المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.. لماذا تأخرت في إصدار حكمها؟ و هل سيُطبق هذا الحُكم على أرض الواقع؟



تقرير - مروة شاهين - بث:
أثار صدور حكم من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بإنزال أقصى العقوبات بحق عضوين من حزب الله اللبناني بتهمة التخطيط و تنفيذ عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري؛ جدلاً كبيراً على الصعيد المحلي و الاقليمي، حيث ساد الشك في مدى قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة عن المحكمة، كما سادت حالة من الاستهجان نظراً لصدور الحكم بعد ما يقارب ١٧ عاماً على اغتيال الحريري.
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.. اختصاصها و ظروف تشكيلها
المحكمة الخاصة بلبنان هي محكمة ذات طابع دولي. ويقع مقرها الرئيسي في إحدى ضواحي لاهاي بهولندا، ولها أيضاً مكتب في بيروت، لبنان.
اما المسؤولية الرئيسية للمحكمة الخاصة بلبنان فهي محاكمة الأشخاص المتهمين بتنفيذ اعتداء 14 شباط/فبراير 2005 الذي أدى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والى إصابة اشخاص كثيرين آخرين.
وقتل الحريري الذي كان رئيسا لوزراء لبنان قبل استقالته في تشرين الأول/أكتوبر 2004، في 14 شباط/فبراير 2005 عندما فجّر انتحاري شاحنة مليئة بالمتفجرات أثناء مرور موكبه المصفّح. وخلّف الهجوم 22 قتيلاً و226 جريحاً.
وتبعت اغتيال الحريري تظاهرات ضخمة انسحبت على اثرها القوات السورية من لبنان بعد وجود استمر 29 عاما.
ومع رحيل الجيش السوري هيمن تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري نجل رفيق الحريري، على نتائج الانتخابات التشريعية في العامين 2005 و2009.
وانشئت المحكمة بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن في 2009 لمحاكمة الضالعين في الانفجار الضخم، ومقرها لايدسندام قرب لاهاي.
والمحكمة هيئة قضائية مستقلة تضم قضاة لبنانيين ودوليين. وهي ليست محكمة تابعة للأمم المتحدة ولا جزءاً من النظام القضائي اللبناني، غير أنها تحاكم الناس بموجب قانون العقوبات اللبناني. وهي أيضاً المحكمة الأولى من نوعها في تناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بذاتها.
ويشمل اختصاص المحكمة أيضاً اعتداءات أخرى وقعت في لبنان بين 1 تشرين الأول/أكتوبر 2004 و12 كانون الأول/ديسمبر 2005 إذا تبين أنها مرتبطة بأحداث 14 شباط/فبراير ومماثلة لها من حيث طبيعتها وخطورتها. وولاية المحكمة تجيز لها أيضاً ممارسة الاختصاص على جرائم ارتكبت في أي تاريخ لاحق، ويقرر ذلك الطرفان وبموافقة مجلس الأمن، إذا كانت هذه الجرائم مرتبطة باعتداء 14 شباط/فبراير 2005.
الجدول الزمني لأهم مُخرجات المحكمة و خلاصة أحكامها
في 10 آذار/مارس 2022، أدانت المحكمة الخاصة بلبنان حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي لدورهما في اعتداء 14 شباط/فبراير 2005 الإرهابي الذي اغتيل فيه رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وأسفر عن مقتل 21 شخصًا آخر وعن إصابة 226 آخرين.
وفي 18 آب/أغسطس 2020، أدانت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان سليم جميل عياش بالإجماع فيما يخص جميع التهم الموجهة إليه وحكمت عليه غيابيًا بالسجن المؤبد. وبرأت غرفة الدرجة الأولى حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي من كل التهم الموجهة إليهما.
وكانت المحكمة الدولية دانت في آب/أغسطس 2020 عضواً من حزب الله هو سليم عياش بتهمة القتل عمداً، وحكمت عليه غيابياً في كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته بالسجن مدى الحياة.
وفي 10 آذار/مارس 2022، أصدرت غرفة الاستئناف حكم الاستئناف وأعلنت بالإجماع أن مرعي وعنيسي مذنبان على نحو لا يشوبه شك معقول فيما يخص كل التهم المسندة إليهما في قرار الاتهام الموحد المعدل.
و في 10 مارس / آذار 2022 ، خلصت غرفة الاستئناف ، بالإضافة إلى إدانة مرعي و عنيسي، إلى أنه تم استخدام شبكة من الهواتف ، وصفها الادعاء باسم "الشبكة الخضراء" ، لتنسيق الهجوم. مرعي وعياش ، كلاهما أدانتهما المحكمة ، كانا عضوين في الشبكة الخضراء. كما خلصت إلى أن هذه الشبكة قام بتنسيقها مصطفى أمين بدر الدين، الذي تبين أنه قائد عسكري لحزب الله خلال عامي 2004 و2005، والذي ورد أنه قُتل في سوريا في عام 2016.
وأعلنت رئيسة المحكمة إيفانا هردليكوفا أن غرفة الاستئناف قررت بالإجماع الحكم على حبيب مرعي وحسين عنيسي بالسجن المؤبد، وهي أقصى عقوبة ينص عليها النظام الأساسي للمحكمة وقواعدها.
هل تستطيع الدولة اللبنانية تطبيق قرارات المحكمة في ظل هيمنة حزب الله ؟
في الواقع، من غير المرجح أن يُسجن الرجلان لأن حزب الله رفض مرارا تسليم المتهميْن أو حتى الاعتراف بالمحكمة التي حاكمتهما غيابيا.
وقال رئيس الوزراء السابق سعد الحريري نجل رفيق الحريري إن العقوبة الصادرة عن المحكمة الدولية هي الأشد والأوضح في إدانة حزب الله باغتيال والده.
و لم تستطع الدولة اللبناينة منذ تشكيل المحكمة الدولية بناءً على طلبها، أن تطبق أي قرار خاص بالمحكمة سواء لجهة تسليم المحكومين للقضاء الدولي أو القضاء اللبناني المحلي، او لجهة توقيفهم لإخضاعهم لقانون العقوبات اللبناني و محاكمتهم أمام القضا المختصر.
و في هذا الإطار قال الكاتب السياسي اللبناني بيتر جرمانوس إن أفشل ما حصل هو المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إن لجهة الأموال التي صرفت عليها والتي كان بإمكانها ادخال العدلية في العصر الرقمي وان لجهة نتائجها وان لجهة تفاقم العنف الداخلي الذي تسببت به الاغتيالات. لا قيمة للحقيقة إذا لم يكن باستطاعتك استعمال القوة الزجرية لاحقاق العدالة.
أما عن تعليقات المواطنين اللبنانيين على هذه المستجدات الأخيرة، قال المواطن اللبناني محمد الحاج «ما نفع صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دون بقية الاغتيالات ومحاولة الاغتيالات ل قادة 14 اذار؟.ما نفع صدور حكم المحكمة الدولية والمجرمين متوارين عن الأنظار او مقتولين او مغيرين اشكالهم بعمليات تجميل؟.ما نفع صدور حكم المحكمة وحزب الله الحامي الأول والاخير للمجرمين؟».
مواطن آخر يُعرف نفسه ب"أبو عمر"، علق على صدور الحكم على قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري قاىلاً «بعد 17 عاما من اغتيال الرمز العربي الكبير الشهيد رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهم، جددت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهامها لأربع أعضاء من ما يسمى بحزب الله، ولا يزال قاتليه أحراراً مستمرين في اختطاف سيادة وعروبة لبنان، ورهنه في أيدي نظام طهران.».
لماذا تطلّب الأمر ١٧ عاماً لصدور حكم قضائي بحق قتلة الحريري ؟
إن الهيمنة الأمريكية على منظمة الأمم المتحدة، و استخدامها لكافة اذرع هذه المنظمة الدولية لتحقيق مصالحها السياسية و الدبلوماسية، أدّى الى تحويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الى ورقة ضغط تستخدمها الحكومة الاميركية للضغط على حزب الله و داعميه من المحور السوري-الإيراني.
فلم تتحرك المحكمة الدولية لإصدار حكم بحق سليم عياش، المتهم الأول في قضية الاغتيال، إلا في وقت كانت فيه العلاقات الاميركية الايرانية على شفير الهاوية، بعد خروج الرئيس الاميركي دونال ترامب من الإتفاق النووي الذي أبرمته حكومة سلفه أوباما، مما جعل الولايات المتحدة الامريكية تستخدم اوراق الضغط السياسية و الدبلوماسية للضغط على ايران لدفعها نحو التراجع عن تقليص التزاماتها النووية.
و الآن في ظل الأزمة الشاملة التي يعيشها لبنان ، تشتد الصراعات الاقليمية بين كافة المحاور في الداخل و الخارج، و خصوصاً الصراع بين المحور السيادي اللبناني الذي يدعو الى التحرر من القبضة الإيرانية و بين المحور السوري الإيراني الذي يمثله حزب الله و حلفائه في الداخل و الخارج، ما يجعل تأجيج قضية الحريري ورقة رابحة قد تُستخدم في الصراع مع الهيمنة الإيرانية على لبنان.
أي أن الوقت مناسب جداً لإعادة تأجيج صراع قوى ١٤ و ٨ آذار على السلطة، ذاك الصراع بين الجبهتين الذي قسم لبنان الى محور موالي لإيران و معادٍ للغرب، و محور صديق للغرب و قريب من الدول العربية.
رفيق الحريري..اللبناني الذي بنى بيروت و قُتِل فيها، لا يغيب عن خواطر اللبنانيين:
لا يُنكر أحد من اللبنانيين مدى كون الرئيس رفيق الحريري رجلاً استثناىياً، بل تعتبره الغالبية العظمى "منقذ لبنان" نظراً لأنه لعب دورًا مهمًا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإعمار لبنان بعدها. وقام بالعديد من الأعمال الخيرية وكان أشهرها تقديم منح طلابية للدراسات الجامعية لأكثر من 36000 شاب وشابة من كل الطوائف اللبنانية على مدى 20 عامًا، إضافة إلى تقديم المساعدات لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان ومساعدة دور الأيتام والعجزة وإنقاذ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية من الديون. عرف بعصاميته فهو لم يرث المال ولا السلطة كما هو حال معظم سياسيي لبنان، وأصبح أحد أغنياء العالم نتيجة جهده الشخصي.
و يقول المواطن اللبناني "أبو عمر" متحدثاً عن الحريري:«رغم مرور 17 عاماً على ذلك اليوم الحزين، إلا أن الشهيد رفيق الحريري يقوى مجدداً على الغياب ليبقى قامة وطنية لا يمكن أن تسقط من سجل كبار هذا الوطن».
ويتابع «هو أقوى من الغياب، فهو حاضر في ضمير لبنان، فاغتياله كان محلولة لاغتيال مشروعه لبناء وإعمار لبنان، مشروع قيام لبنان قوي باقتصاده وبناه التحتية وشبابه المتعلم، لا شيء يمكن ان ينسينا الشهيد رفيق الحريري اللي ما كان يفرق بين انسان وانسان وكان عندو حب العطاء والمساعدة للناس، رفيق الحريري لما ينذكر منتذكر كل شي حلو ومنيح للبلد، عمّر مساجد وكنايس ووقف الحرب وعلم 35 الف طالب .. وما بعتقد انو الزمن رح يجود بمتلو بعد، اليوم الناس تفتقد رفيق الحريري أكثر من أي وقت مضى، لأننا نمر بضيقة كبيرة ..فيه جوع والناس مش قادرة تاكل وتشرب ولا تأمن معيشتها ، وتنكة البنزين بميات الألوف ، والسلطة مقصرة وعاجزة وما قادرة تعمل شيء».