كيف تُعيد التكنولوجيا تعريف الرعاية الصحية؟

news image


 

تقرير - هناء خليوي - بث:

أصبح الذكاء الاصطناعي عاملاً حاسماً في تطوّر الطب الحديث، حيث يُمثّل اندماجه مع العلوم الطبية قفزة نوعية تسهُم في تحسين جودة هذا المجال. وتُعد العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وتطوّر الطب من أبرز الأمثلة على كيفية توظيف التكنولوجيا لتحسين حياة الإنسان وتعزيز الخدمات الصحية. ويشهد القطاع الطبي تحولاً جذرياً بفضل الروبوتات وهذه التقنيات التي أثبتت قدرتها على رفع كفاءة العلاجات، وتقديم حلول مُبتكرة للرعاية الصحية. في السنوات الأخيرة أظهر الذكاء الاصطناعي إمكانات غير مسبوقة أسهمت في إعادة تعريف مستقبل الطب، وجعلت الرعاية الصحية أكثر شمولية وفعالية.

أبرز تأثيرات الذكاء الاصطناعي والروبوتات على مجال الطب:

- اكتشاف الأدوية وتطويرها:

يُسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع عملية اكتشاف الأدوية وخفض التكاليف المُرتبطة بها، كما يدعم تطوير الطب الدقيق. من خلال تحليل البيانات الجينية واستجابة المرضى للعلاج، يمكن تحديد العلاج الأمثل لكل مريض بناءً على تركيبته الجينية، مما يزيد من فعالية العلاج ويُقلّل من الآثار الجانبية.
تستخدم شركة (Atomwise) الذكاء الاصطناعي لاكتشاف عقاقير جديدة لعلاج الأمراض المختلفة. 
* هي شركة تقنية مُتخصّصة في تطبيق الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي في مجال اكتشاف وتصميم الأدوية، حيث تَستخدِم خوارزميات مُتقدّمة لتحليل الهياكل الجزيئية والبروتينات. وقد حقّقت الشركة العديد من الاكتشافات البارزة باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.

- تحسين التشخيص الطبي:

يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مُتزايداً في التشخيص الطبي من خلال تحليل البيانات الطبية وتقديم التنبؤات الدقيقة. باستخدام الخوارزميات المُتقدّمة، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية، مثل الأشعة السينية والرنين المغناطيسي، واكتشاف الأمراض في مراحلها المُبكرة. أظهرت دراساتٍ مُتعدّدة أنَّ نماذج التعلّم الآلي يمكنها اكتشاف علامات السرطان في الصور الطبية بدقّة تفوق أطباء الأشعة في بعض الحالات، مما يُسهم في تحسين دقّة التشخيص وتسريع العلاج، وبالتالي زيادة فرص الشفاء المُبكر.
ووفقا للباحث Jiyeong Kim)) من مركز ستانفورد، فإنَّ الأطباء الذين يعملون بمساعدة الذكاء الاصطناعي يتمكّنون من تحسين دقّة تشخيصهم.
كما أنَّ شركة (Google DeepMind) طورت خوارزمية قادرة على اكتشاف سرطان الثدي في صور الماموغرام بدقّة عالية. أظهر النظام الذكي قدرة استثنائية على التنبؤ فقط من خلال تحليل صور الماموغرام.

- روبوتات الجراحة:

تُقدِّم الروبوتات الجراحية دقّة فائقة في العمليات الجراحية، حيث أظهرت الدراسات أنَّ الجراحات التي تُجرى باستخدامها تتسم بدقّة أعلى وقطع جراحي أقل، مما يؤدي إلى تسريع عملية الشفاء وتقليل المُضاعفات.
تُشير التقارير إلى وجود نحو 7500 روبوت جراحي في المستشفيات حول العالم، مع توسّع استخدامها لتشمل جراحات الأسنان المُعقّدة. وفي عام 2023، أجرى مركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي 300 عملية جراحية باستخدام نظام "دافنشي" الجراحي.

- إعادة التأهيل:

تُستخدم الروبوتات لدعم المرضى الذين يُعانون من إصابات أو حالات صحية في استعادة قدراتهم الحركية. 
وقد ابتكرت شركة (Life Science Robotics) جهازاً طبياً يُتيح العلاج بمساعدة الروبوت، مع إمكانية تحريك المرضى بفعالية. يقوم الممرض بأداء الحركات العلاجية يدوياً، ويتذكّر الروبوت هذه الحركات ليقوم بتنفيذها بشكلٍ مستقل تماماً كما تم عرضه، وبالعدد المطلوب. في حال حدوث حركات مُفاجئة أو أي تأثيرات من قوى غير مُتوقّعة، يتوقف الجهاز فوراً لأسباب تتعلّق بالسلامة.
يقول كيلد ثورسن، الرئيس التنفيذي لشركة Life Science Robotics: "مع حلنا هذا، نريد مساعدة المرضى على التحرّك بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءة مع تخفيف العِبء عن موظفي التمريض."

- تحسين إدارة السجلات الطبية:

لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على مجالاتِ العلاج والعمليات الجراحية فقط، بل يشمل أيضاً الجوانب الإدارية في المستشفيات. فقد أسهمت أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية المُعزّزة بالذكاء الاصطناعي في تبسيط إدارة السجلات، مما أتاح الوصول إلى المعلومات بسرعة ودقّة أكبر.

وأحد هذه الأنظمة، نظام (Electronic Medical Record) الأكثر استخداماً في المستشفيات الأمريكية.

* هو نظام برمجي طبي مُتكامل وشامل، يُعد واحداً من أضخم وأكثر الأنظمة استخداماً في مجال الرعاية الصحية حول العالم. تم تطويره من قبل شركة Epic Systems Corporation الأمريكية. يُستخدم لتخزين وإدارة معلومات المرضى الطبية. ويتم تحديثه وتخزينه في قاعدة بيانات إلكترونية بدلاً من السجلات التقليدية. يُسهّل الوصول إلى تاريخ المريض الطبي بشكلٍ سريع.

من أبرز فوائد EMR:

• مشاركة البيانات: يُسهّل على الأطباء مشاركة بيانات المريض مع مُتخصصين آخرين عند الحاجة.
• سهولة الوصول: يمكن للأطباء الوصول إلى سجلات المرضى من أي مكان في المستشفى أو العيادة.

- التعقيم والتطهير:

وهناك استخدام آخر للروبوتات، حيث تُستخدم لتعقيم الغرف والمُعدّات الطبية بكفاءة عالية، مما يُسهم في الحد من انتشار العدوى. تعتمد هذه الروبوتات على تقنيات مُتقدّمة مثل الأشعة فوق البنفسجية أو بخاخات التعقيم الآلية، لضمان تعقيم الأسطح في مُختلف الأقسام بدقّة وسرعة. بفضل قدرتها على العمل بشكلٍ مُستقل، تُسهم هذه الروبوتات في تقليل التكلفة وتحسين عملية التعقيم.
تم استخدام روبوت (Hero21) في مستشفى جامعة زيورخ، وهو الأول من نوعه في سويسرا، لتعقيم غرف المرضى باستخدام أشعة UV-C. يستطيع الروبوت تفادي العقبات والتحرّك بسرعة، وتستغرق عملية التعقيم حوالي 15 دقيقة، وتُجرى كإجراءٍ ثانوي بعد التنظيف اليدوي. وتهدف هذه الابتكارات إلى تحسين جودة التعقيم وتعزيز أمان المرضى، مع مراعاة تجنّب تعرّض الأشخاص للأشعة الضارة أثناء عملية التعقيم.


وتُعد المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في استخدام التقنيات الحديثة في مجال الرعاية الصحية بكفاءة عالية. وقد شَهِد هذا القطاع تطوراً كبيراً بفضل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، الذي يتصدّر التحوّل الصحي باستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات. فقد حاز المستشفى على جائزة زمام لأفضل برنامج ذكاء اصطناعي لعام 2024، تقديراً لإنجازاته في التحوّل الرقمي والتميّز التشغيلي. 
ومن الجدير بالذكر أنَّ المستشفى أجرى العديد من العمليات باستخدام الروبوتات، أبرزها أول عملية زراعة كبد روبوتية بالكامل عالمياً.
إلى جانب هذه الإنجازات المُتميّزة، يواصل مُختبر الذكاء الاصطناعي والتقنيات الصاعدة دوره الحيوي في تحسين المجال الطبي في المملكة. حيث يسعى المُختبر لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، التنبؤ بالنتائج، وتصميم الروبوتات، مما يُسهم في تعزيز جودة الرعاية الصحية.


ختاماً؛ رغم التحديات المُتعلّقة بالتكلفة والخصوصية، وتدريب الطاقم الطبي على استخدام التقنيات الجديدة، يُعتبر الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية تخطّت حدود التوقعات، ليصبح جزءاً لا يتجزّأ من المستقبل الطبي. ما حملته هذه التقنية من إمكانيات غير محدودة يفتح أبواباً لا نهائية للابتكار والتحسين. ومع استمرار التطوّر والتطبيقات الواسعة لهذه التقنيات، نخطو نحو مستقبلٍ يتسم بفعاليةٍ أكبر وشموليةٍ أوسع في الرعاية الصحية، مما يُسهم في توفير حياة صحية أفضل. إن ما كان يبدو مستحيلاً بالأمس، أصبح اليوم واقعاً ملموساً بفضل قوّة الذكاء الاصطناعي.