الدولار الأمريكي يكافح في ظل التوترات الجيوسياسية والتحولات في السياسات المالية
تشارو تشانانا، رئيسة استراتيجيات العملات في ساكسو بنك
من المتوقع أن تشهد أسواق العملات المزيد من الاضطراب خلال الربع الأخير من عام 2024، نتيجة حالة الغموض التي تكتنف الانتخابات الأمريكية، والتي تؤثر على السياسة المالية والعلاقات الخارجية والسياسة النقدية والواقع الجيوسياسي. كما ستساهم التحولات في بيئة أسعار الفائدة العالمية في زيادة تقلبات السوق.
تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية وسياساته الداعمة للنمو قد تدفع الدولار الأمريكي للارتفاع
من المتوقع أن يؤدي فوز ترامب إلى زيادة الإنفاق المالي والسياسات الداعمة للنمو، إلى جانب مخاطر تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية. وفي حين أن هذه العوامل قد توفر دعماً مؤقتاً للدولار الأمريكي، إلا أن التوقعات على المستوى الاقتصادي الأشمل لا تزال أكثر تعقيداً.
على الصعيد المالي، من المرجح أن تؤدي سياسات ترامب الداعمة للنمو، بما في ذلك زيادة الإنفاق المالي والتخفيضات الضريبية، إلى دعم الدولار الأمريكي من خلال تعزيز سردية الاستثنائية الاقتصادية الأمريكية. وقد يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط لإجراء تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي مع تراجع مخاطر الركود وعودة المخاوف بشأن التضخم إلى دائرة الضوء.
ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي تركيز ترامب المتجدد على التعريفات الجمركية وإجراءات تقييد التجارة الدولية إلى ارتفاع الدولار الأمريكي على المدى القصير، لا سيما مقابل اليوان الصيني وعملات الأسواق الناشئة. كما قد تواجه العملات الرئيسية للدول المصدرة للسلع الأساسية مثل الدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي رياحاً معاكسة في ظل السياسات التجارية الأكثر صرامة، في حين قد يثبت الدولار الكندي أنه أكثر مرونة نتيجة انخفاض تعرضه لتهديدات التعريفات الجمركية.
ومن الناحية الجيوسياسية، قد يؤدي تراجع الدعم لأوكرانيا إلى زيادة النفور من المخاطر، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة مثل الدولار الأمريكي والين والذهب. وفي الوقت نفسه، قد تتعرض العملات الأوروبية للضغط في حالة ارتفاع مخاطر التعريفات الجمركية وتفاقم الأوضاع الجيوسياسية. كما يتعرض البيزو المكسيكي لمخاطر التعريفات الجمركية العالمية نظراً لصادراته الكبيرة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التهديدات بتشديد سياسات الهجرة.
وعلى الرغم من أن التوقعات على المدى القريب للدولار الأمريكي تبدو إيجابية في حالة فوز ترامب بالرئاسة، إلا أن التوقعات الاقتصادية الأشمل طويلة الأجل قد تكون سلبية. فقد يؤثر ارتفاع مستويات الدين الأمريكي وخطر التهديدات التي تواجه استقلالية الاحتياطي الفيدرالي على الدولار بمرور الوقت. كما قد تؤدي سياسات ترامب الجمركية العدوانية وعلاقاته الخارجية المتوترة إلى تسريع الجهود العالمية لتقليل الاعتماد على الدولار كعملة احتياطية، مما يزيد من مخاطر الضعف الهيكلي.
فوز هاريس سيحافظ على الدور القيادي للاحتياطي الفيدرالي
من المرجح أن تستمر رئاسة هاريس على سياسة التشديد المالي، حيث من المتوقع أن تؤدي الزيادات الضريبية دوراً رئيسياً. وقد يؤدي هذا التحول إلى اتباع سياسة نقدية أكثر تيسيراً من جانب الاحتياطي الفيدرالي، مما يزيد من احتمالية إجراء تخفيضات أعمق في أسعار الفائدة. وقد يكون الجمع بين التشديد المالي والتيسير النقدي بمثابة عامل ضغط على الدولار الأمريكي على المدى القريب.
ومع ذلك، لا تزال احتمالية فوز هاريس الكاسح منخفضة. وقد يؤدي انقسام الكونجرس إلى حالة من الجمود السياسي، مما يعيق المبادرات المالية الهامة ويزيد من تقلبات السوق. قد تعزز هذه البيئة الطلب على الأصول الآمنة، مثل الدولار الأمريكي والين الياباني والفرنك السويسري، ويزداد هذا الاحتمال مع تزايد الشكوك حول استدامة السياسات التحفيزية الحالية وتصاعد المخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي في عام 2025.
قد يؤدي فوز هاريس أيضاً إلى تجنب التدهور الحاد في العلاقات التجارية، الأمر الذي قد يؤدي في البداية إلى تعزيز اليوان الصيني وعملات الأسواق الناشئة الأخرى، مما يؤدي بدوره إلى إضعاف الدولار الأمريكي وسط بيئة محفوفة بالمخاطر. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين قد تحد من مكاسب اليوان الصيني. وبالمثل، يمكن أن ترتفع عملات الدول المصدرة للسلع الأساسية مثل أستراليا ونيوزيلندا في حال استبعاد مخاطر تدهور العلاقات التجارية العالمية. إلا أن أداء العملات الأجنبية على المدى المتوسط سيعتمد إلى حد كبير على السياق الاقتصادي الأوسع، سواء حقق الاقتصاد العالمي هبوطاً ناعماً أو انزلق إلى ركود حاد.
سياسة الاحتياطي الفدرالي ومخاطر انعكاس تجارة المناقلة بالين
يشهد الدولار الأمريكي ضغوطاً متزايدة مع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في تخفيض أسعار الفائدة. ورغم أن نظرية "ابتسامة الدولار" تشير إلى أن تراجع التضخم قد يقابله تراجع في قيمة الدولار، إلا أن هذا يتوقف على قوة الاقتصادات الأخرى. ومع مواجهة الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وكندا لمخاطر الركود، وتباطؤ النمو في الصين، فإن الدولار قد يواجه تقلبات أكبر في الربع الرابع.
ترك بنك اليابان الباب مفتوحاً أمام رفع أسعار الفائدة في المستقبل، مما أدى إلى تضييق فارق العائد بين الولايات المتحدة واليابان وأدى إلى انعكاس في تجارة المناقلة على الدولار والين، حيث تراجع الزوج بالفعل بشكل كبير عن أعلى مستوياته التي شهدها خلال الصيف. مع اقترابنا من نهاية عام 2024، قد يؤدي المزيد من التراجع في مراكز تجارة المناقلة إلى المزيد من دعم قوة الين. ومع ذلك، قد تتباطأ الوتيرة حيث قد يكافح الاحتياطي الفيدرالي لتلبية توقعات السوق الحذرة إذا لم يتحقق الركود بسرعة. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي الموقف الحذر لبنك اليابان المركزي، في ظل الانتعاش المستمر الذي يشهده الين والذي يقلل من ضغوط الأسعار، إلى تخفيف مكاسب الين. ولا يزال الوضع القوي للين قائماً، مدعوماً بجاذبيته كملاذ آمن وتقلص فجوة العائد مع الولايات المتحدة، ولكن من المرجح أن يتحرك كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان بشكل تدريجي، مما يجعل مكاسب الين أكثر تواضعاً.
كما تعكس بيانات مراكز التداول التابعة للجنة تداول السلع الآجلة التحول الذي شهدناه في الربع الثالث مع تراجع رهانات المناقلة على الين الياباني، ولكنها لا تستبعد إمكانية حدوث المزيد من هذا التحول. حيث قلصت الصناديق ذات الرافعة المالية بشكل حاد مراكزها القصيرة على الين الياباني، حيث انخفضت العقود من 114,596 عقداً في 2 يوليو إلى 18,015 عقداً فقط بحلول 3 سبتمبر. كما تحول مديرو الأصول إلى مراكز شراء الين، حيث انتقلوا من -97,951 عقداً إلى +20,272 عقداً خلال الفترة نفسها. ويمكن مقارنة هذا بمراكز الشراء التي بلغت 14,622 عقداً في صناديق الرافعة المالية و103,196 عقداً لدى مديري الأصول في 5 يناير 2021، وهناك مبرر يمكن أن يكون هناك سبب وجيه لزيادة قوة الين.