الانتخابات اللبنانية.. ماذا بعد اعتكاف الحريري؟ و هل يتخلص لبنان من سيطرة المحور الإيراني

news image

 

 

بيروت - مروة شاهين - بث: 


أيام قليلة على بدء الاستحقاق الانتخابي الذي يعتبره البعض أهم استحقاق انتخابي في التاريخ اللبناني، إذ تبدأ الانتخابات النيابية اللبنانية يوم الأحد المقبل الواقع في ١٥ أيار مايو من العام ٢٠٢٢، وسط تجاذبات كبيرة بين القوى الظاخلية اللبنانية حول الصراع على النفوذ بين التوجهات السيادية و التوجهات الموالية لإيران، إضافة الى اهتمام دولي كبير بهذا الاستحقاق الذي سيقرر مصير لبنان و طبيعة علاقته المستقبلية مع اشقائه العرب و أصدقائه الغربيين.

صراع فكري إعلامي:

يوجه أغلب القادة والزعماء السياسيين خطابات تحث الناخبين على المشاركة بكثافة في الانتخابات واختيار القوائم الخاصة بكل حزب، فيما يتبادل أغلب القادة المتنافسين الهجوم والاتهامات بالمسئولية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية ومعيشية حادة نتج عنها وجود أكثر من 74% من اللبنانيين تحت خط الفقر، فيما تعاني البلاد من أزمة صنفها البنك الدولي ضمن أسوأ 3 أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وخصصت القنوات التلفزيونية اللبنانية جميع برامجها للترويج للبرامج الانتخابية للقوائم المتنافسة، وفقا لسياسة وتوجهات كل قناة، حيث ركزت القنوات المملوكة والتابعة لأحزاب وتيارات سياسية على عرض برامج قوائم أحزابها والهجوم على الخصوم من السياسيين البارزين في معارك كلامية عنيفة بشكل مكثف اليوم قبل قرابة 4 أيام من الانتخابات النيابية المقررة في مختلف أنحاء لبنان والتي يحق فيها لـ3 ملايين و967 ألفا و507 مواطنين التصويت فيها.. ويبلغ عدد الناخبين الذكور مليونا و945 ألفا و120 ناخبا فيما يبلغ عدد الناخبات الإناث مليونين و22 ألفا و387 ناخبة.
ويتنافس في الانتخابات التي تجري بنظام القائمة النسبية فقط حوالي 718 مرشحا ضمن 103 قوائم انتخابية في 15 دائرة كبرى على مستوى لبنان على 128 مقعدا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بمختلف طوائفهم.

الانتخابات النيابية: ساحة رئيسية لمواجهة حزب الله:

في هذا الإطار يؤكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور أن الانتخابات النيابية هي بالتأكيد المكان الصحيح لمواجهة حزب الله، لا سيما أن القوات اللبنانية آلت على نفسها منذ عام 2005، وبعد عودتها إلى الحياة السياسية إثر انسحاب الجيش السوري من لبنان وخروج الدكتور سمير جعجع من المعتقل، أن تبني المؤسسات اللبنانية. ورأى جبور أن شعار البناء والحماية الذي رفعه حزب الله لمعركته الانتخابية لا علاقة له بالحزب، مذكراً بأن القوات تعمل منذ عام 2005 على بناء مداميك الدولة اللبنانية، وحماية الدولة تكون من خلال الجيش اللبناني والمؤسسات الشرعية ومن خلال الاحتضان الشعبي، بالتالي فإن الحماية الحقيقية تتحقق من خلال وحدة الموقف بين اللبنانيين والحماية المؤسساتية والعسكرية والقضائية والأمنية الشرعية. ومن هذا المنطلق تشكل الانتخابات النيابية محطة أساسية ومهمة في هذا السياق من أجل انتزاع أكثرية نيابية تستطيع كف يد حزب الله عن المؤسسات الشرعية، وذلك كخطوة أولى وأساسية من أجل الفصل بين مؤسسات الدولة التي يجب ألا يكون لحزب مسلح سيطرة وهيمنة عليها على غرار ما شهدناه في كل المرحلة السابقة، حيث إن سيطرة حزب الله على المؤسسات الدستورية انعكست سلباً على لبنان وعلى أكثر من مستوى، إن على مستوى علاقاته الخارجية، لا سيما مع الدول العربية والخليجية، أو على مستوى إدارة الدولة بعد أن تبين أنها إدارة فاسدة في ظل التعاون بين فريق "دحزب الله والقوى الحليفة له، إضافة إلى تراجع إمكانية قيام دولة حقيقية ضابطة لحدودها تمنع التهريب وتدفع باتجاه قيام المؤسسات في ظل وجود سلطة قضائية فعلية.
واعتبر المسؤول القواتي أن الانتخابات النيابية أساسية ولا خيار آخر غيرها لمواجهة مشروع حزب الله والرهان على اقتناع الأغلبية الشعبية بأن لا خيار سوى الدولة القوية والفعلية التي تؤمن الاستقرار والازدهار والحفاظ على نمط عيش كريم للبنانيين. وأكد أنه إذا ذهب الشعب اللبناني بكثافة إلى الانتخابات ودفع باتجاه تمكين القوى السيادية لتغيير الأكثرية النيابية عندها يمكن البدء بإنتاج سلطة جديدة تقود مشروع الدولة في لبنان إلى المكان الصحيح.

و يقول النائب الاشتراكي بلال عبد الله  بأن مواجهة محور الممانعة بقيادة إيران في المنطقة، و حزب الله جزء منه في الشق المتعلق بالسلاح المستخدم خارج إطار مقاومة إسرائيل، هذه المواجهة تبدأ من الخليج، وتنتهي بالعراق وسوريا وليس في لبنان، الذي هو بحسب عبد الله الحلقة الأضعف في المواجهة.
ويعتبر عبد الله، المرشح في منطقة الشوف بوجه لائحة مدعومة من حزب الله، أن من أطلق يد إيران في المنطقة هو احتلال أميركا للعراق دون ترتيب الوضع الداخلي وتركه للفوضى، مشدداً على دور الغرب أيضاً في حماية نظام الأسد وإعطاء المشروعية لحزب الله في لبنان.

جعجع: التصويت لحزب الله سوف يطيل الأزمة:

كما أعربَ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن اعتقاده بأنَّ التصويت لحزب الله والتيار الوطني الحر في الانتخابات التشريعية سيؤدي إلى إطالة أمد الأزمة في لبنان، وأضاف جعجع خلال لقاء انتخابي أن رؤية حزب الله للمقاومة ترتكز على تركيبة مدمرة للدولة، وأن الحزب يصادر بذلك مفهوم المقاومة وينسبه لنفسه، وفق تعبيره.

تفتت الساحة السنية بعد اعتكاف الحريري:

تفتت أكيد وواضح، هكذا يصف المحلل السياسي، جوني منيّر، الوضع السياسي السُني الذي سيقود برأيه إلى مزيد من الوهن، ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضا على المستوى المناطقي.
هذا التحليل هو أقرب إلى استنتاج منطقي نتيجة عوامل موضوعية. لكن في المشهد معطيات أخرى أيضا.
فما بعد اعتكاف الزعامات، تحوّل السؤال إلى نسبة المشاركة في الانتخابات باعتبارها ستكون مؤشرا مهما على مستويين أساسين. الأول يتعلق بمدى تمسّك الساحة السنية بالحريري ورفضها اختيار بديل له، والثاني هو بكيفية انعكاس حجم المشاركة على النتائج، وبالتالي على شكل المجلس النيابي المقبل وموازين القوى فيه.
فبصرف النظر عن العدد النهائي للمقاعد التي سيحصل عليها كل طرف، يتوقع أن يكون في البرلمان المقبل فريق قوي مؤلف من حزب الله وحليفيه حركة أمل والتيار الوطني الحر. لكنّ الترقب هو لحجم الفريق الموازي، وهو أمر قد تؤثر به بشكل كبير نسبة المشاركة السنية، ومحاولات شدّ العصب التي قد نشهدها في مرحلة مقبلة، إضافة إلى إمكانية أن يكون هناك تبنّ أو دعم للوائح معيّنة من قبل شخصيات سُنية وازنة، حتى ولو أنها لم تترشح.
فبحسب منيّر، السؤال الحقيقي هو بشأن قدرة القوى المقابلة لحزب الله وحلفائه في فرض حضورها في المجلس. في هذا الاطار، قد يصبّ الاستنكاف الانتخابي السُني في مصلحة حزب الله سياسيا.
في هذا الاطار، قد يكون العجز عن إنتاج زعامة رديفة للحريري، انتصارا سياسيا معنويا كبيرا لزعيم تيار المستقبل بحيث يكون، رغم تنحيه قد "حفظ مكانته السياسية ولو سلبا، في المشهد"، إذا قرر العودة إلى ممارسة نشاطه السياسي لاحقا.
لكن كل ما سبق مبني على تحليل بحسب المعطيات الحالية. يفترض أن تجري الانتخابات في الخامس عشر من أيار/مايو المقبل، من اليوم وإلى حينه قد تطرأ أمور كثيرة تغير المعطيات وتؤثر في المشهدين الانتخابي والسياسي.

الانتخابات اللبنانية: صراع بين قوى موالية لإيران أو معادية لها؟

 و أما عن المواجهة بين التوجهات السيادية اللبنانية و بين حزب الله، ، فقال الكاتب و المفكر اللبناني رفيق خوري في مقال رأي لإحدى الصحف العالمية، إن نصر الله منزعج من تسليح أميركا للجيش اللبناني ومن وجود ضباط أميركيين في مقر قيادة الجيش. ولم يكن ينقصه سوى التشكيك بوطنية المؤسسة العسكرية التي هي عماد الوطن، ولا كان خارج المألوف في مواقفه، بعدما اعترف بأنه جندي في جيش ولاية الفقيه وأن تسليحه وتمويله من الملالي، توصيف إيران بأنها نموذج لدولة ذات سيادة حقيقية وحرية كاملة، في حين أن كثيرين ممن يتحدثون عن الاستقلال والسيادة هم أتباع سفارات.
و يضيف خوري  أن العنوان الآخر للمعركة الانتخابية لدى خصوم حزب الله هو تغيير الأكثرية التي في يده حالياً، والحد من تغوله على السلطة والبلد، فالتيارات المختلفة معه واسعة في معظم الطوائف، وهي ترى خطراً وجودياً على الوطن الصغير وتعمل لمواجهته، سلاحها الأول هو الوطنية والعروبة، وسلاحها الثاني هو التضاريس السياسية والتاريخية والأيديولوجية التي تجعل من مشروع حزب الله في لبنان ضمن المشروع الإقليمي الإيراني مهمة مستحيلة، على الرغم من بعض النجاحات المؤقتة. ولا يبدل في الأمر رهان طهران وميليشياتها على السلاح كما على صفقة الاتفاق النووي مع أميركا من دون أي حديث عن الملف الصاروخي والنفوذ الإيراني والسلوك المزعزع للاستقرار.
و يتابع خوري قاىلاً « إن من  الوهم إقامة نظام ثيوقراطي أيديولوجي يديره حزب واحد من مذهب واحد في بلد من 18 طائفة هو لبنان، والوهم الأكبر هو مد النظام الثيوقراطي الشيعي الفارسي في إيران إلى المنطقة العربية بأكثريتها السنية وأقلياتها المتعددة في كل بلد عربي، ولو حدث نوع من التمدد بقوة السلاح، فإنه لن يصمد، وليس من السهل القفز من فوق التاريخ والحقائق الوطنية والجيوسياسية، فلا خطف الدولة اللبنانية يمكن أن يستمر، وقد بدأت معركة تحريرها، ولا العرب خرجوا من التاريخ لكي يسمحوا بخطف العالم العربي».

استطلاعات الرأي: اللبنانيون ليسوا متفاىلين بما بعد الانتخابات:

في هذا الصدد، قالت صحيفة الفاينانشل تايمز الامريكية عن دراسات أُجريت على الواقع اللبناني أن قلة هم الذين يعتقدون أن الانتخابات ستحسن الآفاق الاقتصادية.
وقد أظهر استطلاع حديث أجرته منظمة أوكسفام أن 54 في المئة فقط من الناخبين على استعداد للتصويت. اللامبالاة حادة بشكل خاص بالنسبة للسنة الذين فقدوا زعامة بعد انسحاب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وحزبه من السياسة، متذمرين من نفوذ إيران غير المبرر، و على الرغم من أن حزب الله يمكن أن يحصل على مقاعد إذا قاطع الناخبون السنة التصويت، إلا أنهم ما زالوا بحاجة إلى حلفائهم المسلمين والمسيحيين للتمسك بمقاعدهم من أجل ضمان الأغلبية، ففي انتخابات 2018، فاز حزب الله وحلفاؤه الشيعة، بما في ذلك حركة أمل، بـ27 مقعداً في البرلمان المؤلف من 128 مقعداً، وهو مقسم بالتساوي بين الأحزاب الإسلامية والمسيحية. إلى جانب التيار الوطني الحر، الحزب المسيحي الماروني الذي يتزعمه الرئيس ميشال عون، وحركة أمل، الميليشيا الشيعية التي تحولت إلى حزب، يقود الحزب أغلبية لا تقل عن 70.
و أردفت الصحيفة أن حزب الله من خلال دوره التقليدي كحامي ومزود للخدمات، تمكن الله من صرف الكثير من الانتقادات الموجهة إلى النخبة الحاكمة، يوجه الكثيرون حنقهم من الفساد نحو التيار الوطني الحر وحركة أمل، و إن أن حزب الله لديه ما يدعو إلى التوتر بحسب محللين، يلقي الكثير من اللبنانيين باللوم عليه في الجمود بشأن الإصلاحات والتحقيق في انفجار المرفأ وللأشهر الثلاثة عشر التي استغرقها تشكيل الحكومة الأخيرة. فيما يتساءل آخرون عن حفاظه على ترسانة أسلحة والتي جادلت الحكومة اللبنانية والمجموعة بأنها ضرورية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المتنازع عليها على طول الحدود الجنوبية للبنان، و إن النشطاء يقولون إن التنازع في الكتلة الانتخابية الشيعية التي كان يمكن الاعتماد عليها في يوم من الأيام دفع حزب الله وحركة أمل إلى استخدام المزيد من أساليب الترهيب ضد مرشحي المعارضة والناخبين الذين قد يرغبون في الانحراف.
وأضافت أن مرشحي المعارضة  تحدثوا عن تهديدات بالعنف وصعوبة في تجنيد نواب للعمل في مراكز الاقتراع،و  يقول الناخبون إن الموالين لحزب الله وحركة أمل يراقبون القوائم الانتخابية ويضايقون من لا يصوتون بطريقتهم، مهما كانت النتيجة، فمن المحتمل أن تستغرق المفاوضات لتشكيل إدارة جديدة وقتاً وسيكون التعافي الاقتصادي بطيئاً، يمكن للأغلبية التي يقودها حزب الله أن تزيد من تنفير دول الخليج التي كانت ذات يوم مستثمرة كبيرة في لبنان بينما كانت تسعى لمواجهة النفوذ الإيراني.

استعدادات أمنية:

وكان قائد الجيش العماد جوزاف عون عقد اجتماعاً يوم  مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة، وزوّدهم بالتوجيهات اللازمة والإجراءات الضرورية لحفظ أمن الانتخابات النيابية وإتمامها بنجاح.
وأكد جوزيف عون خلال الاجتماع أن الجيش جاهز عملانياً وأمنياً لهذه المهمة، وأنه على مسافة واحدة من الجميع، وما يعنيه هو إتمام العملية الانتخابية بنجاح وديموقراطية. ولفت عون إلى حملة استهدافات طالت المؤسسة العسكرية لجهة مواكبة عملية الاستعداد للانتخابات، مؤكداً أن الجيش يقف على الحياد وليس طرفاً في هذا الاستحقاق إطلاقاً، ولا يقف إلى جانب أي جهة ضد أخرى، إنّما يتدخّل عند حصول إشكال أو احتكاك لمنع تفاقم الوضع، داعياً الأطراف المعنيين بالانتخابات إلى التحلّي بالمسؤولية الوطنية والتعاون مع المؤسسة العسكرية لإنجاز هذا الاستحقاق بهدوء وديموقراطية.