بين" الفهلوة " والالتزام.. هل التحايل على النظام إنجاز ؟!

تحليل خاص – بث
وسط أجواء روحانية، وفي صحن الكعبة المشرفة حيث يسير المعتمرون بانسيابية لأداء مناسكهم، ظهر رجل مصري في مقطع فيديو متداول، يتحدث بفخر عن قدرته على "التسلل" واعتقاده أنه خدع الأمن والمنظمين بلبس الإحرام، مستغلًا احترام المنظّمين للحجاج والمعتمرين.
من الواضح أن الرجل أكمل عمرته وحلّ إحرامه، لكنه أراد العودة إلى صحن الكعبة، فقام بالتحايل، ولبس الإحرام مرة أخرى؛ وتسلل إلى صحن المطاف، كاسراً الإجراءات التنظيمية الصارمة التي تهدف إلى إدارة حركة المعتمرين ومنحهم الفرصة للطواف حول الكعبة دون تزاحم مع غير المعتمرين، الذين يمكنهم أداء الطواف من أماكن أخرى تم تجهيزها لتناسب الجميع، مثل الطواف من سطح المسجد الحرام، أو عبر عربات غولف لراحة كبار السن والعجزة.
هذه الإجراءات الدقيقة التي تطبقها المملكة العربية السعودية تهدف إلى ضمان سلاسة أداء المناسك دون عوائق، ومع ذلك، فإن عمل المنظمين لا يمكن أن يحقق أهدافه بدون تعاون من المسلمين أنفسهم، الذين يفترض أن يكونوا أكثر الناس التزامًا بالنظام في هذا المكان المقدس.

بين الفخر بالتحايل.. واحترام الأنظمة
في الفيديو، يظهر الرجل وكأنه يحاول إيصال رسالة مفادها أنه "أذكى" من النظام، وأنه استطاع الوصول إلى مكان لا يُسمح بدخوله إلا وفق إجراءات محددة. هذا النوع من التفكير يعكس مشكلة أوسع تتجاوز هذا الحدث الفردي، وهي الاعتقاد بأن تجاوز القوانين نوعٌ من الذكاء الاجتماعي، بينما هو في الواقع انعكاس لفجوة في فهم أهمية النظام ودوره في تحقيق العدالة للجميع.
الحقيقة أن الذكاء الحقيقي يكمن في احترام النظام الذي وُضع لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع، وليس في محاولة الالتفاف عليه، خاصةً في مكان يجد فيه المعتمر والحاج والمصلي كل التقدير والاحترام.
تتبع المملكة العربية السعودية نظامًا دقيقًا لتنظيم دخول الحجاج والمعتمرين إلى صحن الكعبة وفقًا للضوابط الشرعية. فالأولوية تُعطى للمعتمرين الذين يرتدون ملابس الإحرام، وذلك لتسهيل أداء مناسكهم ومنع التكدس، وهو ما أقره العلماء وأهل الفتوى.
هل هي ظاهرة أم حالات فردية؟
مثل هذه المقاطع قد تبدو وكأنها تُعبّر عن ظاهرة بين بعض الفئات، لكنها في الواقع تعكس حالات فردية ( قد تظهر متكررة بأشكال وأساليب مختلفة، لها معنى واحد!)، ومن المؤكد أنها لا تعبّر عن وعي الغالبية. الملايين من المسلمين يؤدون مناسكهم سنويًا في المسجد الحرام، ملتزمين بالتنظيمات التي تضمن أداءً سلسًا للعبادات، دون الحاجة إلى "محاولات استذكاء" للالتفاف على الأنظمة.
ومع ذلك، انتشار مثل هذه المقاطع يعزز الجدل حول فكرة احترام القوانين والتنظيمات في الأماكن المقدسة، ويعيد التساؤل حول مدى الوعي الاجتماعي بقيم العدالة والمساواة في العبادة، واحترام الشعائر، وقبل كل ذلك الإخلاص لله في العبادة والصدق معه سبحانه وتعالى.
الرسائل المستخلصة من الفيديو
✅ الإدارة الذكية للحشود ضرورة وليست تقييدًا
الإجراءات المتبعة في الحرم المكي تهدف إلى توفير بيئة آمنة وسلسة للعبادة، وليست مجرد قيود اعتباطية.
✅ احترام التنظيم جزء من القيم الإسلامية
المسلم الذي جاء لأداء مناسكه يجب أن يدرك أن احترام القوانين هو جزء من التزامه الديني، وهو أمر يعكس قيم الانضباط والاحترام.
✅ فهم خاطئ للذكاء
تجاوز النظام لا يدل على الذكاء، بل يعكس عدم إدراك لأهمية الالتزام بقواعد تضمن العدالة بين الجميع.
✅ ضرورة التوعية الإعلامية
تحتاج مثل هذه الحالات إلى معالجة إعلامية ذكية، توضح أهمية النظام بدلاً من ترويج فكرة التحايل عليه كإنجاز شخصي - ومن الغباء عدم فهم مدلولات الذكاء الحقيقية.
في الختام..
بين الفخر بالتحايل واحترام النظام، يظل المبدأ واضحًا:
ليس الإنجاز في أن تجد طريقًا مخالفًا للوصول إلى صحن الكعبة، أو التحايل على أنظمة الحج والعمرة بالخداع والتهريب، بل في أن تحترم القوانين التي وُضعت لخدمة الجميع دون استثناء.
على المسلم أن يدرك أن الالتزام بالنظام ليس مجرد قانون، بل جزء من الأخلاقيات الإسلامية السليمة، التي تنهى عن التحايل والتجاوز، وتحث على الصدق والإخلاص في العبادة.
فليفكر كل شخص في نتيجة أفعاله وانعكاسها عليه قبل أن يُظهر سلوكه للعالم، لأن ما يعتقده إنجازًا قد يكون في الواقع صورة سلبية تسيء إليه وإلى مجتمعه الخاص، والمجتمع الإسلامي بأسر
ما وراء الفيديو.. تحليل أعمق للظاهرة
لا شك أن الفيديو يعكس سذاجة صاحبه في توثيق فعلٍ مخالف والتنظير له، لكنه في الوقت نفسه يعكس نوعًا من الاستعراض الذي قد يجد صدًى عند شريحة معينة من الجمهور.
عند متابعة التعليقات في بعض منصات التواصل الاجتماعي، يظهر الانقسام في التفاعل مع المقطع:
🔹 هناك من استنكر تصرفه بشدة، معتبرين أنه إساءة تتجاوز الفرد إلى سمعة مجتمع بأكمله.
🔹 آخرون اكتفوا بالسخرية من الموقف باعتباره مجرد "تصرف شخصي طائش".
🔹 بينما وجد بعضهم في تصرفه "دهاءً وذكاءً"، متأثرين بفكرة "الفهلوة" التي يعتبرها البعض مهارة اجتماعية وليست سلوكًا خاطئًا.
🔹 وهناك من يرى أن هذه الحادثة حالة فردية لا يجب أن تؤثر على العلاقات بين الشعوب.
لكن السؤال الأهم:
🔴 لماذا يحرص بعض الأفراد على تسجيل مثل هذه المواقف؟ هل هو حب للظهور؟ أم قلة وعي بأن ما يوثقه قد ينقلب عليه؟
🔴 هذا الانتشار الكبير للفيديو، والتفاعل الواسع عليه، يطرح تساؤلًا آخر:
هل هناك "غرف مظلمة" في الإعلام الرقمي تقتنص مثل هذه الفيديوهات وتدفع بها إلى الجمهور لتحقيق أهداف معينة؟
ففي عالم التواصل اليوم، ليس كل ما ينتشر تلقائيًا بريئًا، فقد يكون جزءًا من صناعة المحتوى الموجه لإثارة الجدل أو تعميق الخلافات بين الشعوب.
✍️ في النهاية، تبقى الإدارة الإعلامية الواعية ضرورية لفهم كيفية التعامل مع مثل هذه الظواهر، بحيث لا تتحول الأخطاء الفردية إلى قضايا رأي عام مُفتعلة تُستغل ضد مجتمعات بأكملها.