ما حَقيقةُ و دلالاتِ استخدامِ روسيا للمُسيّرات الإيرانيّة؟ و لماذا لم تستطِع روسيا إنشاءَ حِلفٍ عسكريٍ معادٍ لِلغرْب؟


قِراءةٌ في الوضعِ الميداني لِروسيا في الحرب الأوكرانية
تقرير - مروة شاهين - بث:
يُشاع اتهامات باستخدام روسيا مسيرات إيرانية في قصف أوكرانيا..
هذه الإتهامات أو الدعاية تظهر إن دولة بحجم روسيا و ما تمثله من قوة عسكرية هائلة، يمكنها عدم اللجوء إلى معدات عسكرية غير متقدمة من دول أخرى، لأن هذا الأمر سيضعها في موقف محرج أمام شعبها؛ بأنها تعاني نقصاً في الأسلحة.
كما يُظهر أن إيران دولة قوية تستطيع مواجه الغرب، وتغيير اتجاهات الحروب بمسيراتها وصواريخها.
هذه الشائعات والدعاية غير مقنع للرأي العام. ويدرك أبعادها المراقبون.

شائعة المسيرات .. وتعامل إيران معها:
بعد أن توالت الإتهامات من قبَل أوكرانيا و حلفائها الغربيين بقيام إيران بتزويد روسيا بمسيّرات إيرانية الصنع، كررت إيران على لسان وزير خارجيتها نفيها تزويد روسيا بأسلحة "للاستخدام في حرب أوكرانيا"، مؤكدة موقفها عدم مساندة طرف ضد آخر.
وخلال اتصال مع نظيره البرتغالي جواو غوميش كرافينيو؛ قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن إيران لم ولن تقدّم أي سلاح لاستخدامه في حرب أوكرانيا.
واعتبر أن تسليح أي طرف من أطراف الأزمة سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب. لم ولن نعتبر الحرب الطريق الصحيح، سواء في أوكرانيا أو أفغانستان أو سوريا أو اليمن - حسب قوله.
وفي اتصال مع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة، أكد الوزير الإيراني أن التعاون "الدفاعي" بين موسكو وطهران غير مرتبط بالغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط.
وقال: "لدينا تعاون دفاعي مع روسيا، لكن سياستنا تجاه الحرب في أوكرانيا هي عدم إرسال أسلحة إلى طرفي النزاع ووقف الحرب وإنهاء نزوح الناس".
موسكو تَنفي استعانتها بإيران في مَجال الطائراتِ المسيّرة و أوكرانيا تُواصل تأكيد مزَاعمها:
إذ نفت موسكو في جلسة للأمم المتّحدة أن تكون المسيّرات التي تستخدمها روسيا في شنّ هجمات في أوكرانيا إيرانية الصنع كما تتّهمهما بذلك كييف وحلفاؤها الغربيون.
واتّهمت أوكرانيا موسكو، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، باستخدام طائرات مسيّرة إيرانية الصنع كجزء من عدة ضربات دامية نفّذتها القوات الروسية في أنحاء أوكرانيا.
كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن روسيا استخدمت مسيّرات كهذه لاستهداف منشآت للطاقة في اليوم ذاته.
وقلّصت أوكرانيا، في سبتمبر/أيلول، الحضور الدبلوماسي الإيراني في كييف؛ على خلفية قضية المسيّرات، في خطوة أسفت لها طهران واعتبرت أنها تستند إلى تقارير "لا أساس لها".


الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة يتوّعدان إيران بمزيدٍ من العقوبات رداً على تزويد روسيا بالمُسيّرات:
إذ عبرت فرنسا وألمانيا، وكلاهما طرف في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، عن اعتقادهما بأنه من الضروري أيضاً فرض عقوبات جديدة في ما يتعلق بالطائرات المسيّرة التي استخدمتها روسيا، وأنه يجب اعتبار نقل الطائرات المسيّرة انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إن وزراء الخارجية سيناقشون موضوع إيران، لكنه رفض التعليق على ما إذا كانت الطائرات المسيّرة الإيرانية أو العقوبات المفروضة على عمليات نقل هذه الطائرات ستكون مطروحة على جدول الأعمال.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية الاسبوع الماضي ، إنها ستتشاور مع شركائها في الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية الرد على استخدام الطائرات المسيّرة، وربطت لأول مرة الإمدادات الإيرانية المحتملة بقرار مجلس الأمن، قائلة إن مثل هذا العمل يعد انتهاكاً له.
وفرضت الولايات المتحدة، في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي ، عقوبات على شركة إيرانية، اتهمتها بتنسيق رحلات جوية عسكرية لنقل طائرات مسيّرة إيرانية إلى روسيا، وثلاث شركات أخرى قالت إنها متورطة في إنتاج هذه الطائرات.
استعانة روسيا بالمُسيرات الإيرانية !
إن دولة بحجم روسيا و ما تمثله من قوة عسكرية هائلة، يمكنها أن تستهدف المواقع التي تعتزم استهدافها باستخدام الأسلحة التي تصنعها ذاتياً دون اللجوء إلى معدات عسكرية من دول أخرى، لأن هذا الأمر سيضعها في موقف محرج أمام شعبها و أمام خصومها إذ ستظهر بمظهر العاجز عن حسم و إدارة النزاع العسكري بالامكانيات الذاتية، و أنها تعاني نقصاً في الأسلحة و الذخيرة و المعدات العسكرية اللازمة لحسن سير عملياتها العسكرية.
و بالفعل، قد صرّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن استخدام موسكو المكثّف للمسيّرات الإيرانية في الأيام الأخيرة لضرب بنى تحتية للطاقة في أوكرانيا يعكس "الإفلاس العسكري والسياسي" للقوات الروسية.
و أضاف زيلينسكي أن "طلب روسيا المساعدة من إيران يشكل اعترافا من قبل الكرملين بإفلاسه العسكري والسياسي".
وكشفت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية تقول إن المسيّرات الإيرانية أصيبت باعطال في أحيان كثيرة، وأن روسيا تحولت إلى كوريا الشمالية للحصول على طائرات بعد رفض الصين الدعوات لإرسال أسلحة.
وقال وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور خلال زيارة لواشنطن إن روسيا تعتمد على الطائرات المسيّرة بسبب قلّة الإمدادات ونجاح أوكرانيا في حماية أجوائها.
وأضاف بيفكور للصحافيين أنّ الروس "يدركون أنهم في الجو لا يملكون سيطرة حالياً، لأن هناك دفاعاً جوياً من الجانب الأوكراني، لقد فقدوا الكثير من الطائرات".
سَعيٌ أميركيّ لِقطع المسيرات الإيرانية عن روسيا:
إذ قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل إن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ خطوات "عملية وحازمة" لتجعل من الصعب على إيران بيع طائرات مسيرة وصواريخ لروسيا، مضيفا أن واشنطن لديها من الأدوات ما يمكنها من محاسبة كل من موسكو وطهران.
وخلال لقائه مع صحفيين، عزف باتيل عن تقديم مزيد من التفاصيل حول هذه الخطوات لكنه أشار إلى أن واشنطن فرضت بالفعل عقوبات وقيودا على صادرات البلدين. وأضاف أن تعزيز التحالف بين روسيا وإيران ظاهرة يجب على العالم أن ينظر إليها باعتبارها "تهديدا بالغا".
لِدرء خَطَرها و إلغاء فاعِليّتها.. الناتو يعتزم تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاعٍ جويّ مُضادّة للمسيّرات:
إذ يتوجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي لمساعدة البلاد في الدفاع عن نفسها ضد هجمات الطائرات المسيرة.
وقالت أوكرانيا إنها واجهت وابلاً من الهجمات بالصواريخ والطائرات في الأيام الأخيرة وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن 30 بالمئة من محطات الطاقة قد دمرت بسبب تلك الهجمات.
وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ خلال اجتماع لوزراء دفاع الحلف في بروكسل "أهم شيء يمكننا القيام به هو الوفاء بما وعدنا به الحلفاء، وهو تكثيف وتقديم المزيد من أنظمة الدفاع الجوي".
وأضاف "سيقدم الناتو في الأيام المقبلة أنظمة مضادة للطائرات المسيرة لمواجهة هذا التهديد.. بما في ذلك تلك القادمة من إيران. لا ينبغي لأي دولة أن تدعم الحرب غير الشرعية التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا".
و سريعاً، رحب وزير خارجية أوكرانيا، دميترو كوليبا، بماء جاء على لسان ستولتنبرغ وقال في تغريدة "أرحب ببيان الناتو الذي يخطط لتسليم أوكرانيا أنظمة للدفاع ضدّ المسيرات في الأيام المقبلة. هذا تماماً ما تحدثنا عنه وما طلبناه. بالنسبة لأوكرانيا، هذا يعني إنقاذ المزيد من الأرواح وحماية بنى الطاقة التحتية بشكل أفضل. شكراً للناتو".

عُمقُ العلاقات الصينية الروسية لم يُتَرجم إلى دعم الآلة العسكرية الروسية!
فمع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، أشادت المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بامتناع الصين عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، ووصفته بأنه "فوز"، ومع ذلك، رفضت الصين إدانة تصرفات روسيا في أوكرانيا وانتقدت العقوبات الغربية الشاملة على موسكو.
وشهد حجم التجارة بين روسيا والصين قفزة في الربع الأول من العام الجاري، وأعلن الجانبان شراكة بلا حدود في جميع المجالات، لكن هذه الشراكة لم تترجم على صورة مساعدات عسكرية صينية مباشرة أو غير مباشرة لحليفتها روسيا.
و بعد تلميح عدد من المسؤولين الأميركيين عن إمكانية تقديم الصين دعماً عسكرياً لروسيا، أصدرت سفارة بكين في واشنطن ، منشوراً اخبارياً تتهم فيه الولايات المتحدة بنشر "أكاذيب" لتشويه سمعة الصين بشأن أوكرانيا.
وأشارت السفارة إلى أن المسؤولين الأمريكيين يقولون منذ ذلك الحين إنهم لم يروا أي دليل على تقديم الصين مثل هذا الدعم.
و في وقت سابق قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ: "أنا واثقة أن روسيا لن تسعد بسماع التلميحات الأمريكية بأن روسيا تحظى بدعم الصين في هذه العملية. فنحن لن نفعل مثل أمريكا ونمنح أوكرانيا كمية كبيرة من العتاد العسكري. وروسيا بدورها دولة قوية لا تحتاج إلى الصين أو دول أخرى لدعمها عسكرياً". وأضافت هوا أن "الصين لم ترغب في رؤية ما يحدث في أوكرانيا اليوم".
وقد أعربت الصين مؤخراً عن دعمها "مخاوف روسيا الأمنية المشروعة" لكنها وازنت ذلك بدعوات لضبط النفس والمفاوضات، وهو النهج نفسه الذي اتبعته الصين خلال غزو القرم عام 2014.
و في الوقت عينه لم تلتزم الصين بالعقوبات الغربية التي تم فرضها على موسكو، و استمرت بالتعاون مع روسيا في كافة المجالات الاقتصادية و العسكرية و السياسية كما كانت الحال عليه قبل الحرب، بل و أكثر من ذلك، ازداد حجم التعاون بين روسيا و الصين بشكل كبير بعد العقوبات الغربية التي أدت إلى عزل روسيا عن الكتلة الغربية و جعلتها أكثر اعتماداً على الصين.
ما يعني أن الصين تلتزم بالسياسات الخارجية المُتزنة التي لطالما اعتمدتها تجاه الصراعات الخارجية سواء في الشرق الأوسط او أفريقيا او شرق أوروبا مؤخراً، و هي سياسة إدانة الهيمنة العسكرية الأمريكية مع الالتزام في الوقت عينه بعدم دعم خصوم الولايات المتحدة عسكرياً أو بالمال و السلاح.
لِمَاذا قد تلجأ دولة بقوة روسيا العسكرية إلى مسيّرات ايرانية؟
يعتقد الخبراء و المحللون العسكريون أن استخدام روسيا للمسيّرات الإيرانية في حربها في أوكرانيا و التجربة العملية للأسلحة الروسية على أرض الواقع يكشف عن تقدم روسيا في الأسلحة الاستراتيجية والقاذفات والصواريخ الباليستية فرط الصوتية، لكنها كشفت ضعفا في الطائرات المسيرة "الدرونز".. ومن غير المنطقي أن تقوم دولة بحجم روسيا و بتفوقها العسكري إلى الاستعانة بدولة مثل إيران للحصول على معدات عسكرية و طائرات مسيرة.
و في هذا الإطار نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، قوله إن اهتمام روسيا بشراء "الدرونز" من إيران "يكشف الحالة السيئة لجيشها في هذا المجال".
وأشار موقع "ميليتري ووتش" الأميركي، المتخصص في الشؤون العسكرية، في تحقيق خاص إلى أنه لم يحدث في تاريخ الحروب أن استخدمت المسيرات بالكثافة التي تم استعمالها في حرب أوكرانيا.
وبيّن التقرير أنه "بعد أشهر من القتال، استنزفت أسراب المسيرات من الطرفين، لذلك تعمل روسيا وأوكرانيا على صناعة (درونز) أخرى أو شراء مجموعة جديدة".
وأوضح "ميليتري ووتش" أن روسيا وأوكرانيا تسعيان للحصول على طائرات من دون طيار، لكن لجوء موسكو المعروفة بصناعتها العسكرية المتطورة لإيران كشف ضعف قدراتها في تلك التقنيات.
هل يُشكّل التعاون العسكري الروسي الإيراني نَواةً لتحالف جديد يكون نِدّاً للغرب و حلف شمال الأطلسي:
مِن قبل بداية الحرب الروسية على أوكرانيا كان دائماً التوتر في العلاقات الروسية الغربية سيّد المشهد، و لطالما كانت روسيا تضع نُصب أعينها الخطر الغربي المتمثل في حلف شمال الأطلسي و الذي أُنشِئ في الأساس من أجل تطويق روسيا و محاصرتها بشكل يمنعها من توسيع نفوذها في آسيا الوسطى و أوروبا الشرقية.
و لطالما سعت روسيا إلى تشكيل حلف عسكري و تكتلات اقتصادية تكون قادرة على مواجهة التكتلات الاقتصادية الغربية الممثلة بالاتحاد الأوروبي و حلف شمال الأطلسي، و قد أنشأت روسيا سابقاً منظمة دول الأمن الجماعي.
وهذا التحالف العسكري ( منظمة الأمن الجماعي) الذي تقوده موسكو مكون من ست دول سوفياتية سابقة، وتأسس بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. وأنشئت المنظمة بشكل رسمي عام 2002 بعد أشهر من تدخل تحالف تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان إثر اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
و بالإضافة إلى منظمة دول الأمن الجماعي، وقعت روسيا خلال العقدين الماضيين عشرات الاتفاقيات الاقتصادية و العسكرية مع الصين، بما يجعل الصين من أكبر الشركاء العسكريين و الاقتصاديين لروسيا، و لكن هذه الاتفاقات تبقى دائماً غير معلنة بشكل واضح للعلن و لا تتضمن اعترافاً صريحاً من قبل الصين بالتزامها بدعم روسيا عسكرياً أو دفاعياً في حال تَعرضها لغزو او ما شابه ذلك، و بالتالي فإن الصين تنتهج سياسات حيادية بهدف عدم إغضاب الغرب الذي لاتستطيع الصين تحمّل القطيعة الاقتصادية معه، إذ يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل كبير على الشراكة الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي و أميركا الشمالية و اليابان، و بالتالي فإن أي مجاهرة صينية بدعم روسيا عسكرياً أو تقنياً في حربها ضدّ أوكرانيا سيُعرص اقتصاد الصين لعقوباتٍ اقتصادية مدَمّرة.
باختصار يمكن القول ان روسيا تحاول إحياء حلف عسكري يكون مشابهاً لحلف وارسو الذي ضم في القرن الماضي عدداً من الدول الداعمة للاتحاد السوفيتي و المعادية للإيديولوجية الأميركية الرأسمالية، و يظهر ذلك جلياً في زيادة و تعزيز التعاون العسكري و الاتفاقيات الدفاعية مع دول آسيا الوسطى و الصين و إيران وغيرهم من الدول التي تعتبر داخلة ضمن النفوذ الروسي، فضلاً عن قيادتها لمناورات عسكرية متقدمة تجمع تلك الدول، و لكن ما الذي أعاق روسيا خلال العقود الماضية عن إعادة تشكيل حلف عسكري يَصُد الغرب عنها؟:
أولاً : غياب الأيديولوجية المشتركة، فحلف للناتو مثلاً نشأ على إيديولوجية رأسمالية بين دول يعتبر اغلبها دولاً مسيحية ليبرالية، و هذا ما شكل نقطة التقاء بين الولايات المتحدة الأمريكية و حلف وارسو نشأ على إيديولوجية إشتراكية شيوعية، و لكن روسيا لا تملك أياً من هذه النقاط المشتركة مع كل من الصين ( الدولة ذات الأيديولوجية الشيوعية) بالإضافة إلى كوريا الشمالية، و إيران (ذات الإيديولوجية الإسلامية الشيعية) و دول آسيا الوسطى (و أغلبها دول إسلامية سُنية)، مع كون روسيا باتت في عهد بوتين تعيش في حالة من الحنين إلى عصر روسيا المسيحية الأرثوذكسية، هذا ما يجعلها بعيدةً إيديولوجياً عن أغلب الدول التي يمكن اعتبارها من ضمن حلفاء روسيا.
ثانياً: إن العداء المشترك للولايات المتحدة الاميركية و على الرغم من أنه يُشكل النقطة الأقوى التي تجمع بين روسيا و كوريا الشمالية و إيران و الصين إلا أن هذا العداء يمكن اعتباره الشيئ المشترك الوحيد الذي يجمع بين هذه الدول، و بالتالي فإن العداء المشترك لدولة ما لن يُنشِى حلفاً عسكرياً متيناً، عدا أن هذه الدول التي أنَف ذكرها هي دول متعارضة و متنافسة، فالصين مثلا تنافس روسيا في الصناعة و مجال الاستثمارات خاصة في القارة الأفريقية، و ايران و روسيا تتنافسان في سوريا، و دول آسيا الوسطى تنظر إلى روسيا كحوتٍ كبير يريد أن يبتلعها و يبقيها تحت نفوذه، و هكذا نرى أن تلك الدول ربما تختلف فيما بينها في كل شيئٍ تقريباً، ما عدى معاداة الفكر و النفوذ الأميركي.
ثالثاً: إن كل تلك الدول التي سبق ذِكرها، و إن اتفقت فيما بينها على العداء للفكر و النفوذ الأمريكي و اعتزمت على مواجهته، فإن هذا لايعني بالضرورة قدرة تلك الدول فعلياً على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، و حتى و إن كانت روسيا و الصين و كوريا الشمالية دولاً متقدمة عسكرياً بل و دولاً نوويةً أيضاً، فإن هذا لا يجعلها قادرة على مواجهة حلف عسكري ضخم كحلف شمال الأطلسي الذي يضم ثلاثين دولة ثلاثة منهم هي دول نووية و أعضاء دائمين في مجلس الأمن ( الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا)، و فضلاً عن الكثرة العددية و التقدم النووي و العسكري لتلك الدول مجتمعةً، تبقى الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر على تقدماً في العالم على صعيد التكنولوجيا العسكرية، فمثلاً، روسيا لم تستطع حتى الآن و بعد تسعة أشهر من بدء غزوها لأوكرانيا من تحقيق اي تقدم تجاه العاصمة او اي مناطق إستراتيجية أخرى، و كل هذا بفضل الدعم الأمريكي و الأوروبي للقوات المسلحة الأوكرانية دون تدخل عسكري مباشر في النزاع مع روسيا.
و هكذا يظهر لنا جلياً مدى اختلال موازين القوى بين الغرب و الشرق الذي لم يستطع لأسباب عديدة سبق ذكرها أن يوحد قواه في مواجهة القوى الغربية، و قد ساهمت الحرب الأوكرانية في كشف الخلافاتو المنافسات التي كانت مغطاة بين الدول المعادية للولايات المتحدة الاميركية، فالصين و على الرغم من أنها لم تلتزم بالعقوبات الأميركية المفروضة على روسيا إلا إنها استغلت هذه العقوبات لإجبار روسيا على بيع نفطها و غازها للصين بأسعار زهيدة، و إيران أسرعت لتحضير قواتها المتمركزة في سوريا لملئ أي فراغ قد يتركه سحب القوات الروسية من سوريا لتعزيز القوات في أوكرانيا، و بالتالي فإن روسيا و على الرغم من ضخامة حجمها و ضخامة قوتها العسكرية فإنها تظلُّ مفتقرةً إلى حليفٍ صادق يُساندها كما يفعل الغرب مع أوكرانيا، و لذلك فإن الأوضاع الصعبة لروسيا ميدانياً و عسكرياً في أوكرانيا دفعها إلى الكثير من المواقف الغير محسوبةو التي كشفت ضعفاً في القدرة على إدارة النزاع الدائر في أوكرانيا عسكرياً و سياسياً و من هذه التصرفات نذكُر:
- لجوء روسيا إلى إعلان تعبئة جزئية لقوات الاحتياط ما كشف عن نقصٍ في الجنود و العتاد، و هذه معلومات عسكرية حساسة تؤدي إلى كشف نقاط الضعف لدى الجيش الروسي بما يمكن خصومه من استغلال هذه المعلومات ضده في الميدان الحربي.
- استعانة روسيا ( و هي الدولة ذات الصناعة العسكرية المتقدمة) بأسلحة من دول أخرى، ما كشف عن أنواع الأسلحة و قطع الغيار التي تعاني روسيا نقصاً فيها ، و أيضاً كشف عن التقنيات العسكرية التي لم تستطع روسيا تطويرها بما يكفي لتتناسب مع الفعالية العسكرية المطلوبة لميدان الحرب مع أوكرانيا.
- تهديد روسيا باستخدام الأسلحة الاستراتيجية و النووية التكتيكية خلال فترة لا تتجاوز العام منذ بدء الصراع ، ما أشار إلى نفاذ الاحتمالات و الإمكانيات الروسية على حسم الصراع بالطرق التقليدية َ لهذا لجأت إلى التهديد بالخيار النووي.
- القيام بعدة تغييرات في المسؤولين و القادة العسكريين على مستوى وزارة الدفاع والقادة الميدانيين، ما يعكس عدم رضى إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن النتائج العسكرية و الميدانية التي حققها هؤلاء.
- لجوء روسيا إلى ضم مقاطعاتٍ أوكرانية عبر استفتاءات شعبية، دون أن يكون لروسيا كامل السيطرة العسكرية على هذه المقاطعات، ما أشار إلى أن روسيا تعاني من هزيمة قوية عسكرية ما دفعها إلى محاولة إنجاز نصرٍ سياسي يحفظ ماء وجه الدولة الروسية أمام شعبها و أمام المجتمع الدولي عموماً خصومها الغربيين خصوصاً.
و هكذا نرى أن هنالك نوعٌ من التخبُّط الروسي في مسألة إدارة الحرب في أوكرانيا، و يعود هذا الى فشل إدارة الرئيس بوتين حتى الآن في قيادة عمليات عسكرية ناجحة تحقق أهداف روسيا من عملياتها العسكرية في أوكرانيا، فهي تارة تهدد بتحويل الصراع إلى صراعٍ نووي و تارة تقوم بضم أراضي أوكرانيا و تعين قائداً عاماً لقواتها ثمّ تعود لإقالته بعد فترة وجيزة، و ربما يعود هذا التخبُّط الروسي في الغالب إلى التخطيط الفاشل للحرب من الأساس، إذ انه كان يجب على صانعي القرار في روسيا الإحاطة بكل جوانب الحرب و نقاط قوة و ضعف الجيش الروسي و كافة احتمالات التدخل الخارجي في الصراع الأوكراني، إذ أن الروس استخفوا في بداية الأمر بالقوات الأوكرانية و لم يتوقعوا كل هذا الدعم الغربي لأوكرانيا و كان بحساباتهم أن الجيش الروسي سيدخل و يحتل كييف خلال أيام قليلة و أن هذه العملية سوف تكون بمثابة نزهة للجنود الروس تماماً كما حصل في العام ٢٠١٤ عند غزو روسيا لشبه جزيرة القرم ، و بالتالي فإن على إدارة الرئيس بوتين إعادة تقييم أوضاعها الميدانية و العسكرية و إعادة برمجة أهدافها العسكرية من جديد بما يتناسب مع الوضع الميداني لأن تطلعات روسيا إلى تحقيق مكاسب كثيرة في أوكرانيا تتعارض مع الواقع الميداني للحرب، ما يعني أن إصرار روسيا على تحقيق كافة أهدافها من العملية العسكرية الأوكرانية سيكون ضرباً من ضروب الخيال، و سيؤدي إلى احداث نزيف اقتصادي و مالي و عسكري للدولة الروسية دون أن يحقق أيّة أهداف حقيقية على أرض الواقع.