الأديب والراقصة: معركة الفكر والتفاهة

news image

✍️   عبدالله العميره   

المقدمة: حين يصطدم العميق بالسطحي

في كل عصر، هناك صراع أبدي بين الفكر والتفاهة، بين العمق والسطحية، بين العقول التي تبني الحضارة والعقول التي تلهث وراء الشهرة السريعة. في عالم اليوم، أصبح هذا الصراع أكثر وضوحًا، حيث يتصدر المشهد  شخصيات سطحية فارغة المحتوى، بينما يتوارى أصحاب الفكر الحقيقي خلف الكواليس.

تجسد هذه الفكرة القصة الشهيرة التي جمعت بين الأديب العالمي نجيب محفوظ وراقصة  مشهورة، والتي تحولت إلى مشهد ساخر يعكس مفارقات العصر:

كانت الراقصة الفاتنة تركن سيارتها الفارهة بجانب سيارة الأديب المصري العظيم نجيب محفوظ، فنظرت إليه ساخرة وقالت: "شوف الأدب عمل فيك إيه يا سي نجيب؟"

ابتسم الأديب الحائز على جائزة نوبل وردّ بداهةً: "نعم، شفت! وشفت قلة الأدب عملت فيك إيه!"

  • "ما الذي يجعل راقصة تملك ثروة وسيارة فارهة، بينما أديب عالمي يركب سيارة متواضعة؟ هل هو قدر العباقرة أم خلل في معايير المجتمع؟"
  •  

مفارقة العصر: بين الخلود والتلاشي

 

🔹 نجيب محفوظ، الرجل الذي خطّ للأدب العربي مجدًا، كانت سيارته متواضعة لكنه امتلك إرثًا أدبيًا خالدًا.

🔹 الراقصة، التي ربما كسبت الملايين من عروضها، لكن اسمها اندثر  وأموالها ذهبت أدراج اهتزاز الرياح مع مرور الزمن.

هذه القصة ليست مجرد لحظة عابرة، بل نموذجٌ للعالم الحديث، حيث أصبح من يصرخ أكثر يسمع أكثر، ومن يرقص أمام الكاميرا أكثر يكسب أكثر، بينما الفكر العميق يحتاج إلى عقود ليترسخ في وجدان الأمم.

 

الإعلام بين العمق والسطحية

في عصرنا الرقمي، أصبح المشهد أكثر وضوحًا:

✔ منشور تافه قد يحقق ملايين المشاهدات، بينما كتاب فكري عميق قد لا يصل إلا لعدد قليل من القراء.

✔ مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي قد يجني ثروة من مقاطع لا تتجاوز 30 ثانية، بينما صحفي محقق يقضي سنوات في البحث دون أن يحصل على التقدير.

✔ موجات من التفاهة تجتاح الشاشات، بينما يُدفع بالمفكرين إلى الزوايا المهملة.

من يدعم التافهين؟
الشركات الكبرى، الخوارزميات، والجمهور غير الواعي.

🔹 لماذا؟
لأن التفاهة مربحة وسريعة الانتشار، بينما الفكر العميق يحتاج إلى وقت وصبر. الخوارزميات تفضل المحتوى السطحي لأنه يحقق تفاعلًا لحظيًا، بينما القوى المسيطرة تفضل إعلامًا يُبقي الجماهير مشغولة بالترفيه بدلاً من التفكير النقدي.

 

 💡 السؤال الأهم:

هل يعكس هذا الواقع تغيرًا في قيم المجتمعات؟ أم أنه مجرد مرحلة عابرة ستنتهي مع تصاعد الحاجة إلى الفكر الحقيقي؟

 

الإعلام التقليدي والإعلام المتجدد

 

لا يمكننا أن نلوم "الحداثة"، فليس كل قديم عميق، وليس كل جديد تافه. لكن الفرق الحقيقي يكمن في الجوهر:

🔹 الإعلام التقليدي السطحي: نقلٌ سريعٌ للأحداث دون تحليل، تصديرٌ للصراعات، محتوى استهلاكي بلا قيمة.

🔹 الإعلام المتجدد العميق: تحليل ذكي، أفكار تستمر لعقود، صناعة الوعي بدلاً من التلاعب بالعقول.

مثالٌ على ذلك هو تشارلي تشابلن، هذا العبقري  عاش قبل 130 عام ، لكنه سبق عصره، استخدم "الصمت" لصنع أعظم أفلام التأثير السياسي والاجتماعي. لم يكن ممثلًا فقط، بل كان "إعلاميًا صامتًا" كشف عيوب العالم بدون كلمة واحدة! واليوم، بعد قرنين تقريبًا، لا تزال أفكاره تلهم العالم.

 

هل يمكن إنقاذ الإعلام والفكر من طوفان التفاهة؟

🔹 الحل ليس في محاربة التافهين، بل في دعم المفكرين.

🔹 المعادلة ليست مستحيلة: إذا تم تقديم المحتوى العميق بأسلوب حديث ممتع، فسيجد مكانه في عقول الجماهير.

🔹 وكالة بث الإعلامية مثالٌ حيّ على ذلك: إعلام ذكي، تحليلات عميقة، دون السقوط في فخ "الضجيج الإعلامي".

 

  من الذي يبقى؟

الراقصة حصلت على ثروة سريعة، لكنها ذهبت أدراج الرياح.

نجيب محفوظ قاد الأدب العربي إلى العالمية، واسمه يزداد توهجًا مع كل جيل جديد.

 

السؤال للقارئ العزيز:

هل تريد أن تكون "الراقصة" التي تلمع سريعًا وتختفي؟

أم "نجيب محفوظ" الذي قد يتأخر مجده، لكنه لا يموت؟