ما هي شروط استعادة قطر عربيا ؟
د. طارق فهمي
لم يكن وزير الدفاع السابق أفيجدور ليبرمان رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” في حاجة لكي يعلن عن زيارة رئيس الموساد وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي إلى قطرمنذ عدة أشهر ، ويكسر حاجز الصمت في ملف العلاقات الاستخباراتية والتنسيق الأمني والاستراتيجي بين البلدين، خصوصا أن هذه العلاقات ممتدة وتاريخية بمعنى الكلمة وبدأت مع عهد الأمير الوالد، واستمرت حتى الفترة الراهنة، وتشعبت من مسارات ثنائية إلى متعددة، ولم تقتصر على قطاع غزة فقط بل امتدت إلى مجالات وأطر متعددة كطبيعة العلاقات بين الأجهزة الأمنية عموما وبين جهازي الأمن في تل أبيب والدوحة، والواقع أن قطاع غزة هو مسرح العمليات الشكلي أو الساتر الذي عمل عليه الجانبان طوال الفترة المقبلة، وفي ظل استمرار الاتصالات المعلنة بين رئيس لجنة إعمار القطاع السفير محمد العمادي ونائبه خالد الحردان، والعديد من المسؤولين الإسرائيليين في قطاعات مختلفة، وتكاد تحظى اللجنة القطرية وأعمالها وتحركاتها في القطاع وخارجه بمتابعة لافتة في وسائل الإعلام العلنية، وهو ما تم توظيفه في مواقع متعددة، وامتد للتنسيق في الملف الأمني والعمل على استمرار حالة التهدئة إلى فرض الخيارات القطرية التطوعية والأمنية داخل القطاع، ومنها سعي الطرفين للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد ربما إلى سنوات، وليس عدة أشهر مع العمل على إتمام صفقة تبادل الأسرى التي دخلها أطراف دوليون وإقليميون، وتسعى قطر ليكون لها السبق في إتمامها لكي يحسب لحضورها السياسي والاستراتيجي في القطاع، الذي يمثل ضغطا على السلطة الفلسطينية، ويكرس بالفعل المشهد الراهن بين القطاع والضفة، بل وسيؤدي لمزيد من الانشقاق المستمر بين الجانبين في الفترة المقبلة بصرف النظر عما يجري في تركيا في الوقت الراهن من لقاءات تضم قيادات فتح وحماس لتنفيذ استحقاقات المصالحة ، وذلك بعد توقيع معاهدتي السلام بين دولتي الامارات العربية والبحرين وإسرائيل. ومن ثم فإن دخول قطر بقوة على الساحة الفلسطينية من المنظور الخدمي أدى لأزمات حقيقية في القطاع وخارجه، بصرف النظر عن الدعم المالي للأسر والعائلات الفلسطينية الأكثر احتياجا، خصوصا أن قطر تعمدت نقل رسالة لحركة حماس مفادها أنه في حال عدم تجاوب الحركة وقياداتها مع الدور القطري على كل مستوياته، فإن الدعم المالي والتمويل المقرر سينتهي ، وهو ما سيمثل أزمة للحركة في القطاع، وسيؤدي لتداعيات مكلفة في ظل الأزمات المتتالية التي يعاني منها القطاع في الوقت الراهن، ومرشحة للتصعيد في ظل الضغوطات التي تتعرض لها الحركة من إسرائيل، وهو ما دفعها للتحرك نحو مصر سريعا ومحاولة إعادة الاتصالات واستئناف سياسة الدعم التي تتبناها مصر للقطاع منعا للدخول في دائرة من الفراغ السياسي والاستراتيجي التي لا يمكن الخروج منها، وهو الأمر الذي لن يتوقف عند التهدئة وعدم إطلاق الصواريخ من القطاع على منطقة غلاف غزة وتكرار توجيه ضربات إسرائيل للقطاع في ظل حالة الفوضي الموجودة في القطاع ووجود فصائل منفلتة تقوم بإطلاق الصواريخ لإحراج حركة حماس، ومن ثم فإن التحرك القطري - الإسرائيلي المعلن يحمل رسائل مهمة لحركة حماس، ولإيران وللأطراف الإقليمية خصوصا مع تعدد الأطراف التي تمارس دورا في قطاع غزة، وبالتالي فإن لقاء المسؤولين الأمنيين في قطر وإسرائيل ليس جديدا، والإشكالية ليست في خروجه للعلن بل ما سيكون مطروحا بقوة في الفترة المقبلة في إطار حرص إسرائيل على توظيف واستثمار الدور القطري في قطاع غزة بوجه خاص، وفي الملف الفلسطيني بوجه عام، كما يتسق مع الحرص القطري على بناء علاقات هيكلية مع الجانب الإسرائيلي على كل المستويات، وهو ما سينقل العلاقات في الفترة المقبلة لعلاقات أكثر وضوحا، ولن تقتصر على مشروعات خدمية أو تطوعية أو تقديم مساعدات في ظل وجود تحفظات فلسطينية على تبدل الدور القطري من دور إنساني إلى دور سياسي ومصلحي بل واستثماري، وهو ما اشتكت منه قطاعات خدمية داخل قطاع غزة، وطالبت بالوقوف أمامه بل وتصفية الوجود القطري بصرف النظر عن صعوبة إجراء ذلك فعليا وسوف يتزايد ذلك بعد توقيع معاهدة السلام بين قطر واسرائيل وهو أمر متوقع خلال الفترة المقبلة ..
إن الخطورة الحقيقية في نقل العلاقات القطرية - الإسرائيلية لمرحلة نوعية سيكون الخاسر الأول والأخير هو الجانب الفلسطيني، وفي ظل رهانات حقيقية على أن قطر تطرح دورا استباقيا في تنفيذ المشروعات المطروحة لإعمار القطاع عبر خبراتها في إدارة المشروعات في القطاع، وبالتنسيق مع المؤسسات المانحة، وبدعم سياسي واستراتيجي إسرائيلي، وعبر المبعوث الأممي نيقولاي ميلاد نيوف..
وفي مقابل ما يجري فإن الإدارة الأمريكية تريد أن تتعامل مع الدول العربية بمعايير وضوابط قائمة على المصالح المتبادلة، ولا تريد أن تقر بأن النظام الدولي ليس فقط الولايات المتحدة، ومن ثم فإنها تخطط لإعادة ترتيب حساباتها في الإقليم العربي بأكمله وليس فقط في الخليج العربي، حيث مصالحها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة، وهو ما جعلها أيضا تتحرك وفقا لاستراتيجيات المصالح من جانب واحد. في هذا السياق نطرح تساؤلا مشروعا حول الحوار الاستراتيجي الذي يجري بين واشنطن بين قطر والولايات المتحدة، وبحث قضايا الدفاع والأمن والإرهاب والمصالح المشتركة والملفات الإقليمية.. وهو عنوان لجدول أعمال عام، فالإدارة الأمريكية لا تزال تدعم قطر وبصورة معلنة، حيث تتشابك المصالح والرؤى والصفقات، التي لا تمل الإدارة الأمريكية من التأكيد عليها وتعمل على إنجازها، في ظل ما يتردد من مسعى وزارة الدفاع الأمريكية إلى عقد مزيد من صفقات السلاح استكمالا لما تم في الماضي، وهو ما يشير إلى التوظيف الجيد للمال القطري، وسيبنى عليه توجهات ورؤى في الفترة المقبلة. حيث تتعامل الإدارة الأمريكية مع الحالة القطرية على أنها حالة متعددة المصالح والاستراتيجيات، التي لا تتوقف على إبرام الصفقات فقط، بل أيضا على قاعدة توظيف الدور الاستراتيجي على أسس نفعية، ولهذا لم تسعَ الولايات المتحدة بجدية في رأب الصدع التي تمثله قطر في الإقليم وخارجه، وتعاملت من منطق أن التعايش مع الحالة القطرية قد يكون المطروح، مع عدم السعي الجدي إلى التوصل لمساحات من التقارب السياسي والاستراتيجي بين دول المنطقة وقطر، بل تركت الأمور على ما هي عليه،
إن واقع ومستقبل العلاقات القطرية الأمريكية سيرتبط من الآن فصاعدا بحجم ما تقدمه قطر من أموال واستثمارات ومشروعات وسرعة تقبل الإدارة الأمريكية لها، التي لن تغير من نمط تفكيرها أو رؤيتها للعالم، باعتباره ساحة لكسب المصالح وفرض الإرادات والاستراتيجيات ولو من جانب واحد، مهما تكلف الأمر من تبعات وتداعيات.
فعقلية الرئيس الأمريكي ترامب تنطلق وفق نسق فكري يستند على أسس الربح، حيث لا مكان لخسارة سياسية أو اقتصادية، وأن ما ينطبق على قطر سينطبق على الفلسطينيين، وأن ما يربط الولايات المتحدة ومصر مصالح استراتيجية ، وليست مبادئ، مثل الديمقراطية أو الليبرالية، وحيث لا مكان للحديث عن دعم بلا حدود أو تأييد بلا تحفظات أو دون مقابل.. هل وصلت الرسالة؟.
ختاما فمن الواضح إذن أن قطر استلهمت بالفعل التجربة الإسرائيلية في اطار تعاملاتها في الاقليم ، ومع القوي الكبري وعلي رأسها الولايات المتحدة ، ودرست خبراتها جيدا وتتعامل في الوقت الراهن مع خلاصة عناصرها، وهو ما يستوجب ردا عربيا مدروسا ومباشرا للوقوف أمام المخطط القطري التركي الإيراني حيث لا يمكن التعايش إذن مع قطر الإرهابية لا في الإقليم العربي أو خارجه، والسؤال هل يمكن أن تصدق الدعوة الأمريكية بالاتجاه إلي تحقيق المصالحة العربية مع قطر ، أم ما زال الطريق إلي هذا متعثرا ؟؟ وقبل الاجابة علينا أن نحدد وبقوة من يرسم السياسات القطرية، ومن ينفذها ، وكيف يمكن تقديم أوراق اعتماد جيدة لقطر في الاقليم لكي تقبل، وتكون دولة عربية مقبولة ؟