المرتزقة..( دراسة ) تكشف أكبر الشركات والحروب الجديدة
أمنية حسن
تكشف دراسة نمطًا جديدًا من الحرب التي تُدار في الشرق الأوسط من خلال استخدام القوى العُظمى لشركات الأمن الخاصة والمرتزقة في العمليات النوعية التي تندرج تحت بند غير الأخلاقية، بعيدًا عن إقحام الجيوش النظامية بها. مع تزويدهم بشعارات مزيفة لأغراض سياسية.
المقدمة
تقول القاعدة دومًا أنه كلما ظهرت الجيوش الخاصة والمرتزقة في ساحة الحرب في أي دولة، فاعلم أن هذه الحرب تتم لأغراضٍ غير أخلاقية يكتنفها الغموض والسرية، حتى يكون سر الحرب والمعركة دومًا طي الكتمان بعيدًا عن أعين المتطفلين من السياسيين والصحافيين الذين يتناولون فضائح الأنظمة التي تستخدم المرتزقة في حربها بالوكالة، فالمرتزقة موجودون منذ فجر التاريخ، هُم جنودٍ يُقاتلون لأجل المال فقط بغض النظر عن أي أصول عرقية أو طائفية أو انتماءات سياسية.
على مدى فترات طويلة من الزمن، شكِّل هؤلاء العسكريون المحترفون الفئة الأكثر شيوعًا من الجنود المقاتلين، وذلك منذ الثورة الفرنسية حيث كان نابليون بونابرت أول من أسس منظمة “الجيش الشعبي”، حيث اُستخدمت في دعم اقتصاديات وأمن العديد من البلدان مثل سويسرا، وذلك من خلال تزويد ملوك أوروبا بجيوش المرتزقة المدربين على مستوى عال من الكفاءة لتنفيذ أية مهام صعبة في أي بقعة من العالم بحسب الطلب.
بداية ظهور المرتزقة في العصر الحديث
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد أن تحررت معظم الدول الأسيوية والأفريقية من الاستعمار الأوروبي، اندلعت مئات الصراعات المسلحة والحرب الأهلية في هذه الدول، مثل الحرب الأهلية في لبنان، والصراع المُسلح في دولة رواند، من هنا بدأت الأطراف المتصارعة في الاستعانة بمتخصصيين عسكريين غربيين وقادة من أمهر ظباط الجيوش لتدريب العناصر المحليين والجنود لقتال الطرف الأخر، وأحيانًا كان يشترك القادة الأجانب في المعارك مع العناصر المحلية المتدربة، وبطبيعة الحال كان يجمع القادة مختلف الجنسيات وكان أكثرهم من الجنسية الإسرائيلية، بحسب موقع “إسرائيل ديفينس”.
كانت أول حادثة لفضح جرائم المرتزقة في تسعينيات القرن الماضي في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، حيث تصدرت شركة Excutive outcomes الخاصة التابعة لشركة جنوب أفريقيا العسكرية الخاصة PMC عناوين الصُحف العالمية، وذلك بعد تسريب معلومات وصور تكشف اشتراك مرتزقة الشركة في الحرب الأهلية والنزاعات الدموية داخل دولة سيراليون، وفي عام 1997 تعاقدت شركة excutive outcomes مع شركة تُدعى “ساندلاين Sandline” بهدف الإطاحة بالمتمردين الذين كانوا يسيطرون على منجم للمعادن والذهب في جزيرة Pangua، وفي هذه الفترة تسربت أنباء للصحافة الأسترالية حول نية الحكومة لتوظيف المرتزقة للعمل في المنجم، وتسببت الفضيحة في استقالة الحكومة.
في الإطار ذاته، كان الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن على برج التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 بمثابة بداية جديدة وصحوة لشركات الأمن الخاصة والمرتزقة بالتزامن مع بدء الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس جورج دبليو بوش بشن حرب واسعة ضد الإرهاب، فكانت الألفية “بداية العصر الذهبي لجيوش المرتزقة”.
خصخصة الخدمات العسكرية
في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق في بداية العقد الأول من القرن العشرين، توصل أحدهم إلى فكرة “الاستعانة بمصادر خارجية” لتنفيذ بعض الخدمات والمهمات العسكرية الخاصة، بمعنى نقل بعض العسكريين الأكفاء العاملين في الجيش الأمريكي إلى شركات عسكرية خاصة، وكانت معظم المهمات العسكرية التي طلبها من هذه الشركات هي خدمات الدعم القتالي حيث: التجديد اللوجيستي، ومرافقة القوافل العسكرية وحماية الشخصيات الهامة من محاولات الاغتيال.
بعد مرور العديد من السنوات تبين أن مهام الشركات العسكرية الخاصة غير مقتصرة على المهمات سالفة الذكر فقط، بل اتضح أن موظفو الشركات العسكرية –معظمهم جنود سابقين- مضطرين للمشاركة في العمليات القتالية بجميع أنواعها سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
تظل الخدمات التي تُقدمها الشركات العسكرية الخاصة جذابة إلى حد كبير، حيث تستطيع الحكومات التي تدير حروبًا في الخارج توظيف هذه الشركات وموظفيها بحرية لتنفيذ المهام القذرة أكثر مما تستطيع توظيف القوات المسلحة وجيوشها النظامية، وذلك نتيجة للعديد من الاعتبارات، منها إن تحريك القوات المسلحة لتنفيذ عملية ما في الخارج يتطلب بعض الموافقات السياسية ومجلس نواب الدولة، بالإضافة إلى المسائلات القانونية في حالة فشل العملية.
المفارقة الثانية هي أن حالات الوفاة والإصابة المحتملة في صفوف مرتزقة شركات الأمن الخاصة “أسهل في الهضم” للرأي العام لأنهم يعتقدون أن هؤلاء الأشخاص المرتزقة يعرفون كم المخاطر المندرجة وراء عملهم وقبلوا بالأمر عن طيب خاطر مقابل المال، وهذا المبدأ ينطبق أيضًا على الرأي العام الأمريكي.
تعمل العديد من شركات الأمن الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أشهر الشركات الخاصة الأمريكية هي مجموعة “كونستلييس Constellis” والتي تتبعها منظمة أكاديمي شبه العسكرية -شركة بلاك ووتر- ومن الشركات الأخرى التي تقدم خدمات عسكرية من جميع الأنواع هي “مجموعة HQ” ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، وتُعتبر الحكومة الأمريكية من عُملائها الرئيسيين، حيث فازت المجموعة بالكثير من العطاءات التي أصدرها الجيش الأمريكي والوكالات الاستخباراتية، وتزويدهم بمختلف الخدمات في جميع أنحاء العالم لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.
وقدمت مجموعة HQ العديد من الخدمات وتوفير الدعم اللوجيستي البري والجوي للوحدات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وحماية شخصيات أمريكية هامة في العراق.
ويعمل في المجموعة 20 ألف موظف يمتلكون منشآت ومطارات وطائرات تحت تصرفهم، كما تمتلك مصانع لتصنيع المدرعات الخاصة بها ولها ترخيص لصناعة الأسلحة النارية والمنصات العسكرية البرية والبحرية.
فضائح شركات الأمن الخاصة
على مر السنين أصبحت شركات الأمن الخاصة المرتزقة مرتبطًة بالعديد من الفضائح في دولة العراق مثل الهجمات الإرهابية ضد المدنيين للإيقاع بين السُنة والشيعة وإشعال فتيل الفتنة المذهبية، ووفقًا لبعض التقارير كانت المجموعة تنوي فتح مركز تدريب ودعم لوجيستي لها في غرب الصين، لتوفير بعض الخدمات الأمنية لمشروع “حزام واحد وطريق واحد” للحكومة الصينية، حيث يهدف هذا المشروع إلى إقامة “طريق حديث” لتعزيز التجارة بين الصين ودول أسيا وأفريقيا وأوروبا من خلال تطوير البنية التحتية للاستثمارات الصينية، وفي الوقت نفسه تُهدد هذه المبادرة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وتتعارض مع مصالحها في الوقت الذي تُعد فيه أمريكا من أكبر عُملاء “الكونسليتيس”.
مرتزقة بلاكووتر الأمريكية أو أكاديمي
بلاكووتر، وتُعرف حاليًا باسم “أكاديمي Academi”، وذلك بعد أن تم بيعها في عام 2011 إلى مستثمرين خاصين، يقع مقرها الحالي في ولاية نورث كارولينا الأمريكية، وتم تأسيسها في عام 1997 على أيدي ظابط بحرية أمريكي يُدعي إريك دين برنس، وتُقدم المجموعة خدمات إلى حكومة الولايات الأمريكية، حيث حصلت في عام 2003 على عقد من الحكومة الأمريكية بقيمة 250 مليون دولار، وفي 2013 عقدًا بقيمة 92 مليون دولار لحراسة أمن وزارة الخارجية، ويبلغ معدل دخل موظفيها 300-600 دولار يوميًا.
تعمل هذه الشركة تحت حصانة قانونية ضد الملاحقات القضائية أو التوقيف الأمني والاعتقال، حيث من غير المنوط لأفراد الأمن التحقيق مع أية من عناصر مجموعة أكاديمي أو بلاك ووتر.
فضائح بلاكووتر
لعب مرتزقة بلاكووتر دورًا بارزًا في حصار مدينة الفلوجة العراقية والتي واجهت أعنف عدوانًا أمريكية وحصارًا بسبب شدة مقاومة أهلها وتصديهم للاحتلال الأمريكي، حيث ورد في كتاب ” بلاك ووتر.. المرتزقة القادمون” للمؤلف الأمريكي جيرمي هاسكيل أن مرتزقة بلاك ووتر ارتكبوا مذابح وإبادة جماعية لأهالي محافظة الفلوجة أثناء اقتحامها، والقصف بالمواد الإشعاعية التي أدت إلى إصابة الكثير بالأورام السرطانية.
وفي عام 2007 كانت الفضيحة من نصيب شركة بلاك ووتر فيما يعرف باسم عملية “ساحة النسور” حيث أطلق عناصر متخفيين من بلاك ووتر النار عشوائيًا على عراقيين مدنيين مما أدى إلى استشهاد 17 عراقي وإصابة 20 آخرين، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق وطرد عناصر شركة بلاك ووتر من العراق إلى أنها عادت من جديد في عان 2019.
مرتزقة فاغنر الروسية
تُدار شركة الأمن الخاصة فاغنر الروسية على أيدي أحد رجال الأعمال المُقربين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويُدعى يفغيني بريغوزين، والمُدرج على قائمة العقوبات الأمريكية بسبب علاقته بالانفصاليين شرق أوكرانيا، حيث عمل مرتزقة فاغنر خلال الحرب الأهلية في مدينة دونباس شرق أوكرانيا عام 2014 كما استطاعوا الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وتأسست على يد ظابط روسي سابق يُدعى ديميتري أوتكين عام 2014.
عمل مرتزقة فاغنر في سوريا بجانب الجيش السوري، وفي عام 2018 تعرضت قوة من المرتزقة الروسية إلى مذبحة على أيدي القوات الأمريكية، وذلك عندما حاول عناصر فاغنر الاستيلاء على أحد المناطق الكردية الأمريكية التي تحتوي على حقول النفط في شمال شرق سوريا، فاستدعت القوات الأمريكية البرية دعمًا جويًا وأسقطوا قوة فاغنر وقُتل ما لايقل 200 عسكري روسي من فاغنر ومئات المصابين بحسب ما ورد في موقع الـ بي بي س.
في هذه الأثناء، رفضت الحكومة الروسية الاعتراف بإشرافها على عمليات فاغنر، وأفادت تقارير إلى أن الشركة كانت متورطة في أعمال في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغشقر.
فضائح فاغنر الروسية
في عام 2018 اغتال عناصر من شركة فاغنر الروسية ثلاثة صحافيين روس كانوا في مهمة تحقيق لاكتشاف دور مرتزقة فاغنر في العمليات بداخل جمهورية أفريقيا الوسطي، وكان الصحافيين الثلاثة هُم: المراسل الصحافي أورهان جمال، والصحافي ألكسندر راتسورغيف والمصور كيريل رادتنشكو.
كان الصحافيين الثلاثة في مهمة تبع مركز يُدعى “مركز إدارة التحقيقات” والذي يُدار من قبل المعارض الروسي ميخائيل خودوروكوفسكي، حيث أعلن في بيانٍ على صفحته بموقع الفيسبوك أن الصحافيين الثلاثة وصلوا في مهمة تحقيق إلى جمهورية أفريقيا الوسطي في 27 يوليو عام2018 للبحث في أنشطة شركة فاغنر العسكرية بالبلد، وكان يقودهم في التحركات مستشارًا تابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وفي الإطار ذاته، أعلنت المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن الصحافيين الثلاثة كانوا في رحلة سياحيةـ وتعرضوا للقتل من قبل مسلحين.
المُلخص
في السنوات الأخيرة تم بالفعل خصخصة الأنشطة الدفاعية في الدول مسرح الصراعات إلى الدرجة التي لم يتضح من خلالها الخط الفاصل بين المنظمات الحكومية والمنظمات الخاصة.
وفقًا للنجاح النسبي الذي حققته الشركات العسكرية والأمنية في الأنشطة العسكرية والدفاعية في سوريا وأوكرانيا والعديد من دول العالم، المتاحة للحكومات لاستخدامها بعيدًا عن الجيوش النظامية، لذا فمن المتوقع أن تسير الحرب في السنوت القادمة على هذا المنوال لتكون بين شركات الأمن الخاصة وبعضها.
تُعد شركات الأمن الخاصة أكاديمي “بلاك ووتر سابقًا” وفاغنر الروسية من أكبر شركات الأمن والمرتزقة التي تعمل على مستوى العالم وشاركت في العديد من العمليات التي حددت مصير دول بأكملها، وبخلاف ذلك يوجد أيضًا دول صغيرة توظف مرتزقة، على سبيل المثال تستخدم المملكة العربية السعودية مرتزقة كولمبيين وسودانيين في حربها ضد الحوثيين في اليمن، وتركيا أيضًا تعمل على تأسيس شركة أمن خاصة تُدعى SADAT للمشاركة في حروبها بشمال شرق سوريا وليبيا وتحتوي على عناصر أجنبية وبعض قادة الدول الأوروبية.