لإعلام والسياسة: من يوجه من؟ قراءة في ديناميكيات التأثير والهيمنة

إعداد وتحليل: إدارة الإعلام الاستراتيجي - وكالة بث
المقدمة
في عالم متشابك تسوده المصالح والتحالفات، يبدو أن العلاقة بين الإعلام والسياسة قد تجاوزت مجرد التفاعل العادي لتصبح معادلة معقدة، يتبادل فيها الطرفان أدوار القيادة والتأثير. وبينما يُفترض أن الإعلام يعمل كسلطة رابعة تراقب أداء السياسيين وتنقل الحقيقة، إلا أن الواقع يُظهر أحيانًا عكس ذلك، حيث يتحول الإعلام إلى أداة في يد القوى السياسية تُستخدم لصياغة الأجندات وإعادة توجيه الرأي العام.
لكن السؤال الأهم الذي يطرحه المتابع الذكي هو: هل الإعلام هو الذي يقود السياسيين عبر كشف الحقائق والضغط عليهم؟ أم أن السياسيين هم الذين يوجهون الإعلام لخدمة أجنداتهم؟
هذا التقرير يسعى إلى تفكيك هذه العلاقة التبادلية، وقراءة التغطيات الإعلامية الأخيرة في سياق السياسة العالمية، لفهم كيف تتشكل الأولويات الإعلامية ومن المستفيد الحقيقي من ترتيب الأحداث.
أولًا: هل الأحداث الإعلامية الكبرى مصادفة؟
نادراً ما تكون التغطيات الإعلامية مجرد انعكاس تلقائي للأحداث الجارية، بل هناك دائمًا سياقات وأجندات تحدد طبيعة التغطية وتسلسلها. لفهم ذلك، نحلل كيف انتقلت التغطية الإعلامية بين ثلاث قضايا رئيسية خلال الأيام الأخيرة:
1. الضربة الأمريكية على الحوثيين – لماذا الآن؟
توقيت الحدث ليس عشوائيًا، بل يأتي في سياق إعادة ضبط المشهد في الشرق الأوسط، مع تزايد التوترات في البحر الأحمر، ومحاولة واشنطن فرض نفسها كلاعب رئيسي.
الإعلام الغربي ضخّم الحدث ليخدم أهدافًا سياسية، مثل تبرير التدخل الأمريكي، وإظهار القوة أمام الرأي العام الأمريكي والدولي.
2. الانتقال المفاجئ إلى غزة – ضغط داخلي أم تحريك للأولويات؟
فجأة، تحولت التغطية الإعلامية نحو غزة، رغم أن القصف الإسرائيلي مستمر منذ شهور.
هذا التغيير قد يكون مرتبطًا بـ ضغوط داخلية في الدول الغربية، حيث تواجه بعض الحكومات احتجاجات متزايدة بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، مما يدفع الإعلام لتغطية الحدث لكبح الغضب الشعبي.
3. المكالمة بين ترامب وبوتين – إعادة رسم العلاقات؟
دخول هذا الخبر في هذا التوقيت قد يكون محاولة لتوجيه الأنظار بعيدًا عن الشرق الأوسط إلى صراع القوى الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا.
محادثة الرئيس الأمريكي ترامب مع الرئيس الروسي بوتين، يمكن اعتبارها مفتاحًا لإعادة ضبط العلاقات ومراجعة الأجندات السياسية، وتعزيز مواقفه عند الشعب الأمريكي، وإظهار قدرته على التحكم في العلاقات الدولية والمشهد السياسي العالمي.
📌 إذن، هل هذا الترتيب الزمني للأحداث مصادفة؟
لا، الأحداث مرتبة بشكل متعمد وفقًا لأولويات القوى الإعلامية الكبرى.
هذا يؤكد أن الإعلام ليس مجرد وسيط محايد، بل أداة يتم استخدامها لتوجيه الانتباه، وتضخيم قضايا معينة، وتجاهل أخرى حسب المصالح السياسية والاقتصادية.
ثانيًا: من يوجه من؟ الإعلام أم السياسيون؟
العلاقة بين الإعلام والسياسة ليست بسيطة، بل هي تفاعل مستمر، ولكنها تميل إلى الترتيب التالي:
1. السياسيون يستخدمون الإعلام كأداة لخدمة أجنداتهم
القادة السياسيون يدركون أن الإعلام هو الوسيلة الأقوى لتشكيل الرأي العام، لذا يوجهون رسائلهم بشكل مدروس ليتم نشرها بالطريقة التي تخدمهم.
بعض الحكومات تتحكم مباشرة في الإعلام، بينما تعتمد حكومات أخرى على العلاقات مع الإعلاميين والصحف الكبرى للتأثير على التغطية.
2. الإعلام يضغط على السياسيين ويتحكم في جدول أعمالهم
عندما يُسلط الإعلام الضوء على قضية معينة، فإنه يجبر السياسيين على التعامل معها، حتى لو لم تكن ضمن أولوياتهم.
مثال: تغطية الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الغرب دفعت بعض الحكومات إلى إعادة النظر في موقفها، رغم أنها كانت تتجاهل القضية لفترة طويلة.
3. المعادلة تعتمد على طبيعة الإعلام في كل دولة
إذا كان الإعلام حرًا ومستقلًا نسبيًا: يمكنه التأثير على السياسيين ودفعهم لاتخاذ قرارات جديدة.
إذا كان الإعلام موجّهًا أو خاضعًا للنفوذ السياسي: يصبح مجرد أداة في يد الساسة، يستخدمونه للترويج لقراراتهم.
في الدول الكبرى: يتحكم في الإعلام والسياسة معًا أصحاب المال والشركات العملاقة، الذين يحددون الأجندة الإعلامية بما يخدم مصالحهم الاقتصادية والجيوسياسية.
ثالثًا: الإعلام كأداة للتلاعب أو للتوعية؟
📌 كيف يمكن للمتلقي أن يفرّق بين التغطية الإعلامية الحقيقية والموجّهة؟
✅ مراقبة تسلسل الأحداث: كيف ينتقل الإعلام من قصة إلى أخرى؟ هل هناك منطق طبيعي أم أنه انتقال مفاجئ وموجه؟
✅ التحقق من مصادر الأخبار: من يحدد ما يُغطى وما يتم تجاهله؟
✅ مقارنة التغطيات في أكثر من وسيلة إعلامية: هل هناك تفاوت كبير في طريقة عرض القصة؟
بين السلطة الرابعة و"السلطة التابعة"
يُفترض أن الإعلام يعمل كسلطة رابعة مستقلة تراقب أداء السياسيين، لكنه في كثير من الأحيان يتحول إلى سلطة تابعة تخدم مصالح القوى الحاكمة. ومع ذلك، تبقى هناك مساحة للإعلام الحر المسؤول الذي يستطيع كشف الحقائق وتحفيز الرأي العام على مساءلة السياسيين، لكن هذا يتطلب وعيًا نقديًا من الجمهور، وعدم الانسياق وراء الأجندات الإعلامية دون تحليل.
🔹 السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه كل متابع للأخبار:
📌 هل القصة التي أتابعها الآن هي القصة الأهم، أم أنها فقط القصة التي يريدون لي أن أركز عليها؟ 🤔
ميثاق الإعلام الحر المسؤول
📌 "كن حراً، واستخدم عقلك إلى ما لا يضرك"
✅ الحرية المطلقة بلا وعي تعني الفوضى، بينما الحرية مع المسؤولية تعني التوازن والوعي.
✅ المسؤولية ليست قيدًا، بل هي ضمان بأن الحرية تُستخدم لصالح الخير، لا للضرر والتضليل.
✅ الإعلامي الحر المسؤول ليس مجرد ناقل للأخبار، بل هو صاحب رسالة توعوية، يدرك أن كل كلمة يكتبها قد تؤثر على الملايين.
إذن، المعركة الحقيقية ليست بين "إعلام حر" و "إعلام موجه"، بل بين "إعلام مسؤول" و "إعلام مضلل" مهما كانت تسمياته!