كريستيانو والجهل المُقيم: حين تُهدر القوة الناعمة في وطن الرؤية"

news image

 

✍️ عبدالله العميره

لم أكن أود الحديث عن النصر بعد الخروج المؤلم من بطولة آسيا، لكن ما رأيناه ليس مجرد خسارة… بل درس قاسٍ  في عدم إدراك حجم المسؤولية.

أنا أحب النصر، ولا أكره غيره أبداً..
أحب النصر لا لأنه الأفضل دومًا، بل لأنه نادٍ عصامي، يعمل وبصل بجهده، وليس..
أحبه لأن كل أصدقائي النصراويين أصحاب ذوق وخلق راقٍ، ولأن هذا النادي واجه من الظلم ما يكفي لتحطيم أي كيان آخر… لكنه قاوم، ولا يزال.

حين جاء رونالدو، تساءل العالم بدهشة: لماذا النصر؟
اليوم نعرف الجواب. لم يأتِ من أجل المال فقط، فلديه من المال ما يجعله من أثريا العالم ،  بل أتى من أجل شغف، من أجل أن يترك أثرًا، من أجل أن يكون جزءًا من شيء كبير… وربما لأنّه رأى في السعودية ما لم نره نحن.

رونالدو جاء فصنع الفارق، ليس فقط على أرض الملعب، بل في عقول الجماهير الدولية التي بدأت ترى في السعودية وجهًا جديدًا، رياضيًا، حضاريًا، طموحًا.
وصل عدد متابعيه إلى أكثر من مليار، وبدأت الجماهير تأتي من العالم لحضور مباريات النصر، لا لأنها مباريات عادية، بل لأنها تجربة سعودية جديدة… وكان هو نجمها.

ورغم أن عدد متابعي رونالدو تجاوز المليار، إلا أن الرقم كان يمكن مضاعفته، وكان الحضور الجماهيري سيشهد طفرة تاريخية، لو تم التعامل بوعي مع هذه الأيقونة العالمية، ومع النجوم الدوليين الآخرين.

كان بالإمكان أن تكون الرسالة الإيجابية أعظم، والتأثير العالمي أعمق
لو تم تطوير التصوير التلفزيوني، وتحسين الإخراج، وتقديم تحليل رياضي يليق بالمستوى.

لكن الصافرة ما زالت قديمة،
والكاميرات تنظر بعين واحدة،
والمخرج عالق في الماضي،
أما "التحليل" فغالبًا ما يُفسده صبية المدرجات
وإن حضر بينهم عاقل، ضاعت بصيرته وسط ضجيج دفوف المتعصبين.

لكن الجهل، يا سادة، لا يرحم.
رونالدو لم يُكرَّم كما يجب، ولم يُستثمر كما يستحق، ولم يُعامل بعدل في الميدان أو في الإعلام.
بل حُورب لأنه فقط ارتدى الأصفر.

إنه الجهل حين يلتف حول القوة الناعمة ويُعمي من بيدهم القرار.

اتحاد القدم الحالي، بل المنظومة الرياضية المتنفذة، لم تضع يومًا "الوطن" قبل "الانتماء لنادٍ مفضل".
لا أطالب  بمنح النصر ما لا يستحق.
بل أطالب فقط بـالعدل.

عدل في وضع الجداول.

عدل في الفار.

عدل في العقوبات.

عدل في احترام الأساطير
أطالب بأن يخجلوا أمام العالم، أن يخسروا بشرف ، خير من فوز بشعوذة أو دفع.

ناديهم المفضل تلوث بالسحر علنًا… ولم يتحرك أحد.
سقط في كل اختبار للروح الرياضية… ولم يُحاسب أحد.
فشل في إدارة المنتخب… وما زال قادته في مواقعهم.
بل يقول سكرتير أحد الأندية علنًا: "نحن لا نذهب للاتحاد، الاتحاد يأتي إلينا!".

أي سخرية هذه؟!

من هنا، نيابة عن الجماهير السعودية المعتدلة، أقدم اعتذاري للنجم الكبير كريستيانو رونالدو.
أقول له:
أنت فوق الرأس.
نحن نحبك.
ونعرف قدرك.
ونُدرك أنك خدمت المشروع الرياضي الوطني أكثر من كثيرين يتقاضون أموالًا طائلة من خزينة الدولة.

تغريدتك بعد مباراة الأمس ستكون درسًا خالدًا في حب  البلد الشعار والانتماء الحقيقي:

“Sometimes the dream has to wait. I’m proud of this team and everything we gave on the pitch.
Thank you to all the fans who believed in us and stood by us every step of the way.”

26 مليون تفاعل مع هذه التغريدة خلال 12 ساعة فقط… تلك ليست أرقام، بل قوة ناعمة مهدورة.

لكن ماذا نقول؟
في وطن الأحلام، الجهل هو العقبة الوحيدة أمام الحلم.

📌 إشارة لا بد منها:

لم أكتب اليوم حزنًا على الخروج من آسيا… فالخسارة ليست الأولى، وبعضها طبيعي، وكثير منها بفعل داخلي، ومعظمها بفعل خارجي.

النصر وجمهوره صبروا كما تصبر الجبال… وتحملوا كما تحتمل الجِمال، حتى صار الحزن بالنسبة لهم أمرًا عابرًا.
لكنّ من يعرف الأسباب… وحده من يحزن حقًّا.

وأول العارفين: رونالدو.
رأيناه بالأمس، يتخاطر مع نفسه، يبحث عن جواب، كأنما يحاور مرآته بصمت موجوع، لأنه لم يجد الأذن الصاغية، أو لنقلها كما هي:
لم يجد العقل الذي يُدرك حجم المشروع الذي جاء من أجله.

لست متشائمًا… لكني رأيت، بكل وضوح، المشروع الرياضي يسقط بالأمس بين عيني رونالدو،
ولم يكن الحزن على فرص ضاعت خلال 90 دقيقة، بل على 900 يوم من الأمل المُحبط، منذ أن وطأت قدماه أرض المملكة.

أظن أنه لم يكن يعلم… لم يكن يدرك حجم التعصب الموجّه ضد النصر،
حتى شعر به شخصيًا.
حتى مسّه الكره،
كرهٌ لرونالدو الذي أحب السعودية أكثر من كثير من أبنائها؟!

يالها من دهشة موجعة… تنغص القلوب وتوقظ الأسئلة.

🌟 كلمة أخيرة:

لا أقول "أتمنى"، فالتمنّي غالبًا ما يُطلق على المستحيل.
لكنني أرجو… والرجاء يحمل في داخله أملًا واقعيًا، أن أرى موسمًا جديدًا،
موسمًا يختلف عن كل ما مضى
موسمًا يبدأ بالتغيير الحقيقي من أجل التطوير العادل.

أرجو أن أرى رياضة وطنية تُدار بأجندة إعلامية عالمية،
لكن هذه المرة بأيدٍ وطنية، مهنية، احترافية، ومخلصة.

لقد غاب الإخلاص طويلًا… وغاب الوفاء أطول،
وحان وقت عودتهما معًا
لأن مشروعًا بهذه العظمة، لا يحتمل أكثر من هذا العبث.

 

💥 نبضة أخيرة:

من يقول إن التعصّب هو "ملح الرياضة"… فهو لا يزال يعيش في زمن مضى وانتهى.
الرياضة اليوم هي شغف، وحب، ومتعة
أحب ناديك كما تشاء، لكن إياك أن تكره الآخرين أو تسيء إليهم.

داخل الوطن… نحن إخوة.
وفي الخارج… نحن أصحاب روح رياضية تُعبّر عن وطن عظيم.

أما إن كنت مسؤولًا، ومصرًّا على ممارسة التعصّب من موقعك،
فارحل من كرسيك
واصعد للمدرج، وخذ معك طبلك ومزمارك.

فالكرسي الرسمي أمانة لا تليق إلا بمن يخدم الجميع… بعدل.

🎯 ليس عيبًا أن تخسر مباراة أو بطولة… فهذا طبيعي في كرة القدم.
لكني لا أتحدث عن ذلك،
بل أتحدث عن منظومة عمل… عن إدارة مشروع رياضي.