جمهورية جهنّم!

news image

 

بيروت - مروة شاهين:

قال رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل عون عندما سأله احد الصحفيين: الي اين يتجه لبنان في ظل الأزمات التي تحط تحيط به؟

 فردّ الرئيس بكل ثقة " طبعاً ع جهنم"..

هذه الكلمات مازالت  ترنّ في أذهان اللبنانيين و اصدقاء لبنان سواء من الأشقاء العرب أو غيرهم، كون ذاك التصريح " غير مدروس" كان الوصف الأدق للوضع الذي آل اليه لبنان اليوم، البلد الذي كان يوما ما يُلقب بـ "سويسرا الشرق"..

"هبوط حر" يمارسه لبنان نحو قعر جهنم منذ العام ٢٠١٩ ، بعد انتفاضة شعبية اثر تدهور اسعار صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار و احتجاز المصارف لودائع اللبنانيين بالعملة الأجنبية، تلك الانتفاضة التي استطاعت الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري، لتأتي بعدها باشهر قليلة حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، تلك الحكومة التي وُصفت بانها حكومة اللون الواحد لكونها مدعومة من نواب حزب الله و التيار الوطني الحر و حلفائهم في البرلمان اللبناني.

 ذلك الدعم جعلها حكومة لا تحظى بثقة و دعم المجتمع الدولي الذي سماها بحكومة حزب الله، على الرغم من سعى رئيسها حسان دياب إلى استقطاب المجتمع الدولي لجمع المساعدات المالية و الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، مما دفعه إلى الاستقالة بعدما باءت جميع محاولاته لحشد الدعم العربي و الدولي لحكومته بالفشل و أعجز تلك الحكومة عن وقف تدهور العملة الوطنية التي وصلت خلال عهده إلى ما يقارب ال ١٥ الف ليرة لبنانية للدولار الواحد..

تسعة أشهر من الانتظار؛ لتشكيل حكومة جديدة قادرة على وضع خطة تنقذ لبنان من التدهور و الأزمات المحيطة به لتتشكل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، بعد تسعة أشهر من الفراغ الحكومي ، و حتى اللحظة لم تستطع هذه الحكومة تقديم أية رؤية حول الاصلاح و وقف النزيف اللبناني، فالعملة الوطنية في تدهور مستمر نحو مستويات الـ ٢٥ الفاً مقابل الدولار الواحد. و هجرة المواطنين اللبنانيين و خصوصا الشباب في تزايد دائم مما يعكس عدم ثقة المواطنين بالحكومة الجديدة و انعدام إيمانهم بأي إصلاح أو تغيير جذري على المدى المنظور.

وطن ممزق كحكومته ، فالتمزق السياسي بين الأحزاب و القوى السياسة اللبنانية لم يكن وحده الحدث الرئيسي في المشهد اللبناني؛ فإن تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية قد زاد من المشاحنات بين مكونات المجتمع اللبناني.. تارة نسمع عن اشكالات و تبادل لإطلاق النار بمنطقة شويا في الجنوب اللبناني بين أفراد من الحزب التقدمي الاشتراكي و عناصر من حزب الله، و تارة أخرى اشتباكات في منطقة خلدة بين العشائر العربية في  و مجموعات مسلحة من حزب الله على اثر حادثة ثأر لأحد أطفال العشائر الذي قتل علي يد مسلح من حزب الله خلال أشكال سابق، و لعل المشهد الأمني الأكثر خطورة هو المعركة التي شهدتها منطقة الطيونة -عين الرمانة غرب العاصمة بيروت بين عناصر من حزب القوات اللبنانية و حزب الله ، على إثر مطالبة حزب الله بكف يد القاضي اللبناني طارق البيطار عن ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مما اعاد شبح الحرب الأهلية من جديد إلى أذهان اللبنانيين..

لبنان ممزق عن محيطه العربي

كل ما يعاني منه لبنان من أزمات و اقتصادية و تمزق سياسي و اجتماعي لا يكفي، لتأتي تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي عن ما أسماه دفاع الحوثيين عن نفسهم في وجه اعتداء خارجي لتسبب أزمة دبلوماسية هي الأولى من نوعها بين لبنان و الدول العربية، نتيجة تلك التصريحات التي ضربت بعرض الحائط مصالح لبنان و اللبنانيين المغتربين في دول الخليج العربي، مما دفع بالمملكة العربية السعودية إلى سحب سفيرها من لبنان و الطلب من السفير اللبناني في الرياض مغادرة الأراضي السعودية، و كذلك فعلت الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، مما وضع أرزاق عشرات آلاف اللبنانيين الذي يعملون و يقيمون في دول الخليج العربي على المحك، فضلا عن خسارة الاقتصاد اللبناني لما يقارب الستة مليارات دولار نتيجة وقف الاستيراد من لبنان، خصوصا ان لبنان يعتمد في صادرات على دول الخليج العربي بشكل اساسي و خصوصا المملكة العربية السعودية.

لا حلول تلوح في الافق

حكومة عاجزة، لا وصف أدق من ذلك يمكن أن يوضح الدور الذي لعبته حكومة ميقاتي منذ تشكيلها و حتى الآن.

 لا خطة للإصلاح المالي، لا مفاوضات مثمرة مع صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ، ولا وقف لتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، ولا إفراج عن الودائع المحتجزة في المصارف. والوضع الأمني حدث و لا حرج، والجامعة الحكومية الوحيدة في لبنان في اضراب مستمر، ولا عام دراسي جديد، لا دواء متوفر وإن توفر فهو بعيد عن متناول الفقراء، لا تحسن في العلاقات مع الدول العربية التي لا ترى من فائدة في التعامل مع الحكومة اللبنانية طالما ان القرار السياسي اللبناني مخطوف من قبل محاور خارجية، ناهيك عن عدم قدرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على اقالة جورج قرداحي خوفا من أن "تطير الحكومة".

لعلّ  من تغيير قادم

بعد ضغط كبير من المجتمع الدولي؛ قرر مجلس النواب اللبناني تقديم موعد الانتخابات من ١٥ أيار إلى ٢٧ اذار من العام ٢٠٢٢، مما أعطى املا للبنانيين بفرصة للتغيير السياسي عن طريق صناديق الاقتراع، إلا أن هذه الآمال تبددها مخاوف قيام الأحزاب القوى السياسية اللبنانية بالغاء الانتخابات النيابية و التمديد لمجلس النواب الحالي نتيجه مخاوف القوى السياسية اللبنانية من خسارة مقعدها في البرلمان و مكتسباتها في الحكومة و المؤسسات الرسمية جراء الغضب الكبير من قبل المواطنين على كامل الطبقة السياسية، لا سيما ان الرئيس عون قد صرح بأنه لن يوقع مرسوماً لانتخابات مبكرة و لن يقبل بإجراء الانتخابات قبل موعدها المقرر في أيار ٢٠٢٢.

مشهد ضبابيّ

لبست الانتخابات النيابية وحدها مجهولة المصير، بل الدولة اللبنانية باكملها، أزمات اقتصادية خانقة، تدهور في الوضع النقدي و الأمني، لا دواء و لا تعليم.. تمزق سياسي و اجتماعي، حكومة عاجزة و طبقة سياسية لا سعى لها سوى الحفاظ على مصالحها و مكتسباتها غير آبهة بمصير شعب أصبح عاحزا عن الحصول على أدنى متطلبات الحياة، ناهيك عن ارتهان القرار السياسي اللبناني لمحاور خارجية لا تأبه بمصالح اللبنانيين و تعبر حتى عن تطلعات شعبه، و ان كنا سنجيب عن السؤال الذي يُطرح حول مستقبل لبنان اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه اليوم، فلا جواب أصدق و أدق من جواب الرئيس "طبعاً ع جهنم"..