الكتابة ليست مجرد حروف.. بل صورة ذهنية وأثر لا يُمحى

news image

✍️  عبدالله العميره:

 

في عالم الصحافة والإعلام، هناك فرق جوهري بين من يكتب لمجرد ملء الفراغات، وبين من يكتب ليُحدث أثرًا. الكتابة الحقيقية ليست مجرد حروف تُرتب بجانب بعضها البعض، بل هي فن رسم الصور في ذهن القارئ، وصناعة الأفكار التي تبقى معه حتى بعد أن ينتهي من القراءة. إنها ليست مجرد نقل للمعلومات، بل تجربة حسية وفكرية تُثير التساؤلات، وتفتح أبواب الفهم، وتشعل شرارة التفكير.

 

الصورة الذهنية: كيف تصنع الكتابة مشهدًا في عقل القارئ؟

 

عندما نقرأ نصًا مؤثرًا، لا نتذكر فقط الكلمات، بل نتذكر المشاعر التي تركها فينا. الكاتب المبدع لا يخبر القارئ بما يحدث فقط، بل يجعله يرى المشهد، يسمع الأصوات، ويشعر بالتفاصيل.

✅ القوة في التفاصيل: المقال الجيد لا يُخبرك فقط بأن "السماء كانت زرقاء"، بل يجعلك تشعر بزرقتها، يصف كيف "انعكست أشعة الشمس الذهبية على سطح البحر، فبدت السماء وكأنها لوحة من الحرير الأزرق المشبع بالضوء".

✅ الارتباط العاطفي: النصوص التي تُحفر في الذاكرة هي تلك التي تلمس العاطفة، تجعل القارئ يتعاطف مع الحدث أو الشخصية، أو يشعر بأنه يعيش القصة بنفسه.

✅ التشويق وبناء الإيقاع: حتى النصوص الإخبارية الجافة يمكن أن تُكتب بأسلوب مشوق يجعل القارئ ينتقل من سطر إلى آخر دون أن يشعر، لأن الكتابة الجيدة تُشبه السيناريو السينمائي، حيث يتم توجيه المتلقي إلى المشهد المطلوب دون أن يدرك كيف وصل إليه.

 

الصحافة والإعلام: من ناقل للخبر إلى صانع للرأي

 

في زمن الإعلام الرقمي، لم يعد الخبر وحده كافيًا لجذب انتباه الجمهور. الفرق بين الخبر العادي والمحتوى الصحفي المؤثر هو في الطريقة التي يتم بها تقديم المعلومة:

🔹 التقارير التحليلية مقابل الأخبار العاجلة: بينما تنقل الأخبار العاجلة المعلومات بسرعة، فإن التقارير التحليلية هي التي تبقى في الذاكرة، لأنها تربط الأحداث بالسياق الأوسع.

🔹 القصة الصحفية مقابل المقال التقليدي: القصة الصحفية لا تكتفي بسرد الوقائع، بل تضعها في إطار يجعلها أقرب إلى وجدان القارئ، فتصبح تجربة وليس مجرد معلومة.

🔹 اللغة التصويرية مقابل النصوص الجافة: المقالات التي تعتمد على الصور الذهنية والاستعارات القوية تعلق في الأذهان أكثر من النصوص الجافة.

 

كيف تجعل كتابتك مؤثرة؟

 

إذا كنت كاتبًا، صحفيًا، أو حتى صانع محتوى، فإليك بعض الأساليب التي ستساعدك على جعل كتابتك أكثر تأثيرًا:

✅ ابدأ بمشهد قوي: لا تبدأ بعبارات تقليدية، بل حاول أن تُسحب القارئ إلى قلب الحدث مباشرة.

✅ استخدم الحواس في الوصف: لا تقل فقط "كان الجو باردًا"، بل اجعل القارئ يشعر بالبرودة من خلال وصف ملمس الهواء على الجلد، أو صوت الرياح وهي تصفر بين المباني.

✅ اختر الكلمات التي تُحدث صدى: الكلمات القوية والمعبّرة تترك أثرًا لا يُمحى.

✅ اجعل كل كلمة تخدم الهدف: لا تكتب لمجرد الكتابة، بل تأكد أن كل كلمة لها دور في بناء المشهد أو الفكرة.

✅ اجعل للقارئ دورًا: لا تخبره بكل شيء مباشرة، بل دعه يشارك في فك شفرة النص، أو يملأ الفراغات بعقله.

 

الخاتمة: أثر الكلمات لا ينتهي

 

الكتابة ليست مجرد عملية نقل للمعلومات، بل هي عملية بناء للعقول، وصناعة للتأثير، وتشكيل للرأي العام. الكاتب المبدع هو من ينجح في جعل القارئ يرى، يشعر، ويتفاعل مع النص، حتى بعد أن ينتهي من قراءته. وهذا هو الفرق بين النص العابر، والنص الذي يترك بصمة لا تُنسى.

 

 

إشارة: هل انتهت الصحافة المقروءة؟ أم أن القارئ يبحث عن المحتوى الجيد؟

لطالما سمعنا عن "موت الصحافة المقروءة"، سواء الورقية أو حتى الإلكترونية، لكن الواقع يثبت العكس تمامًا.

عندما نذهب إلى معارض الكتب، نجد شغفًا متزايدًا باقتناء المعرفة، ونجد أن القارئ الحقيقي لا يتخلى عن الصحافة، لكنه يختار المحتوى الأكثر عمقًا وتأثيرًا.

إذن، المشكلة ليست في الصحافة نفسها، بل في مدى قدرتها على مواكبة احتياجات القارئ الذكي الذي يملك خيارات لا حصر لها.

 

هل انتهت الصحافة أم أنها في طور إعادة الولادة؟

 

إعادة التشكيل لا تحدث ذاتيًا من داخل الصحافة، بل تُفرض عليها بفعل التقنية وتغير أنماط الجمهور.

🔹 الجمهور هو المحرك الأول: لم يعد يستهلك المحتوى بنفس الطريقة، بل أصبح أكثر تفاعلية وانتقائية، يبحث عن السرعة، العمق، والتحليل الذكي بدلًا من مجرد نقل الأخبار.

🔹 التقنية قلبت الطاولة: لم يعد الإعلام التقليدي المتحكم الوحيد في المعلومة، بل أصبحت المنصات الرقمية، الذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات جزءًا لا يتجزأ من صناعة المحتوى.

🔹 الصحافة العربية تتباطأ في التحول: بينما العالم الغربي يتبنى الصحافة التفاعلية، الصحافة البيانية (Data Journalism)، وصحافة الذكاء الاصطناعي، لا يزال جزء كبير من الإعلام العربي عالقًا بين النمط التقليدي ومحاولات التأقلم مع العصر الرقمي.

  المعادلة واضحة: الصحافة لا تُعيد تشكيل نفسها، بل تُجبر على التغيير. من يواكب ينجو، ومن يرفض التجديد يصبح مجرد أرشيف للماضي.

 

🔹 هل يمكن للصحافة العربية أن تتجاوز بطء التحول الرقمي وتبتكر نموذجًا جديدًا، أم أن الفجوة ستتسع حتى يصبح الإعلام العربي مجرد متلقٍ لا صانع محتوى عالمي؟

الإجابة لن تكون نظرية… بل واقعًا ستكشف عنه الأيام.

ترقّبوا وكالة بث.
لقد وُضعت استراتيجية خاصة، بعقلية متجددة، ورؤية تسبق عصرها. ما سيحدث سيكون أكبر مما يتوقعه أحد في الإعلام العربي والعالمي—إذا سارت الأمور كما خُطط لها.

أما كيف؟
💡 لندع الواقع يتحدث قريبًا!