كيف تحوّلت سوريا إلى ساحة حربٍ بالوكالة بين إيران و إسرائيل؟ و لماذا لا يجرؤ الطرفان على اللجوء للصراع المباشر؟

تقرير- مروة شاهين - بث:
تغيرت العلاقات الإيرانية السورية جذرياً بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، حيث انتهى تحالف سوريا الاستراتيجي مع مصر في نفس الوقت تقريباً بسبب معاهدة مصر مع إسرائيل، و في الوقت عينه اتخذت إيران شعارات مضادة لإسرائيل بعد ثورة الخميني، مما جعل سوريا تتقارب مع إيران بسبب ما يجمعها من الشعارات المعادية لإسرائيل.
فضلاً عن كون سوريا تُدار بواسطة حزب البعث و على رأسه حافظ الأسد، الرئيس السوري العلوي، الذي وجدت فيه إيران ما بعد الثورة، فرصةً لتنفيذ خطط الخميني بالتوسع و التمدد طائفياً للوصول إلى حدود الإمبراطورية الصفوية السابقة، المدعومة بأسس عقائدية و إيديولوجية تستند إلى المذهب الشيعي و فلسفته حول عقيدة الانتقام من الأعداء التاريخيين "لشيعة عليّ" بحسب ما تصفهم إيران.
بشار الأسد.. حليف إيران المُدلّل:
عندما تولى بشار الأسد ابن حافظ الأسد رئاسة سوريا، تصاعدت درجة قوة العلاقات السورية الإيرانية، وجعلت الأحداث اللاحقة مثل حرب العراق، «ثورة الأرز»، وحرب لبنان 2006 البلدين أقرب إلى بعضهما البعض، إذ أصبحت سوريا تعتمد بشكل متزايد على إيران من أجل دعم السياسي والعسكري، لا سيما و أنه في عهد بشار الأسد، تأزمت العلاقات السورية مع الكثير من الدول العربية لا سيما العراق و لبنان.
في 16 يونيو 2006 وقع وزراء دفاع كل من سوريا وإيران اتفاقاً للتعاون العسكري ضد ما أسموه «التهديدات المشتركة» التي تشكلها إسرائيل والولايات المتحدة، و في ذلك الوقت، قال وزير الدفاع الإيراني نجار «أن إيران تعتبر أمن سوريا من أمنها، ونحن نعتبر أن قدراتنا الدفاعية تابعة لسوريا». وأسفرت الاتفاقية عن بيع معدات عسكرية إيرانية إلى سوريا، بالإضافة إلى الحصول على معدات عسكرية، استثمرت إيران باستمرار مليارات الدولارات في الاقتصاد السوري.
و بعد تطور الأحداث في سوريا في عام ٢٠١١ من تظاهرات إلى مواجهات مسلحة مع قوى المعارضة السورية، أصدر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي في سبتمبر 2011 حكما للجهاد لصالح الحكومة السورية، إذ تعتبر إيران بقاء الحكومة السورية ضمانا لمصالحها الإقليمية، لا سيما أن سوريا تشكل نقطة ديمغرافية مهمة لإيران، سواء لكونها محكومة من قبل مجموعة دينية مقربة من إيران، و لكون إيران الجسر الوحيد الذي يصل إيران بشيعة لبنان، و بحزب الله الذي تعتبره إيران أهم أذرعها في المنطقة.
و في مارس 2012، أعلن مسؤولو المخابرات الأمريكية المجهولون عن ارتفاع في الأسلحة والمساعدات الأخرى التي قدمتها إيران للحكومة السورية. كما زعم أن مسؤولي الأمن الإيرانيين سافروا إلى دمشق للمساعدة في تقديم هذه المساعدة. وقال مسؤول أمريكي ثان كبير أن أعضاء المخابرات الإيرانية الرئيسية، وهي وزارة الاستخبارات والأمن، يساعدون النظراء السوريين المسؤولين عن حملة القمع.
كما أرسلت إيران في حزيران/يونيو 2013 4000 جندي لمساعدة القوات الحكومية السورية، وقد علق مسؤول إيراني على العملية واصفا إياها بأنها «الوحدة الأولى»، كما أن جنودا من الحرس الثوري الإيراني جنبا إلى جنب مع قوى شيعية أخرى وحزب الله وأفراد من ميليشيا «الباسيج» التابعة لإيران قد شاركوا في الاستيلاء على القصير من الثوار في 9 حزيران/يونيو 2013.
الاحتكاك مع إسرائيل:
في شهر أيار/مايو من عام 2018، قامت قوات تابعة لفيلق القدس الإيراني بإطلاق حوالي 20 صاروخا على إسرائيل وبالتحديد على هضبة الجولان المحتلة فرد سلاح الجو الإسرائيلي من خلال دك المواقع الإيرانية والسورية بعدد كبير من الصواريخ خلَّف أضرارًا في البنية التحتية وقلَّل – حسب مصادر إسرائيلية – من الوجود الإيراني في سوريا بعد تدمير معظم معاقل فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني.
و في 21 يناير/كانون الثاني 2019 قصفت طائرات حربيّة إسرائيلية ما سمّتهُ «أهدافًا تابعة» لفيلق القدس الإيراني داخل الأراضي السورية فيما ذكرت سانا أنّ الدفاعات الجوّية السوريّة قد تصدّت «لأهداف معادية» دون ذكر تفاصيل، و عاودت إسرائيل قصفَ سوريا في 28 مارس/آذار 2019 حيثُ استهدفت هذهِ المرّة عددًا من المواقع في المنطقة الصناعية في شمال شرق حلب مما تسبّبَ في مقتل سبعة على الأقل من القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها.
و في هذا الإطار، علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما جرى قائلًا: «إن إيران تحاول إدخال صواريخ دقيقة إلى سوريا» مُشددًا على أنّ تل أبيب لن تسمحَ بهذهِ الخطوة، و بعدَ 15 يومًا تقريبًا؛ قصفت مُقاتلات إسرائيليّة مواقع عسكرية عدة في مدينة مصياف بمحافظة حماة السورية واستهدفَ القصفُ مركز تطوير صواريخ متوسطة المدى ينتشر فيه مقاتلون إيرانيون حسبَ ما أفادَ بهِ المرصد السوري المُعارض. أسفرت هذهِ الغارات عن سقوط عددٍ غير معروف من القتلى في صفوف المقاتلين الإيرانيين فضلًا عن 17 جريحاً من قوات الحكومة وباقي المسلحين الموالين له.
و كان رئيس الموساد يوسي كوهين، قد صرح في وقت سابق انه "طالما ظل النظام الحالي قائمًا، مع الاتفاق النووي أو بدونه، فإن إيران ستظل تشكل التهديد الرئيسي لأمن إسرائيل".
و تعتبرإسرائيل أن طهران تسعى إلى تحقيق هدف إقامة جسر بري مستمر من إيران (عبر العراق وسوريا) إلى لبنان، وإذا نجحت طهران فإنها ستكون "مغيرًا استراتيجيًا للعبة"، بحسب ما صرّح به مسؤولون إسرائيليون.
إيران و إسرائيل.. صراعٌ بالوكالة:
منذ قيام ثورة الخميني أو ما يُعرف بالثورة الإسلامية في ايران، اتخذ نظام الخميني شعارات معادية لإسرائيل، و داعية إلى إزالتها من الوجود، لكن كل هذه الشعارات و الإدعاءات الإيرانية ظلت في الإطار الكلامي، إذ لم تتطور أبداً الحروب الكلامية بين إيران و إسرائيل الى مواجهة مباشرة بين البلدين.
و بعد مرور 44 عاماً على ثورة الخميني التي حملت شعار "الموت لإسرائيل"، و على الرغم من إطلاق العديد من المسؤولين الإسرائيليين العديد من التصريحات العدائية و التهديدية تجاه إيران، لم يُقدم أي من الطرفان على أية إجراءات استفزازية للطرف الآخر مخافة إشعال فتيل حرب مباشرة بين إيران و أذرعها في العراق و سوريا و لبنان من جهة ، و بين اسرائيل و حلفائها في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.
و نتيجة لهذا، اتخذ الصراع الإيراني الإسرائيلي شكل "حرب الوكالة" ، أي الصراع غير المباشر بين قوى فرعية تدعمها القوى الرئيسية (إسرائيل و إيران) بهدف ان يؤدي الصراع بين القوى الفرعية إلى إلحاق الأذى بالطرف الذي يدعمه من القوى الرئيسية.
فمنذ العام ١٩٨٢، قدمت إيران دعماً عسكرياً و مالباً لحزب الله اللبناني، الذي كان في ذلك الوقت حديث النشأة، للقيام بعمليات عسكرية ضد القوات الإسرائيلية التي كانت متمركزة في جنوب لبنان، و استمر دعم إيران للعمليات العسكرية المضادة لإسرائيل في الجنوب اللبناني حتى عام ٢٠٠٠ لحين انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
و بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، قامت إسرائيل بدورها بتقديم شتّى أنواع الدعم لاقليم كردستان العراق، الذي يقع على الحدود الإيرانية على محاذاة مناطق الأكراد في إيران ، مما شكل مصدر تهديد للأمن القومي الإيراني، لكون إسرائيل أصبحت داعماً لجماعات كردية مسلحة على الحدود الإيرانية العراقية، إضافة إلى خطر تمدد أفكار هذه الجماعات إلى الداخل الإيراني الذي يحوي عدداً لا بأس به من السكان ذوي الأصول الكردية، و بالتالي باتت إيران تواجه خطر اندلاع تمرد كردي مسلح ضد النظام الإيراني بدعم من كردستان العراق و الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل.
و وصولاً إلى سوريا، و خصوصاً بعد العام ٢٠١٢، قامت إيران بدعم حليفتها سوريا بالمال و السلاح و المقاتلين، مما سبب قلق لدى إسرائيل جرّاء زيادة التغلغل الإيراني في سوريا ، مما جعل إيران تصبح على محاذاة إسرائيل جراء تواجدها على الحدود السورية الإسرائيلية، مما دفع إسرائيل إلى زجّ نفسها في الصراع السوري من خلال تقديم الدعم العسكري و التقني و المالي لبعض الجماعات السورية المسلحة التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد و حلفائه الإيرانيين، مما جعل سوريا ساحة للصراع غير المباشر بين إيران و إسرائيل.
و هنا سؤال يُطرَح، إذا كانت كلٌ من إيران و إسرائيل ترى أن الطرف الآخر يشكل تهديداً خطيراً لأمنها، و أنه عدوٌ يجب مواجهته و إلا تسببت قوته المتنامية بعواقب خطيرة للطرف الآخر، فلماذا لم تلجأ أي من إيران و إسرائيل إلى فتح جبهة حرب مباشرة تمكنها من مواجهة خصمها بطريقة فعالة أكثر من طريقة حرب الوكالة و الصراع غير المباشر عبر قوى فرعية؟
من المعروف أنه لا يوجد دولة تفضل خيار الحرب المباشرة، و لا تلجأ أي دولة إلى مثل هذه الخطوات الا في حالات الضرورة القصوى، أو نتيجة القرارات المتهورة لبعض القادة في الدول ذات الأنظمة الشمولية.
و في الحالة الإيرانية الإسرائيلية، فإنه ليس من مصلحة الطرفين الدخول في مواجهة مباشرة مع الآخر، و يرى كل منهما طريقة الحرب بالوكالة كأفضل الحلول الحالية للتعامل مع الخصم في الوضع الراهن، و تعود أسباب اتخاذ شكل "حرب الوكالة" كطريقة لإدارة الصراع بين إيران و إسرائيل إلى:
١ – إدراك الطرفين الإيراني و الإسرائيلي مدى الخسائر المالية و البشرية و العسكرية التي قد تسببها الحرب المباشرة بين الطرفين.
٢ – ان الحرب بالوكالة أسلوب يناسب الجانبين على حد سواء، كون إيران دولة ذات نظام شمولي يهتم حداً بهيبة الدولة و عدم تعرضها للانتقاد من جانب مواطنيها، و كون إسرائيل دولة صغيرة يوجد فيها صراع سياسي على السلطة بين الاحزاب السياسية، و بالتالي فإن الحزب الحاكم في إسرائيل – أيّاً يكن-، ليس من مصلحته الدخول في حرب مباشرة قد تؤثر على قوته أمام الرأي العام، إذ أن الصراع غير المباشر، يجنب هذه الانظمة المذكورة ان تتكبد خسائر عسكرية مباشرة قد تسبب لها الإحراج داخلياً و خارجياً، و لهذا فإن اسلوب الصراع غير المباشر يساعد هذه الأنظمة على الحفاظ على هيبتها من أي إحراج قد تسببه الخسائر العسكرية في الصراع المباشر.
٣- عدم وجود تكافؤ بين الدولتين، فاسرائيل متفوقة عسكرياً و تقنياً لكنها متأخرة ديمغرافياً، و بالمقابل إيران متأخرة عسكرياً و تقنياً و لكنها متفوقة ديمغرافياً، ما يجعل عملية تقييم معادلات الربح و الخسارة عملية شبه مستحيلة في ظل عدم وجود تكافؤ لدى طرفيْ الصراع، مما يجعل الحانبان في حالة من عدم القدرة على رسم إستراتيجيات مناسبة للتخطيط لأي صراع مباشر قد ينشب بين الجانبين.
٤- تفاوت الأولويات: إذ تعد إيران مسألة تثبيت نفوذها في الدول العربية عبر أذرعها كحزب الله اللبناني و العراقي و غيرهم، مسألة إستراتيجية ذات أهمية أكبر من مواجهة إسرائيل، و تسعى إيران إلى عدم استفزاز الجانب الإسرائيلي للحفاظ على الوضع الراهن المتمثل بعدم التصعيد بين الجانبين.
٥- تفاوت الأولويات الإسرائيلية، إذ تفضل إسرائيل عدم خوض مواجهة مباشرة مع إيران، لكونها دولة صغيرة و لايوجد لديها تعداد سكاني يخولها خوض مثل هذه المواجهات مع دولة كإيران، لذا تتمهل إسرائيل في مسألة التعامل مع إيران و تتجه إلى عدم التصعيد، أملا في نجاح الجهود الإسرائيلية و الغربية الهادفة إلى تشكيل تحالف عسكري-أمني في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة إيران ، بحيث لا تأخذ إسرائيل على عاتقها كامل المسؤولية في مسألة مواجهة الخطر الإيراني على المنطقة.
٦- سعي إيران إلى تحسين علاقاتها مع الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية بغية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مما يسمح برفع العقوبات عن إيران، الدولة التي باتت على شفا حفرة من ثورة جياع قد تطيح بالنظام الإيراني جراء سوء الأوضاع الاقتصادية داخل إيران نتيجة تاريخ طويل من العقوبات الأمريكية.
٧- كثرة المشاكل الداخلية التي تعاني منها إسرائيل، و اولها تناقص عدد اليهود بالنسبة لعدد الفلسطينيين مما يجعل إسرائيل في بوابة أزمة ديمغرافية تشكل خطراً وجودياً لمستقبل هذا الكيان، فضلاً عن تهديدات الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة و الضفة الغربية و جنوب لبنان ، فضلاً عن الذراع الإيراني المتمثل بحزب الله و الذي يتواجد على الحدود الشمالية للكيان الإسرائيلي، مما يجعل إسرائيل منهمكة في محاولة حل مشاكلها الداخلية و بالتالي فهي في غِنى عن اختلاق مشاكل جديدة سواء مع إيران أو غيرها.
اذاً، اتخذ الصراع الإيراني الإسرائيلي طوال ٤٤ عاماً شكل الصراع غير المباشر لأسباب عديدة ذكرناها سابقاً ، و لكن مع تغير موازين القوى الدولية و تبدل الظروف الدولية في المرحلة الراهنة، هل يمكن أن تلجأ إسرائيل إلى استخدام القوة بنفسها بهدف تحجيم الخطر الإيراني الذي يتزايد يوما بعد يوم، لاسيما لجهة اقتراب إيران من مستويات عالية التخصيب لليورانيوم مما يؤهلها لتصنيع سلاح نووي، أو هل من الممكن أن تقوم إيران بفتح جبهة أخرى على السورية الإسرائيلية بعد تثبيت حكم نظام الأسد، و بالتالي يتحول الصراع الإيراني الإسرائيلي من حرب بالوكالة إلى صراع مباشر بين الطرفين، مما يعيد الشرق الأوسط من جديد إلى حالة الصراعات اللامتناهية؟