العد التنازلي للانتخابات الأمريكية: تأثير حدوث مفاجآت انتخابية على الأسواق
جون هاردي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في ساكسو بنك
واصلت استطلاعات الرأي للانتخابات الأمريكية اتجاهها نحو تقليص الفارق، حيث تقلصت الفجوة بين هاريس وترامب إلى أضيق مستوياتها منذ بداية أغسطس. ويعتقد الكثيرون، بالنظر إلى الأخطاء التي شابت استطلاعات 2016 و2020، أن هذه الاستطلاعات دائماً ما تقلل من احتمالية فوز ترامب. ومع ذلك، يبدو أن القائمين على الاستطلاعات قد عدلوا أساليبهم، مما قد يحسن دقتها، أو قد يؤدي إلى أخطاء جديدة من نوع آخر.
لهذا السبب، نركز هذا الأسبوع على السيناريوهات المحتملة في حال كانت استطلاعات الرأي غير دقيقة مرة أخرى، ولكن في كلا الاتجاهين. كما نلقي نظرة على المخاطر الرئيسية التي قد تؤدي إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق بعد الانتخابات، في حال جاءت النتائج متقاربة كما تشير التوقعات.
أولاً: ماذا لو كانت الاستطلاعات خاطئة بشكل منهجي في أي من الاتجاهين؟
كشفت انتخابات 2016 و2020 أن الاستطلاعات أخطأت في تقدير حجم الدعم لترامب بشكل كبير. ففي انتخابات 2016، كانت المفاجآت الكبيرة في بعض الولايات في الغرب الأوسط هي العامل الحاسم في فوز ترامب. أما في 2020، فقد بالغت الاستطلاعات في تقدير تفوق بايدن على المستوى الوطني، حيث أظهرت تقدمه بأكثر من 8%، بينما كان الفارق في يوم الانتخابات 4.5% فقط. وبناءً على هذه الأخطاء، أجرى منظمو الاستطلاعات تغييرات جذرية في منهجياتهم بهدف الوصول إلى نتائج أكثر دقة، ولكن لن نعرف مدى نجاحهم حتى تبدأ النتائج في الظهور مساء الثلاثاء المقبل.
ولكن، دعونا نتأمل في السيناريوهات المحتملة في حال كانت الاستطلاعات خاطئة بشكل كبير في أي من الاتجاهين:
ماذا لو حصل اكتساح جمهوري كبير (سيناريو "ترامب 2.0")؟
يبدو أن السوق يميل لصالح هذا السيناريو في الأسابيع الأخيرة، استناداً إلى التحركات الأخيرة في الأسواق واحتمالات المراهنات. ومع ذلك، لم يُحتسب هذا السيناريو بالكامل بعد، ويعد الأعلى من حيث المخاطر لأنه يتضمن مبادرات سياسية قوية، تشمل تخفيضات ضريبية، وتحرير القيود، وزيادة في عجز الموازنة، وفرض تعريفات جمركية جديدة. يرى كثيرون أن هذا السيناريو سيكون إيجابياً للأسهم الأمريكية نظراً لتوجهاته المؤيدة للأعمال، لكن هناك من يشير إلى الحالة المتدهورة للمالية العامة في الولايات المتحدة، مما قد يصعّب تطبيق التخفيضات الضريبية. كما أن عوائد سندات الخزانة الأمريكية (أسعار الفائدة) قد ترتفع بشدة إذا حاول الجمهوريون فرض هذه السياسات.
أما التعريفات الجمركية والدولار الأمريكي، فيمكن أن يكون لهما تأثير كبير على الأسواق العالمية في هذا السيناريو. فقد أشار روبن بروكس، الرئيس السابق لاستراتيجية العملات في غولدمان ساكس، إلى أن "السلاح الرئيسي" للصين في حال فرض ترامب تعريفات كبيرة سيكون خفض قيمة عملتها بشكل كبير. وهذا قد يزيد من حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في حين أن الدول الأخرى المصدرة – خاصة اليابان وألمانيا – قد تواجه تحديات في التنافسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ارتفاع الدولار بشكل كبير إلى عدم استقرار لدى المقترضين الذين لديهم ديون بالدولار، مما سيكون ضاراً بشكل خاص للاقتصادات الناشئة. وبالتالي، يمكن أن يجلب اكتساح جمهوري مفاجئ العديد من الصدمات الجديدة.
ماذا لو حصل اكتساح ديمقراطي مفاجئ؟
في ظل التوقعات السائدة بترجيح فوز ترامب، فإن اكتساح الديمقراطيين سيشكل صدمة حقيقية. لكن إذا أخطأت الاستطلاعات بشكل كبير في تقدير عدد الناخبين الشباب المؤيدين لهاريس والمعارضين لترامب، فقد يصبح هذا السيناريو ممكناً. وفي حا فازت هاريس وتمكن الديمقراطيون من الحفاظ على سيطرتهم على مجلس الشيوخ واستعادة مجلس النواب، فمن المحتمل أن تشهد الأسواق تصحيحاً حاداً وسريعاً؛ حيث ستبدأ في احتساب الأثر المتوقع لزيادة الضرائب على الشركات.
وبما أن السوق الأمريكية تؤثر بشكل كبير على الأسواق العالمية، فإن هذا التصحيح سينتقل إلى الأسواق الأخرى. أما عوائد سندات الخزانة الأمريكية، فستواجه حالة من عدم الاستقرار، حيث ستحاول السوق تقدير حجم الإنفاق الجديد الذي قد تجلبه إدارة هاريس وما إذا كان العجز سيزداد، مما قد يبقي التضخم والعوائد مرتفعين، وهو ما قد يؤدي إلى تحديات إضافية للأسهم الأمريكية والعالمية.
ثانياً: ماذا لو كانت النتيجة متقاربة كما تشير الاستطلاعات؟
حتى بعد الارتفاع الأخير في التوقعات بأن ترامب سيحقق أداءً قوياً في الانتخابات، كانت الآراء تشير إلى أن النتيجة قد تكون متقاربة للغاية، وربما لا تزال كذلك. أميل شخصياً إلى هذا الرأي، خاصة بالنظر إلى كيفية خطأ الاستطلاعات في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. قبل تلك الانتخابات، التي شهدت تنافساً على ثلث مقاعد الشيوخ وجميع مقاعد مجلس النواب، توقعت منصة فايف ثيرتي إيت أن الجمهوريين سيكون لديهم الأفضلية في الفوز بمجلس الشيوخ، وأنهم سيحصلون على حوالي 230 من أصل 435 مقعداً في مجلس النواب. لكن النتيجة الفعلية كانت أن الديمقراطيين لم يخسروا بل عززوا أغلبيتهم، في حين حصل الجمهوريون على 222 مقعداً فقط، مما أعطاهم أغلبية هشة بلغت 222-213. وشكل إقبال الناخبين، وخاصة النساء، الدافع وراء هذه النتائج بعد أن ألغت المحكمة العليا حق الإجهاض على المستوى الفيدرالي.
هناك عدة سيناريوهات في هذه الانتخابات قد تؤدي إلى نتائج متقاربة. أولاً، قد يستغرق إعلان النتيجة أياماً أو أسابيع إضافية إذا طالبت الولايات الرئيسية بإعادة فرز الأصوات المتقاربة.
وعلاوة على ذلك، في حال رفض أحد الطرفين قبول الهزيمة وقدم طعوناً قانونية، فقد تستمر حالة عدم اليقين لفترة أطول. وفي حالة الهزيمة، قد يتهم الجمهوريون الديمقراطيين بالتزوير أو بالسماح لغير المواطنين بالتصويت في مناطق معينة. وعلى الجانب الآخر، إذا خسر الديمقراطيون بفارق ضئيل في ولايات غيرت قواعد التصويت، فقد يتقدمون بطعن في النتائج تحت مزاعم "قمع الناخبين".
وربما يكون السيناريو الأكثر توتراً هو التعادل في المجمع الانتخابي بنتيجة 269-269. هناك أربع طرق ممكنة لتحقيق هذا التعادل بناءً على نتائج الولايات المتأرجحة وصوت انتخابي واحد من نبراسكا. (فقط ماين ونبراسكا تسمحان بتقسيم الأصوات الانتخابية). القواعد معقدة، لكن في حالة حدوث تعادل، ستتم عملية التصويت على مستوى الولايات، وهو ما قد يصب في صالح ترامب لأنه يتمتع بميزة في عدد أكبر من الولايات مقارنةً بهاريس. وهذا يعني أن ولاية صغيرة مثل وايومنغ، التي يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة، سيكون لها نفس القدر من التأثير في تحديد من يصبح رئيساً كما هو الحال مع ولاية كاليفورنيا ذات الـ 39 مليون نسمة. لنفترض أن الانتخابات قد تحسم بهذه الطريقة بعد أن يخسر ترامب التصويت الشعبي بفارق 3% أو أكثر - كيف سيكون رد فعل الديمقراطيين عندها؟
باختصار، يجب أن نأخذ في الاعتبار حالة عدم اليقين؛ فكلما طال أمدها، زادت المخاطر على الأسواق العالمية. ومع ذلك، ينبغي على معظم المستثمرين الحفاظ على هدوئهم وترك التخمينات قصيرة المدى للمضاربين.
وكالة بث