرت بعضها في أماكن أخرى، وقليل منها على الأرض .
لو حدث الإستثمار المبنى على رؤية - كما اليوم -  لكانت الإنطلاقة أكبر، وإلى آفاق أرحب.
ولكن ؛ "أن تأتي متأخرا خير من أن لاتأتي أبدا".
ولعل في الأمر خير.. لولا ما سبق، لما فهمنا كيف تتحرك العقول لتتجنب الأخطاء السابقة، وتبدع من أجل حاضر ومستقبل أكثر إشراقاً.

بتوفيق الله تعالى ، ومحبته سبحانه وتعالى لهذه البلاد؛ هيأ لنا الأمير محمد بن سلمان في هذا الزمن، وهو من أشد الأزمنة التي مرت؛ بعد فترة توحيد هذا الكيان.


الأمير محمد يقود أصعب ثلاث مهام:
إصلاح ما أفسده الدهر.
وبداية نهضة، رسمها في رؤية، وأطلقها لنرى نتيجتها تظهر على الأرض في مشاريع مبهرة.

وتعامل مع عالم متقلب وسياسات دولية لها أهدافها.

الأهم والأهم؛ الصبر .. والوقوف دوماً خلف قيادة مقتدرة عصرية، تفهم العالم جيداً.

 وعدم السماح لمن يريد أن نبقى على ما مضى من بطء، وعشوائية، وجهل، وتعصب وتناحر.. في المجالس والمكاتب والملاعب.
لابد من قطع دابر من يريد البقاء لتعزيز التعصب والتخلف، وسرقة الأموال ومصادرة العقول.

على المستوى الإجتماعي؛ المملكة فيها شعب عظيم جبار، صبور، محب لقيادته ووطنه حباً لايماثله حب  وارتباط في العالم.

وعلى المستوى الرياضي؛ في المملكة 170 نادياً رياضياً ، كل ناد له جمهور من هذا الشعب الجبار، لايمكن السماح لفئة أن تعزز التناحر، أو أن تستقل عن الرؤية العامة، أو تحاول أن تصنع لناديها الأفضلية  دون سواه من الأندية في الوطن الواحد.
كان الفساد شائع نتيجة وجود " إدارات عميقة"  تمارس التفريق، وتعزيز التناحر..
بئس من "إدارة عميقة" لاترى في الوطن إلا مصلحة ناديها المفضل. ولا ترى إلا لون ناديها المفضل، ولا اعتبار للون الأخضر!

نحن اليوم في عصر الرؤية التي يقودها  الأمير محمد بن سلمان إلى العالمية، لتكون المملكة قائدة للحضارة الإنسانية ولخير البشرية، وتحاول الإقتداء بها حكومات وشعوب العالم. وهو اقتداء إيجابي، إذا تم نقله وتطبيقه كما في الأصل. ولا يمكن التطابق مع الأصل إلا بالتعاون المعلن!
لامكان اليوم؛ إلا للمبدعين والمبدعات المخلصين والمخلصات للوطن وقيادته.
_____
الوقت يمضي، وليس أمامنا إلا أحد أمرين:

إما البقاء على  " الإستثمار في الجهل" ،  أو إلى " الإستثمار في العلم والإبداع والمبدعين والمبدعات".
أكيد؛ الأبقى والأنفع، والأطول عمراً، هو " الإستثمار في العلم والإبداع.. في الإنتاج المفيد".