صورتنا في عيون الآخرين.. بين الواقع والانطباع - وصناعة الرسالة الإعلامية

✍️ عبدالله العميره
في عالم يموج بالتقييمات والأحكام، يبرز قول الدكتور غازي القصيبي كمفتاح لفهم جوهر الصورة الذاتية:
"لا تحاول تحسين صورتك لأحد، كلنا عاديون في نظر من لا يعرفنا، مغرورون في نظر من يكرهنا، جيدون في نظر من يعرفنا، رائعون في نظر من يحبنا."
هذه الكلمات ليست مجرد تعبير أدبي، بل تحمل بُعدًا فلسفيًا عميقًا يضعنا أمام حقيقة لا مفر منها: صورتنا في أذهان الآخرين ليست ملكًا لنا، بل انعكاسٌ لعواطفهم، تجاربهم، وتحليلاتهم الخاصة.
🔹 معادلة الصورة الذاتية: بين الحقيقة والانطباع
في سعينا الدائم لتقديم أنفسنا بصورة مثالية، نواجه معضلة أزلية: هل حقًا يمكننا التحكم في نظرة الآخرين إلينا؟ الحقيقة أن الصورة التي يُكوّنها الناس عنك تتأثر بأمور لا تمتلك السيطرة عليها:
✔️ الجهل بك: من لا يعرفك، يراك إنسانًا عاديًا.
✔️ الحقد عليك: من يكرهك، لن يرى فيك إلا العيوب.
✔️ العِشرة والفهم: من يعرفك عن قرب، سيدرك نقاط قوتك وضعفك.
✔️ الحب والتقدير: من يحبك، سيراك في أبهى صورة، ولو كنت مليئًا بالعيوب.
🔹 لماذا لا يمكننا السيطرة على صورة الآخرين عنا؟
نحاول أحيانًا أن نُحسن صورتنا أمام الآخرين، لكن الحقيقة الصادمة هي أننا لا نملك هذا القرار بالكامل. نظرة الناس إلينا ليست مرآة تعكس حقيقتنا، بل تعكس تجاربهم وتحيزاتهم:
🔸 شخص يعاني من مشاعر النقص قد يراك مغرورًا لأنك واثق.
🔸 شخص غارق في المقارنات قد يراك محظوظًا دون أن يعرف تضحياتك.
🔸 شخص ممتلئ حبًا للحياة قد يرى فيك الأمل والإلهام.
🔸 شخص يحمل ضغينة تجاهك لن يرى فيك إلا أخطائك، حتى لو كانت بسيطة.
💡 المشاعر تُشوه الإدراك، والعقل البشري يميل إلى تفسير الأشياء وفقًا لمشاعره ومعتقداته المسبقة.
🔹 لماذا يجب أن نتوقف عن محاولة إرضاء الجميع؟
السعي لتحسين صورتنا أمام الجميع هو سباق خاسر، لأن:
✔️ كل شخص لديه زاويته الخاصة في الحكم عليك.✔️ لا يمكن التحكم في تجارب الآخرين التي تشكل انطباعاتهم.✔️ محاولة إرضاء الجميع ستجعلنا نخسر أنفسنا في النهاية.
🔹 كلما زاد وعينا بهذه الحقيقة، تحررنا من قيود إرضاء الآخرين، وأصبحنا أكثر تصالحًا مع ذواتنا.
🔹 البعد النفسي: كيف نرى أنفسنا وسط هذه الانعكاسات؟
رؤيتنا لأنفسنا لا يجب أن تتشكل وفقًا لنظرات الآخرين، بل وفقًا لمعرفتنا العميقة بذاتنا. حين ندرك أن:
📌 لا يمكن لأحد أن يعرفك تمامًا كما تعرف نفسك.
📌 أحكام الآخرين عليك تتغير وفقًا لظروفهم، وليس وفقًا لثبات شخصيتك.
📌 من يحبك حقًا سيرى جوهرك حتى لو كنت مليئًا بالعيوب.
🔹 عندها فقط، سنبدأ بالعيش بسلام داخلي، بعيدًا عن محاولات إرضاء من لا يمكن إرضاؤه.
🎯 كيف يمكن توظيف هذه الحكمة في العمل الإعلامي؟
تمامًا كما تتشكل نظرة الناس للأفراد بناءً على مشاعرهم وتجاربهم، فإن الجمهور الإعلامي لا يتفاعل مع المحتوى بنفس الطريقة. لذلك، تحتاج الرسائل الإعلامية إلى فهم أعمق لسلوك الجمهور واختيار الوسائل الأنسب لإحداث التأثير المطلوب.
📌 1️⃣ تشخيص الجمهور المستهدف بدقة
🔹 كما أن نظرة الآخرين تتأثر بعواملهم الذاتية، فإن الجمهور الإعلامي ليس كتلة واحدة، بل ينقسم إلى فئات مختلفة:
✔️ الجمهور العادي: يرى الإعلام مصدرًا للمعلومات السريعة.
✔️ الجمهور الناقد: يبحث عن المصداقية والتفاصيل العميقة.
✔️ الجمهور المتعصب: سيرفض أي رسالة تخالف قناعاته.
✔️ الجمهور المتحمس: سيتفاعل مع الرسالة باندفاع.
✅ الحل: تحليل الجمهور المستهدف بدقة، وفهم كيف يستقبل كل فئة المحتوى الإعلامي.
📌 2️⃣ صناعة الرسالة الإعلامية المناسبة
🔹 الإعلام القوي يدرك أن الرسالة الإعلامية لا تُفهم دائمًا كما أُرسلت، بل تُفسر وفق عقلية المتلقي.
✅ لذلك، يجب أن يتم:
تكييف الرسالة بما يناسب الجمهور المستهدف.
تقديم المحتوى بصياغات متعددة تناسب مختلف الفئات.
استخدام استراتيجيات الإقناع والتأثير بناءً على دراسة الجمهور.
⚠️ الرسالة الإعلامية الفعالة ليست واحدة للجميع، بل يتم تخصيصها وفق طبيعة الجمهور ونظرته للمحتوى.
📌 3️⃣ اختيار الوسيلة الإعلامية الأنسب
🔹 كما أن نظرة الآخرين للأشخاص تختلف بناءً على مواقفهم الشخصية، فإن تأثير الوسائل الإعلامية يعتمد على طبيعة الجمهور:
📺 الفئات البصرية: تتفاعل أكثر مع التلفزيون والفيديوهات القصيرة.
📖 الباحثون عن التحليل: يفضلون الصحافة التحليلية والمقالات الطويلة.
🎙 المهتمون بالتفاصيل: ينجذبون إلى البودكاست والمحتوى المسموع.
✅ الحل: اختيار الوسيلة الإعلامية بناءً على الفئة المستهدفة وطبيعة الرسالة المطلوبة.
📌 4️⃣ تحقيق الأثر المطلوب
🔹 الإعلام ليس مجرد نشر للمعلومات، بل هو أداة لصنع التأثير. لذلك، يجب التركيز على:
✔️ قياس ردود الفعل وتحليلها.
✔️ تطوير الخطاب الإعلامي باستمرار وفق التفاعل.
✔️ تعزيز المصداقية وعدم الانجرار لمحاولات تحسين الصورة بشكل زائف.
الإعلام الفعّال لا يسعى لإرضاء الجميع، بل يركز على إيصال الرسالة الصحيحة بأفضل وسيلة وأكثرها تأثيرًا.