كَيفَ سَتؤثّر الأزمةُ بين تُركيا و السويد على حِلف الناتو؟ و هل سَيُؤدي إمدادُ أوكرانيا بالأسلحةِ الثقيلة إلى صراعٍ مُباشِر بين روسيا و الأطلسي؟


تقرير - مروة شاهين - بث:
بعد مرور ما يُقارب العام من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال الدول الأوروبية المجاورة لروسيا تبحث عن شتّى السبل الممكنة لحماية أمنها و ضمانة عدم تعرضها لذات المصير الأوكراني، لاسيما في ظل تنامي التطلعات الروسية للتوسع غرباً نحو دول أوروبا الشرقية.
و كانت فنلندا والسويد من أولى الدول الأوروبية التي شعرت بحتمية الإحتماء بقوة عالمية تستطيع تجنيبها الغزو الروسي في المستقبل، خصوصاً أن السويد و فنلندا هي دول مجاورة لروسيا، و لا تتمتع بجيوشٍ ضخمة قادرة على التصدي لأي غزو عسكري روسي محتمل سواء في المستقبل القريب أو البعيد.
لذلك، كان حلف الناتو الخيار الوحيد المتواجد أمام هاتين الدولتين لضمان الحفاظ على الأمن و السيادة، إذ أن السلوك الذي إتبعته روسيا تجاه جارتها أوكرانيا ولّد كابوساً لدى الدول المجاورة لروسيا، و أصبحت الهواجس الأمنية هي الشغل الشاغل لدول أوروبا الشرقية الواقعة خارج نطاق حلف شمال الأطلسي.
و لكن، ليس كلّ ما تتمنّاهُ الدول تُدرِكْهُ، فمجرد عزم البلدين (فنلندا والسويد) الدخول إلى حلف شمال الأطلسي ليس كافياً بحد ذاته، و حتى إن وافقت الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم الحلف، فإن هذا يغني عن ضرورة حصول فنلندا والسويد على موافقة جميع الأعضاء المنطوين تحت مظلة حلف الناتو و البالغ عددهم ٣٠ عضواً.
تُركيا حجر عثرة في طريق فنلندا والسويد نحو الأطلسي:
فعلى الرغم من الإجماع الغربي على ضم الدولتين للحلف، تقف تركيا حجر عثرة في وجه عملية دخولهما للناتو، لأسباب تتعلق بتعاون الدولتين مع تنظيمات كردية معادية لتركيا، و في هذا الإطار، أبلغت تركيا كلا من السويد وفنلندا -خلال محادثات جرت في أنقرة منذ عدة أشهر-، أنها لن توافق على انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) إذا لم يتم تبديد مخاوفها الأمنية "بخطوات ملموسة وضمن جدول زمني معين".
و حول شروط تركيا لقبول انضمام الدولتين في الحلف، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في حينها : "توقعاتنا هي أن تقوم الدولتان بخطوات ملموسة بخصوص وقف الدعم للتنظيمات الإرهابية على أراضيهما، وعبر وسائل الإعلام، وقدمنا للوفدين وثائق وتقارير بهذا الخصوص أعدتها مؤسساتنا المعنية".
وأضاف قالن "كما أننا خلال العشر السنوات الماضية، قدمنا طلبات إلى السلطات السويدية والفنلندية لإعادة مطلوبين إلى تركيا، ولكن لم نحصل على أي ردود إيجابية حتى الآن، ولم يقدموا لنا أي أسباب مقنعة قانونية أو قضائية لعدم تحقيق مطالبنا".و أوضح المسؤول التركي أن أنقرة لمست موقفا إيجابيا بشأن رفع العقوبات الغربية عن توريد منتجات الصناعات الدفاعية إليها.
لكنّ مسألة دعم السويد و فنلندا التنظيمات الكردية المسلحة المعادية لتركيا و حظر تصدير منتجات الصناعات الدفاعية لم يعودا أساس المشكلة، بل برزت إلى الواجهة عثرات جديدة تمنع كون هاتين الدولتين حليفتين لتركيا في الناتو، ألا و هي الأزمة الدبلوماسية التي اشتعلت مؤخراً بين تركيا و السويد، و استدعاء تركيا السفير السويدي و إلغائها استقبال وزير الدفاع السويدي احتجاجاً على سماح السلطات السويدية لزعيم حزب الخط المتشدد راسموس بالودان بإحراق نسخة من القرآن الكريم أمام مبنى سفارة تركيا في العاصمة ستوكهولم.
شرخٌ دبلوماسي كبير يجتاح العلاقات بين تركيا و السويد:
و على إثر السلوكيات المشينة التي صدرت ضد المصحف الشريف، سادت موجة من الغضب و الاستنكار في كافة الدول المسلمة، إذ أدانت العديد من الدول العربية و من بينها المملكة العربية السعودية ومصر و المملكة الأردنية و الإمارات العربية المتحدة إضافة إلى دولٍ غير عربية كماليزيا و باكستان التعرّض للمقدسات الإسلامية، كما استنكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو سماح السلطات السويدية لزعيم حزب "الخط المتشدد" الدانماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان بإحراق نسخة من القرآن الكريم في العاصمة ستوكهولم، وأكد أن مثل هذه الجرائم لا يندرج في إطار حرية التعبير.
وقال أوغلو إنهم "لا يسمحون بحرق كتب أديان أخرى، لكن عندما يتعلق الأمر بالقرآن الكريم ومعاداة الإسلام يتذرعون فورا بحرية الفكر والتعبير".
وأكد الوزير التركي أن جرائم الكراهية والعنصرية لا تندرج في إطار حرية الفكر والتعبير، سواء وفق القوانين السويدية أو قرارات مجلس أوروبا أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ولفت إلى مسارعة تركيا لاتخاذ الخطوات اللازمة فور علمها بسماح السلطات السويدية للمتطرف بالودان بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام مبنى سفارة أنقرة في ستوكهولم.
وأشار أوغلو إلى استدعاء الخارجية التركية السفير السويدي لدى أنقرة إلى مقر الوزارة وتوجيه التحذيرات اللازمة له، موضحا أن السفير التركي لدى ستوكهولم يونات جان تزل تحدث بشكل مباشر مع وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم بهذا الخصوص.
وأعرب عن أمله باتخاذ السلطات السويدية التدابير اللازمة في اللحظات الأخيرة، ومنع وقوع هذا العمل الذي ينطوي على عنصرية وجريمة كراهية، ومن شأنه التسبب بغضب في العالم بأسره.
كذلك دان فؤاد أوقطاي، نائب الرئيس التركي، سماح السلطات السويدية بإحراق نسخة من القرآن الكريم، وأعرب في تغريدة عن شجبه الشديد للعمل الاستفزازي أمام السفارة التركية في ستوكهولم.
الولايات المتحدة تُحاول تهدئة التوتر بين الدولتين:
إذ كانت التصريحات الدبلوماسية الأميركية بإدانة و استنكار ما صدر عن المتطرف بالودان تُوضح عدم رغبة الولايات المتحدة في رؤية العلاقات تتدهور أكثر فأكثر بين تركيا و السويد، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تذليل العقبات و ردم الفجوات بين الدولتين بغية تسهيل انضمام حلفاء جدد في أوروبا الشرقية و جوار روسيا إلى الحلف الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية.
و في هذا الإطار قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد براس في مؤتمر صحفي إن "حرق كتب تعد مقدسة للكثيرين هو عمل مهين للغاية"، كما وصفه بالعمل البغيض والكريه والمثير للاشمئزاز.
وأضاف برايس أن حرق المصحف كان عمل شخص "يهدف إلى الاستفزاز"، مشيرا إلى أنه ربما كان الهدف منه التأثير على المناقشات الجارية بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو.
كما قال إن حرق المصحف ربما سعى إلى تباعد حليفين مقربين هما السويد وتركيا.
وفي المقابل، دافع المتحدث الأميركي عن موقف السويد التي قال إنها تدعم "حرية التجمع"، وقال إن الفعل "قد يكون قانونيا ومشينا في آن واحد".
الإعلام السويدي يُهاجِم بالودان و يلوم الحكومة على إعطائه فرصة التشويش على محادثات الناتو:
إذ قال الكاتب في صحيفة أفتونبلادت، أندش ليندبيري إن حزب “الخط المتشدد” الذي يقوده اليميني المتطرف راسموس بالودان حصل في الانتخابات السويدية الأخيرة على 156 صوتاً، من بين أكثر من ستة ملايين ونصف المليون شخص ذهبوا للتصويت، وبالتقريب الإحصائي فإن النتيجة التي حصل عليها الحزب تساوي 0.00 بالمئة.
واعتبر الكاتب أنه من الفشل إعطاء “طيور الوقواق المصنوعة من الصوف” في حزب يكاد يكون موجوداً حق النقض (الفيتو) على عضوية السويد في حلف الناتو، بحسب ما نقل موقع الكومبس السويدي للإعلام.
وقال ليندبيري في افتتاحية نشرتها الصحيفة الثلاثاء، إن رسوم تصريح تجمع بالودان دفعها تشانغ فريك محرر صحيفة Nyheter idag القريبة من حزب ديمقراطيي السويد (SD).
ولفت الكاتب إلى رد الفعل التركي، معتبراً أنه كان متوقعاً، وكذلك ردود السعودية وباكستان ومجموعة من دول الخليج، إضافة إلى حرق الأعلام السويدية في عدد من المدن التركية واحتجاجات ضد السويد في الشرق الأوسط.
قال الكاتب إن “تركيا تعرف أنه لا يمكن للحكومة السويدية فعل ذلك، لكني شخصياً واحد من أولئك الذين يعتقدون أن الشرطة يجب أن تكون مقيدة جداً في منح تصاريح التظاهر للأحزاب المتطرفة التي هدفها الوحيد إثارة أعمال الشغب”.
وأضاف “بعد أعمال الشغب في عطلة الفصح، شعرت أن جولة راسموس بالودان في حرق المصحف يجب أن تقتصر على الأماكن والأوقات التي يمكن فيها تجنب حدوث شيء من هذا القبيل مرة أخرى، لكن هذا المنطق، الذي لم أكن وحدي من يتبناه، هُزم في المحكمة الإدارية، حيث وجدت المحكمة أن حرية التعبير مقدمة على كل شيء. وهكذا انتهى الجدل”.
وقال الكاتب “لا يمكن للحكومة السويدية أن توقف أي احتجاجات حتى لو أرادت ذلك، ذلك مستحيل سياسياً. يمكن لأولف كريسترشون (رئيس الوزراء) وتوبياس بيلستروم (وزير الخارجية) الصراخ قدر ما يريدان، سواء على راسموس بالودان أو الناشطين الذين علقوا دمية أردوغان، لكنهما لا يستطيعان فعل أكثر من ذلك بكثير، وفي المقابل فإن على حلف الناتو أن يختار”.

بالودان يُحاول تبرئة نفسه: إحراق المُصحف لم تكُن فِكرتي:
إذ قال اليميني المتطرف راسموس بالودان إن السفر إلى السويد وحرق المصحف يوم السبت الماضي لم تكن فكرته، مشيراً إلى أنه كان على اتصال بتشانغ فريك، وهو مقدم على قناة ريكس التابعة لحزب ديمقراطيي السويد (SD) ومحرر صحيفة Nyheter idag القريبة من الحزب، إضافة إلى مراسل من موقع Exakt24 اليميني المتطرف، وأن الاقتراح جاء من “أحدهما”.
وقال بالودان لصحيفة داغينز نيهيتر “كانت فكرتهم حرق المصحف خارج السفارة التركية”. وأضاف بالودان أنه لا يعرف أسبابهم، لكن يمكنه فقط الحديث عن أسبابه. حيث قال للصحيفة “أعتقد بأنه كان رد فعل جيد لمحاولة أردوغان التأثير على حرية التعبير في السويد”.
وعن موعد التخطيط لحرق نسخة من المصحف، قال بالودان “أعتقد أن ذلك كان قبل أسبوع، بعد قصة دمية أردوغان على الفور”.
وقال بالودان إنه وافق على أن الاثنين سيغطيان نفقات سفره، لكن ذلك لم يحدث، مؤكداً أنه دفع النفقات بنفسه، في حين تلقى مساعدة بشأن رسوم الترخيص التي يجب دفعها للشرطة، لأن تحويل الأموال من حسابه المصرفي الدنماركي يستغرق وقتاً طويلاً.
فِنلندا تُريد النّجاة بنفسها: قد ننضم إلى الناتو من دون السويد:
و على إثر التطورات الأخيرة التي يُعتقد أنها ستُأخر ضم فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي لأجل ليس بقريب، تُحاول فنلندا النأي بنفسها عن التوتر بين جارتها السويد و تركيا، و النجاة بنفسها للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي في أقرب وقت ممكن، و في هذا الإطار قال وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو إن على بلاده دراسة احتمال الانضمام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) من دون السويد.
وأضاف الوزير هافيستو -في تصريحات تلفزيونية- أن الانضمام المتزامن للسويد وفنلندا للناتو يبقى "الخيار الأول"، لكن "علينا بالطبع تقييم الوضع، ودراسة إن كان أمر ما حصل سيمنع -على المدى البعيد- السويد من المضي قدما"، معتبرا في الوقت ذاته أن "الوقت ما زال مبكرا لاتخاذ موقف".
و عكس الحال مع السويد، أعربت تركيا خلال الأشهر الماضية عن عدم وجود اعتراضات كبيرة على انضمام فنلندا إلى حلف الناتو.
ويتحتم على أي دولة تقدم ترشيحها لعضوية الحلف الحصول على موافقة جميع الدول الأعضاء الـ30، وهو ما يمنح أي دولة حق النقض على طلب الترشح.
روسيا تتجهز لوجيستياً و عسكرياً لعملية ضم فنلندا والسويد إلى الناتو:
من المؤكد أن توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو الحدود الروسية لن يمر مرور الكرام عند روسيا، اذ أن واحداً من الأسباب الرئيسية التي تبرر بها روسيا قيامها بغزو أوكرانيا هو منع الأخيرة من الإنضمام لحلف شمال الأطلسي، الذي يُعتبر جيشاً غربياً موسعاً تقوده الولايات المتحدة ضد روسيا.
و في هذا الإطار أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف أن روسيا الحديثة لم تشهد "قتالا بهذه الضراوة"، في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا، مؤكدا أن بلاده بدأت عملية إصلاح وتطوير واسعة للقوات المسلحة.
وفي أول تعليق علني له منذ تعيينه قائدا للقوات الروسية في أوكرانيا يوم 11 يناير/كانون الثاني، قال غيراسيموف إن الإصلاحات العسكرية الروسية الجديدة تأخذ في الاعتبار التوسع المحتمل لحلف شمال الأطلسي (الناتو) -عبر ضم فنلندا والسويد- واستخدام "الغرب مجتمعا" كييف لشن حرب بالوكالة على روسيا.
وأشار غيراسيموف خلال مقابلة مع صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية إلى أن روسيا وقواتها المسلحة اليوم تواجه فعليا كل الغرب تقريبا، مؤكدا أن بلاده لم تتخذ أية تدابير للتعبئة الجزئية منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال غيراسيموف إن الإصلاحات العسكرية التي أُعلن عنها في منتصف يناير/كانون الثاني، وافق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويمكن تعديلها للرد على التهديدات المحدقة بأمن روسيا، مشددا على أن هيئة الأركان العامة تتخذ كافة الإجراءات لتحقيق أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، وكذلك لضمان الأمن العسكري للبلاد.

إمداد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة يُنذِر بتحولٍ كبيرٍ في الصراع.. ما هي دبابات ليوبارد التي صعدّت أجواء التوتر مع روسيا؟ :
ليوبارد٢، هي دبابة قتال رئيسية ألمانية من إنتاج شركة كراوس مافي ويجمان، و قد تم تطوير الدبابة كبديل للدبابة الليوبارد 1 التي حققت نجاحاً ملحوظاً، و تم إنتاج الليوبارد 1 في عام 1963، ووصل عدد الدبابات المنتجة منها إلى 6 آلاف دبابة.
تتميز ليوبارد٢بوجود محرك احتياطي، وحماية مطورة ضد الألغام؛ إضافة إلى نظام لتكييف الهواء. الدبابة مزودة بكاميرا تلفزيونية لها زاوية رؤية رأسية وأفقية 65 درجة. وتستخدم درعاً من المواد المركبة من الجيل الثالث. تستخدم الدبابة نظام قيادة النيران Peri – R 17A 2 المزود بمنظومة رؤية وتسديد، تعمل ليلاً ونهاراً، ومجال رؤيتها 360 درجة؛ والرامي يستخدم جهاز رؤية ليلية من النوع EMES 15، من إنتاج شركة STN Elektronik. والدبابة مزودة بجهاز تحديد مسافة، يعمل بأشعة الليزر من النوع CE 628، من إنتاج شركة Zeiss، ويبلغ أقصى مدى للجهاز 10 كم، بخطأ في التحديد لا يزيد على 20 م.
في ظلّ ترحيبٍ غربي.. ألمانيا توافق على إمداد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة و تعطي الضوء الأخضر لحصول أوكرانيا على ليوبارد٢ :
و في هذا السياق، قال المستشار الألماني أولاف شولتز، في بيان، "يأتي القرار (إرسال الدبابات) استكمالا لدعمنا المعروف لأوكرانيا قدر استطاعتنا. نتحرك بأسلوب منسق عن كثب على المستوى الدولي".
وأضاف شولتز أنه سيجري تدريب قوات أوكرانية في ألمانيا وستقدم برلين إلى أوكرانيا أيضا مواد لوجيستية وذخيرة، و14 دبابة من طراز "ليوبارد2" من مخزونات الجيش لديها.
ورحبت الرئاسة الأوكرانية بقرار برلين قائلة إنها خطوة أولى، فيما قالت الرئاسة الفرنسية إن قرار ألمانيا "يعزز خططنا إرسال دبابات إلى كييف"، واعتبر رئيس وزراء بولندا ماتيوس مورافيسكي أن قرار ألمانيا "خطوة كبيرة باتجاه وقف روسيا".
ووصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إعلان برلين بأنه "قرار صحيح من الحلفاء في الناتو وسيعزز قدرات كييف الدفاعية"، فيما أعرب رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، في تصريح عقب القرار الألماني، عن استعداد بلاده لإمداد أوكرانيا بدبابات، وقال وزير الدفاع الفنلندي ميكو سافولا إن بلاده تخطط لإرسال دبابات إلى أوكرانيا.
كما رحب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أمس الأربعاء بقرار ألمانيا تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد 2، ورأى أن ذلك يمكن أن يساعد كييف على "الانتصار"، في حين قالت روسيا إن تزويد أوكرانيا بدبابات ألمانية يعد جزءا من مخطط مسبق لشن حرب عليها.
وقال ستولتنبيرغ في تغريدة على تويتر "في لحظة حرجة من الحرب التي تشنها روسيا، يمكن للدبابات مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها والانتصار كدولة مستقلة".
من جهته، أعرب الرئيس فولوديمير زيلينسكي لألمانيا عن "امتنانه" بعد قرار برلين تسليم كييف دبابات ليوبارد، وقال في محادثة مع المستشار الألماني أولاف شولتز أمس الأربعاء إنه "ممتن بصدق" للضوء الأخضر الذي أعطته برلين لمنح بلاده دبابات ليوبارد.
وأكد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أنه من الممكن وصول أول دفعة من دبابات ليوبارد القتالية إلى أوكرانيا في غضون نحو ثلاثة أشهر.
كما كشفت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس، أن بلادها مستعدة لإرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، وقالت في بيان إن المسؤولين الإسبان "سيتناقشون مع الحلفاء لتحديد عدد الدبابات التي تحتاجها أوكرانيا، وما يمكن أن ترسله إسبانيا"، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإسبانية "EFE”.
وفي السياق، جددت روبليس اليوم التأكيد على أن "الغالبية العظمى من دبابات ليوبارد التي يمكن أن ترسلها إسبانيا إلى أوكرانيا ستحتاج إلى إعادة ضبط".
بدوره، قال وزير شؤون الرئاسة الإسباني فيليكس بولانوس، إن موقف بلاده نابع من "تمسك شركائها وحلفائها بمساعدة أوكرانيا".
روسيا تُهدد الغرب بنقل الصراع لمستويات جديدة حال التمادي في تسليح القوات الأوكرانية:
إذ نقلت وكالة ريا نوفوستي الروسية عن سفارة روسيا في ألمانيا أن قرار تزويد كييف بدبابات ليوبارد "خطير للغاية، وينقل الصراع لمستوى جديد".
وأعلن الكرملين، أنه في حال قامت الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بدبابات ثقيلة فإن تلك الآليات ستُدمَّر في ساحة المعركة، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين "من الناحية التكنولوجية، الخطة فاشلة. إن ذلك مبالغة في تقدير الإمكانات التي ستُضاف للجيش الأوكراني".
وأضاف المتحدث باسم الكرملين أن "هذه الدبابات (الغربية) ستحترق مثل سواها. إنها باهظة الثمن فحسب".
وصرح بيسكوف في وقت سابق هذا الأسبوع بأن أي إمدادات من الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا ستترك "أثرا لا يُمحى" على العلاقات الثنائية بين موسكو وبرلين.
هل بات الصراع بين الناتو و روسيا محتمّاً لا مفرّ مِنه؟ :
إن روسيا و الناتو على سواء، يهربون من مخاوفهم بالطريقة التي تقربهم إليها، فروسيا التي تعارض تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو حدودها و تريد أن تتجنب الدخول في صراع مباشر مع الناتو، دخلت في حرب مع أوكرانيا بغية منعها من الانضمام إلى الناتو، و هي بذلك أي روسيا، أدخلت نفسها دون أن تعلم في صراعٍ مباشر مع الحلف، و لكن في ميدان عسكري ضيق على الأراضي الأوكرانية.
و الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية و حلف الناتو، فعندما أراد الحلف ردع روسيا عن التوسع بنفوذها غرباً نحو أوروبا الشرقية و حماية الأمن الأوروبي من التوسع الروسي ، حاول إدخال أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، ما اعتبرته روسيا إعلاناً غير مباشر للحرب، إذ يعني إدخال أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي محاصرة روسيا من الخاصرة و تشكيل خطر كبير على الأمن القومي الروسي، لا سيما أن الجغرافيا الأوكرانية متداخلة جداً مع الجغرافيا الروسية، و لا يفصل بين الدولتين سوى السهول، التي تعتبر أسهل المناطق الجغرافيا في حال قرر الناتو استهداف روسيا، إذ تخلو الحدود الروسية الأوكرانية من الموانع الجغرافية كالجبال و التضاريس الوعرة.
و انه من الواضح، أن الدول الغربية قد دخلت بالفعل في صراعٍ مسلح مع روسيا، و لكن بالوكالة عبر الأراضي الأوكرانية و الجنود الأوكران، فالمعدات العسكرية و اللوجستية و المعلومات الاستخباراتية و التقنيات و الخطط المستخدمة في الحرب الأوكرانية و حتى الموارد المالية مصادرها غربية بالمعظم، و أوكرانيا لا تقدم سوى الجنود و الأراضي التي تشكل ميدان الصراع العسكري.
و حتى روسيا، التي كانت تعتقد أنها ستدخل في حرب مع أوكرانيا فقط، اعترفت على لسان العديد من المسؤلين و القادة العسكريين و أولهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا لا تواجه أوكرانيا وحدها، بل تواجه حلف شمال الأطلسي و دول الغرب بأكملها.
و وفقاً لهذه المعطيات، فإن الصراع العسكري بين روسيا و حلف شمال الأطلسي قد بدأ بالفعل، و لكنه صراع نصف مباشر، إذ تواجه روسيا بشكل مباشر عبر جيشها النظامي مجموعةً من الجنود النظاميين و غير النظاميين (الذين تم تجنيدهم بعد الغزو)، بينما يواجه حلف شمال الأطلسي روسيا بشكل غير مباشر و بالوكالة عبر توفير كافة المستلزمات العسكرية و اللوجستية و الاستخباراتية للجيش الأوكراني ليحارب روسيا بالنيابة عنه دون تدخل مباشر لأراضي و جنود الناتو في الصراع، و هكذا يمكن التأكيد أن الصراع العسكري بين روسيا و الناتو قد بدأ بالفعل، فقط بقيَت مرحلة التحول من صراع محدود مع روسيا بالوكالة ضمن نطاق الأراضي الأوكرانية إلى حربٍ شاملة مباشرة بين روسيا و الجيوش النظامية لدول حلف شمال الأطلسي يكون ميدانه الأراضي التابعة للدول التي يضمها الحلف، و إن ما يؤكد إمكانية انتقال الصراع إلى هذا الاحتمال من عدمه هو مدى استعداد و إمكانية الطرفين لنقل الصراع إلى مراحل متقدمة و خطيرة في المستقبل القريب أو البعيد.