مع عدم الاكتراث لتهديدات الصين و تحذيراتها.. ما سبب اصرار بيلوسي على زيارة تايوان؟


مروة شاهين - بث:
بُعيد إعلان رئيسة مجلس النواب الأميركي (الكونغرس) نانسي بيلوسي، عزمها على زيارة جزيرة تايوان في خضّم جولة آسيوية تقوم بها زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تصاعدت حدّة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين، إذ اعتبرت الأخيرة أن زيارة مسؤول أميركي رفيع لجزيرة تايوان يُشكل انتهاكاً واضحاً لمبدأ الصين الواحدة.
الصّين: ردّ فِعلٍ مبالغ.. على "زيارة دبلوماسية" :
صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، بأن الصين ستطالب واشنطن بإلغاء زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، لأنها تنتهك مبدأ "الصين الواحدة".
وقال تشاو لي جيان في مؤتمر صحفي: "تطالب الصين الولايات المتحدة بالمراعاة الكاملة لمبدأ "الصين الواحدة" والبيانات الصينية الأمريكية المشتركة الثلاثة، وبعدم تنظيم زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، ووقف كل الاتصالات الرسمية مع تايوان وخلق عوامل للتوتر في مضيق تايوان".
وأشار إلى أن الصين ستتخذ الإجراءات الحاسمة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها، إذا استمرت الولايات المتحدة في تصرفاتها الحالية بدون الأخذ بعين الاعتبار موقف بكين، مضيفا أن الولايات المتحدة هي التي ستتحمل المسؤولية الكاملة عن كل العواقب الممكنة.
وذكر الدبلوماسي أن الصين كانت قد أعلنت أكثر من مرة أن كل الاتصالات الرسمية بين ممثلي الولايات المتحدة وتايوان أمر غير مقبول، مشددا على أن زيارة بيلوسي إلى الجزيرة سيكون انتهاكا لمبدأ "الصين الواحدة" والبيانات الصينية الأمريكية المشتركة الثلاثة، وستلحق ضررا بسيادة ووحدة أراضي الصين وستؤثر جديا على الأساس السياسي للعلاقات بين بكين وواشنطن، كما أنها سترسل إشارة خاطئة للقوى التي تؤيد استقلال الجزيرة.
الداخِل الأميركي.. بين مؤيّد و معارضٍ للزيارة:
قال البيت الأبيض، أمس الثلاثاء، إن الرئيس جو بايدن يحترم قرار رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بالسفر إلى تايوان، حتى بعد أن قال الرئيس الأمريكي في البداية إن البنتاجون عارض الزيارة.
وردا على سؤال حول آراء الرئيس بشأن زيارة بيلوسي، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، إن “بايدن يحترم قرار رئيس مجلس النواب بالسفر إلى تايوان”.
وقال كيربي: “الرئيس بايدن يحترم قرارها بالرحيل ويعتقد أنه يتفق تمامًا مع السياسة الأمريكية التي تعود إلى عقود إلى الوراء”.
و تأتي هذه التصريحات بعد أن اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الزيارة التي تعتزم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي القيام بها إلى تايوان ”ليست فكرة جيدة“ بنظر الجيش الأمريكي.
أما النائب الجمهوري مايك جالاجر، النافذ بشأن سياسة الولايات المتحدة إزاء الصين، فحضّ بيلوسي على إجراء الزيارة، قائلاً: "هذه رسالة سيئة من الرئيس ورسالة ضعيفة بشكل عام للسياسة الخارجية الأميركية. أحضّ رئيسة مجلس النواب بيلوسي على عدم التراجع والمضيّ في رحلتها".
واعتبر أن "قانون السفر إلى تايوان ينصّ صراحة على سياسة الولايات المتحدة التي تقضي بأن يسافر المسؤولون على كل المستويات إلى تايوان". وشدد على وجوب "عدم تمكين الحزب الشيوعي الصيني من استخدام حق النقض" في هذا الصدد.
بيلوسي تصل تايوان.. و هذا برنامج زيارتها:
أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي من تايبيه (عاصمة تايوان) أن بلادها لن تتخلى عن تايوان.
وفي وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، التقت بيلوسي رئيسة تايوان تساي إنغ وين، وذلك بعد لقائها نائب رئيس البرلمان التايواني تساي تشي تشانغ بمقر البرلمان في العاصمة تايبيه.
وخلال اللقاء، قالت رئيسة تايوان إن الغزو الروسي لأوكرانيا قوض النظام الدولي، وإن أي غزو صيني لتايوان سيؤثر على منطقة المحيط الهادئ.
وأضافت تساي إنغ وين "بلدنا شريك وثيق للولايات المتحدة وسنواصل تعزيز الشراكة مع واشنطن على كافة المستويات.. رغم التهديدات لن نتخاذل وسندافع عن سيادة ووحدة أراضينا وسنعزز قدراتنا الدفاعية".
ومن ناحيتها، قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي إن الولايات المتحدة تفي بوعدها بمساندة تايوان وتعمل على تعزيز العلاقات معها.
وقالت بيلوسي لرئيسة تايوان إن "التضامن الأميركي مع تايوان حاسم وهذه هي الرسالة التي أتينا لتأكيدها هنا".
وأضافت بيلوسي "وفدنا جاء إلى تايوان ليوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تايبيه".
وفي سياق متصل، قال البيت الأبيض في بيان إن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بحث مع الأمين العام لسكرتارية الأمن القومي الياباني التحالف بين واشنطن وطوكيو بصفته عمود السلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حسب البيان.
وقال البيت الأبيض إن الطرفين أكدا على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وعلى عزم البلدين على الوقوف بشكل موحد ضد حرب روسيا على أوكرانيا.
كما أقر الطرفان بأهمية إحراز تقدم في التنسيق الثنائي والإقليمي لتعزيز النظام الاقتصادي القائم على القواعد، بما في ذلك إنشاء سلاسل إمداد أكثر مرونة وتعزيز أمن الطاقة.

الصين: احتجاج دبلوماسي و توعّدٌ بردٍ عسكري على زيارة بيلوسي
استدعت وزارة الخارجية الصينية مساء الثلاثاء السفير الأميركي لدى بكين نيكولاس بيرنز، وقدمت له احتجاجا على خلفية "الزيارة غير المعلنة من قبل بيلوسي إلى تايوان"، التي اعتبرتها بكين "مقاطعة منشقة".
وأبلغ شي فينغ نائب وزير الخارجية الصيني السفير بيرنز بأن زيارة بيلوسي "شريرة للغاية وعواقبها وخيمة جدا"، وأنها "خطوة غير أخلاقية"، وكذلك "استفزاز خطير وانتهاك لمبدأ الصين الواحدة".
واعتبر شي أنه كان ينبغي لإدارة بايدن منع تلك الزيارة، ولكنها بدلا من ذلك "تواطأت" معها، مما أدى إلى تفاقم التوتر في مضيق تايوان وإلحاق أضرار جسيمة بالعلاقات الصينية الأميركية، حسب وصفه.
وأضاف الدبلوماسي الصيني أنه يجب على الولايات المتحدة دفع ثمن خطئها، متوعدا بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنها ستتخذ إجراءات مضادة ضرورية وحاسمة، وفق تعبيره.
وردا على زيارة بيلوسي، أعلنت وزارة الدفاع الصينية أنها ستبدأ "سلسلة عمليات عسكرية محددة" في محيط تايوان، بدءا من يوم الخميس حتى الأحد المقبلين.
وقالت الوزارة في بيان إن جيش الصين في حالة استعداد قتالي، وسوف يقوم بعدد من الأنشطة العسكرية ردا على زيارة بيلوسي.
أسباب الزيارة:
مما لا شك فيه، أن زيارة مسؤول أميركي رفيع لجزيرة تايوان في هذه المرحلة الملتهبة من تاريخ العلاقات الدولية، يتعدّى كونه مجرد زيارة دبلوماسية ودية بين طرفين دوليين.
إذ تنشط الإدارة الأمريكية في زيادة حركتها الدبلوماسية عالمياً، لأسباب عديدة، منها أسباب داخلية تتعلق بقرب موعد انتخابات الكونغرس الأميركي، و أسباب خارجية تتعلق بالمنافسة العالمية بين الولايات المتحدة الأمريكية و خصومها العالميين.
إذ تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة اقتصادية غير مسبوقة و ارتفاعات غير عادية في معدلات التضخم و غلاء الأسعار، فضلاً عن ارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني بسبب الحظر على الطاقة الروسية و تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
كان هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحاول ملئ ما تسميه "الفراغات التي قد يملأها خصوم الولايات المتحدة" سواء روسيا أو الصين.
و من هنا فإن أهداف زيارة بيلوسي لتايوان في هذا التوقيت بالذات يمكن اختصارها بالتالي:
١- توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى الصين، لثنيها عن التفكير في أي محاولة لضم جزيرة تايوان بالقوة - على غرار ما تفعل حليفتها روسيا في إقليمي لوهانسك و دونيتسك في أوكرانيا – لا سيما بعد الانتهاكات الصينية العسكرية المتكررة لأجواء الجزيرة و بحرها.
٢- تقوية موقف الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية قبيل بدء انتخابات مجلس النواب، بعد أن واجه الحزب العديد من الانتقادات من جانب الحزب الجمهوري الذي اتهمه بانتهاح سياسات خارجية ضعيفة ضد كل من روسيا و الصين في ما يتعلق بسياساتهما التوسعية.
٣- توجيه رسالة طمئنة لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا، بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم في معسكرها، لا سيما بعد تزايد القلق لدى العديد من الحلفاء الآسيويين جرّاء تنامي قوة روسيا و الصين، و لا سيما الحليف الياباني و الكوري الجنوبي.
٤- إعادة التأكيد على الدور الأميركي في الحفاظ على توازن القوى في شرق آسيا، و تأكيد الوجود القوي الدبلوماسي و العسكري و السياسي الأميركي في شرق آسيا و عدم سماح الولايات المتحدة الأمريكية بترك أي فراغات في المنطقة ليملأها الروس أو الصينيون.
و هكذا، نرى أن كل التحركات الأمريكية، سواء الدبلوماسية او العسكرية او السياسية في الفترة الأخيرة، بدءًا من الدعم العسكري لأوكرانيا وصولاً إلى زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط ، و حتى زيارة بيلوسي إلى تايوان و شرق آسيا، كان لها أهداف متقاربة، و هي العمل على معالجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد النفوذ الأمريكي العالمي، تحذير الخصوم الروس و الصينيين من الذهاب بعيداً في تحدي نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية و تجاوز الخطوط الأميركية الحمراء.