ماذا يحدث في العالم؟

news image

 

✍ عبدالله العميره

1. مدخل: زمنٌ بلا بوصلة

العالم يتقدّم تقنياً ويتقهقر إنسانياً؛ الحروبُ تستمرّ، الدماء تُهدر، والعبث يتسيّد نشرات الأخبار. ما الذي يُبقي المشهد على هذا القدر من الفوضى رغم الشعارات المدوِّية عن السلام والعدالة؟

2. القوى العظمى: «جعجعة» بلا طحن

الولايات المتحدة: ترفع شعارات «حماية الديموقراطية وحقوق الإنسان»، لكنّ سلوكها العملي يراوح بين التصريحات الضخمة والعقوبات المتقلّبة، بينما تبقى تحركاتها العسكرية انتقائية ومتردّدة؛ وما يحدث في غزة  واليمن من إيران مثال صارخ على عجز مُغلَّف ببلاغة خطابية.

روسيا: تبرّر تدخلها بشعار «محاربة النازية الجديدة ودعم السيادة»، إلا أنّ الواقع يكشف حرباً مفتوحة في أوكرانيا تحصد أرواح المدنيين وتغذّي سباق تسلّحٍ بلا نهاية واضحة.

الصين: تتحدّث عن «تنمية مشتركة وعدم التدخّل»، لكنها تمضي في توسّع اقتصادي يستفيد من الفراغ الأمني الذي تتركه واشنطن وموسكو، متسلّلةً بهدوء من دون تقديم حلول سياسية حقيقية.

أوروبا: تكرّر خطاب «القيم الموحَّدة»، غير أنّ صوتها في الأزمات الكبرى يكاد يكون خافتاً، موزَّعاً بين مصالح واشنطن وبروكسل وبرلين.

الخلاصة: التوازن العالمي يترنّح تحت ضغط مصالح متضاربة؛ فالقوى الكبرى تمارس سياسة «تدبير الأزمات» بدلاً من حسمها، ما يترك العالم في دائرة مفرغة من الصراع واللا-حل.

3. الشرق الأوسط: مسرح الحروب المتزامنة

غزة: حصارٌ مزمن وعجزٌ دولي، بينما إسرائيل تعجز عن فرض تسوية وتُمعن في استهداف المدنيين الضعفاء بحجّة «الأمن».

اليمن: صاروخٌ حوثي يتيم يعقبه هجوم ضخم يدمّر بنية اليمنيين؛ إيران تحصد مكاسب عبر إطالة أمد الدمار، وإسرائيل لا تُمانع ما دامت النار بعيدةً عن حدودها.

سوريا: تفاهمات أميركيّة ـ روسيّة هشّة تُبقي البلد ساحة اختبار لقواعد اشتباك جديدة.

العراق ولبنان: هشاشة سياسية تُدار بالريموت من عواصم خارجية.

سؤال الشارع العربي: هل هناك تواطؤ ضمني على إبقاء الدول العربية مُستنزَفة ومحكومة بسلامٍ هشّ؟

4. العرب: بين السبات واليقظة المُتأخرة

مبادرات فردية  تتكسر أحياناً على صخرة الانقسامات ، اختلافات أو صمت تجاه المصالح العليا، ولا حكم رشيد يقوي العلاقة مع الشعوب  ..

إعلام مشتّت: يستهلك الخطاب الغربي بدلاً من صناعة سرديته الخاصّة.

فرصة سانحة: موارد طاقة، موقع جغرافي، شبابُ نصفُه تحت سنّ الثلاثين؛ لكنّ تفعيلها يقتضي إرادة سياسية موحَّدة وقرارات سيادية لا تدور في فلك القِوى الكبرى.

 

5. سيناريوهات ثلاثة للسنوات الخمس المقبلة

استمرار الوضع الراهن

حروب بالوكالة، عقوبات متبادَلة، وانزياح الاستثمارات نحو مناطق أقلّ اضطراباً.

تفكّك بطيء للنظام الدولي

أقطاب إقليمية (تركيا، إيران، إسرائيل) تملأ الفراغ؛ خطر فوضى أوسع.

يقظة إقليمية عربية

تنسيق أمني واقتصادي حقيقي، استثمار في الإعلام والذكاء الاصطناعي، وصياغة مبادرات لحلّ النزاعات بدلاً من استيرادها.

أيّ السيناريوهات ينتصر؟ يتوقّف على قدرة العرب على مغادرة هامش ردّ الفعل إلى مركز الفعل.

6. خاتمة: ما العمل؟

منصة عربية موحَّدة للوساطة في النزاعات (تبدأ من غزة واليمن) تُظهر الجدية قبل إطلاق الشعارات.

تحالف إعلامي جديد يكشف ازدواجية الخطاب الغربي ـ لا يكتفي بالتنديد بل يقدّم حقائق موثّقة بلغةٍ عالمية.

استثمار في الذكاء الاصطناعي لتقليص فجوة المعرفة والاعتماد على «العقول المُستورَدة».

عقدٌ اجتماعي داخلي يربط التنمية بالحرية والمسؤولية، حتى لا تبقى الشعوب رهينة الوعود.

الرسالة الأخيرة: العالم ليس بالونات فراغ، بل مساحات مصالح؛ من لا يملأ فراغه بقراره سيملؤه الآخرون بأجندتهم.