أوروبا تحترق .. الأسباب ..هل ستشهد المنطقة العربية نفس المصير؟

news image


مروة شاهين - بث: 
أدى ارتفاع درجات الحرارة في أوروبا، خصوصا في جنوبها وغربها، إلى انتشار الحرائق الهائلة.
غفد سجلت بريطانيا أعلى درجة حرارة على الإطلاق يوم الثلاثاء.
يقول العلماء إن الموجة الحارة الأخيرة تتماشى مع تغير المناخ وارتفعت فيها درجات الحرارة إلى ما يزيد على 40 درجة  في بعض المناطق مع اندلاع حرائق غابات في مناطق ريفية جافة بالبرتغال وإسبانيا وفرنسا.
كذلك اجتاحت حرائق الغابات أجزاء من جنوب أوروبا وشمال أفريقيا، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص وأجبر الألوف على إخلاء منازلهم كما أدى إلى حدوث تلوث وانبعاث غازات الاحتباس الحراري الضارة بالصحة.
و في بريطانيا، قالت هيئة الأرصاد الجوية إن البلاد سجلت أمس الثلاثاء درجة حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية لأول مرة على الإطلاق.
وأعلنت بريطانيا، التي يمكن أن تواجه صعوبات في الحفاظ على خدمات النقل الرئيسية في الطقس غير المتوقع مثل تساقط الثلوج بكثافة أو الرياح الشديدة، حالة "طوارئ وطنية" بسبب ارتفاع درجات الحرارة بشكل لم يسبق له مثيل، وفقا لما نقلته  وكالة رويترز.
وأعلنت السلطات البريطانية، مساء الثلاثاء، حالة الاستنفار القصوى، في العاصمة لندن، لمواجهة الحرائق، بينما سجلت البلاد أقصى درجة حرارة في تاريخها، وسط مخاوف من تفاقم أزمة المناخ في العالم.
ووصف عمدة مدينة لندن، صديق خان، الوضع الناجم عن الحرائق بـ"الحرج"، داعيا الناس ليبقوا آمنين، لافتا إلى أن عناصر الإطفاء يعملون تحت ضغط كبير.
و في فرنسا، شهدت منطقة جيروند، في جنوب غربي فرنسا والتي تنتشر فيها زراعة العنب، أكبر حرائق غابات منذ أكثر من 30 عاما، وقالت السلطات إن رجلا اعتُقل للاشتباه في أنه أشعل حريقا عمدا.وقالت سلطات المنطقة في بيان "على الرغم من المكافحة برا وجوا، لم يستقر الوضع بعد"، مضيفة أنه لم ترد تقارير عن سقوط قتلى أو جرحى. 
وفي إسبانيا، تسببت موجة حارة استمرت أكثر من أسبوع، في أكثر من 510 حالات وفاة مرتبطة بالحرارة، حسب تقديرات معهد كارلوس الثالث الصحي.
واحترق أكثر من 173 ألف فدان في إسبانيا حتى الاثنين هذا العام، وهو أسوأ عام خلال 10 سنوات بحسب البيانات الرسمية.
وفي البرتغال، قالت السلطات إن أكثر من ألف من رجال الإطفاء، تدعمهم 285 مركبة و14 طائرة، يكافحون 9 حرائق غابات مستمرة لا سيما في المناطق الشمالية من البلاد.
اللهيب الأوروبي.. و التغير المناخي أوّل المتهمين، و تخوّفٌ من ازدياد سوء الأوضاع:
اذ خلصت دراسة نشرها علماء المناخ في عدد يونيو بدورية "انفايرونمنتال ريسيرتش: كلايمت" إلى أنه من المحتمل جدا أن يكون تغير المناخ قد زاد الموجات الحارة سوءا.
وأفاد تقرير أصدرته الأمم المتحدة في فبراير 2022 أنه مع تغير المناخ الذي يسببه الإنسان والذي يؤدي إلى الجفاف، من المتوقع أن يزداد عدد حرائق الغابات الشديدة بنسبة 30% في غضون 28 عاما..
و في هذا الإطار، نبهت الأمم المتحدةمن أن تجاهل المخاطر الكبيرة للتغيرات المناخية "تضع البشرية في دوامة تدمير ذاتي" مؤكدة أن العالم يعاني من "تصور خاطئ للمخاطر" يفاقم الأنشطة والسلوكيات التي تسبب عددا متزايدا من الكوارث. و في وقت سابق، توقع تقرير أممي حدوث كوارث ناجمة عن الجفاف ودرجات الحرارة القصوى والفيضانات المدمرة بوتيرة أكبر في السنوات المقبلة.
وفي ظل تغير المناخ، من المتوقع أن تقع أحداث كارثية ناجمة عن الجفاف ودرجات الحرارة القصوى والفيضانات المدمرة بشكل متكرر أكثر في المستقبل.
و قدر التقرير أنه بحلول عام 2030 سنواجه 560 كارثة حول العالم كل عام، أي بمعدل 1,5 كارثة يوميا.
و أشار تقرير أممي إلى وجود احتمال بنسبة 50 %، في أن يصل المتوسط السنوي لدرجة الحرارة العالمية مؤقتاً إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي، في سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة. 
ويشير التقرير أيضا إلى وجود احتمال بنسبة 93 في المائة في أن يصبح عام واحد على الأقل في الفترة 2022-2026 أحر عام مسجل، ليحل محل عام 2016 كأحر عام. 
وقال الأمين العام للمنظمة (WMO)، البروفيسور بيتيري تالاس: "إن هذه الدراسة تبين – بمهارة علمية فائقة – أننا نقترب بشكل ملحوظ من الوصول مؤقتاً إلى الحد الأدنى المحدد في اتفاق باريس بشأن تغير المناخ. وإن 1.5 درجة مئوية ليست نتيجة إحصاءات عشوائية، بل هي مؤشر على النقطة التي ستصبح فيها التأثيرات المناخية أشد ضرراً بالناس بل وبالكوكب بأسره".
وأضاف البروفيسور تالاس قائلاً: "ما دامت انبعاثاتنا من غازات الاحتباس الحراري مستمرة، ستواصل درجات الحرارة الارتفاع، وستصبح محيطاتنا أكثر دفئاً وأكثر حمضية، وسيستمر الجليد البحري والأنهار الجليدية في الذوبان، وسيواصل مستوى سطح البحر الارتفاع، وسيصبح طقسنا أكثر تطرفاً. ويتزايد احترار المنطقة القطبية الشمالية بشكل غير متناسب، وما يحدث في المنطقة القطبية الشمالية يؤثر فينا جميعاً.

العالم العربي ليس بمنأى عن التغير المناخي.. هل تشهد المنطقة العربية ما شهدته أوروبا

اذ نشرت صحيفة نيويورك تايمز، تقريراً احتوى على معلومات عن مخاطر التغيٍّر المناخي على 193 دولة عبر العالم، كانت منها العديد من الدول العربية.
ففي المغرب مثلا، ذكر التقرير أن ثلثي الواحات اختفت خلال القرن الماضي، أما الكويت، فقد سجلت إحدى مناطقها، وهي النويصيب، درجة حرارة قُدرت بـ 53,1 درجة مئوية، وهي من الأعلى في العالم.
وفي السعودية، وعلى غير العادة، ظهرت وديان صغيرة من الثلج المذاب في جنوب المملكة المعروفة بدرجات حرارتها المرتفعة. أما في السودان، فمعاناة العديد من المناطق مع العواصف الرملية اشتدت مؤخرا، وبات الكثير من السكان مضطرين يوميا لكنس الرمل من أمام منازلهم. 
وفي موريتانيا، زاد معدل الحرارة ما بين عامي 1901 و2020 بمقدار سنوي قدره 0.16 درجة مئوية، أما في الجزائر، فالمشهد كان حرائق الغابات التي أودت بحياة 90 شخصا على الأقل. وفي مصر، لم يعد الخطر يتهدد فقط المحاصيل الزراعية، بل كذلك الأهرامات التي باتت تحت خطر التضرر بسبب ظروف الطقس المتطرف. كما يكرر خبراء تحذيراتهم من احتمال غرق مدينة الإسكندرية وكذلك أجزاء واسعة من دلتا النيل بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر المتوسط بفعل التغير المناخي. 
وكانت مسودة تقييم وضعتها الأمم المتحدة قد بينت أن منطقة حوض البحر المتوسط التي تشمل دولا عربية وأوروبية تعد "مركز التغيّر المناخي"، وستشهد موجات حر غير مسبوقة وجفافا وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.

هل من سبيلٍ لمواجهة الأزمة؟

تتركز العديد من الجهود الدولية خلال الآونة الأخيرة على مسألة وضع حد لمسألة الاحتباس الحراري و التغير المناخي، و قد وضعت العديد من الاتفاقات الدولية التي تتعلق بالمناخ، كان أبرزها إتفاق باريس للمناخ، الذي خرجت منه الإدارة الأمريكية في ولاية ترامب، ثم عادت اليه في ولاية بايدن. 
و في هذا الصدد، طرح الرئيس السابق لمجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم مجالات رئيسية خمسة حيث يمكن لسياسات وخيارات النمو أن تساعد في الحد من محركات تغير المناخ.
و أضاف قائلاً:" يجب أن يواصل الاقتصاد النمو، فلا مناص عن النمو... لكن ما يجب علينا فعله هو فصل النمو عن الانبعاثات الكربونية".
أما بالنسبة للسُبل التي يمكن من خلالها التصدي لأزمة التغير المناخي، فهي بحسب جيم يونغ:
أولاً: خفض الانبعاثات الكربونية ببوادر واضحة في السياسات، عن طريق  نظام تداول الانبعاثات الذي يفرض حدودا قصوى أو الضرائب على الكربون التي تُفرض بالطن – ترسل إشارات طويلة الأجل إلى الشركات بخلق حوافز للحد من السلوكيات المتسببة في التلوث وللاستثمار في خيارات الطاقة النظيفة وابتكار أساليب منخفضة الانبعاثات. 
ثانياً: إنهاء دعم الوقود الأحفوري:
وعن طريق الإلغاء التدريجي للدعم على الوقود الأحفوري الضار، يمكن لمختلف البلدان إعادة تخصيص مواردها إلى أكثر المجالات احتياجاً والأكثر فعالية بما في ذلك المساندة المستهدفة للفقراء.
ثالثاً : بناء المدن المرنة منخفضة الانبعاثات الكربونية:
اذ أن التخطيط الدقيق للنقل واستخدامات الأراضي، ووضع معايير لكفاءة استخدام الطاقة، يمكن بناء المدن بأساليب تحول دون الوقوع في أنماط غير مستدامة. ويمكن أن تتيح فرص عمل وفرصا للفقراء وتحد من تلوث الهواء.
رابعاً : زيادة كفاءة استخدام الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة :
ويمثل تحسين كفاءة استخدام الطاقة أمرا حاسما. فكل جيجاوات يمكن توفيرها هي جيجاوات لسنا بحاجة إلى إنتاجها. وعلى مستوى العالم، فإن استخدام الطاقة اليوم يقل حوالي الثلث عما كان يجب عليه الحال بدون التحسينات التي أدخلت على كفاءة استخدام الطاقة خلال السنوات العشرين الماضية.
خامساً:تطبيق ممارسات الزراعة المراعية للمناخ والتوسع في الغابات
والمجال الخامس للتحرك هو في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره. إن ممارسات الزراعة المراعية للمناخ تساعد المزارع على زيادة إنتاجية المزرعة وقدرتها على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ مثل الجفاف، وفي الوقت نفسه تصبح بمثابة خزانات لامتصاص الكربون تساعد على الحد من الانبعاثات. وتعدّ الغابات أيضا خزانات مفيدة لامتصاص الكربون وتخزينه في التربة والأشجار والأوراق.

و في نهاية المطاف، لا بد الحكومات و الشعوب على مستوى العالم أجمع، أن يدركوا مدى أهمية مسألة التغير المناخي ، و لا بد أن تكون الكوارث المعاصرة من حرائق و إعصارات و فيضانات، بمثابة جرس الإنذار الأخير الذي يحذر العالم من كوارث أكبر بكثير، قد لا يكون باستطاعة دول العالم المتطور حتّى، مواجهة نتائجها و تداعياتها.