جولةٌ جديدةٌ منَ الحَربِ الباردة.. اللاعبونَ الجُدد والاستراتيجيات المُتَبّعة.. ما هِيَ أبرزُ خصائصِ و سِماتِ المرحلة؟


تقرير - مروة شاهين - بث:
إن كلّ قارئٍ للأحداث العالمية و المشهد السياسي السائد في الخمس سنواتٍ الماضية، أدرك بلا شك أن ما درسه و قرأه عن نهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن الماضي لم يكن سوى تقدير و تحليل خاطئٍ بعيدٍ عن المنطق للمشهد السياسي العالمي.
إذ أتت الأحداثُ السياسية المعاصرة لتُثبت لنا أن الحرب الباردة لم تنتهي مع انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن الماضي، بل انتهت مع انهياره الجولةُ الأولى من الحرب الباردة بين القطبين الأقوى في العالم، لتتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش العالم الذي يحكمه النظام العالمي الجديد القائم على المبادئ و القيم الأمريكية و الغربية، بينما تتجهز روسيا (وريثة الإتحاد السوفياتي) و غيرها من الدول بكل ما أوتينَ من قوةٍ استعداداً للدخول في جولة جديدة من حربٍ باردةٍ تطغى بظلالها على كافة المجالات السياسية و الاقتصادية و العسكرية إضافة إلى كل المجالات ذات التأثير الدولي في النظام العالمي القائم.
و لتجنب أي خطئٍ مستقبلي قد يقعُ فيه أي دارسٍ لعلم السياسية، يمكننا القول إن الحرب الباردة ليست حالةً تبدأ و تنتهي، بل هي موجودة منذ تكون أول جماعة سياسية منظمة ( و هي الدولة) ، بل يمكننا القول أيضاً إن مفهوم الحرب و الصراع الدولي هو مفهومٌ دائمُ التطبيق، إذ لا وجود – عبر التاريخ- لسلامٍ فعلي بين الدول، بل إن مفهوم الحرب هو الحاكم الرئيسي لجميع حالات العلاقات الدولية منذ بدء التاريخ، و هذه الحرب يمكن أن تكون عسكرية مباشرة، و اما أن تتخذ شكل الصراع غير المباشر و الذي يُطلق عليه لقب "الحرب الباردة".
و بالتالي، فإن الحرب الباردة لم تكن حالة خاصة بوصف الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي، بل إنها كانت سائدة بالفعل حتى قبل نشوء كل منهما، بل حتى إن هاتين الدولتين قد نشأتا بفضل الحروب الباردة التي كانت سائدة بين الدول الفاعلة في المشهد السياسي العالمي..
إذ قامت فرنسا على سبيل المثال بدعم الثورة الأميركية ضد الحكم البريطاني بالمال و السلاح، و هذا ما ساعد الولايات المتحدة الأمريكية على الفوز بحرب الاستقلال ضد القوات البريطانية، لِتُصبح الولايـات المتحـدة الأمريكيـة دولة مستقلة بفضل دعم الدول المعادية لبريطانيا، كما ان إضعاف النظام القيصري الروسي- الذي شكل حالة تستفيد منها قوات الثورة الشيوعية- قد حصل بسبب الصراع بين روسيا القيصرية و بعض الدول الأوروبية و غير الأوروبية على حكم مناطق أوروبا الشرقية و غرب آسيا، و هذا ما مهد الطريق أمام الشيوعيين للوصول إلى سُدّة الحكم في روسيا بعد إزاحة النظام القيصري.
جولةٌ جديدةٌ و لاعبونَ جُدد:
فبعد ما يقرب من الثلاث عقود من الزمن سادت فيها السيطرة الأميركية على زمام النظام العالمي و جميع مكوناته بفضل كونها القوة الاقتصادية و العسكرية الأكبر في العالم أجمع، بدأت تظهر في الأفق ملامحٌ سياسية تُذكرُ بفترة الحرب الباردة، أي ما يمكن التعبير عنه بأن العالم على موعد مع جولة جديدة و مختلفة من مفهوم الحرب الباردة.
و لعل انتقال الصراع الروسي الأميركي على النفوذ في أوروبا الشرقية و خصوصاً أوكرانيا من صراع سياسي مع بعض المناكفات العسكرية الخفيفة غير المباشرة إلى صراعٍ عسكري روسي مباشر مع قوى أوكرانية مدعومة بشكل كامل من قبل حلف الناتو قد أعاد إلى الذاكرة صور حروب الوكالة التي كانت سائدة في القرن الماضي بين الأميركيين و السوفييت، إذ تجدر الإشارة إلى أن مفهوم حرب الوكالة كان من أبرز السمات التي تميزت بها حالة الصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.
لكن هذه الجولة الجديدة التي يشهدها العالم من الصراع على القوة العالمية و النفوذ الدولي لا تقتصر فقط على قطبين متنافسين (الأميركيين و السوفييت) بل تحوي على عناصر و لاعبين جدد، إضافة إلى أيديولوجيات جديدة دخلت إلى خط الصراع.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تتمسك في صراعها مع باقي القوى العالمية المبادئ الليبرالية الغربية و القيم الديمقراطية، بينما انتقلت روسيا (وريثة الإتحاد السوفياتي) إلى إيديولوجية جديدة معايرة الأيديولوجية الشيوعية، ألا و هي الأيديولوجية المسيحية الأرثوذكسية، بينما تعتنق الصين الأيديولوجية الشيوعية الماوية (أي المبادئ الشيوعية بحسب المنهج الشيوعي الذي وضعه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ).
استمرار الاستراتيجيات القديمة.. تطويق الدُب الروسي:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عزمت واشنطن على الحد من انتشار الثورات الشيوعية في أوروبا الشرقية و غرب آسيا، و تطبيقاً لهذا الهدف، كانت واشنطن القوة الدافعة وراء تشكيل حلف الناتو عام 1949، ليكون بمثابة حصن ضد الاتحاد السوفيتي. و كان الحلف العسكري يتكون من 12 دولة فقط، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وكندا والولايات المتحدة.
ومع سقوط الاتحاد السوفيتي، لم يتضاءل حلف الناتو، بل توسع أكثر وتطور مع المخاوف الأمنية لأعضائه، وحافظ على مكانته كأقوى تحالف عسكري في العالم.
و منذ ذلك الحين، توسع الناتو ليشمل 30 دولة، من بينها إستونيا ولاتفيا وليتوانيا والتشيك والمجر وبولندا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي، و هذا ما يعني إغلاق باب التفكير في التوسع شرقاً نحو دول أوروبا الشرقية أمام روسيا.
فمنذ عام 1999، انضمت 14 دولة إلى ذلك الحلف العسكري لدول تقع في الغرب وتوحدها معاهدة دفاع مشترك، بما في ذلك المجر وبولندا وبلغاريا ودول البلطيق. وطالبت روسيا الحلف بوقف التوسع شرقا، ومنع أوكرانيا من الانضمام.
و تنص المادة الخامسة من المعاهدة على أحد المبادئ التأسيسية لحلف الناتو؛ الدفاع المتبادل عن الأعضاء، وتوضح المادة أنه في حال تعرض أحد أعضاء الحلف للهجوم، يجب على الناتو اتخاذ "الإجراءات التي يراها ضرورية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه".
و في العام 2008، وعد الناتو أوكرانيا وجورجيا بمنحهما فرصة للانضمام، بمجرد وصولهما إلى معايير الحلف بشأن الحكم والشفافية من بين إجراءات أخرى.
وقد صنف حلف الناتو دعمه لأوكرانيا منذ عام 2014 على أنه يدخل في نطاق "تدابير دفاع جماعي" من مبادئ المادة الخامسة.
و في أحدث تصريحات من جانب حلف الناتو عن مسألة انضمام أوكرانيا للحلف، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ يوم الأربعاء ، إن مسار انضمام أوكرانيا إلى الحلف سيكون "طويل الأمد"، لكنها في الوقت الحالي بحاجة للحفاظ على استقلالها بمواجهة روسيا.
وقال ستولتنبرغ للصحافيين خلال زيارة إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي إن "حلفاء الناتو اتفقوا على أن تصبح أوكرانيا عضواً في تحالفنا، لكن في نفس الوقت سيكون ذلك مساراً طويل الأمد".
الصين.. لاعبٌ جديدٌ و إستراتيجيةٌ جديدة: حرب التجارة و الالكترونيات:
تُعرف الحربُ التجارية بأنها فرضُ تعريفاتٍ جمركيةٍ من قبل دولة معينة على وارداتها من دولة أخرى، فتنتقم الدولة الأخرى بأساليب مماثلة لها عبر استخدام سياساتِ الحماية الاقتصادية.
و تطبيقا لمفهوم الحرب التجارية وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مذكرة تفاهم في 22 آذار/مارس 2018 بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 وأمر فيها الممثل التجاري للولايات المتحدة بتطبيق تعريفات بقيمة 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية، و أكدت الإدارة الأمريكية على أن التعريفات المقترحة جاءت «ردا على الممارسات التجارية غير العادلة من الصين على مدى سنوات» بما في ذلك سرقة الملكية الفكرية من الولايات المتحدة.
و قالت باميلا كوك هاميلتون، مديرة التجارة الدولية والسلع في الأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) حينها ،" إن حربا تجارية خاسرة لا تضر فقط بالمتنافسين الرئيسيين، بل تهدد أيضا استقرار الاقتصاد العالمي والنمو في المستقبل". وأضافت "نأمل في أن تؤدي اتفاقية التجارة المحتملة بين الولايات المتحدة والصين إلى تهدئة التوترات التجارية".
و قدمت الإدارة الأمريكية حينها للصين قائمةَ متطلباتٍ تضمّنت ما يلي:
١-التوقف عن سرقة الملكية الفكرية الأمريكية.
٢-خفض الرسوم الجمركية على السلع الأميركية بحلول عام 2020.
٣-فتح الاستثمارات الأمريكية في الصين.
٤-خفض العجز التجاري بمقدار 200 مليار دولار بحلول عام 2020.
الصراع الصيني الأمريكي حول المسألة التايوانيـة.. ما هي الأهمية الاستراتيجية لتايوان:
أن البر الرئيسي للصين وجزيرة تايوان انقسما في عام 1949 مع نهاية الحرب الأهلية عندما هزم الشيوعيون حزب الكومينتانغ القومي الذي فر إلى تايبيه. وتعتبر بكين الجزيرة جزءاً من الأراضي الصينية ولم تستبعد قط استخدام القوة للسيطرة عليها، كما أن معظم الدول بما في ذلك الولايات المتحدة، لا تعترف بتايوان كدولة مستقلة. لكن واشنطن تعارض أي محاولة للاستيلاء على الجزيرة بالقوة.
كانت تايوان جزيرة نائية قرب الصين ثم أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الصينية والمجال الثقافي الصيني في القرن السابع عشر بعد هجرة كبيرة من سكان ساحل الصين الجنوبي، وفي نهاية القرن التاسع عشر خضعت للاحتلال الياباني، إلى أن هُزمت طوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية، فعادت تايوان لفترة وجيزة لتبعية بكين، في وقت كانت الصين تخوض حرباً أهلية مدمرة بين الحزب الشيوعي الصيني المدعوم من الاتحاد السوفييتي وحزب الكومينتانغ الوطني المدعوم من أمريكا، قبل أن يهزم الأخير في نهاية أربعينيات القرن العشرين.
وبعد انتصار الشيوعيين، فرت إلى جزيرة تايوان أعداد كبيرة من قادة حزب الكومينتانغ وأعضائه وجنود الجيش التابع له وكذلك موظفين حكوميين ورجال أعمال وتجار، قدر عددهم بنحو مليون شخص.
استراتيجيًا تقع تايوان في نطاق ما تسميه الولايات المتحدة بـ «سلسلة الجزر الأولى»، والتي تتضمن قائمة بالأراضي «الصديقة للولايات المتحدة» نظرًا للأهمية الاستراتيجية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
و نظرًا لموقعها الجغرافي؛ في حال نجحت الصين في ضم تايوان ستكون أكثر حرية في استعراض قوتها العسكرية في منطقة غرب المحيط الهادئ مما ترى فيه واشنطن تهديدًا لقواعدها العسكرية في أماكن بعيدة مثل جوام وهاواي، لكن الصين تصر على أن نواياها سلمية.
أيضًا يهدد استرداد الصين للسيادة الكاملة على الجزيرة سيصبح التواجد العسكري الأمريكي في بحر الصين الجنوبي في خطر.
كما تعد تايوان من أكبر دول العالم في الناتج المحلي ولها أهمية اقتصادية كبرى، كما أنها من أكثر الدول المتقدمة صناعياً، وذلك لأنها المصدر الأساسي لصناعة أشباه الموصلات كالدوائر واللوحات الإلكترونية، ومركز مهم لتصميم وتصنيع الحواسيب والهواتف الذكية، والكثير من عمالقة التكنولوجيا هي شركات تايوانية.
وكان بايدن قد قال في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" منذ أشهر خلال التوتر في العلاقات مع الصين بشأن تايوان إن القوات الأميركية ستدافع عن تايوان في حالة تعرضها لغزو صيني، و سُئل بايدن عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن الجزيرة. أجاب: "نعم، إذا كان هناك في الواقع هجوم غير مسبوق". كما قال: "نعم" عندما طُلب منه توضيح ما إذا كان ذلك يعني أن القوات الأميركية، ستدافع عن تايوان في حالة تعرضها لهجوم من بكين.
الصراع الثلاثي الأميركي الصيني الروسي على النفوذ في آسيا الوسطى:
أدّى تفكّك الاتّحاد السّوفياتي إلى ظهور كيانات سياسيّة جديدة على السّاحة الدّوليّة, كانت حتّى الأمس القريب جزءًا من الاتّحاد السّوفياتي من القوقاز إلى أوروبا الشّرقيّة وصولاً إلى المنطقة المعروفة بإسم آسيا الوسطى. وهي وتضمّ خمس دول هي تركمنستان, كازاخستان, طاجكستان, قيرغستان, وأوزبكستان. تحدّها من الشمال روسيا, من الشّرق الصين, من الجنوب أفغانستان, من الجنوب الغربي إيران, ومن الغرب بحر قزوين.
وبالتّالي كان هناك إعادة هيكلة جيوسياسيّة للمنطقة الّتي كانت تاريخيًّا جزءًا من الفضاء السّوفياتي. فإلى جانب العوامل الجغرافيّة والتّاريخيّة والثّقافيّة، برزت آسيا الوسطى بإمكاناتها الاقتصاديّة خصوصًا تلك المتعلّقة بمصادر الطّاقة من نفط وغاز.
من الناحية الاقتصاديّة يُعتبر بحر قزوين من المناطق الأساسيّة المنتجة لمصادر الطّاقة في العالم, حيث تقدّر الاحتياطات الإستراتيجيّة في هذه المنطقة بحوالى 33 مليار برميل يتم استخراج ما بين 3 و 5 مليون برميل منها يوميًّا. أمّا الاحتياطات الإستراتيجيّة للغاز الطّبيعي في قزوين فهي تقدّر بحوالى 232 تريليون متر مكعب.
في ظل هذا الصّراع تبرز الصّين كلاعب أساس في المنطقة, لكن، وقد اقتصرت اهتمامات الحكومة الصّينيّة على عنصرين أساسيين الأوّل هو أمن حدودها، والثّاني هو الحفاظ على استقرار المنطقة.
لكن ومنذ العام 2001 بدأت الإستراتيجيّة الصّينيّة في المنطقة تأخذ أبعادًا مختلفة, فقد كان لتفجيرات 11 أيلول/سبتمبر دور أساسي في بلورة المقاربة الصّينيّة الجّديدة. والدّخول الأميركي إلى أفغانستان وآسيا الوسطى والسّيطرة على مصادر الطّاقة أدّيا إلى تحوّلات كبيرة في أسواق الطّاقة العالميّة كانت سمتها الأساسيّة الارتفاع المستمر في الأسعار العالميّة.
هذه المعطيات دفعت الصّين إلى الاهتمام أكثر فأكثر بمصادر الطّاقة في بحر قزوين، ويمكن هنا الاستناد إلى واقعتين أساسيّتين: الأولى, قرار شركة النّفط الوطنيّة الصّينيّة توسيع استثماراتها في أحواض بحر قزوين وآسيا الوسطى, والثّانيّة، استعداد الصّين لبناء خط أنابيب من كازاخستان تلبية لاحتياجاتها النّفطيّة.
ولا تقتصر الاهتمامات الصّينيّة في بحر قزوين وآسيا الوسطى على موضوع مصادر الطّاقة, بل يتعدّاه إلى مواضيع أخرى تُعتبر أساسيّة بالنّسبة إلى الصّين: فأوّلًا, هناك موضوع التّوسّع الأميركي العسكري والاقتصادي في المنطقة والّذي ترى فيه بكين تهديدًا مباشرًا لأمنها ومصالحها, وثانياّ, هناك التّصدّي للحركات الانفصاليّة والمجموعات المتمرّدة, وخصوصًا منظّمة تركستان الشّرقيّة, وضمان أمن إقليم سينكجيانغ (Xinjiang), وثالثًا, هناك بناء علاقات قويّة مع دول المنطقة بما يسمح للصّين بتحقيق مصالحها الاقتصاديّة والتّجاريّة.
و سعياً من الولايات المتحدة الأمريكية لكسر النفوذ الروسي الصيني في آسيا الوسطى عرض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دعم الجمهوريات السوفياتية السابقة الخمس في آسيا الوسطى لتقليص اعتمادها على روسيا.
وحذر الوزير الأميركي من أن أي تقلّب في المواقف إزاء ملف أوكرانيا من شأنه أن يزيد من تعنت موسكو في أنحاء أخرى من الكتلة السوفياتية السابقة.
والتقى بلينكن -خلال زيارة لدول وسط آسيا- وزراء خارجية كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، وذلك بعد مرور عام تقريبا على الحرب الروسية على أوكرانيا.
وخلال اللقاء، أشار أكبر دبلوماسي في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى تخصيص 25 مليون دولار إضافية، بعد حزمة أولى مماثلة أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي، لمساعدة دول آسيا الوسطى على تنويع طرق التجارة وخلق فرص العمل بشكل خاص.
وتشمل المبادرة الأميركية تعليم اللغة الإنجليزية وتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني وتدريب العاملين المهاجرين العائدين.
كما أكد بلينكن أن الولايات المتحدة تدعم "سيادة واستقلال ووحدة أراضي" الدول الخمس.
وتهدف زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في هذه المنطقة الواقعة ضمن نطاق هيمنة الجار الروسي القوي، والنفوذ الصيني المتنامي، لا سيما من خلال مشروع استثماراتها في "طرق الحرير الجديدة".
و إن كل ماسبق، إن دلّ على شيءٍ فهو يدلُّ على أن العالم يعيش جولةً جديدةً من الحرب الباردة، فإن تنامي الصراع العالمي على السلطة و النفوذ بين الأقطاب العالمية الرئيسية يُنذِر بدخول السياسة الدولية مرحلة الخطر، إذ تتناقص قدرة الدبلوماسية على حل المشكلات و الخلافات السياسية يوماً بعد يوم، إذ إحترام القوى العالمية لمناطق نفوذ بعضها البعض و احترام توازنات القوى يُعدّ مؤشراً غائباً عن السياسة العالمية في الوقت الراهن، و بالتالي فإن محاولة كل قطب من الأقطاب العالمية الرئيسية توسيع مناطق نفوذها و تغيير موازين القوى لصالحها يُعد بدايةً لتسخين الصراع الدولي إلى حدٍ قد يصل إلى النزاع العسكري المباشر – أو غير المباشر بالوكالة- و هذا ما يمكن باعتباره تهديداً خطيراً للسلم العالمي و إنذاراً ببداية مرحلة جديدة من الفوضى و عدم الاستقرار، و التاريخ خيرُ شاهدٍ على هذا.

_________________________
الكتب و المراجع العلمية الموثقة :
Rajan Menon, "Introduction: Central Asia in the Twenty-First Century", in Central Asia: Views From Washington, Moscow & Beijing.
Zbigniew Brzezinski, "The Grand Chessboard", Basic Books,1.
Zhao Huasheng, Op.Cit.