لماذا يتهرب النظام الإيراني من العدالة؟

news image

كتب - عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

إحدى صعد المواجهة بين المقاومة الإيرانية والنظام الحاكم في إيران هي “المحكمة والعدالة” وهي ميدان يرحب به أحد الأطراف ويتهرب منه الآخر ذلك لأنها في مجال العدالة” يكون أحدهما “خاسرا” والآخر “فائزا”.

لا وجود للعدالة في إيران

في أي بلد تسوسه الديمقراطية وقيم المدنية والحضارة الإنسانية، يكون “القضاء” إحدى السلطات الثلاث الحاكمة التي تعمل بشكل مستقل بحيث يتمتع في ظلها أطراف أي قضية بـ “العدالة”، وتُحل من خلالها قضايا ومشاكل المجتمع على نحو سلمي رشيد.

لا يوجد في إيران الحالية مثل هذا القضاء المستقل فحسب بل يتم تعيين رئيسه من قبل ولي الفقيه، ومن هذا المنطلق لا بد من القول إنه لا عدالة في إيران اليوم، ولا وجود لــ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وما الحال إلا قمع واعتقال وتعذيب وإعدام واغتيال وسلب ونهب، وما إلى ذلك.

هذه هي حقيقة الوضع في إيران على مدى السنوات الـ 43 الماضية، ولذلك فإن القضاء المحاكم في إيران يخضعان لحكم ولي الفقيه، وكذلك الحال للسلطتين الأخريين في الحكومة “التشريعية والتنفيذية”، وليست هذه السلطات فاقدة للشرعية فحسب وإنما هي بغيضة كريهة منحطة أيضا، وتلقى رفضا ونفورا شعبيا واسعا كبيرا هو إلى المطلق أقرب.

وجود المقاومة “وحضورها”؛ معناه عدم “وجود” النظام الحاكم

هنالك مقاومة شعبية واسعة ومنتشرة لمثل هذا النظام ولها جذور أصيلة في أعماق المجتمع.

مع وصول نظام ولاية الفقيه إلى السلطة واستمراره حتى ظهور عصر الإنترنت والاتصالات أصبحت هذه المقاومة أكثر حدة وحجما وانتشارا وظهورا أكثر مما كانت عليه في الماضي.

لا يخفى على أحد أن نظام ولاية الفقيه الحاكم داخل إيران وخارجها قد سعى دائما إلى تدمير معارضته لأن هذا النظام يرى “وجود” نفسه في “غياب” خصومه، وهذا هو سبب نهجه الوحشي الهستيري داخل إيران من إعتقالات وتعذيب وإعدامات وقتل ومجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان، وخارج إيران ينفق مبالغ طائلة من موارد الشعب الإيراني على الاغتيالات والتفجيرات والمؤامرات من خلال حلفائه ومرتزقته الذين يستخدمهم ضد المعارضة، وسأعطي أمثلة على ذلك لأن كل حقيقة ظاهرة للعيان تحتاج إلى النشر والبيان.

ترحيب المقاومة الإيرانية بالعدالة

يتهرب “نظام ولاية الفقيه” من القضاء والعدالة خارج حدود إيران لأنه يعرف مسبقا بموقف العدالة وحكم، ولذلك ينتابه والخوف ويأسر الرعب جوارحه محاولا عدم عبور طريق العدالة.

من الطبيعي جدا أنه حيثما كانت هناك ذرة من “العدالة” رحبت بها المقاومة الإيرانية بصدق، لأنها وكما تقول الحكمة ( من كان طاهرا نظيف الحسابِ ..ماذا يخشى عند الحسابِ وهو أطهرُ)، وهزِمَت واندحرت كل عقبات ومؤامرات نظام الملالي (بأمواله ووسائل ضغطه، وحلفائه، ورعاة سياسة المراضاة) خارج حدود إيران الهزيمة تلو الأخرى، وقد ثبت في سجل العالم أن: ” النصر هو انتصار العدالة على التسوية والتآمر والمراضاة والمهادنة، وهذا انتصار المقاومة ومجاهدي خلق إيران.. انتصار الشعب الإيراني وقواه الأصيلة في ميدان النضال والثبات على دكتاتورية ولاية الفقيه المتسلطة على إيران”.

واجه مجاهدو خلق والمقاومة الإيرانية حتى الآن عشرات الآلاف من الوثائق والأدلة في عشرات المحاكم في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ (محكمة العدل الأوروبية) وإيطاليا وألمانيا، وقد واجهوا جميع الأسئلة والدعاوى والكثير من الإتهامات التي لفقها ودسها وروج لها وأنفق عليها نظام الملالي، وقد ردت المقاومة ومجاهدي خلق عليه وعلى أنصاره ومرتزقته وانتصروا في كل هذه المحاكم، وكانوا مع العدالة وكانت العدالة معهم.

عدة أمثلة عن محاكم العدالة وعلاقتها بالمقاومة الإيرانية..

منها عدة محاكم أوروبية وأمريكية مختصة، كانت الخاتمة فيها جميعها بانتصار المقاومة في مسيرة حملة 14 عام مباركة موفقة بقيادة السيدة مريم رجوي.. تلك المسيرة التي تكللت بالإنتصار وشطب اسم المنظمة من قوائم الإرهاب وكذلك إيقاظ العالم على الكثير من الحقائق، ونورد هنا أمثلة مفيدة على مواجهة المقاومة الإيرانية للنظام الإيراني اللاإنساني الحاكم في إيران:

في سبتمبر 1990 رفع نظام الملالي ورئيسه رفسنجاني آنذاك دعوى قضائية في القضاء السويسري ضد ميريام جازو الصحفية بصحيفة لا سويسرا، وفي 7 أغسطس1991 برأت محكمة في سويسرا الصحفية السويسرية وأدانت نظام الخميني ثلاث مرات، وكانت السيدة جازو قد نقلت في تقرير لها جزءا من برقية من زعيم المقاومة الإيرانية لرئيس الجمهورية السويسرية حول دور النظام في اغتيال الدكتور كاظم رجوي، ولقد حولت المقاومة الإيرانية هذه المحكمة من خلال تعبئة عالمية ضخمة إلى ميدان لمحاكمة نظام خميني.

في يوليو 2018 حكمت محكمة بلجيكية بالسجن لمدة 20 عاما على مبعوث النظام الإيراني الدبلوماسي الإرهابي أسد الله أسدي وفريقه الإرهابي الذين اُعتِقلُوا خلال تفجير على تجمع للمقاومة الإيرانية في باريس.

أمرت محكمة ولاية هامبورغ صحيفة دير شبيغل في مارس 2019 ، وفرانكفورتر الغوماينه في يونيو 2020 بإزالة المزاعم الكاذبة المنافية للحقيقة وغير الدقيقة ضد المجاهدين من مقالاتهم، وذلك لنشرهم أكاذيب للنظام الإيراني ضد المقاومة الإيرانية.

في 23 سبتمبر2021 دعت محكمة فيدرالية سويسرية إلى إجراء تحقيق موسع في مقتل المعارض السياسي الإيراني البروفيسور كاظم رجوي نظرا لأن إغتيال الدكتور كاظم رجوي كان يندرج في إطار جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية مما أجبر مكتب المدعي العام على إعادة فتح القضية، وكان البروفيسور كاظم رجوي قد اغتيل على يد عملاء النظام الإيراني في كمين في منطقة تدعى ”كوبه“ بالقرب من جنيف.

ويُحاكم الآن أيضا أحد مجرمي النظام حميد نوري أمام محكمة سويدية بتهم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، ومن المتوقع أن توقع المحكمة بحقه “أشد العقوبات”.

مؤامرات إضافية للنظام ضد المقاومة

قال المعمم علي فلاحيان وزير مخابرات الملالي السابق والمطلوب للقضاء الألماني والسويسري بتهمة الإرهاب في 9 يوليو 2017: “وزارة المخابرات بحاجة إلى غطاء لجمع المعلومات من الداخل والخارج، “نحن لا نرسل ضابط مخابرات إلى ألمانيا أو الولايات المتحدة ليقولوا إننا من وزارة المخابرات، والمطلوب تغطية تجارية أو صحفية”.

في هذا السياق سعى النظام الإيراني تحت ستار التجارة والصحافة بشكل خاص إلى استكمال مخططاته الإرهابية ضد المقاومة، فعلى سبيل المثال أرسل النظام وكلائه إلى الخارج تحت مسميات محلل وناشط سياسي، أو سجين سياسي سابق “ومن بينهم أشخاص كـ ”إيرج مصداقي” الذي كان مكلفا بتشويه هوية حركة التقاضي من أجل دماء شهداء مجزرة الإبادة الجماعية عام 1988 وإفشال مساعيها من أجل محاكمة رموز نظام الملالي، وبإفشال مساعي حركة التقاضي وإلحاق الضرر بالمقاومة الإيرانية يمكن لإيرج مصداقي بهذه الطريقة أن يساعد على”إبقاء” نظامه نظام الملالي.. وتلك كانت مهمة ايرج مصداقي الفاشلة.

2

النقطة الحساسة في هذه المواجهة القانونية هي سعى النظام الإيراني إلى إحداث شرخ بين عناصر المعارضة والتنكيل بمعارضيها وإلحاق الأذى بهم وإساءة إستغلال المواقف وتسخيرها لخدمة وجوده وبقائه كنهج له في خضم هذه المواجهة القانونية، وكذلك اللجوء إلى خلق الذرائع، واللجوء على نحو مستدام لبرامجه الدعاية المعهودة من أجل تخليص رقبته من تحت سكين المراجعات الدولية، لذلك من الضروري في هذا الفصل تدقيق المراجعة في نظام ولاية الفقيه وعلى أعضاء المقاومة والإيرانيون الشرفاء والأحرار أن يتصرفوا بـ “دقة” و”يقظة”، وهما جانبان لا ينفصلان للمضي قدما بمسار هذه العملية للأمام.

هدف النظام هو التآمر على المقاومة

الأزمة الأساسية التي تواجه النظام هي “أزمة الانقلاب والإطاحة به” ولهذا السبب وبعد مرور41 سنة مريرة على إستيلائه على السلطة لا زال يعاني من عدم الاستقرار، ويدرك ولي الفقيه وقادة هذا النظام جيدا أن العامل الأساسي في هذه الأزمة هو حضور وثبات واستمرارية المقاومة التي لم تتوقف ولم تتنازل عن قلب هذا النظام، ولم تتخذ يوما حلولا وسطية ولا تعرفها، مقاومة ذي إرادة صلبة وحازمة ذات جذور عميقة في المجتمع ، وعلى الصعيد الدولي تتمتع الآن بدعم وتأييد كبيرين، وبسبب هذا الدعم والتأييد الواسع للمقاومة باءت محاولات جماعات ضغط هذا النظام وعرابي سياسة المراضاة في خلق حلولا بديلة لهذا النظام بالفشل الذريع على الرغم من الأموال الطائلة التي ينفقونها والجهود الكبيرة، وذلك لأن البديل الديمقراطي الحقيقي الوحيد المتمثل بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كان ولا زال موجودا حاضرا دائما! وما يجب قوله باختصار هو أن ما فعله نظام الملالي في السنوات الأربعين الماضية لتدمير المقاومة كان من موقف الضعف والعجز في مواجهة أزمة الإطاحة به، ولولا مؤازروه الغيبيون (!) لكان هذا النظام في سجل الذكريات الكريهة، وكانت البشرية المعاصرة قد خلت وتحررت واستراحت منه.

إن مواجهة المقاومة الإيرانية مع هكذا النظام وحلفائه دليل قوة واقتدار وقدرة على استمرارية هذه المقاومة التي أدخلت النظام الآن في مرحلته السياسية الأخيرة، معلنة عن بديل ديمقراطي بجيش من وحدات المقاومة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، ويحظى بدعم كبير على الصعيد الدولي، وهذا ما سيؤدي إلى تضييق الخناق أكثر من أي وقت مضى على النظام الديكتاتوري الحاكم.

لم تقتصر فعاليات المقاومة على إبطال قوائم الشر ودحر المؤامرات في سياق القانون والعدالة والدفاع عن مظلومية وآلام الشعب وغير ذلك، بل أصبحت أيضا مركز إجماع وإعتماد دوليين ضد النظام من خلال فضح مشاريعه النووية والصاروخية والإرهابية، وفضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران.

وقد أعلنت السيدة مريم رجوي بهذا الصدد مرارا قائلة إن: “القضية الرئيسية لهذا النظام هي القضاء على البديل الديمقراطي الوحيد لضمان بقاء النظام، لكن المقاومة الإيرانية كسرت بكل قوتها وستكسر سلسلة مؤامرات الفترة الأخيرة من حكم الملالي “(16 يونيو 2018).

ميزة حكم المحكمة السويسرية

كان ربط حكم وملف قضية اغتيال الدكتور كاظم رجوي بقضية مجزرة الإبادة الجماعية للسجناء السياسيين سنة 1988 باغتيال معارضي النظام في الخارج معا انتصارا كبيرا لحركة التقاضي من أجل العدالة، وكان من السمات البارزة لحكم المحكمة السويسرية الاتحادية أن اغتيال الدكتور كاظم رجوي “حدث في سياق استمرار قتل ما يقرب من 30 ألف سجين سياسي في سنة 1988 وعمليات إعدام ممنهجة خارج نطاق القضاء للمعارضين السياسيين في السنوات اللاحقة”، وقد اُتُبِعَت هذه السياسة من قبل السلطات القيادية العليا في النظام الإيراني، خاصة أن الفتوى الصادرة من قبل خميني تم تنفيذها. كما حدد القضاة السويسريون الإبادة الجماعية كجزء من سياسة واستراتيجية النظام.

العالم يقف لدعم الشعب الإيراني

بعد إعلان حركة التقاضي من أجل دماء السجناء السياسيين ضحايا مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 من قبل السيدة مريم رجوي عام 2016، أصبحت الحملة القانونية للمقاومة الإيرانية الآن حملة دولية، ذلك لأن وراء هذه الحملة مطلب وطني وعام من قبل الشعب الإيراني والمعارضة الإيرانية، وأن النظام الحاكم في إيران نظام إرهابي قمعي غير شرعي رجعي من القرون الوسطى وعدو للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وفي صراع مع المجتمع البشري، ووصمة عار على المجتمع الدولي ويجب زواله.

والوقت الآن هو توقيت التدقيق على قادة النظام الإيراني، وفي هذا الفصل الرائد تشكل الحملة القانونية للمقاومة الإيرانية نقطة تحول على طريق إسقاط هذا النظام وإنهاء معاناة وآلام الشعب الإيراني.

يوجد في عالم اليوم إجماع دولي قيم حيث يدعو المفوض السامي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة دولية في شهر يوليو من هذا العام للتحقيق في مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988، دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران إلى إجراء تحقيق مستقل في مجزرة الإبادة الجماعية للسجناء السياسيين، ودور إبراهيم رئيسي للجلاد في تلك الجريمة الكبرى، وفي هذا الصدد شددت منظمة العفو الدولية وأكثر من 150 من نشطاء حقوق الإنسان البارزين على ضرورة تشكيل هذه اللجنة.

مطالب المقاومة الإيرانية من المجتمع الدولي

صرحت السيدة مريم رجوي مرارا وتكرارا باسم مقاومة الشعب الإيراني بأنه: “يجب تقديم قادة النظام إلى العدالة بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية”، كما قالت أيضا: نطالب ” الامين العام للامم المتحدة والمفوض السامي ومجلس حقوق الانسان والمقررين الخاصين بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان بالعمل على زيارة سجون النظام واللقاء بالسجناء السياسيين، كما يجب إحالة ملف الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في إيران ولا سيما قضية سلوك النظام في السجون وعلى وجه الخصوص اضطهاد السجينات إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

كلمة أخيرة

تؤمن المقاومة الإيرانية أنه أينما كان هناك وجودا لقطرة من القانون وذرة من العدل والإنصاف، وفي أي محكمة يسود فيها العدل القانون حتى لو نسبيا سينتصر مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية دون أدنى شك.

والآن وبفضل ثبات ويقظة المقاومة الإيرانية قد بدأ فصل التدقيق والمراجعات للنظام، وستُفتَح ملفات الجرائم وملفات السلب والنهب لهذا النظام واحدة تلو الأخرى في حال تم فتحها، ولم يتحقق أي من هذه الانتصارات القانونية بطور الصدفة، فقد كلف كل منها بحر من دماء الشهداء ومعاناة السجناء، وتضحيات المناضلين بنضالهم المستمر والعطاء والكفاح اللامحدودين، وآلام ومعاناة الشعب الإيراني وطريق العدالة الذي كلف الشعب الإيراني الكثير.

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.