مع دُخولِ مَرحلةِ الإبتِزازِ النَّوويّْ.. الحربُ تَنتَقِلُ إلى العُمقِ الروسي.. و التوازناتُ العالمِية تَدفعُ بِمصرَ و تُركيا نَحوَ استئنافِ العلاقات

news image

 

 


تقرير - مروة شاهين - بث:
بعد مرور ما يقرب من عام و نصف على بدء روسيا ما تصفه بالعملية العسكرية الخاصة في الأراضي الأوكرانية و التي تهدف بحسب بالمزاعم الروسية إلى انتشال الدولة الأوكرانية و تخليصها من النظام النازي الذي يقوده زيلينسكي، يبدو أن سياق هذه الحرب التي توسعت ليشمل صداها العالم بأسره، لم يعد تحت سيطرة أي من أطرافه، سواء روسيا التي بدأت الصراع، أو الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و الذي لعب دوراً هاما في تأجيج الصراع و تشجيع روسيا على انتهاك سيادة جارتها من خلال محاولة المساس بما تعتبره روسيا تاريخياً "حدودها المقدسة" عبر محاولة إدخال أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي و بالتالي جعل الأراضي الروسية مكشوفة تماماً أمام حلف شمال الأطلسي نظراً للطبيعة الجغرافية السهلة للحدود الروسية الأوكرانية.

فروسيا التي كانت تظن مسألة إسقاط النظام الأوكراني و تركيب نظام موالٍ لها في أوكرانيا مجرد نزهة لجنودها، بالضبط كما كان غزو القرم و شمال جورجيا، تفاجأت بمدى شراسة الغرب و استماتته في مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي، كما ان الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب و الذين ظنوا في البداية أن إدخال روسيا في الميدان الأوكراني عسكرياً سيعيد إلى الواجهة مشهد تخبط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان و هزيمته، قد تفاجؤوا بمدى تأني روسيا و دراستها لكافة الخطوات العسكرية التي تقوم بها في الميدان الحربي و مدى الصبر الذي تتمتع به روسيا حالياً لجهة وضع خطط عسكرية طويلة الأمد لتحقيق أهدافها فس أوكرانيا ، على عكس ما كان ينتظره الغرب من التصرفات الروسية المتهورة التي كان يعول عليها الغرب لاستخدامها كمصيدة لسحب روسيا إلى مستنقع عسكري قد يؤدي إلى هزيمتها و تفكيك وحدتها و زعزعة استقرارها السياسي و الأمني و تثبيط مكانة قوتها العسكرية. 
و بتعبير آخر، فإن سير الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن متطابقة مع توقعات أي من أطرافها، خصوصاً الروس الذي لم يتوقعوا أن تستطيع القوات الأوكرانية نقل الصراع العسكري إلى داخل الأراضي الروسية، إذ قال مسؤولون روس هذا الأسبوع، إن طائرة مسيرة أوكرانية أشعلت حريقا بمصفاة نفط في جنوب روسيا، وأصاب قصف بلدة روسية قريبة من الحدود للمرة الثالثة في أسبوع، مما ألحق أضرارا بمبانٍ وأشعل النيران في سيارات.

وأعلن حاكم إقليم كراسنودار في جنوب روسيا بنيامين كاندراتينكو عن تعرض مصفاة أفيبسك لتكرير النفط غرب مدينة كراسنودار عاصمة الإقليم لهجوم بمسيرة أوكرانية.

ومصفاة أفيبسكي ليست بعيدة عن ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود، قرب مصفاة أخرى تعرضت للهجوم عدة مرات هذا الشهر.
وقال كاندراتينكو إن الهجوم أسفر عن اندلاع حريق بمضخة للديزل على مساحة 100 متر مربع دون وقوع خسائر بشرية.
كما أعلنت سلطات الطوارئ في الإقليم عن سقوط مسيرة أوكرانية صباح اليوم في منشأة إيلسكي لتكرير النفط غرب مدينة كراسنودار دون أن تلحق خسائر أو أضرارا.

وتأتي الهجمات داخل روسيا في الوقت الذي تستعد فيه كييف لهجوم مضاد في محاولة لطرد القوات الروسية من الأراضي التي سيطرت عليها منذ بدء الحرب في فبراير/شباط 2022.

روسيا تُدمّرُ آخر سفينة عسكرية أوكرانية:

وفي تطور آخر، أعلنت روسيا الأربعاء أنها دمرت سفينة الإنزال الأوكرانية "يوري أوليفيرينكو" في أوديسا (جنوب أوكرانيا)، التي تقول موسكو إنها السفينة الحربية "الأخيرة" التابعة للبحرية الأوكرانية كانت لا تزال في الخدمة.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان "في 29 (مايو/أيار)، نتيجة لضربات أسلحة عالية الدقة شنّتها القوات الجوية الفضائية الروسية على منطقة رسو سفن عسكرية في ميناء أوديسا، دُمّرت آخر سفينة حربية تابعة للبحرية الأوكرانية (يوري أوليفيرينكو)".

كما قالت إنها دمرت مستودعات ذخيرة تابعة للقوات الأوكرانية في مقاطعة خاركيف.
وفي السياق ذاته، قال الجيش الأوكراني إن القوات الروسية تواصل ما وصفها بعملياتها الدفاعية على جبهتي خيرسون وزاباروجيا جنوبي البلاد.
وأضاف أن الروس نفذوا خلال اليوم الماضي 64 ضربة جوية ونحو 88 رشقة صاروخية على طول خطوط التماس.
وأشار إلى أن احتمال شن ضربات صاروخية روسية جديدة على جميع أراضي أوكرانيا لا يزال مرتفعا.
وأكد الجيش الأوكراني أن قواته -في المقابل- نفذت خلال الساعات الماضية 11 غارة على مناطق تركز القوات الروسية وعتادها داخل الأراضي الأوكرانية.
وأشار إلى أن إحدى غاراته استهدفت موقعا للصواريخ المضادة للطائرات، في حين استهدفت قواته المدفعية 3 نقاط تحكم و4 وحدات مدفعية و3 مستودعات للوقود ومحطة حربية إلكترونية لاسلكية.

وأفادت قيادة عمليات الجنوب الأوكرانية بمقتل 11 جنديا روسيا وتدمير عتادهم، في ضربة لقواتها استهدفت الضفة الشرقية من نهر دنيبر في خيرسون، مشيرة إلى أن قواتها البحرية رصدت تحركات لـ9 سفن روسية في البحر الأسود 3 منها حاملات صواريخ مجنحة من نوع كاليبر.

القواتُ الخاصة الشيشانية تتَجهّزُ لصَيَفٍ حافِلٍ في أوكرانيا:

من جهة أخرى، أعلن رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف أن قوات "أحمد" الخاصة أعادت انتشارها وتستعد لبدء الهجوم وتنفيذ أعمال عسكرية وتحرير البلدات في اتجاه دونيتسك جنوب شرقي أوكرانيا.
وكتب قديروف -عبر حسابه في تليغرام- "الأصدقاء، تلقت الوحدات الشيشانية أمرا جديدا لإعادة انتشار القوات. وأصبحت أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية منطقة مسؤوليتها. وفقا للأمر، يجب على مقاتلي الوحدات الشيشانية بدء الأعمال العسكرية الفعلية وتحرير عدد من البلدات"، وفقا لما جاء على قناة "آر تي" (RT) الروسية.

وأوضح رئيس الشيشان أن وحدات "أحمد" الأخرى التابعة لوزارة الدفاع والحرس الروسي، الواقعة على أقسام بديلة من خط التماس بين منطقتي زاباروجيا وخيرسون، تلقت الأوامر نفسها لبدء الهجوم.
وأوضح رئيس الشيشان أن وحدات "أحمد" الأخرى التابعة لوزارة الدفاع والحرس الروسي، الواقعة على أقسام بديلة من خط التماس بين منطقتي زاباروجيا وخيرسون، تلقت الأوامر نفسها لبدء الهجوم.

مسلسلُ العقوبات على روسيا مُستمر.. و الغربُ يُهدد بيلاروسيا بالعقوبات في حال نشرِ أسلحةٍ نوويةٍ على أراضيها:

إذ اقترحت المفوضية الأوروبية  على دول الاتحاد الأوروبي حزمة جديدة من العقوبات على روسيا تهدف إلى منع الالتفاف على العقوبات المفروضة على موسكو، وفق ما أفاد متحدث في مطلع الأسبوع الحالي. 
وقال الناطق باسم المفوضية إريك مامير إن "الهدف هو تفادي أن تجد البضائع المحظور تصديرها إلى روسيا طريقا لإمداد الصناعات العسكرية الروسية". 
ويستهدف اقتراح المفوضية 541 شركة، 526 من بينها روسية، ويشمل للمرة الأولى ثماني شركات في الصين وهونغ كونغ متهمة بإعادة تصدير معدات حساسة إلى روسيا، وفق وثيقة اطلعت عليها وسائل الإعلام الغربية . كذلك، استُهدفت شركة إيرانية وشركتين من الإمارات العربية المتحدة وشركتين مقرّهما أوزبكستان وواحدة في أرمينيا وواحدة في سوريا. 
وتقترح المفوضية تقييد إمكانيات التصدير من قبل هذه الشركات.
ولا يذكر الاقتراح الحظر على واردات الماس من روسيا الذي طالب به عدد من الدول الأعضاء. وأوضح مصدر دبلوماسي أنّ الإجراء يجب أن يناقش في اجتماع مجموعة السبع  المقرر عقدها في هيروشيما (اليابان) ويمكن إضافته إذا تمّ الاتفاق عليه.
وستتم مناقشة الحزمة الـ11 من العقوبات  من قبل ممثلي الدول الأعضاء في بروكسل، على أنّ تكون هناك عدّة اجتماعات ضرورية للتوصّل إلى اعتمادها، لأنّ الاقتراح تقني للغاية.

حذّر مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل  من أن الاتحاد الأوروبي "مستعد" لفرض عقوبات جديدة على بيلاروس إذا ما وافقت مينسك على نشر أسلحة نووية روسية على أراضيها.
وقال بوريل إن "استقبال بيلاروس أسلحة نووية روسية من شأنه أن يشكل تصعيدا غير مسؤول وتهديدا للأمن الأوروبي. لا تزال بيلاروس قادرة على وقف هذا الأمر، الخيار بيدها. الاتحاد الأوروبي مستعد للرد بفرض عقوبات جديدة".

و في هذا الإطار ،افاد مسؤول اميركي كبير الأحد أن الولايات المتحدة لا تملك "أي مؤشر" الى قيام روسيا بنقل أسلحة نووية الى بيلاروس، ولا الى استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي لقناة سي بي اس ردا على سؤال عن إعلان بوتين أن موسكو ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروس، "ليس لدينا أي مؤشر الى انه (بوتين) نفذ ما أعلنه او الى نقل أي اسلحة نووية".
كما ندد حلف شمال الأطلسي  بـ"الخطاب الروسي" عن نشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس، معتبرًا أنه "خطير وغير مسؤول".
وقالت الناطقة باسم الحلف أوانا لونجيسكو "حلف شمال الأطلسي حذر ونراقب الوضع من كثب"، مضيفة "لم نشهد أي تغييرات في الجهاز النووي الروسي من شأنه أن يدفعنا إلى تعديل جهازها".
كما و ندّدت الحكومة الألمانية  بـ"محاولة جديدة للترهيب النووي" من موسكو بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر صواريخ نووية "تكتيكية" على أراضي بيلاروس. 
وأعلن بوتين  أن روسيا ستنشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس وأنه تم تجهيز عشر طائرات استعداداً لاستخدام هذا النوع من الأسلحة. 
طالبت أوكرانيا الأحد باجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سينشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس.
وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية في بيان "تنتظر أوكرانيا إجراءات فعّالة من قبل المملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة وفرنسا لمواجهة الابتزاز النووي الذي يمارسه الكرملين"، مضيفة "نطالب بعقد اجتماع استثنائي لمجلس الأمن الدولي فورًا من أجل هذا الغرض".

صحيفةٌ أميركية: العقوبات لم تنجح في إضعاف الآلة العسكرية الروسية و على الغرب منعُها مِن الإلتفاف على العقوبات:

إذ قالت صحيفة واشنطن بوست أن حرب بوتين غير القانونية على أوكرانيا العام الماضي أثارت حروبا موازية تجسدت أولا في حرب طاحنة بين المدفعية والمشاة، ثم صراع وراء الكواليس بعيدا عن الحدود الأوكرانية الروسية تحشد فيه القوة المالية والقانونية والتنظيمية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفائها الغربيين ضد اقتصاد روسيا غير المتماسك والذي يعتمد على النفط والغاز.
وأضافت الصحيفة أن هدف الغرب من شن الحرب الثانية (حرب العقوبات الاقتصادية) كان معاقبة روسيا واستنفاد قدرتها على الاستمرار في الحرب البرية في أوكرانيا، لكنها أضافت أن نتائج هذا الجهد حتى الآن متباينة.
وأوضحت أن العقوبات تستنزف عائدات الدولة الروسية وتهز الأسس المالية للبلاد، وتعزل موسكو تدريجيا عن النظام المالي العالمي، لكنها لم تستنزف إرادتها أو قدرتها على القتال، ولم تسبب الانهيار الاقتصادي الذي توقعه البعض.
وبالنسبة للعقوبات، ترى الصحيفة أن الوقت ينبغي أن يكون في صالح الغرب، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تلحق الإجراءات التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الأوروبية آلاما متزايدة بنظام الرئيس الروسي والأوليغارشية الذين يساعدونه على الصمود.
ولفتت الصحيفة إلى إجراء مبتكر دخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 2021 يمكن أن يزيد الضغط على روسيا تمثل في منع واشنطن وحلفائها في مجموعة السبع من خدمة حركة النفط الخام الروسي، بما في ذلك شركات التأمين والشحن والتداول.
وأضافت أنه يجب على الحكومات الغربية تكثيف تدقيقها في الحيل المتزايدة التي يلجأ إليها التجار والوسطاء الذين يخرقون العقوبات للالتفاف على القيود الغربية على صادرات الطاقة الروسية ومعاقبتها حيثما أمكن ذلك.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك طرقا أخرى قد تساهم في خنق الاقتصاد الروسي مثل زيادة الضغط على البنوك -بما فيها التي في الغرب- التي تتعامل مع مداخيل الطاقة الروسية، مثل بنك غازبروم وفرعه في لوكسمبورغ الذي يشكل القناة الرئيسية للمدفوعات الأوروبية المستمرة للغاز الروسي.
ويمكن للولايات المتحدة وحلفائها أيضا توسيع العقوبات الفردية ضد الأوليغارشية الروس الذين يدعمون الكرملين، وهو ما سعت إليه بالفعل كندا عندما أصبحت أول دولة من مجموعة السبع تسعى إلى مصادرة الأصول المجمدة من الأوليغارشي الخاضع للعقوبات رومان أبراموفيتش بموجب قانون صدر العام الماضي، واستخدام أمواله في جهود إعادة إعمار أوكرانيا وتعويض الناجين من الحرب الأوكرانيين.
وختمت الصحيفة  بأن استنزاف الاقتصاد الروسي بعقوبات والصرامة في تطبيقها من شأنهما إقناع بوتين إلى جانب النخب الروسية الأخرى بأن ثمن "حماقته" سيكون أعلى وسيستمر لفترة طويلة وسوف يسبب ألما أكثر مما يتخيله الكرملين حاليا.

استكمالاً لعمليات تطبيع العلاقات بين دول المنطقة.. تركيا و مصر تُعيدانِ تطبيع علاقاتهما الدبلوماسية:

بعد أن غيرت الحرب الروسية الأوكرانية من إستراتيجيات العديد من دول العالم و خاصةً دول المنطقة العربية و الشرق الأوسط، و بعد سنوات من التوتر ، اتخذت تركيا ومصر خطوات نحو التوفيق بين علاقتهما، إذ توترت العلاقات بين البلدين منذ مجيئ الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي إلى سدة الحكم بعد الأحداث التي حدثت في مصر في العام ٢٠١٣ مما أدى إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين ومع ذلك ، بعد سنوات من الجمود ، كانت هناك تحركات في الآونة الأخيرة نحو استعادة العلاقات بين البلدين.

ففي يونيو 2021 ، زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مصر ، وهو الاجتماع الرسمي الأعلى مستوى بين البلدين منذ 2013. وجاء الاجتماع بعد أن أعربت تركيا في السابق عن اهتمامها بالحوار مع مصر لتحسين العلاقات الثنائية. وخلال الزيارة ، أعرب الجانبان عن رغبتهما في التعاون ومعالجة الاهتمامات المشتركة ، بما في ذلك الاستقرار الإقليمي والإرهاب.
واعتبر الاجتماع خطوة مهمة نحو التوفيق في العلاقة بين البلدين. وصرح وزير الخارجية التركي: "أجرينا اليوم محادثة طويلة ومفصلة مع وزير الخارجية المصري وقررنا مواصلة محادثاتنا". كما التقى جاويش أوغلو خلال زيارته بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، في أول لقاء رسمي بين الزعيمين منذ عام 2013. واعتبر هذا الاجتماع اختراقًا في تطبيع العلاقات بين البلدين.
منذ الزيارة ، كانت هناك خطوات إيجابية نحو تحسين العلاقات الاقتصادية بين تركيا ومصر. أبدت العديد من الشركات التركية اهتمامًا بالاستثمار في مصر ، مما سيخلق فرص عمل ويعزز الاقتصاد. علاوة على ذلك ، تتطلع الشركات المصرية أيضًا إلى توسيع عملياتها التجارية في تركيا.

تحوُلاتٌ سياسية و اقتصادية للمنطقة بأسرها:

في الحقيقة، إن المصالحة بين تركيا ومصر تنذِر بتحول سياسي للمنطقة بأسرها، إذ يشترك كلا البلدين في خلفية ثقافية و اجتماعية متشابهة ولهما دور مهم في منطقة الشرق الأوسط ، مما أنشئ قناعة أنه يتعين على البلدين العمل معا لتعزيز الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب والتطرف والتصدي للتحديات المشتركة مثل عدم الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.
و قالت صحيفة ديلي صباح التركية إن قوتين إقليميتين كبيرتين مثل تركيا ومصر، لا يمكنهما تجاهل بعضهما لفترة أطول. لذلك، كرس البلدان وقتاً مناسباً لإجراء محادثات استكشافية عام 2021. وكان من الصعب الوصول إلى مصالحة بين الدولتين المتنازعتين، لكن حقيقة أن التطبيع في الشرق الأوسط سيظل غير مكتمل دون تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة، جعلت كلاً منهما تتخذ خطوات جدية في هذا الشأن.
وبادرت تركيا بالخطوة الأولى عندما حضر وزير الخزانة والمالية نور الدين نباتي الاجتماع السنوي للبنك الإسلامي للتنمية في القاهرة في يونيو/حزيران 2022. وانعكس الجو الإيجابي على العلاقات التجارية، فبعدما بلغ حجم التجارة بين تركيا ومصر 1.3 مليار دولار في الربع الأول من عام 2021، ارتفع بنسبة 85% في الربع الأول من عام 2022 إلى 2.5 مليار دولار. في حين واصلت المؤسسات الاقتصادية ترتيب اجتماعات مشتركة لتحسين العلاقات الاقتصادية بشكل أكبر.
وبعد اتفاق الجانبين،  نجد:
أولاً، أن تبادل الزيارات أمر حاسم لتطبيع العلاقات الثنائية بين القوتين الإقليميتين. إذ سيحاول البلدان من الآن فصاعداً، اتباع سياسة مربحة للجانبين في المنطقة، وسيكونان أكثر حساسية لمصالح واهتمامات بعضهما، وسيتبادلان قريباً السفراء ويقيمان أعلى مستوى من العلاقات الدبلوماسية.
ثانياً، سيتخلى البلدان عن وجهات النظر المتضاربة والصفرية تجاه بعضهما. بعبارة أخرى، سيعيدان ضبط علاقاتهما الثنائية. وكما تُظهر تصريحات وزيري الجانبين، سيتم فتح صفحة جديدة بين تركيا ومصر، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بدايةً. وبعد ذلك، سيتم استكشاف فرص التعاون في مجالات مثل الاقتصاد والتجارة والطاقة والسياحة.
من خلال خطوات تحسين العلاقات الدبلوماسية، ستتشاور سلطات البلدين في الأزمات الإقليمية، وخصوصاً في المسألتين اللتين كانت العلاقات الثنائية بشأنهما أكثر توتراً في الآونة الأخيرة، وهما الأزمة الليبية والتطورات في شرق البحر المتوسط. وفي الوقت الذي يتوقع فيه الجانب المصري تغيير السياسة التركية فيما يتعلق بالوضع الليبي، يتوقع الجانب التركي أن تغير مصر سياستها تجاه شرق المتوسط.
ثالثاً، مع تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة، ستكون هناك تطورات جديدة في هاتين المسألتين بما يتماشى مع مصالح الطرفين. وفي مقابل طمأنة مصر بشأن ليبيا مع مراعاة الحساسيات المصرية ومحاولة إيجاد حل مشترك، تتوقع أنقرة ألا تشارك القاهرة في مشروعات من شأنها الإضرار بمصالح تركيا في شرق البحر المتوسط.
رابعاً، يعتبر تطبيع العلاقات بين أهم دول العالم العربي وتركيا إحدى أكثر الفاعلين نفوذاً في المنطقة، ذا أهمية كبيرة للاستقرار السياسي وازدهار المنطقة. ونظراً لأن دول الشرق الأوسط تعلم أنها لا تستطيع الاعتماد على القوى العالمية لحماية مصالحها الوطنية، فهي مصممة على تطوير مبادرات إقليمية وتحسين علاقاتها مع الجهات الفاعلة في الجوار.
لذلك، من الطبيعي أن تعطي الدول العربية وغير العربية، الأولوية للمبادرات الإقليمية وتطبيع العلاقات الإقليمية البينية. علاوة على ذلك، فإن تداعيات محور التعاون بين أنقرة والقاهرة أكثر أهمية من أي محور إقليمي آخر. لذلك، ستعمد دول أخرى لاتباع نفس المسار، وتتشجع تركيا على إقامة علاقات بناءة مع الدول العربية الأخرى دون أي تحفظات.
وبالنظر إلى العلاقات التاريخية العميقة والتقارب الثقافي بين الجانبين، يمكن بسهولة استنتاج أن إصلاح العلاقات لن يكون أمراً صعباً. وستستعيد الدولتان قريباً علاقاتهما وتشرعان في عمليات تعاون مربحة للطرفين. 
وبما أن الظروف الإقليمية المتغيرة وتوازن القوى تتطلب تعديلاً في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، فإن دول المنطقة سوف تتصرف وفقاً لذلك وتسعى إلى علاقات متناغمة. ومع كل هذا الزخم من التحركات الأخيرة، ستكتمل دائرة التطبيع في الشرق الأوسط.

أهدافٌ أبعدُ من السياسة.. و الاقتصادُ سيّدُ الموقف:

بكل تأكيد، إن ما دفع مصر و تركيا إلى إعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية ليست الحوافز السياسية فقط، بل ان الاقتصاد و المصالح الاقتصادية المشتركة للبلدين كانت العامل الأبرز في تحفيز الدولتين على إعادة ترميم العلاقات بين بعضهما البعض، إذ كشف  مجلس الأعمال التركي المصري ، في أول اجتماع للمجلس الذي توقف خلال فترة القطعية السياسية بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران، عن وجود خط ائتمان قيمته مليار دولار، كقرض نقدي للمستثمرين المصريين الذين يشاركون بمشروعات تركية، جاهز للتنفيذ وتوقف منذ عام 2013، سيفعّل فور عودة السفير المصري الجديد إلى أنقرة.
و يمول القرض 85% من قيمة أي مشروع صناعي مشترك بين مصريين وأتراك بفائدة منخفضة عن 9%، خاصة بالمشروعات الإنتاجية، تمثل أكثر من 50% من قيمة الفائدة السائدة في البنوك المصرية.
وذكر سفير مصر السابق في أنقرة أن عودة العلاقات بين البلدين تتحدى كل التوقعات المتشائمة التي كانت تعتقد أن رجوعها أمراً مستحيلاً، "بينما أكدت صحة توقعات المتفائلين، وكنت منهم، بمتانة العلاقات بين الشعبين، التي ظلت واضحة الأثر في المجال الاقتصادي الذي زادت معدلاته سنوياً، حتى أصبحت تركيا من الدول القليلة التي يصب فيها الميزان التجاري لصالح مصر، رغم ما تستورده من منتجات حديثة". 
وأوضح أن المصنعين الأتراك الذين يستثمرون في مصر يحتلون أعلى معدلات تصدير لمنتجاتهم المصرية إلى الأسواق الدولية، لخبرتهم الواسعة بالتعامل مع السوق المحلية، لتشابه الظروف الاجتماعية والاقتصادية بين البلدين، و"يعملون وكأنهم في تركيا". 
وقال عادل اللمعي، رئيس مجلس الأعمال المصري التركي: "سترجع الأمور إلى مجاريها وبقوة، كما كانت عليه قبل 2013". وأشار إلى "تحسّن كبير ومتصاعد في العلاقات الاقتصادية طوال فترة الأزمة السياسية، حيث ارتفعت الصادرات بين البلدين من 3 مليارات دولار عام 2013 وبلغت 9.7 مليارات دولار، تتميز بتعادل الميزان التجاري بنحو 50% لكل طرف، وزيادته في الآونة الأخيرة لصالح مصر بنحو 600 مليون دولار مع ارتفاع الصادرات من الغاز الطبيعي". 
و ناقش المجلس خلال انعقاده بجمعية رجال الأعمال المصريين تشغيل خط الغاز العربي، الذي بدأ تنفيذه عام 2007 والرابط بين مصر والأردن وسورية ولبنان، لإعادة إصلاح ما أفسدته الحرب في سورية، ومده بامتداد 120 كيلومتراً ليصل إلى الحدود التركية، ليكون مصدراً مهماً لتصدير الغاز المصري. 
كما أكد نهاد أكينجي، ممثل الجانب التركي بجمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك، أن الفترة القادمة ستشهد اقبالاً كبيراً من رجال الأعمال الأتراك على إقامة مشروعات صناعية، وخاصة المرتبطة بصناعة النسيج والملابس الجاهزة، في ظل الزيادة الكبيرة بأسعار العمالة والكهرباء والغاز والتشغيل في تركيا، مع انخفاض نظيرتها بمصر.
أوضح أكينجي أن وفداً من رجال الأعمال الأتراك سيزور القاهرة شهر يونيو المقبل، لمناقشة الفرص الاستثمارية الجديدة، ومقابلة المستثمرين الأتراك أصحاب الخبرات السابقة، للتعرف عن قرب على فرص الاستثمار، واستكمال ما بدأته الدولتان من تعاون اقتصادي، توقف خلال السنوات الماضية. 
وناقش الأعضاء إمكانية عودة اتفاقية المرور الحر للمنتجات التصديرية بين تركيا ومصر بحراً وبراً، لتنقل إلى الخليج العربي، التي توقفت عام 2014، وانتقلت إلى إسرائيل، مع تطوير الاتفاقية، بحيث تصبح مصر دولة عبور للناقلات في رحلة الذهاب، وتعود إلى تركيا محملة بالبضائع المصرية. 
وأفصح تامر صادق، مدير بنك مصر وعضو مجلس الأعمال المصري التركي، عن أهمية فتح فرع للبنك في إسطنبول لخدمة المصريين ورجال الأعمال بين البلدين، مع أهمية مشاركة الشركات الصناعية التركية في إقامة مدارس للتعليم الصناعي، وخاصة النسيج، تمولها تلك المصانع، بما يعمل على رفع كفاءة العمالة المصرية غير الماهرة، وتأهيلها لسوق العمل المتطور. 
وأعرب أشرف طلعت، عضو المجلس، عن استفادة مصر من الحرب الروسية الأوكرانية في زيادة صادرات الأسمدة إلى الأسواق التركية، طالباً استفادة المصانع القائمة من مبادرة التمويل التركية في زيادة طاقتها الإنتاجية، بعد أن ارتفعت الفائدة البنكية أمام الجهات الصناعية إلى معدلات قياسية تتراوح ما بين 22% و23%، تحول دون توسع المشروعات وترفع قيمة تكاليف التشغيل، ما يدفعها إلى أسعار غير تنافسية عالمياً. 
وبين الأعضاء أن اكتشاف الغاز الطبيعي بالقرب من السواحل التركية في البحر الأسود لن يحول دون زيادة الصادرات المصرية من الغاز التي بلغت ملياري دولار عام 2022، مشيرين إلى أن التوسعات الصناعية الضخمة في تركيا ستجعلها مستورداً دائماً للغاز، الذي يصدر إليها سائلاً من مصنعي دمياط وأدكو شمال دلتا نهر النيل.
في الختام ، تعتبر المصالحة التركية والمصرية خطوة أساسية نحو إعادة السلام والصداقة بين الشعبين. سيؤدي هذا التعاون الجديد بين البلدين إلى منطقة شرق أوسط أكثر ازدهارًا وسلامًا ، ويفيد شعوبها. من المهم أن يستمر كلا الجانبين في تنمية هذه الصداقة الجديدة وتقوية الروابط بينهما ، لأن ذلك في مصلحة المنطقة بأكملها.