ما سبب حرب العصابات في نظام الملالي؟
بث - تشن الزمرتان المتنافستان على أعلى مستويات نظام الملالي هجمات لفظية حادة غير مسبوقة على بعضهما البعض.
والجدير بالذكر أن خامنئي تحديدًا هو من بدأ الحرب في 12 أكتوبر 2020، حيث قال في خطابه متهكمًا على روحاني وزمرته الذين حذروه في الأيام الأخيرة من الأوضاع المحلية والدولية البالغة الخطورة ودعوه إلى العودة إلى رشده والتحلي بالحكمة: " يتحدث البعض عن العقل والعقلانية، وهم يقصدون بها الخوف، فعندما يدعونكم إلى العقلانية، فإنهم يقصدون أن تخافوا، أي أن تكونوا سلبيين، بمعني أنه يجب عليكم أن تفروا أمام العدو. لا وألف لا، فالجبناء ليس لهم الحق في ذكر اسم العقلانية على ألسنتهم".
ورد روحاني على خامنئي بحذر شديد بالإشارة والتلميح.
وأشار روحاني أن خامنئي يعتبر نفسه فوق القانون.
وفي جزء آخر من خطابه، تهكم روحاني على خامنئي بسلام الإمام الحسن، مذكرًا بكلام الإمام الحسن ردًا على من تذمروا من دعوته للسلام، قائلاً: " أن المجتمع الإسلامي ليس أنتم الـ 10 أشخاص، وهلم جرا. وأرى أن الغالبية العظمى من المجتمع تسعى للسلام، ومن جانبي أختار السلام عندما يسعى الناس إليه".
وقد فجرت هذه الردود المفعمة بالألفاظ اللاذعة والتهكم غلاية التناقضات والأزمات الداخلية في نظام الملالي، وردًا عليها، أطلق المنتمون لزمرة خامنئي سيلًا من السباب والإهانات لروحاني.
فعلى سبيل المثال، وجهت صحيفة "كيهان خامنئي" كلمة لروحاني مذكّرةً بتصريحاته السابقة : " إن المواطنين يتطلعون إلى العمل وليس تحريف التاريخ".
كما كتبت صحيفة "رسالت" مشيرة إلى روحاني: "أنت لا تفهم السياسة ".
بيد أن الهجمات الأكثر حدة على روحاني جاءت من قبل أعضاء مجلس شورى الملالي الذي تحول إلى قطب معارض لروحاني وحكومته.
فعلى سبيل المثال، كتب أحد أعضاء هذا المجلس يدعى عنابستاني ناشرًا صورة لروحاني مرتديا قناعًا من أحدث الموديلات: " لقد تركتم أبناء الوطن وشأنهم وهم عاجزون عن توفير احتياجاتهم ويصارعون مشاكل الحياة تحت خطر الفقر من أجل البقاء، والشغل الشاغل لرئيس الجمهورية هو المحافظة على سوالف لحيته".
ثم جاء دور المعمم ذوالنووي، رئيس اللجنة الأمنية في مجلس شورى الملالي، ووجه كلمة لروحاني، قائلاً : " إن الأغلبية الساحقة من الشعب لا تقبل بأقل من عزلك ومعاقبتك، واستنادًا إلى منطقك ينبغي للزعيم أن يوعز بإعدامك ألف مرة حتى يثلج صدر الشعب".
مغزى هجمات الزمر على بعضهم البعض ورسالتها
بالإضافة إلى الكلمات الحادة التي تم تبادلها في هذه الهجمات اللفظية، فإن إلقاء نظرة عامة على محتواها يكشف النقاب عن الأزمة والحالة الثورية غير المسبوقة التي خلقتها انتفاضتا العامين الماضيين.
فعندما يعترف المعمم ذوالنووي بأن الأغلبية الساحقة من الشعب لا ترضى سوى بإعدام رئيس الجمهورية للنظام ألف مرة، فإنه يعترف بوضوح بحدة غضب الشعب وكراهيته لنظام الملالي برمته، نظرًا لأن الناس لا يفرقون بين روحاني والولي الفقيه.
كما أن وكالة "إيرنا" الحكومية الرسمية للأنباء أشارت في ردها إلى هذا المعنى، حيث كتبت: "إذا كانت إرادة الشعب هي المعيار، فيجب أن تحدث تغييرات جوهرية.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه إذا كانت معاقبة المسؤولين منصوص عليها في جدول الأعمال، فإن الدور على الكثيرين منهم سيكون قبل روحاني".
المبدأ المشترك
سيكون من الضلال الاعتقاد بأن المعركة تدور حول التفاوض مع أمريكا وحول السياسة الخارجية بشكل عام من عدمه.
فبادئ ذي بدء، على الرغم من أن خامنئي يسعى إلى إلقاء اللوم على روحاني في خلق الظروف الحرجة الحالية بدءًا من كارثة تفشي وباء كورونا وصولًا إلى الانهيار الاقتصادي، والتظاهر بأنه هو المسؤول عن الوضع الحرج بهذه الدرجة الخطيرة، بيد أنه من المستبعد أن يكون هو من يسعى شخصيًا لشن مثل هذه الهجمات على روحاني، نظرًا لأن خامنئي منع قاليباف وهيئة رئاسة المجلس من استجواب روحاني، على الرغم من أن 200 عضوًا في مجلس شورى الملالي يطالبون باستجوابه. حيث أنهم يقولون صراحة إن روحاني يقود نظام الملالي إلى الدمار والسقوط، ويحاولون تحميل روحاني المسؤولية عن هذه الأوضاع المتردية من خلال إقالته أو على الأقل استجوابه لتهدئة غضب الشعب خوفًا مما ستؤول إليه الأوضاع. إلا أن خامنئي الذي يعي وضع نظام الملالي الهش للغاية يعلم أن استئصال روحاني في ظل الظروف الحالية سوف يقود النظام تجاه الإطاحة بهم بسرعة البرق.
وعلى الجانب الآخر، إذا لم تكن زمرة روحاني مرتاعة ومذعورة أكثر من القلقين من مسار التطورات فهي ليست أقل منهم قلقًا، بيد أن زمرة روحاني من جانبها تعلم أن الحل الوحيد يكمن في القيام بخطوة مشابهة لما قام به خامنئي في تجرع سم وقف إطلاق النار.
فعلى سبيل المثال، كتب أحد الخبراء السياسيين في هذه الزمرة يدعى نقيب زاده، في الموقع الإلكتروني "ديبلوماسي إيراني"
في 17 أكتوبر 2020، صراحةً، مؤكدًا على أن ضغوط الأوضاع الحالية لم تترك لنا خيارًا سوى التفاوض مع أمريكا : " توجد الآن حركة أكثر خطورة بمراحل مما كانت عليه في خريف العام الماضي للقيام بأعمال الشغب والاحتجاجات، وهلم جرا. والبلاد على وشك الانهيار الكامل ولا يمكننا تجاهل هذا الخطر المتربص بنا".
وخلاصة القول هي أن الخوف المشترك جعل الزمر المتنافسة مرتاعة ومذعورة إلى هذا الحد.
خوفٌ من الأزمات التي لم يعد نظام الملالي قادرًا على السيطرة عليها. ومن المؤكد أن نتيجة هذه الأزمات هي الأطاحة.
إطاحةٌ بالسواعد الفتية لجماهير الشعب المضطهدة الجائعة المطحونة الأكثر جدية وخطورة هذه المرة مما كانوا عليه في خريف العام الماضي بمراحل. فسوف يتدفقون كالعاصفة النارية في الشوارع وسوف يطوون صفحة نظام الملالي.