نهاية كورونا.. هل باتت قريبة جدّاً؟
جازية بايو*
بعد عامٍ أقلّ ما يُمكن أن يُقال عنه إنّه صعبٌ وحزين بالنسبة إلى الذين فقدوا عزيزاً أو تكبَّدوا خسائر ماديّة جمّة نتيجة جائحة كورونا، التي كانت بمثابة الإعصار الذي عصفَ بكلّ شيء، وفي كلّ بقاع المعمورة، ها هي بوادر الأمل تُبعث من جديد بعد انخفاض نسبة المُصابين بالفيروس واكتشاف لقاح مُضادّ له، وهذا ما جعلَ الكثيرَ من الأشخاص يتطلَّعون إلى نهايةٍ مُرتقَبة للفيروس القاتل. فهل سيكون العام 2021 نهاية الكابوس الذي أَربك العالَمَ أجمع؟ وهل سنشهد قريباً عودة الحياة إلى مَجراها الطبيعيّ من دون حواجز أو أيّ من تلك الإجراءات الاحترازيّة التي حَبست الأنفاسَ لأكثر من عامٍ كامل؟
للمرّة الأولى في تاريخ البشريّة، تتوقّف كلّ مَظاهر الحياة الطبيعيّة، ويعمّ السكون والهدوء في معظم مُدن العالَم التي تحوَّلت بين عشيّةٍ وضحاها، من مُدنٍ مُفعمة بالنشاط إلى أشباحٍ موحِشة غابَت عنها كلّ مَظاهر العَيش والحياة العاديّة؛ فلا حركة مرور بريّة، ولا حركة مِلاحة جويّة في الأُفق، ولا وجود حتّى لحركة الراجلين في الشوارع. فالجميع مُجبر على البقاء في عزلة عن العالَم الخارجي، والسبب هو في ذلك الفيروس الفتّاك الذي أصابَ، منذ انتشاره في مدينة ووهان الصينيّة في كانون الأوّل (ديسمبر) 2019 حتّى الآن، أكثر من 100 مليون شخص، وأودى بحياة أكثر من مليونَيْن ونصف المليون في كلّ أنحاء العالَم، ناهيك بنتائجه الوخيمة لجهة تسبُّبِه في تعطيل مَصالح أعداد هائلة لا تُحصى من الأشخاص، وفقدانهم عملهم، وتدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة في معظم دول العالَم.
بصيص أمل
على الرّغم من ذلك، كان الأملُ كبيراً بقرب الفرج، وهذا ما عبَّر عنه الكاتب الشهير أمين معلوف حينما قال: "عندما لا نبصر نوراً في نهاية النفق، يجب أن نؤمن بأنّ النور لا بدّ أن يظهر". بالتدريج، اعتاد الناسُ على وضْع الكمّامات التي حبست الأنفاس في البداية، نظراً لإدراكهم أهميّة الالتزام بالتدابير الوقائيّة للحدّ من فيروس كورونا القاتل. وكبُشرى خير على البشريّة، صدر أواخر العام 2020 نبأُ اكتشاف اللّقاح المُضادّ للفيروس الفتّاك، الذي تسابقت على تطويره مُختبراتٌ عالَميّة عدّة، حتّى تمّ حصول أربعة لقاحات على ترخيص: سبوتنيك الذي طوَّره مَعهد جاماليا في روسيا، أسترازينيكا البريطاني، مودرنا الأميركي، فايزر بيونتك الذي تمّ تطويره بالشراكة بين مُختبرَين أميركي وألماني.
وفور الإعلان عن توافُر اللّقاحات، سارعت مُختلف الدول، الغنيّة منها بالأخصّ، إلى دفْع أموالٍ باهظة لشرائها. ثمّ بدأت حملة التلقيح المُنتظَرة، بدءاً من أواخر شهر كانون الأوّل (ديسمبر) من العام 2020 لتتواصل إلى يومنا هذا. ولأنّ عدد اللّقاحات المعروضة قي السوق محدود، تمّ تصنيف الفئات المعنيّة بالتلقيح، تبعاً لدرجة تعرُّضها لخطر الإصابة بالعدوى. فأُعطيت الأولويّة للشريحة المُسنّة والطّاقم الطبّي العامل في المستشفيات ولذوي الأمراض المُزمِنة. وتخوّفاً من تفشّي الوباء، بخاصّة مع ظهور سلالة جديدة للفيروس في بريطانيا بداية العام 2021، والتي أشارت التقارير إلى أنّها أكثر خطورة من سابقتها، تسابقت دولُ العالَم للبدء بحملة التلقيح، بحيث تجاوزَ عددُ عمليّات التلقيح هذه عتبة 200 مليون جرعة في أكثر من 100 دولة (مَوقع فرانس24، 20/02/2021)، ولاسيّما في قارّات أوروبا وأميركا وآسيا، فيما حُرِم من التلقيح عددٌ من سكّان الدول النامية والفقيرة، بخاصّة الإفريقيّة منها، لعجزها عن دفع ثمن اللّقاح والدخول في سباق مع الدول الغنيّة، ولأنّ كميّات اللّقاح لا تكفي متطلّبات السوق العالَميّة. هكذا استأثرت دولُ مجموعة السبع الغنيّة بنسبة 45 في المئة من عمليّات التلقيح، مُتعهِّدةً بمَنْحِ نسبةٍ من لقاحاتها للدول الفقيرة ("منظّمة الصحّة العالَميّة: اللّقاحات ستكون محدودة ويجب استخدامها بشكلٍ استراتيجي"، أخبار الأُمم المُتّحدة، 22/02/2021). وفي هذا السياق، حذَّر فريقٌ من الخبراء في رسالةٍ مفتوحة نشرتْها مجلّة "لانسيت" العِلميّة، من أنّ عدم التوزيع المُنصف للّقاحات، سيُشكّل حاجزاً أمام السيطرة الكليّة على الوباء، على المستوى العالَمي (أحمد أبو القاسم "فيروس كورونا… خبراء يحذّرون من بطء حصول البلدان الفقيرة على اللّقاحات"، أخبار الآن، في أخبار عالَميّة، 13/02/2021). فقد حذَّر الخُبراء من أن تؤدّي "قوميّة اللّقاح" إلى فشل مُبادَرة "كوفاكس" الهادفة إلى تمكين الدول النامية والفقيرة من الحصول على كميّة كافية من اللّقاحات لتحصين سكّانها من الوباء.
هل هي نهاية كورونا؟
تزامُناً مع استمرار عمليّات التلقيح، وبحسب تقريرٍ صادرٍ عن منظّمة الصحّة العالَميّة في شباط (فبراير) الفائت، تراجَعَ عددُ الإصابات بالفيروس القاتل في العالَم بنسبة 16%. كما تراجعَ عددُ الوفيّات أيضاً بنسبة 10% (فرانس24، 17/02/2021). وفي وقتٍ لاحق، زفّت المُنظّمة على لسان رئيسها في المكتب الإقليمي لأوروبا، هانز كلوج، خبراً سارّاً مفاده أنّ جائحة كورونا ستختفي نهائيّاً مطلع العام 2022. وأكَّد هانز كلوج قائلاً: "إنّنا نعرف الآن المزيد عن الفيروس مُقارَنةً بالعام الماضي". وأضاف قائلاً إنّ " أسوأ سيناريو أصبح وراءنا".
وعلى الرّغم من بصيص الأمل الذي بعثه تراجُع عدد الإصابات والوفيّات، إلّا أنّ "منظّمة الصحّة العالَميّة" تُفضِّل عدم استباق الأحداث ومُواصَلة سياسة التخويف وتشديد القيود للتحكُّم بالوضع الوبائي والإبقاء على الإجراءات الاحترازيّة قائمة في مُختلف دول العالَم، فالأولويّة تكمن في تقديم الأمن الصحّي على الحريّات الفرديّة. لكنّ بعض الباحثين يميلون إلى تقديم طرحٍ يحمل الكثير من التفاؤل، لكونهم يصرّون على أنّ فيروس كورونا لن يبقى على قوّته وشدّته وسيضعف تدريجيّاً مع الوقت بسبب الطفرات. وبحسب دراسة صدرت منتصف شهر شباط (فبراير) في مجلّة "ساينس" العِلميّة، فإنّ الفيروس سيفقد من سرعة انتشاره، وسوف لن ينتشر إلّا في مناطق معدودة من المعمورة، الأمر الذي سيحدّ حُكماً من عالَميّته. هذا ما شدَّد عليه عالِم الأوبئة كلاوس شتوهر أيضاً، بعد ترؤّسه برنامج الإنفلونزا العالَمي التّابع لمنظّمة الصحّة العالَميّة، بناءً على دراسة مَساراتٍ أوبئةٍ سابقة كالأنفلونزا الآسيويّة (التي اختفت بعد عامَين على ظهورها سنة 1956) وإنفلونزا هونغ كونغ (التي ظهرت عام 1968 واختفت بعد عام) والإنفلونزا الإسبانيّة (التي ظهرت بعد الحرب العالميّة الأولى واختفت في غضون عامَين فقط ما بين 1918 و1920).
وهذا ما أكّده الطبيب الأميركي مارتي ماكري الذي صرّح في مقال له نُشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" في شباط (فبراير) الفائت بأنّ فيروس كورونا المُستجِدّ سيختفي قبل نهاية العام الجاري، وأنّ فصل الربيع سيكون البداية الفعليّة للاختفاء التدريجي لهذا الوباء، مُستنداً في تقييمه هذا إلى مُعطياتٍ ملموسة سجَّلها الانخفاض المُعتبَر والمُستمِرّ في عدد المُصابين بالوباء في أميركا منذ 8 كانون الثاني (يناير) الماضي. أضف إلى ذلك نسبة اللّقاحات المُعتبَرة التي حظيت بها أميركا وعدد المُصابين الذي تجاوَزَ 28 مليون شخص، ما سيُسهِم لا محالة، على حدّ تعبيره، في تشكيل "مَناعة القطيع"، التي تحدث عندما يتمّ تحصين عددٍ كافٍ من الأشخاص ضدّ الوباء، وهذا ما سيُساعد حتماً على الحدّ من انتشار الوباء.
وفي المنحى نفسه، أكَّد أنتوني فاوتشي، كبير خُبراء الأمراض المُعدية في الولايات المتّحدة، أنّه يتوقَّع أن تصل أميركا، قبل نهاية العام الحالي إلى ما يُعرف بمَناعة القطيع ضدّ فيروس كورونا المُستجِدّ، ما سيسمح بعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي.
وفي ما يخصّ السلالات الجديدة لكوفيد19 التي ظهرت مؤخَّراً، أكّد فاوتشي أنّ الطبيعة المُتحوّلة لهذا الفيروس أمرٌ طبيعي، لأنّ الطفرة تجعله أكثر قدرة على الانتقال من شخص لآخر، ومع ذلك، فإنّ الأفراد المُصابين في وقت سابق بكورونا، على حدّ تعبيره، لا يُصابون مرّة أخرى بهذه السلالة، وهذا ما يعني أنّ "أيّ مَناعة مُكتسَبة تحمي من أيّ سلالة جديدة".
الخبر الصادم
بعد الأخبار السارّة التي زفّها مُعظم الخبراء والمُختصّين عن احتمال نهاية كابوس كورونا مع مطلع العام 2022 كأقصى حدّ، فاجأت شبكةُ "بلومبيرغ" العالَميّة الجميع بتصريحاتها الصادمة، مُعلِنةً وفق عمليّة حسابيّة عن توزيع اللّقاحات، أنّ جائحة كورونا ستدوم حِدّتها حتّى العام 2028. وبحسب النظريّة العِلميّة، فإنّ مناعة القطيع تتحقَّق بتلقيح 70 إلى 85% من مجموع سكّان العالَم، عندها فقط يُمكن الحديث عن انتهاء الوباء. وانطلاقاً من هذه النظريّة رأت "بلومبيرغ"، وهي أكبر قاعدة بيانات لعمليّات التلقيح الجارية في 73 دولة حاليّاً، استناداً إلى قاعدتها البيانيّة، أنّ العالَم استهلك إلى الآن أكثر من 124 مليون جرعة بمعدّل أربعة ملايين و6000 جرعة يوميّاً. ما يعني أنّ الطريق ما زال طويلاً لتحقيق مَناعة القطيع على المستوى العالَمي في وقتٍ وجيز.
قد يبدو هذا التحليل منطقيّاً، فالولايات المُتّحدة التي حقَّقت أكبر حملة تلقيح في العالَم بمُعدّل مليون وثلاثمائة وأربعين ألف جرعة يوميّاً لم تتمكّن حتّى الساعة من تلقيح سوى 2.5% من سكّانها. وبهذه الوتيرة ستحتاج أميركا إلى 11 شهراً لتغطية 75% من سكّانها؛ عِلماً أنّ المعدّل الحالي للتلقيح لديها، هو 12 جرعة لكلّ 100 شخص، فيما سيستغرق الأمر في كندا أكثر من 10 سنوات نظراً إلى اعتمادها على معدّل 3 جرعات لكلّ 100 مواطن. والصين من جهتها لا توفِّر سوى جرعتَيْن لكلّ 100 شخص. وإذا كان هذا هو معدّل التلقيح في الدول الغنيّة، فماذا عن الدول الفقيرة وذات الدخل المتوسّط؟ فالبرازيل مثلاً، وهي ثالث أكبر دولة من حيث الإصابات بكورونا، يُمثِّل معدّل التلقيح لديها جرعة ونصف الجرعة لكلّ 100 شخص.
وإذا كانت نهاية فيروس كورونا، بحسب بعض الخبراء والمُختصّين، مَرهونةً بتلقيح البشريّة جمعاء، فقد يطول إذاً وجود الوباء في العالَم، ويكون من الصعب حينها التخلُّص منه إلّا بقدرة القادر. ولأنّ "في كلّ شيء النهاية هي الأهمّ" بحسب أرسطو، فإنّ عامّة الناس لا يفكّرون إلّا بلحظة الخروج من النفق المُظلِم الذي سيُفضي في آخر المطاف إلى نهايةٍ أكيدة للعدوّ المُشترَك.
*إعلامية وباحثة من الجزائر - مؤسسة الفكر العربي