تركيا: انتخاباتُ تحديدِ المَصير.. من هو كليتشدار أوغلو؟ و كيف يُمكِن أن يُغيّرَ الواجهةَ ؟

news image

 

 

تقرير - مروة شاهين - بث:
أعلن تحالف المعارضة التركي الأسبوع الماضي، أن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو  سيكون مرشحه المشترك أمام الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها يوم 14 مايو/أيار المقبل.
وقال رئيس حزب السعادة المعارض تمل كرم الله أوغلو، أمام حشد خارج مقر حزبه في أنقرة حيث اجتمع قادة الأحزاب الستة اليوم، إن "كليجدار أوغلو هو مرشحنا للرئاسة".

انتقال من النظام الرئاسي إلى حكم الأحزاب الستة:

وعقب إعلان اسمه مرشحا للمعارضة، قال كليجدار أوغلو إن أحزاب الطاولة السداسية ستقود تركيا بالمشورة والتفاهم عبر ما سماه النظام البرلماني المعزز، مضيفا أن زعماء الأحزاب الستة سيعملون بصفتهم مساعدين لرئيس الجمهورية.
ويشارك في الطاولة السداسية، أو ما يسمى تحالف الأمة، زعماء حزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم.
وكان زعماء المعارضة المنقسمة قد التقوا اليوم في محاولة جديدة للاتفاق على مرشح مشترك يواجه الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويخوض أردوغان اختبارا حاسما في الانتخابات التي يراها كثيرون الأكثر أهمية في تركيا منذ إعلان الجمهورية قبل نحو قرن.
وكان حزب الجيد - وهو ثاني أكبر حزب بالتحالف المؤلف من 6 أحزاب - قد أعلن انسحابه من تكتل المعارضة يوم الجمعة بعد أن رفضت زعيمته ميرال أكشينار الأخبار المتداولة عن اختيار كليجدار أوغلو مرشحا رئاسيا في الانتخابات.
وطلبت أكشينار بادئ الأمر أن يحل رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، محل كليجدار أوغلو في الترشح.
وأشارت إلى أن استطلاعات الرأي تظهر أنهما سيفوزان على أردوغان بفارق كبير في الأصوات.
وقبل ساعات من استعداد الأحزاب الخمسة المتبقية في التحالف للإعلان عن كليجدار أوغلو مرشحا رئاسيا عن التحالف، عقد رئيس بلدية أنقرة ورئيس بلدية إسطنبول اجتماعا قصيرا مع أكشينار التي قدمت اقتراحها بتعيينهما نائبين للرئيس في حالة الفوز بالانتخابات.
وقال المتحدث باسم حزب الجيد كورساد زورلو للصحفيين إن أكشينار طرحت عرضا "شاملا".
وقال زورلو "طرحت (أكشينار) اقتراحا بتعيين رئيسي البلديتين في منصب نائبي الرئيس التنفيذيين و  ستحمل زعيمتنا هذا الاقتراح إلى كليجدار أوغلو في اللحظات المقبلة".
وتأتي صفقة المعارضة قبل شهرين من الانتخابات، وبعد شهر من الزلازل التي دمرت جنوبي البلاد وأدت لمقتل أكثر من 45 ألف شخص.
ورغم تبعات الزلزال، فإن استطلاعات الرأي أظهرت أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية ما زالا يحافظان على ما يبدو على حظوظهما في الانتخابات، على الرغم من الانتقادات التي وجهها المواطنون للحكومة بشأن استجابتها الأولية في التعامل مع الكارثة.
وتعهدت المعارضة بإلغاء الرئاسة التنفيذية القوية التي أنشأها أردوغان، وإعادة تركيا إلى الديمقراطية البرلمانية، وعودة الاستقلال للبنك المركزي الذي نفذ خطط أردوغان بخفض معدلات الفائدة، مما قاد نموا اقتصاديا لكنه تسبب في تراجع سعر الليرة وارتفاع التضخم بشدة.
وخلال الانتخابات السابقة، فشلت المعارضة في تشكيل تحد خطير لأردوغان الذي تولى حزبه مقاليد السلطة عام 2002.
وزادت المعارضة من حجم تعاونها منذ نجاحها عام 2019 في انتزاع السيطرة على إسطنبول وأنقرة ومدن كبرى أخرى من الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية.


من هو كليتشدار أوغلو المرشح لمنافسة أردوغان:


ولد كمال كليتشدار أوغلو عام 1948 لعائلة من الطائفة العلوية، هاجرت من خراسان إلى مدينة تونجلي شرق تركيا التي تضم أغلبية كردية علوية. درس  كليجدار أوغلو المرحلة الابتدائية في تونجلي، والثانوية في مدينة إيلازيغ شرق تركيا وتخرج منها في المرتبة الأولى عام 1967. والتحق بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة أنقرة وتخرج منها عام 1971.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2002، انتخب نائبا عن مدينة إسطنبول ودخل للبرلمان. ورشّحه حزب الشعب الجمهوري كمرشح لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية عام 2009، وحصل على 36.8% من الأصوات. وانتُخِب كليجدار أوغلو نائب رئيس الاشتراكية الدولية في عام 2012.
و تُعرف عنه معارضته الشديدة لسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأيضا للأكراد وحقوقهم، وهو من أكبر المدافعين عن القيم العلمانية لتركيا وإرث أتاتورك.
وفي عام 2010 تولى كليجدار أوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري عقب استقاله "دنيز بايكال" من منصب الرئاسة التي بقي فيها لمدة 18 عاما.
كما يعارض كليتشدار أوغلو التدخل التركي في شؤون سوريا، وهو من داعمي نظام الأسد، وقد انتقد قطع العلاقات مع إسرائيل لأنها تضر بتركيا برأيه، وقام بزيارة مثيرة للجدل إلى العراق عام 2013 حيث التقى بنُوري المالكي، وله علاقات مع بعض الجنرالات الأتراك المدانين بقضية الانقلاب على حزب العدالة والتنمية الحاكم عام ٢٠١٦.


ما هِي نقاط الخلاف بين المعارضة و أردوغان:
١-أعداء الجمهورية:
يصِفُ بعض الأتراك القوميون المتشددون (من مؤيدي مصطفى كمال أتاتورك)، الكثير من السياسيين و رجال الدين الأتراك الذي يحملون بعض التوجهات الإسلامية التي ترمي إلى إعادة الهوية الإسلامية لتركيا و إعادة دمجها في الهيكلية الإجتماعية و السياسية و الدينية مع الدول الإسلامية المحيطة بها (الدول العربية و الدول المسلمة غير الناطقة بالعربية)، بأعداء الجمهورية، أي أعداء المبادئ العلمانية الليبرالية التي أرساها الزعيم التي مصطفى كمال أتاتورك، و التي قامت على إعادة هيكلة كافة النواحي السياسية و الاجتماعية في تركيا لجعلها تتناسب مع الثقافة الغربية بهدف طمس الهوية الإسلامية و الشرقية للشعب التركي و قطع أواصر الصلة بينه و بين الشعوب العربية المجاورة َ التي يتشارك معها ذات الدين و القيم و العادات والتقاليد، بغية تحويله إلى شعبٍ أوروبي مُدَجّن، و لهذا فإن كل من يحمل توجهات إعادة توجيه البوصلة التركية نحو المحيط الإسلامي يُعتبر عدواً للجمهورية بحسب معتنقي الفكر الكمالي.


شكلُ المُجتمع التركي:


لم تكن الحياة الاجتماعية للشعب التركي بمعزلٍ يوماً عن الصراع السياسي بين المعارضة التركية و الحزب الحاكم، فأحزاب المعارضة العلمانية بغالبها تفكر في انتهاج نهج اجتماعي مغاير لما تقوم عليه الحياة الإجتماعية في تركيا، فالمعارضة مثلاً تؤيد النموذج الغربي للحياة الاجتماعية أي النمط الأوروبي القائم على الانفتاح و الحرية المطلقة و القيم المادية و الرأسمالية الغربية، بدءًا من إلقاء السلام بين الناس و أنماط اللباس و عادات الزواج و تكوين العلاقات الاجتماعية و الأسرية، وصولاً إلى التعليم و تنشئة الأجيال القادمة على القيم و الثقافة الغربية، إضافة إلى إلى السعي لتثبيت القوانين و الأنظمة التي تنظم بعض النواحي الاجتماعية كقوانين الأحوال الشخصية و محاكم الأسرة، كما تركز المعارضة على إبعاد أي تشريع مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية إضافة إلى إدخال بعض القوانين الغربية التي تهدف إلى تحويل المجتمع في تركيا نحو نمط الحياة الغربية، بالإضافة إلى إخراج اللاجئين السوريين و العراقيين من تركيا منعاً لتزايد المكون العربي في المجتمع التركي. 


تعديل النظام السياسي و الدستوري.. العودة إلى ما قبل عهد أردوغان:


ووعدت المعارضة في حال انتخبت بأن تطرح التعديلات الدستورية على التصويت في البرلمان الذي ينبغي أن يصادق عليها بأغلبية الثلثين، أي 400 من أصل 600 صوت.
وتؤكد المعارضة أيضاً عزمها إلغاء المراسيم الرئاسية التي لطالما استخدمها أردوغان لإقالة مسؤولين كبار بينهم حاكم المصرف المركزي، ولإلغاء "اتفاق إسطنبول" عام 2021، وهو معاهدة دولية لمنع العنف ضد النساء والعنف الأسري ومكافحتهما.
وستسعى المعارضة إلى حرمان الرئيس من صلاحية عرقلة قانون سبق أن ناقشه البرلمان على أن يتمتع بإمكان إعادته إلى النواب في حال أراد الاعتراض عليه، أجل نقل البلاد من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني المعزز، و أن يتم تعيين وإقالة الوزراء من قبل رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحزب السياسي الذي ينتمون إليه، و أن يكون للرئيس صلاحيات تجديد الانتخابات وإعلان حالة الطوارئ وسياسات الأمن القومي والقرارات الرئاسية والمراسيم والإجراءات التنظيمية العامة والتعيينات رفيعة المستوى بالتوافق مع قادة الأحزاب المدرجة، وسيتم إنشاء آليات لتنسيق التعاون بين الأنشطة التشريعية خلال الفترة الانتقالية، ومع استكمال الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز تنتهي عضوية الرئيس في حزبه.
الإقتصاد: 
إن الوضع الاقتصادي لتركيا هو من أهم الملفات التي تستخدمها المعارضة التركية في منهجها و برنامجها السياسي المنافس لأردوغان، كما يحتل الاقتصاد و مسائل التضخم مرتبة مهمة في الحملة الانتخابية للمعارضة التركية خلال الانتخابات العامة القادمة المزمع إجراؤها في مايو /أيار المقبل، إذ أعلنت أحزاب المعارضة التركية إنها ستضمن بنكاً مركزياً مستقلاً يركز على كبح التضخم المتفشي، إذا خسر حزب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في انتخابات أيار/مايو المقبل. 
كما أكدت الأحزاب في بيان لها أنه يجب أن تظل "المسؤولية الوحيدة لسلطة النقد هي السعر والاستقرار المالي، ولن يكون الرئيس قادراً على إقالة المحافظين متى شاء"، وفقاً لخارطة طريق السياسة التي كشفت عنها كتلة المعارضة السداسية خلال بياناتها.
و لطالما وجهت قيادات المعارضة التركية، انتقادات للرئيس، رجب طيب أردوغان، وسياسات حكومته الاقتصادية، مع تراجع سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
كما انتقدت ميرال أكشينار، خلال كلمة لها في اجتماع كتلة نواب الحزب، سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، التي أدت إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وارتفاع نسبة البطالة والتضخم.
وقالت أكشينار: "لقد تجاوز معدل التضخم في تركيا 26 في المئة، بينما تخطت نسبة البطالة حاجز الـ11 في المئة. ولا تزال يا أردوغان تواصل تجاهل الحلول المقترحة، في الوقت الذي أصبح به 50 في المئة من المواطنين الأتراك فقراء".
كما تطرقت السياسية التركية إلى قضية اللاجئين السوريين في البلاد، موضحة بحسب تقارير صحافية أن تعدادهم بات يفوق غالبية السكان بعدد من المناطق التركية.
السياسة:
من الطبيعي أن تختلف الأحزاب السياسية في البلد الواحد في ما بينها على المسائل السياسية بالدرجة الأولى، و لكن الوضع في تركيا مختلف تماما عن ما هو سائد في غيرها من البلاد، إذ أن فوز المعارضة في الانتخابات العامة القادمة لن يتسبب في تغيير الحزب الحاكم فقط مع بقاء الواقع السياسي لما كان عليه قبيل الانتخابات، بل سيؤدي إلى تغيير الواجهة السياسية التركية بأكملها، بدءاً من الخطوط الدقيقة للسياسات الداخلية وصولاً إلى أدقّ المسائل في التوجهات الخارجية للسياسة التركية.


ما هي أبرز التحولات السياسية التي قد تطرأ على تركيا في حال فوز المعارضة؟:


أولاً: العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية و حلف شمال الأطلسي :
كان حزب الشعب الجمهوري، الذي ورث المبادئ العلمانية لمصطفى كمال أتاتورك و حكم تركيا لعقود قبل صعود قوى سياسية تحمل توجهات مغايرة للتوجهات الجمهورية العلمانية ( عدنان مندرس و تورغوت أوزال) من أفضل أنظمة الحكم  من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية. 
فالمبادئ الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك) قامت على توجيه تركيا سياسياً و اجتماعياً للاندماج في نمط الحياة الغربية الليبرالية العلمانية، و هذا بالضبظ ما كانت تريده الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت من أي دولة في العالم، أي اعتماد القيم و المبادئ الغربية الليبرالية و الإبتعاد عن الإيديولوجيا الشيوعية التي كان الاتحاد السوفياتي يسعى إلى نشرها خلال فترة الحرب الباردة، و هذا ما تمت ترجمته خلال العقود التي حكم فيها حزب الشعب الجمهوري إذ شهدت تركيا تحولات سياسية و اجتماعية و إيديولوجية كبيرة تمثلت في التقرب أكثر فأكثر من العالم الغربي و خصوصاً الولايات المتحدة و القارة الأوروبية، حتى أنه تم اعتبار تركيا دولة أوروبية على الرغم من أن عاصمتها تقع في قارة آسيا و ان جزءاً صغيراً فقط من جغرافيتها يقع في أوروبا (الجزء الأوروبي من اسطنبول و محافظة ادرنة).
لكن العلاقات الطيبة بين تركيا و الناتو شهدت توترات كبيرة، خصوصاً في العام ١٩٧٤ حيث فرضت الدول الغربية عقوبات على تركيا بعد قيام الجانب التركي بغزو جزيرة قبرص، إذ بدأ حينها الشعور التركي بانعدام الثقة تجاه حلف شمال الأطلسي بسبب تصريح الحلف بأن الناتو لن يدافع عن تركيا في تعرضها لغزو سوفياتي (إذ أن اليونانيين أرثودوكس و الروس أيضاً، و هذا ما قد يدفع اليونان إلى الاستعانة بالاتحاد السوفياتي لوقف الغزو التركي لا سيما أن اليونان قد علقت عضويتها في شمال الأطلسي بعد تعرضها لخذلان الحلفاء الأطلسيين).
و لا يخفى على أحد أن العلاقات التركية مع الناتو شهدت تطورات كبيرة خلال حكم حزب العدالة و التنمية إثر مسائل عديدة، أبرزها التدخل العسكري في سوريا و ليبيا و شمال قبرص، إضافة إلى بعض قضايا الموقوفين السياسيين في تركيا بسبب الصراع مع حزب العمال الكردستاني و منظمة فتح الله غولن، إضافة إلى التوتر في العلاقات مع الغرب بسبب تقوية أواصر العلاقات بين تركيا و روسيا، و إن حزب الشعب الجمهوري و المعارضة التركية تحاول كسب دعم الدول الغربية إلى جانبها من خلال التلويح باعتماد سياسات أكثر تماشياً و اتساقاً مع حلف شمال الأطلسي، فيمكن مثلاً توقع انسحاب تركيا من ليبيا و شمال سوريا و التساهل أكثر في ملف دخول فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.
ثانياً: العلاقات مع روسيا:
دخلت تركيا في عهد حزب الشعب الجمهوري إلى حلف الناتو لمواجهة التمدد الشيوعي في الدول المحاذية للإتحاد السوفيتي، و انتهى عهد هذا الحزب قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي و تفككه، لذا فإنه لا يوجد تاريخ للعلاقات بين روسيا المعاصرة و تركيا إبان حكم الجمهوريين، لكن ما يمكن توقعه عن شكل العلاقات بين روسيا و تركيا في حال فوز المعارضة في الانتخابات العامة القادمة يتمثل في انخفاض مستوى العلاقات الودية بين موسكو و أنقرة، و ذلك يمكن أن يحدث لأسباب عديدة أولها قرب المعارضة التركية الشديد من الفكر الغربي الليبرالي الذي يدعم أوكرانيا بشدة في حربها مع روسيا، إضافة إلى العداوة التاريخية مع روسيا بسبب قضية أتراك جزيرة القرم و مسألة كون إسطنبول العاصمة التاريخية للإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية و ما يلي ذلك من المطامع الروسية في استعادة المدينة لما لها من أهمية معنوية و إستراتيجية لدى الروس، إذ أن المضائق التركية التي تتواجد في مدينة إسطنبول هي السبيل الوحيد أمام روسيا للخروج إلى المياه الدولية من خلال عبور مضيقي البسفور و الدردانيل، بالإضافة إلى ميل الروس للقبارصة اليونانيين في صراعهم ضد القبارصة الأتراك نظراً لتبعيتهم للكنيسة الأرثوذكسية التي تتواجد رئاستها في روسيا التي تعتبر نفسها حاملة لواء الطائفة الأرثوذكسية في العالم المسيحي.
ثالثاً: العلاقات مع المحور السوري الإيراني:
ربما لا نستطيع حصر آراء كافة أحزاب المعارضة التركية التي شكلت التحالف الذي رشح كليتشدار أوغلو لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، و لكن يمكن أن نركز بشكل كبير على شخص المرشح الذي يحتمل أن يصل إلى سُدّة الرئاسة في تركيا، ألا و هو كليتشدار أوغلو الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، و بالتالي يمكن أن نستنتج من هذا أن إيران ستكون من المستفيدين في حال وصوله إلى سُدّة الرئاسة و ستصبح العلاقات التركية الإيرانية أكثر قرباً و متانةً من ذي قبل.
هنا يمكن أن يعترض البعض قائلاً: "و لكن كليتشدار أوغلو هو قومي تركي علماني و لا يتبع الإيديولوجية الدينية الخاصة بطائفته و المذهب الديني الذي ينتمي إليه" ، و الجواب هنا ببساطةٍ يمكن أن يتمثل في إعطاء مثال عن رئيس علوي آخر لدولة عربية، يدّعي أنه قومي عربي و علماني و لا يتبع الإيديولوجيا الطائفية في نظام الحكم، ألا و هو بشار الأسد الذي لطالما ادّعي القومية العربية و سعيه نحو توحيد الأمة العربية و أنه رئيس لدولة شعبها مسلم و نظامها علماني غير قائم على أساس ديني و لا يُفرق بين طائفة و أخرى. 
و لكن كما يقول المثل الشعبي المصري " الماء يُكذّب الغطّاس" ، فعندما تعرض حكم بشار الأسد للخطر هبت إيران للمساعدة في الحفاظ على النظام السوري بكل ما أوتيت من إمكانيات، كما لم يتوانى بشار يوماً عن تمكين إيران من فرض نفوذها في سوريا ( حتى قبل بداية الحرب السورية)، إذ كان النظام السوري في بقيادة بشار الأسد يلعب دور الذراع الإيراني في الدول العربية و قد ساعد إيران كثيراً في صراعها ضد صدام حسين في العراق كما ساعدها على تمكين نفوذها في لبنان عبر جعل سوريا منصة برية لتدريب عناصر حزب الله و مده بالأسلحة و الذخائر و كافة الإمدادات اللوجستية اللازمة له، و لهذا فإنه من المتوقع أن تنقلب السياسة الخارج التركية لصالح النظام السوري و إيران في حال فوز المعارضة، إضافة إلى انسحاب تركيا من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في الشمال السورية و تسليمها إلى نظام الأسد إضافة إلى تسليم كافة المطلوبين السوريين الموجودين في تركيا و المتهمين الانشقاق عن الجيش أو التخلف عن الخدمة العسكرية أو المشاركة في أنشطة سياسية تهدف إلى قلب نظام الحكم.
رابعاً : العلاقات مع الدول العربية : 
على الرغم من العلاقات التركية مع بعض الدول العربية قد شابتها خلال العقد الماضي الكثير من التوترات، إلا المشهد السياسي الحالي يُنبِئ بإدراك الجانب التركي بمدى أهمية الدول العربية و مدى خطورة التوتر في العلاقات معها ، لا سيما المملكة العربية السعودية التي لطالما شهدت العلاقات معها بعض التوترات القائمة على ملفات عديدة، و ترجمة للشعور التركي بمدى أهمية إصلاح العلاقات مع الدول العربية، قامت تركيا مؤخراً العديد من الخطوات التي هدفت إلى إزالة معظم الخلافات التي سببت في توتر العلاقات العربية التركية، إذ قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة المملكة العربية السعودية في العام الماضي، و لاقت هذه الزيارة ترحيباً و حفاوة من الجانب السعودي، و قام بعدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة تركيا بدوره و الإعلان عن توقيع الكثير من بروتوكولات التعاون في العديد من الملفات، كما قامت المملكة العربية السعودية مؤخراً بايداع مبلغ خمسة مليارات دولار كوديعة لدى البنك المركزي التركي دعماً منها للاقتصاد التركي و للمساعدة على خفض التضخم و والتدهور الحاصل في أسعار الليرة التركية، كما ان التوجهات العربية بشكل عام بدأت في الفترة الأخيرة تعمل على أساس إدراك مدى أهمية التعاون مع تركيا بصفتها دولة اقليمية ذات أهمية إستراتيجية كبرى في السياسة الدولية ، إضافة إلى كونها دولة تجمعها مع العرب ذات القيم و العادات والتقاليد و الدين و الأهداف الرامية إلى تطهير منطقة الشرق الأوسط من العبث الإيراني و الخارجي، لا سيما الدول الغربية التي تريد إبقاء منطقة الشرق الأوسط كمنطقة وظيفية تعمل على إنتاج النفط (الدول العربية) و تبقى سوقاً استهلاكية للإنتاج الغربي و مصدراً للعمالة الرخيصة، دون السماح بأن يكون لها دور آخر في المشهد السياسي الدولي. 
من هنا نستنتح أن توجهات السياسة الخارجية التركية في ظل حكم حزب العدالة و التنمية التركي تجاه الدول العربية ستكون أفضل من ما يمكن أن تكون عليه في ظل حكم المعارضة الموالية للغرب و التي تسعى إلى دمج تركيا في العالم الغربي و بالتالي جعلها أداة لتنفيذ الأهداف الغربية في الشرق الأوسط (تماماً كما كانت عليه قبل العام ١٩٧٠)، فإن اتباع تركيا سياسات خارجية متناسقة مع الغرب سيجعلها تصطدم بالدول العربية التي تشهد نهضة اقتصادية أو سياسية تريد ترجمتها إلى لعب دور أكبر في السياسة الدولية، كما ان وصول المعارضة العلمانية الكمالية الكارهة للعرب و لكل ما يمكن أن يربط تركيا بالعالم العربي سيؤدي بالتأكيد إلى هدم كل الجهود التي بذلت لإعادة أواصر العلاقات الايجابية بين تركيا و الدول العربية. 
نهايةً، إن احتمالات فوز المعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تبقى قائمة، و لا يمكن التنبؤ بما ستأتي به صناديق الإقتراع، و لكن التساؤلات حول مدى قدرة إدارة أحزاب المعارضة للبلاد بفاعليةٍ دون محاولات العودة إلى عصر الدكتاتورية العسكرية التي عاشتها تركيا بسبب استماتة الجمهوريين و الكماليين في الدفاع عن علمانية تركيا ضد التخلف و الرجعية (أي المعتقدات و الممارسات الإسلامية بحسب اعتقادهم) ،كما توجد
العديد من التساؤلات عن مدى قدرة كمال كليتشدار أوغلو على التعامل مع كل هذه الملفات الدولية التي كان يتعامل معها الحزب الحاكم، لا سيما أن الكثير من المراقبين و الخبراء يعتبرونه ضعيف الشخصية و لا يستطيع أن يلعب ذات الدور الذي يلعبه سلفه على الساحة الدولية و الداخلية، و هذا ما دفع ميرال أكشينار رئيسة حزب الجيد إلى الاعتراض على ترشيحه بحسب خبراء أتراك، ذلك أن الأخيرة تعتقد أنه لا يمتلك مهارات شخصية تمكنه من منافسة الرئيس الحالي و تعتقد أن رئيس بلدية إسطنبول أكرم امام أوغلو سيكون مرشحا قوياً قادراً على منافسة المزايا الشخصية التي يروج لها حزب العدالة و التنمية الحاكم.

 
و في كل الأحوال، يمكن أن تكون بعض الملفات التي يمكن أن تتغير في حال فوز المعارضة تحظى ببعض الغموض ذلك أن المعارضة التي أفصحت حديثاً عن اسم مرشحها، ربما لا تزال تنتظر الاتفاق على البرنامج السياسي المتبع في حال الوصول إلى السلطة،  هذا بالإضافة إلى أن أحزاب المعارضة تحمل في بينها العديد من الخلافات الداخلية حول الأيديولوجية و القضية الكردية و مسألة العلمانية و ملفات التدخل العسكري في ليبيا و سوريا، و بالتالي فإن الشهرين القادمين قد يحملان توضيحاتٍ أكثر بالنسبة لهذه القضايا و غيرها من القضايا المصيرية التي يمكن أن تسبب تحولات سياسية كبيرة في الداخل التركي إضافة إلى تغيير بعض فواعل المشهد السياسي العالمي.