غازي القصيبي.. رجل دولة ونموذج خالد للوفاء والإخلاص

كتب عبدالله العميره
تحل الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الأديب والشاعر والوزير الدكتور غازي القصيبي. ويبدأ اليوم عام آخر.. غازي القصيبي وافته المنية يوم الأحد 5 رمضان 1431 هـ الموافق 15 أغسطس 2010 في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، بعد معاناة طويلة مع المرض. برحيله، فقدت المملكة العربية السعودية والعالم العربي رجلًا فذًا ترك أثرًا لا يملؤه إلا مخلصون بمثل إخلاصه.
رجل دولة بامتياز
تقلد غازي القصيبي – رحمه الله - عدة مناصب حكومية خلال مسيرته، وكان مثالًا فريدًا في الجمع بين العلم والإدارة، الإخلاص في العمل، والوفاء للقيادة، والغيرة على الوطن والمواطنين. تميز بأسلوبه القيادي الفريد، حيث لم يكن مجرد مسؤول يؤدي مهامه التقليدية، بل كان صاحب رؤية وإبداع في كل منصب تولاه.
القصيبي ف: نهج وزير مختلف وإرث لا يُنسى
عندما تولى وزارة الصحة، أحدث نقلة نوعية في أسلوب الإدارة، وبدأ نهج الزيارات التفقدية للمستشفيات، التي أصبحت فيما بعد تقليدًا متبعًا بين الوزراء. لم يكن يقبل التسيب أو الفساد، وكان قريبًا من المواطنين في متابعة همومهم الصحية، ما جعله يحظى بمحبة الناس.
القصيدة التي أغضبت الملك.. ثم أعادت الوئام
ورغم إنجازاته، لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، حيث واجه حملات تشويه من بعض المتضررين من نزاهته وإصلاحاته. وفي خضم هذه التحديات، كتب قصيدته الشهيرة على غرار قصيدة المتنبي في عتاب سيف الدولة، ووجهها إلى الملك فهد رحمه الله. نشرت القصيدة عام 1405هـ في صحيفة "الجزيرة"، لكنها أثارت ضجة كبرى، أدت إلى إعفائه من منصبه.
ومع ذلك، أظهر الملك فهد حكمته، حيث قرأ القصيدة من زاوية أخرى بعيدًا عن تحريف الكائدين، وأدرك أن القصيبي لم يكن إلا محبًا مخلصًا، يعاتب كمن يحب وطنه وقيادته بصدق. عاد الملك إلى صفحات غازي، وتأكد أنه رجل دولة استثنائي، فلم يتجاهل إخلاصه، بل بقي قريبًا منه.
قصيدة العتاب.. بين النقد والوفاء
لم تكن القصيدة سوى عتاب نبيل يحمل في طياته حبًا وولاءً للوطن والقيادة..
القصيدة:
بينـي وبينـك الـف واش ينعـب فعلام اسهب فـي الغنـاء واطنـب
صوتي يضيع ولا تحـس برجعـه ولقد عهدتك حيـن انشـد تطـرب
واراك ما بين الجمـوع فـلا ارى تلك البشاشة في الملامـح تعشـب
وتمر عينك بـي وتهـرع مثلمـا عبـر الغريـب مروعـا يتوثـب
بيني و بينـك الـف واش يكـذب وتظـل تسمعـه.. ولسـت تكـذب
خدعوا فاعجبك الخداع ولـم تكـن من قبل بالزيـف المعطـر تعجـب
سبحان من جعل القلـوب خزائنـا لمشاعـر لمـا تــزل تتقـلـب
قل للوشـاة اتيـت ارفـع رايتـي البيضاء فاسعوا في اديمي واضربوا
هذي المعارك لست احسن خوضها من ذا يحـارب والغريـم الثعلـب
ومن المناضل والسـلاح دسيسـة ومـن المكافـح والعـدو العقـرب
تأبى الرجولة ان تدنـس سيفهـا قد يغلـب المقـدام ساعـة يغلـب
في الفجر تحتضن القفار رواحلـي الحر حين يـرى الملالـة يهـرب
والقفر اكـرم لا يفيـض عطائـه حينا.. ويصغي للوشـاة فينضـب
والقفـر اصـدق مـن خليـل وده متغيـر.. متـلـون.. متـذبـذب
سأصب في سمع الرياح قصائـدي لا أرتجـي غنمـا.. ولا اتكسـب
واصوغ في شفة السراب ملامحـي ان السراب مع الكرامـة يشـرب
أزف الفراق.. فهـل اودع صامتـا ام انـت مصـغ للعتـاب فأعتـب
هيهات مـا احيـا العتـاب مـودة تغتال.. او صـد الصـدود تقـرب
يا سيدي في القلـب جـرح مثقـل بالحب.. يلمسه الحنيـن فيكسـب
يا سيـدي والظلـم غيـر محبـب اما وقـد ارضـاك فهـو محبـب
ستقـال فيـك قصائـد مـأجـورة فالمادحـون الجائعـون تأهـبـوا
دعوى الوداد تجول فوق شفافهــم اما القلـوب فجـال فيهـا اشعـب
لا يستوي قلـم يبـاع ويشتـرى ويراعـة بـدم المحاجـر تكتـب
امشاعر الدنيا .. تبطـن ظهرهـا شعري.. يشرق عبرهـا ويغـرب
انا شاعر الافـلاك .. كـل كليمـة مني.. على شفق الخلـود تلهـب
إرث لا يمحى
لم يكن القصيبي مجرد وزير، بل كان أديبًا، شاعرًا، مفكرًا، ودبلوماسيًا بارعًا، ترك إرثًا أدبيًا غنيًا يجسد فكره العميق ورؤيته الثاقبة. أعماله الأدبية لا تزال تدرَّس، ومواقفه الإدارية لا تزال تُروى كأمثلة تحتذى في النزاهة والإخلاص.
في الختام: غازي القصيبي.. قدوة في زمن ندر فيه الإخلاص
في زمن الطفرة البترولية، حيث فسد كثير من المسؤولين، كان غازي القصيبي صوتًا مختلفًا، رجلًا يُخلص للوطن دون حسابات شخصية. ترك فراغًا كبيرًا، لكن ذكراه ستظل حية في عقول وقلوب من عرفوه وقرأوا كلماته.
رحم الله غازي القصيبي، وجعل إرثه نورًا للأجيال القادمة. 🌿
اللهم احفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأحطهما بعنايتك، وجعل كل من حولهما من المخلصين، وكفاهما شر الكائدين، وحفظ الوطن من كل سوء.
ورحم الله غازي القصيبي
آمين

سيرة ومسيرة
غازي بن عبدالرحمن القصيبي المولود في 2 مارس سنة 1940 بالأحساء، والمنطلق بعدها لأكثر من عاصمة بداية بالمنامة التي درس بها مراحل تعليمه الأولى، لتكون "البكالوريوس عبر القاهرة من كلية الحقوق، ومن ثم الماجستير في العلاقات الدولية جامعة جنوب كاليفورنيا، أما الدكتوراه فكانت من جامعة لندن"..
بدأ الدكتور غازي القصيبي مهنياً ككاتب صحفي، ومعداً لبرنامج تلفزيوني أسبوعي، وتقلد عديد المناصب بداية بـ:
ـ أستاذ مشارك في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض 1965 / 1358هـ.
ـ مستشار قانوني في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
ـ عميد كلية التجارة بجامعة الملك سعود 1971 / 1391هـ.
ـ مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 / 1393 هـ.
ـ وزير الصناعة والكهرباء 1976 / 1396 هـ.
ـ وزير الصحة 1982 / 1402هـ
ـ سفير المملكة في مملكة البحرين 1984 / 1404 هـ.
ـ سفير المملكة في المملكة المتحدة 1992 / 1412هـ.
ـ وزير المياه والكهرباء 2003 / 1423هـ.
ـ وزير العمل 2005 / 1425هـ حتى وفاته.