بايدن و الشرق الأوسط.. لماذا تحجّج بأمن إسرائيل لزيارة المنطقة.. وما سينتج عن الزيارة على الصعيدين الإقليمي و العالمي؟

news image

تقرير - مروة شاهين - بث: 
وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي يوم الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها - كرئيس -  للشرق الأوسط.
وكان في انتظار الرئيس الأمريكي في مطار بن غوريون قرب تل أبيب نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ولبيد، وأقيم استقبال رسمي في المطار، وسيتلقى بايدن إحاطة حول أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية "القبة الحديدية" و "الشعاع الحديدي".
على خُطى سَلَفِه..
بايدن يحاول دمج إسرائيل في الشرق الأوسط:
اذ تعهد الرئيس الأمريكي في تصريحات بعد استقباله بـ "إعطاء دفع لعملية اندماج إسرائيل" في الشرق الأوسط.
وذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيناقش مع بايدن بناء منظمة أمنية واقتصادية مع دول الشرق الأوسط وتحالف دولي يوقف البرنامج النووي الإيراني، حسب تعبيره.
كما رحب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في كلمة من أرض مطار بن غوريون بالزيارة التي وصفها بالتاريخية لبايدن، وقال إنها تعكس عمق العلاقات والشراكة بين الجانبين، وإنه سيتم خلالها بحث المخاطر التي تمثلها إيران.
وذكر مسؤولون أميركيون أن زيارة بايدن تركز على دمج إسرائيل بالكامل في المنطقة، في إطار تحالفات إقليمية تسعى واشنطن وتل أبيب إلى تشكيلها، ومواجهة ما يوصف بالخطر الإيراني.
وحدةٌ شرق أوسطية في مواجهة الخطر الإيراني.. 
والأمن الإسرائيلي هو الهدف الجوهري لإدارة بايدن:
قبيل أيام من زيارته للشرق الأوسط، كشف الرئيس الأميركي في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) عن أهداف زيارته للشرق الأوسط، وتعهد بمواصلة الضغط على إيران حتى تعود إلى الاتفاق النووي لعام 2015، قائلا إن جولته ستبدأ فصلا جديدا وواعدا للدور الأميركي في المنطقة. 
و قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن بايدن سيلقي كلمة فور وصوله إلى إسرائيل يؤكد فيها التزامه القوي بأمنها. 
وأضاف سوليفان أن بايدن سيكون صريحا مع إسرائيل بشأن جهود إدارته لإبرام اتفاق نووي مع إيران.
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية ذكرت في وقت سابق للزيارة؛ أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيوقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد خلال زيارته لإسرائيل اليوم بيانا مشتركا يعرف باسم "إعلان القدس".
وقالت الوزارة إن البيان الذي سيوقع اليوم سيؤكد التزام واشنطن بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية - هذا ما ذكرته الوزارة آنذاك، وقبل التوقيع - المعلن عنه .
وأضافت أن إعلان القدس سيعبر عن الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل، معتبرة أن هذا البيان رسالة موحدة ضد إيران.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن البيان سيجدد التأكيد على التزام واشنطن بأمن إسرائيل وتفوقها، إضافة إلى تعزيز قوتها وقدراتها للدفاع عن نفسها بنفسها في وجه أي تهديد.
وشدد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بايدن على أن الزيارة تهدف أيضا إلى التصدي لما وصفه بالخطر الإيراني متعدد الجوانب، مشددا على أن الدور الأميركي في الشرق الأوسط سيكون مختلفا عما كان عليه الوضع إبان الحرب على العراق.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قد قال إنه سيعرض على الرئيس الأميركي جو بايدن لدى وصوله إلى إسرائيل إنشاء قوة مشتركة يسعى لتطويرها مع شركاء في المنطقة لمواجهة إيران.

بايدن في الأراضي الفلسطينية.. و اصرار أميركي على حلّ الدولتين:

التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة نظيره الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية المحتلة، في محادثات ركزت على إجراءات اقتصادية من دون البحث في خطوات دبلوماسية كبيرة. 
وفي مؤتمر صحفي بعد اللقاء، قال الرئيس الفلسطيني إن "فرصة حل الدولتين على حدود 1967 قد تكون متاحة اليوم وقد لا تبقى لوقت طويل". وقال عباس: "نتطلع لخطوات من الإدارة الأمريكية تشمل إعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية ورفع منظمة التحرير من قائمة الإرهاب وإعادة فتح مكتبها بواشنطن".
وصرح بايدن: أن "الشعب الفلسطيني يتألم الآن ويمكنكم الشعور بذلك". وأضاف: "الالتزام بهدف حل الدولتين لم يتغير". مضيفا: "حتى إذا كان الوضع غير مناسب بعد للتفاوض، لن تتخلى واشنطن عن الجهود الرامية للجمع بين الطرفين".
وتعهد الرئيس الأمريكي بتقديم 100 مليون دولار إضافية لدعم المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية، لكنه لم يقدم مقترحات جديدة لإحياء محادثات السلام المتجمدة بين القادة الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأعلن بايدن أنه ليس في وارد التراجع عن قرار سلفه دونالد ترامب لجهة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. 
وجدد بايدن خلال وجوده في إسرائيل الخميس، تأكيد دعم واشنطن "حل الدولتين لشعبين يملك كلاهما جذورا عميقة وقديمة في هذه الأرض، ويعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن". 
من جهته، أكد الرئيس الفلسطينى محمود عباس أن زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الرسمية إلى بيت لحم تعبر عن اهتمام الرئيس الأمريكى بتحقيق السلام فى أرض السلام.
وأضاف عباس – خلال مؤتمر صحفى مشترك مع الرئيس الأمريكى جو بايدن – أن هذا اللقاء هو فرصة سانحة لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين ومراجعة ما يمكن للولايات المتحدة أن تسهم به من أجل تهيئة الأجواء لخلق أفق سياسي لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة.
وأشار إلى أنه تم التأكيد على أهمية إعادة تثبيت الأسس التي قامت عليها عملية السلام المستندة لقرارات الشرعية الدولية وعلى أساس حل الدولتين على حدود عام 1967.

الموقف الفلسطيني.. لا تعويل على مساعي بايدن لتحقيق السلام الفلسطيني-الإسرائيلي:

في هذا الإطار؛ بثت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" تصريحاً منحه لها  الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو من رام الله : " إن إدارة الرئيس بايدن غير جاهزة لتقديم خطوة نحو إعادة عملية السلام وبالتالي أقصى ما تستطيع فعله هو تقديم بعض المساعدات أو الطلب من إسرائيل بعض التسهيلات".
واعتبر عمرو، "مقياس نجاح زيارة بايدن لدى الفلسطينيين هو مدى التقدم نحو عملية سياسية جادة وحقيقية تؤمن حقوقهم وليس مجرد تسهيلات محدودة تقدم لهم، وبالتالي الزيارة هدفها المحافظة على المصالح الأمريكية في المنطقة والتأكيد على دعم إسرائيل".
وأضاف "أن القيادة الفلسطينية مطالبة بالإلحاح على بايدن لفتح مسار سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية ولجم الاستيطان وتنفيذ ما وعد به".

من إسرائيل نحو السعودية.. ملفات الطاقة و ردع إيران في صُلب اهتمامات بايدن:

بعد انتهاء زيارته للأراضي الفلسطينية وإسرائيل، توجّه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى مدينة جدة السعودية، مساء الجمعة، في أول زيارة له إلى المملكة منذ تولي إدارته السلطة في واشنطن.
و بعد مراسم استقبال باهته ، إذ لم يكن الملك أو ولي العهد في استقباله بالمطار؛  توجه موكب بايدن إلى قصر السلام، استقبله الأمير محمد بن سلمان عند بوابة القصر، والتقى بايدن الملك سلمان عبدالعزيز لمدة 30 دقيقة، بحضورولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم تم عقد اجتماع بين ولي العهد وبايدن.
و تعهدت واشنطن والرياض بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وبالحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، كما أكدّا في بيان مشترك أهمية التعاون الاستراتيجي الاقتصادي والاستثماري، لا سيما في ضوء الأزمة في أوكرانيا وتداعياتها.
وبحسب البيان، أكد بايدن التزام بلاده القوي والدائم بدعم أمن السعودية والدفاع عن أراضيها.
كما رحبت واشنطن بتعهد السعودية بدعم سوق نفط عالمية متوازنة من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام، حيث جدد البلدان تعهدهما باستقرار أسواق الطاقة العالمية.

استعادة الدور الأميركي في المنطقة..بايدن لن يترك فراغاً تملأه الصين و روسيا:

قال بايدن إنه أجرى سلسلة جيدة من الاجتماعات وناقش الاحتياجات الدفاعية للسعودية، مؤكدا أن بلاده لن تترك فراغا في الشرق الأوسط لتشغله روسيا والصين.
وفي مؤتمر صحفى ، قال بايدن "ناقشنا أهمية حرية الملاحة للجميع بما في ذلك إسرائيل"، مؤكدا أنه سيكون هناك فتح متبادل لخطوط الطيران بين إسرائيل والسعودية.
وكانت السعودية قد أعلنت فجر الجمعة فتح أجوائها لجميع الطائرات المدنية، و رأى بايدن أن ذلك خطوة مهمة لبناء منطقة شرق أوسط أكثر تكاملا واستقرارا، وأن قرار الرياض يمكن أن يساعد في بناء الزخم نحو مزيد من اندماج إسرائيل في المنطقة.
وفي موضوع آخر، قال بايدن "تحدثنا بخصوص وقف إطلاق النار في اليمن الذي بدأ منذ 3 أشهر"، مؤكدا أن السعودية وافقت على تعميق وتمديد وقف إطلاق النار.

زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تثير حفيظة روسيا:

في هذا الإطار كشف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، عن مخاوف موسكو من تسبب "دبلوماسية النفط" للرئيس الأميركي بـ"قلب السعودية ضد روسيا"، خلال زيارته للشرق الأوسط.
وردا على ما إذا كان الكرملين يعتقد أن الزيارة يمكن أن تشكل تهديدا للمصالح الروسية، قال بيسكوف، "موسكو تأمل بألا تتخذ السعودية أي مواقف ضد روسيا". 
وحسب المتحدث باسم "الكرملين"، فإن موسكو تثمن العلاقات مع الرياض، وتعمل في إطار اتفاقيات "أوبك+" وتقدر بشدة التعاون المثمر مع الشركاء الرائدين مثل المملكة العربية السعودية. 
وقال بيسكوف في تصريحاته، "نأمل بالطبع ألا يكون بناء وتطوير العلاقات مع عواصم العالم الأخرى موجها ضدنا بأي حال من الأحوال".

صراع روسي أميركي.. محوره "أسعار الطاقة في الأسواق الدولية" و السعودية هي أبرز المؤثرين:

تُعدّ السعودية من مؤسسي تحالف " أوبك+"، وهو اتفاق يضم 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضوا في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك".
وتتعرض البلدان المصدرة للنفط في "أوبك" و"أوبك+" مع موسكو، لضغوط من القوى الغربية لزيادة إنتاجها لتهدئة الأسعار المرتفعة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية. 
و في مقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، حول زيارة للشرق الأوسط، قال بايدن، إن "مواجهة العدوان الروسي يحتاج للعمل لاستقرار أكبر في المنطقة"، مضيفا لهذا "علينا التعامل مباشرة مع دول يمكن أن تؤثر في تلك النتائج، والسعودية واحدة من هذه الدول".

قمّة عربية بحضور بايدن:

على هامش الزيارة، عُقِدت قمة جدة للأمن والتنمية بالسعودية التي شارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن بحضور قادة دول الخليج والأردن ومصر والعراق. 
وأشار قادة مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، في بيان مشترك على هامش قمة جدة للتنمية والأمن، التزامهم بحفظ أمن المنطقة واستقرارها.
وشدد بيان القمة على دعم الجهود الدبلوماسية الهادفة لتهدئة التوترات الإقليمية، وتعميق التعاون الإقليمي الدفاعي والأمني والاستخباري، وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية، كما شدد البيان على ضرورة خُلوّ منطقة الخليج من أسلحة الدمار الشامل.
ورحب القادة بإنشاء قوة المهام المشتركة 153 وقوة المهام المشتركة 59 اللتين تعززان الشراكة والتنسيق الدفاعي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والقيادة المركزية الأميركية.

السعودية تنفي التطبيع مع إسرائيل، و لا ناتو عربي :

في مؤتمر صحفي عقب القمة، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إن المحادثات مع إيران لم تصل إلى هدفها، وإن اليد ما زالت ممدودة لها.
وأشار الوزير السعودي إلى أن القمة لم تناقش أي تحالف دفاعي مع إسرائيل ولا يوجد ما يسمى "ناتو عربي" مؤكدا أن فتح المجال الجوي لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وليس مقدمة لخطوات أخرى.
وكان ولي العهد السعودي قد عبر - في كلمته الافتتاحية للقمة - عن أمل بلاده في أن تشكل قمة جدة انطلاقة لعهد جديد من الشركة الإستراتيجية القوية بين دول المنطقة.
وقال الأمير محمد بن سلمان إن مستقبل الطاقة يتطلب رؤية واضحة بشأن الأمن والاستقرار، وإيجاد حلول لأزمات الشرق الأوسط، داعيا إيران للمساهمة في تحقيق هذه الرؤية.
وفيما يخص البرنامج النووي الإيراني، أكد بايدن أن بلاده ستواصل جهودها الدبلوماسية للضغط على طهران، وستحرص على ألا تمتلك إيران السلاح النووي.

قراءة ما بين السطور.. ما لم يُصرّح به الرئيس الأمريكي و نظرائه في حواراتهم الدبلوماسية :

في كل مؤتمر صحفي او زيارة دبلوماسية بين قادة الدول، تكثر التصريحات المنمقة التي يغلب عليها طابع الدبلوماسية، و التي تكون في الغالب ما لا يزيد عن قِشرة رقيقة من مسائل عميقة يجري تداولها بين القادة في الغرف المغلقة، أو على الأقل تكون هذه التصريحات مجرد تلميحات بسيطة إلى بعض ما يريده هؤلاء القادة و لا يجاهرون به سرّاً و لا علناً.
و لعلّ أصدق التصريحات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية، هي أن الرئيس بايدن سوف يزور الشرق الأوسط و المملكة العربية السعودية لأسباب تتعلق بملفات عديدة بخلاف ملف الطاقة و النفط، و هذه الأسباب التي دفعت بايدن للزيارة، هي المصالح الأمريكية أولا و آخراً، و ليس كما صرحت الإدارة الأمريكية أن السبب الرئيسي هو "أمن إسرائيل".
و لكن لماذا تحجج الرئيسي الأمريكي بأمن إسرائيل للقيام بجولة تشمل المملكة العربية السعودية؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل يمكن اختصارها بالآتي:
١- إرضاء اللوبي الإسرائيلي، و هو أكثر جماعات الضغط تنظيماً و نشاطاً داخل الولايات المتحدة الأمريكية، و يمتلك العديد من وسائل الإعلام و له تأثير كبير على أعضاء الكونغرس.
٢- الإستفادة من إسرائيل كدولة يحيط بها خصومها من كل الجوانب، و بالتالي فهي تحتاج إلى الحماية الأمريكية، ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تستفيد من إسرائيل خلال سعيها لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة لها في الشرق الأوسط، و يمكن استخدامها لردع إيران دون أن تتحمل الولايات المتحدة أي مسؤولية أمام الرأي العام العالمي في حال استخدام الخيار العسكري لتدمير البرنامج النووي الإيراني.
٣- إبعاد الحرج عن شخص الرئيس الأمريكي جو بايدن، من خلال إعطاء حجة مقنعة للرأي العام الأمريكي لزيارة السعودية، الدولة التي تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، بعد ما كان قد توعد خلال حملته الانتخابية بجعلها دولة " منبوذة".
 

٤ إعطاء مبرر لزيارة المملكة العربية السعودية، دون أن يكون مضطراً للاعتراف أمام الرأي العام الأمريكي بأن إدارته فشلت في مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الأمريكي، لكي يجري مباحثات بشأن زيادة إنتاج الطاقة، لا سيما أن دول تحالف أوبك+ و على رأسها المملكة العربية السعودية قد رفضت زيادة الإنتاج.

المصالح الأميركية المتخفية وراء الدبلوماسية :

"أميركا ليست جمعية خيرية، و لا تفعل شيئاً الا و تكون لها فيه مصلحة ما" جملة تتكرر إلى مسامعنا، رددها العديد من العلماء و الباحثين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما يقرب قرناً من الزمن. 
فمنذ أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى في بدايات القرن العشرين، استطاعت أن توظف كل قدراتها و أدواتها العسكرية و الاقتصادية و الدبلوماسية بما يحقق المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
اذاً، إذا كانت المصالح الأميركية هي المحرك الأساسي للتحركات الدبلوماسية التي يقوم بها بايدن اليوم في منطقة الشرق الأوسط ، فكيف يمكننا أن نفسر – وفقاً لنظرية المصلحة الأميركية -، أسباب و أهداف زيارة بايدن إلى المنطقة؟
إن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، لا يعدو سلوى كونه تاريخاً من التنافس اللامتناهي مع خصوم الولايات المتحدة، منذ مرحلة الاتحاد السوفيتي من عشرينيات القرن العشرين و حتى التسعينات، و من ثم الصراع مع ما تسميه الولايات المتحدة التيار الأصولي الإسلامي أو ما يطلق عليه الغرب اسم "الإرهاب الإسلامي"، و العودة في هذه الفترة الحالية إلى التنافس مع خصومها التقليديين الممثلين بروسيا و الصين.
و الآن بعد ما عرفنا أن السبب الرئيسي لزيارة بايدن إلى المنطقة هو تحقيق المصالح الأمريكية، باتت الحاجة ملّحةً للإجابة عن السؤال الذي يليه، ما هي أهداف زيارة بايدن، أو بتعبير آخر، كيف ستسهم زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط في تحقيق المصلحة الأميركية؟

أولاً: إجراء تفاهمات مع الدول العربية المنتجة للنفط والغاز لزيادة الإنتاج مما يضمن تعويض نقص إمدادات الغاز الروسي جراء العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا، و هذا ما يفسر حضور بايدن إلى السعودية، و الاجتماع مع قادة الدول العربية المنتجة للنفط في قمة جدة في المملكة العربية السعودية ، ولا سيما مصر ( المنتجة للغاز) و العراق. 
ثانياً: محاولة دمج إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال تعزيز علاقاتها مع الدول العربية و لا سيما المملكة العربية السعودية، سعياً منها لتشكيل ناتو عربي-إسرائيلي تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية استخدامه في ردع ايران، تماماً كما استخدمت حلف الناتو في أوروبا في وجه الاتحاد السوفيتي إبان فترة الحرب الباردة، و لا زالت تستخدمه اليوم ضد روسيا، و بالتالي تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية التفرغ لمواجهة تنامي قوة الصين التي أصبحت تشكل منافساً خطيراً للولايات المتحدة في مجال النفوذ العالمي. 
ثالثاً: تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة، لا سيما بعد تنامي علاقات الكثير من الدول العربية مع روسيا و الصين، ما تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية خطراً وجودياً على مصالحها في الشرق الأوسط و المنطقة العربية، و بالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى سد الفجوات و تعبئة النواقص في علاقاتها مع الدول العربية، لكي لا تترك أيّ فراغٍ قد تملأه روسيا أو الصين. 
رابعاً: استعادة الدور الأمريكي المتمثل بِ "شرطي العالم" من خلال تقديم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كضامن لأمن العالم و استقراره، من خلال محاولات إعادة إحياء مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، و تحريك ملف الأزمة اليمنية، و أزمة ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بهدف تحكيم قبضتها على المنطقة، و إعادة إحياء مبدأ نشر القيم الأمريكية، لا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تدرك أنها أصبحت من جديد، على أبواب حرب إيديولوجية فكرية، مع دول مُنافِسة تتبنّى أفكاراً و معتقدات إيديولوجية وعقائدية  معايرة تماماً للقيم الليبرالية الغربية.