إسرائيل دولة مجنونة أم دولة المجانين؟!

news image

 

نبيه البرجي*

غالباً ما تولد الإمبراطوريّات بيَد المجانين (أو الحمقى)، وغالباً ما تموت بيَدِ المجانين (أو الحمقى). كنّا قد كَتَبْنا عن التأويل الإيديولوجيّ كرديفٍ للتأويل الميكانيكيّ للتوراة. وإذا كان الصحافيّ الفرنسيّ اليهوديّ جان دانييل الذي رفض فكرة "شعب الله المختار"، قد خشي على إسرائيل من الإيغال في ثقافة الغَيب، كونها "رقصة التانغو مع العدم"، كان على الكاتب النمساويّ اليهوديّ ستيفن زفايغ أن يُعيد حالة التوتّر التي تعتري الشخصيّة اليهوديّة إلى "الضجيج الدمويّ" في النصوص المقدّسة.

الإيديولوجيّات وُلدت في أوروبا (الرأسماليّة، الشيوعيّة، النازيّة، الفاشيّة)، ولم تلبث أن تحوّلت إلى أديانٍ بفعل التأثير العاصف للتاريخ الذي لم يتوقّف يوماً عن قرْع الطبول، حتّى أنّ حرب المائة عام استغرقت 116 عاماً، لتصل الهيستيريا إلى ذروتها في الحرب العالميّة الأولى، ثمّ في الحرب العالميّة الثانية، وحيث تسنّى لليهودي روبرت أوبنهايمر أن يصنع القنبلة النوويّة التي بهرت حاييم وايزمان، قبل أن يُصبح أوّل رئيس دولة لإسرائيل في العام 1947، والتقى أوبنهايمر وتمنّى عليه مساعدة إسرائيل حينما ترى النور لبناء "مفاعل ديمونا" في النقب.

اللّافت أنّ أوبنهايمر لم يَستخدم أيّ عبارة توراتيّة في وصْفِ حالته بعدما لاحظ ما فعلتْ يداه "أنا الموت، أنا مدمّر العوالم"، مع أنّ التوراة تحفل بالعبارات ذات البُعد التراجيدي، أو ذات البُعد العدمي. لَجأ إلى نصٍّ في الكتاب المقدّس الهندوسي "بها غافاد جيتا". كان ذلك لدى رؤيته أوّل انفجار نووي في "لاموجودو" في ولاية نيو مكسيكو (16 تمّوز/ يوليو 1945). مَن كانوا هناك قالوا إنّ وجهه بدا أقرب ما يكون إلى الموت، من دون أن يُفصح، في أيّ وقتٍ لماذا العبارة الهندوسيّة من دون اليهوديّة؟

نعلم أنّ تيودور هرتزل أَطلق الحركة الصهيونيّة في مدينة بال السويسريّة في العام 1897لإنشاء وطنٍ قوميّ لليهود. كما أنّ وزير الخارجيّة البريطاني آرثر بلفور بَعَثَ في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 برسالة إلى اللّورد ليونيل روتشيلد، أحد أبرز وجوه المجتمع اليهودي البريطاني، وفيها وعْدُهُ المشؤوم لنقله إلى الاتّحاد الصهيوني في بريطانيا العظمى وإيرلندا. وكان أن حدثتِ المحرقة (الهولوكوست) إبّان الحرب العالميّة الثانية لتضرم النيران في رؤوس اليهود الذين، على الرّغم من حالات الاضْطهاد التي واجهوها في بعض الدول، كانوا موجودين حتّى في جدران القصور، بلعبة المال الذي أفتى الكثيرُ من الحاخامات بكونه "مِنّة إلهيّة" يُستخدم، وبكلّ الوسائل، (الوسائل المكيافيليّة بوجهٍ خاصّ) لتحقيق الحلم التوراتي الذي قال القسّ جون هاغي إنّه الدّافع اللّاهوتي للحلم الأميركي.

هكذا قيل "أوشويتز كانت بداية الطريق إلى أورشليم". ألهذا حذَّرت ميريام إدلسون، أرملة الملياردير النيويوركي شلدون إدلسون من أن تؤدّي المحرقة الفلسطينيّة في غزّة إلى تفجير "الحلم الفلسطيني" في رؤوس سكّان القطاع؟ من هنا كانت دعوتها إلى الذهاب بعيداً بالفلسطينيّين، حتّى أنّ هناك من يَستعيد إحدى اللّحظات في مسلسل أميركي قديم تظهر فيه ثلاث نساء مسنّات؛ إحداهنّ تقول إنّها حلّت أزمة الشرق الأوسط بترحيل الفلسطينيّين إلى غرينلاند التي طلب الرئيس دونالد ترامب شراءها. وحين تساءلت المرأة الثانية، كيف لشعبٍ يعيش في مناخٍ صحراوي العيش في مناخ جليدي، وهذا ما قد يؤدّي إلى فنائه؟ تدخّلت المرأة الثالثة لتقول إنّ هذا هو المطلوب.

اعتراف من المؤرّخ الإسرائيلي، وأستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة أوكسفورد آفي شلايم بالأداء الأسطوري للفلسطينيّين الذين كانوا يقاتلون في ظروفٍ أكثر من أن تكون مستحيلة. وهذا ما لم تفعله سوى قلّة من اليهود في مواجهة النازيّة. والواقع أنّ اليهود، إمّا أنّهم اتّجهوا إلى الضفّة الأخرى من الأطلسي منذ أن دقّت "الساعة السوداء"، أي "ليلة الكريستال"، أو جرى تكديسهم في القطارات التي أقلَّتهم في ظروفٍ مروّعة إلى معسكرات الموت في أوشفيتز. هذا حينما كان يهود البلدان العربيّة يعيشون حياةً طبيعيّة، من دون أن يمسّهم أحدٌ بسوء. آموس عوز، الروائي الإسرائيلي رأى أنّ تلك المشاهد كانت ضروريّة من أجل "انبعاث الروح اليهوديّة"، بعدما اعتراها الصدأ بسبب الانغماس، وإلى حدّ التلاشي، في لعبة الأسواق.

الانتظار عند بوّابة المقبرة

سؤال عن نهاية طريق الدمّ الذي سَلكه أدولف هتلر. رصاصة في الرأس. وكان أفراهام بورغ، الرئيس السابق للكنيست، قد هزّ القيادات السياسيّة في إسرائيل حين وضع كتاباً بعنوان: "هزيمة هتلر"، قارَن فيه بين نهاية إسرائيل بالعقيدة الصهيونيّة التي تذهب بالعنف إلى حدوده القصوى، ونهاية ألمانيا النازيّة، مُلاحِظاً أنّ الدولة العبريّة ارتطمتْ بالحائط، بعدما "انفصلتِ النّخبة الإسرائيليّة عن المكان، لنصل إلى هذه الحقيقة القاتلة ... لا أمّة من دون نخبة"؛ في حين أَبدى المؤرّخُ بن موريس خشيتَهُ من أن تؤدّي "التصدّعات الجيولوجيّة داخل المُجتمع الإسرائيلي إلى انفجار الدولة"، على غرار ما حدث في الربع الأخير من القرن العاشر قَبل الميلاد، والذي أعقب موت الملك سليمان،

حين انقسمتِ المملكةُ اليهوديّة إلى مَملكتيْن (إسرائيل ويهودا) اللّتيْن خاضَتا في ما بينهما حروباً امتدت لعقودٍ طويلة. موريس قال: "الفلسطينيّون ينتظروننا عند بوّابة المقبرة".

كلام لموريس عن "التيه داخل أرض الميعاد"، وهو الأشدّ قسوة من التيه في أصقاع الدنيا. روجيه غارودي سبقَ وسأل "ماذا تُقدِّم إسرائيل لليهود أكثر ممّا تقدّمه أميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو بلجيكا؟". أجاب عن السؤال بأنّها "تقدّم القلق والكراهية، وفي أحيانٍ كثيرة، تقدِّم الموت".

أكثر من ذلك، وجودهم في الولايات المتّحدة أو في أوروبا، يعطيهم دَوراً مؤثّراً في صوْغ السياسات؛ كذلك الاستراتيجيّات، وإن كان لافتاً أنّ اليهود الذين يوجدون بكثافة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، وفي وزارة الخزانة، وحتّى في البيت الأبيض، وفي مجلس الاحتياط الفديرالي (البنك المركزي)، قلّما يوجدون في البنتاغون، من دون أن نتذكّر أنّ جنرالاً يهوديّاً تسلَّم رئاسة هيئة الأركان في الولايات المتّحدة. مَداهم الحيوي "وول ستريت" حيث جورج سوروس يتربّع على عرش المال في العالَم.

هناك كولونيل سابق في الجيش الإسرائيلي يدعى إيليا بارنياع الذي رفض دخول بيروت صيف العام 1982، حين شاهد بمنظاره أولاداً يلعبون. قال للصحافيّة أوريانا فالاتشي "حتّى الآن، لا أدري ما هي مهمّتنا سوى أن نقتلهم أو يقتلوننا. شخصيّاً سألت آرييل شارون: أليس هناك من خيار آخر؟".

دولة بين الدمّ والدمّ. كان زئيف جابوتنسكي المرشد الروحي لبن صهيون نتنياهو، والد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يصف أرض الميعاد بالجنّة. بارنياع سأل ساخراً: "إذا كانت هذه هي الجنّة، فكيف يُمكن أن تكون جهنّم؟!".

ما أظهرته الحربُ الأخيرة في غزّة، أثبت أنّ إسرائيل ليست بالدولة القويّة بذاتها، والأكثر أهميّة، أو الأكثر خطورة، أنّها ليست موجودة بذاتها. ناحوم غولدمان، أحد آباء الدولة، بشبكة هائلة من العلاقات الدوليّة، وكان أحد مهندسي اتّفاقيّة كامب ديفيد على أنّها المدخل إلى السلام الكبير في الشرق الأوسط، وصل إلى تلك القناعة المُثيرة للذهول، وهي أنّ القوّة التي تخضع لعوامل متشابكة أو معقّدة، ليست بـ "السور المقدَّس" الذي يحمي إسرائيل، بل تجعلها رهينة توازنات يُمكن أن تتغيّر بين ليلة وضحاها أحياناً، بسبب حماقة التاريخ، وأحياناً بسبب عبقريّة التاريخ. من هنا دعوته إلى أن تكون إسرائيل "فاتيكان اليهود" لا "إسبارطة اليهود".

في هذه الحال، يمكن أن يكون لها مكان "لائق" في خارطة الشرق الأوسط الذي آن الأوان أن يتخلّى عن "أكفانه"، كما قال الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان.

الباحث الاقتصادي الأميركي جيمس غالبريث أشاد بكتابات الفيلسوف اليهودي الأميركي نورمان فلنكشتاين بالنّظر لـ "وعيه المُثير بالحالة"، حين دعا الأميركيّين إلى عدم استنزاف اليهود في تلك "الدوّامة اللّاهوتيّة" التي تُدعى الشرق الأوسط، إنْ لحماية مصالحهم أو لتوسيع مصالحهم؛ لاحَظ أنّ الإسرائيليّين الذين تحدق بهم الأخطار من كلّ حدبٍ وصوب، لا يستطيعون الاضْطلاع بدَور "الصبيّ الأميركيّ" إلى الأبد، وخصوصاً أنّ "الحصان التكنولوجي باتَ على وشكِ أن يَخترق الأزمنة".

كلام في منتهى العقلانيّة. أين هي مصلحة الإسرائيليّين في أن يبقوا الأداة الأميركيّة في الشرق الأوسط، إذا ما لاحظنا مدى التقلّبات الأبوكاليبتيّة في التاريخ الذي غالباً ما يمتطي ظهور المجانين، كما قال المؤرّخ الأميركي، الألمانيّ الأصل، فريتس شتيرن الذي هاجر مع عائلته إلى الولايات المتّحدة في أثناء الحُكم النازي، مُتسائلاً عن الحكمة من تحويل الصهيونيّة إلى نَوعٍ من النيونازيّة. شتيرن اعتَبر، ومنذ عهد الرئيس جورج دبليو بوش، أنّ أميركا في طريقها إلى أنّ تُنتِج نسخةً "أشدّ هولاً من أدولف هتلر"، الذي بالمُقارَبة الفرويديّة لنشأته، تأثَّر كثيراً بتلك اللّحظات التي تعرَّض فيها الضبّاط الألمان للإذلال بعدما وضعتِ الحربُ العالميّة الأولى أوزارَها. هكذا فكَّر باجتياح العالَم ثأراً لتلك اللّحظة. من زاويةٍ ما، كما لو أنّ المؤرِّخ الألماني - الأميركي كان يتنبّأ بظهور دونالد ترامب.

بديهي السؤال، كيف يُمكن لدولة أن تدين بوجودها وببقائها لقوّة أخرى؟ شلومو ساند، صاحب "اختراع الشعب اليهودي، سأل "ماذا فعلَ قادةُ إسرائيل لإسرائيل سوى أنّهم أقاموا سوراً من الجماجم حولها، وسوى أنّهم تعهّدوا بإعادة بناء الهيكل بالجماجم "التي يُمكن أن نرى، بالعين المجرّدة، كيف تنبعث النيران من محاجرها". هذا ليلاحظ أنّ الكثيرين في العالَم سيسألون بذهول "هل حقّاً إنّ هؤلاء هُم اليهود الذين طالما ذرفْنا الدموع من أجلهم؟!".

آري شافيت، المؤرّخ البارز، لاحَظ "أنّ نبيَّنا هو موسى وليس نيتشه"، الذي قضى بالسكتة الدماغيّة الثالثة، كون فلسفة القوّة "تذهب بنا إلى ذلك المكان اللّامكان"، استعادَ مسارَ الكثير من الإمبراطوريّات التي قضتْ بالضربة القاضية. في هذه الحال "لا نتصوّر أنّ المعطف الأميركي الذي قد ينزل عن أكتافنا في أيّ لحظة، يُمكن أن يحمينا من الضربة القاضية". والدليل أنّ الأرمادا الإسرائيليّة التي أزالت كلَّ أثرٍ للحياة في غزّة، لم تتمكّن من دحْرِ أولئك الرجال الذين "لم يكُن جنودنا يعلمون ما إذا كانوا يَخرجون من قبورهم أم يهبطون من كواكب أخرى".

ما حذَّر منه سبينوزا

دولة مجنونة أم دولة المجانين. توماس فريدمان اعتبرَ أنّ هذا بالذّات ما يَضع إسرائيل أمام اختباراتٍ وجوديّة. لا بدّ من نهاية مجنونة للدولة المجنونة. لنَعُد الى حاييم وايزمان "دولة جديدة في هذه المنطقة، لا بدّ أن تُبنى بأيدي المجانين"، أي أولئك الذين يخرجون على المعايير الكلاسيكيّة لقيام الدول.

ولكن ألَم تقُل الأساطير (أيضاً الميثولوجيّات) إنّ "مَن يعشقون الموت هُم الأكثر عشقاً للحياة؟!". المؤرّخ الإسرائيلي ايلان بابيه لاحَظ كيف أنّ الفلسطينيّين يذهبون إلى أقاصي الموت لكي يَصلوا إلى أقاصي الحياة. الإسرائيليّون من أقاصي الموت إلى أقاصي الموت. لا مجال لأن تَفتح الردهةُ الديبلوماسيّة أبوابها؛ من زمان قال أفيغدور ليبرمان "إنّ المفاوضات مع الفلسطينيّين ينبغي أن تكون مع الموتى.. الموتى فقط"..

لا أحد من أولئك القادة قَرأ شيئاً ممّا كُتب عن أدولف هتلر بـ "الاستراتيجيّة العدميّة". وزير المال بسلئيل سموتريتش لاحَظَ أنّ إزالة البيوت لا تكفي. لا بدّ من إزالة أصحاب البيوت. بابيه حذَّر من أن "تتحوّل أرواحُنا إلى أنقاض". أمام العالَم قال بنيامين نتنياهو إنّه يعمل بوصيّة يهوه (ربّ الجنود) الذي دعا إلى قتْلِ الزَّرْع والضَّرْع في كلّ مَمْلكة، أو في كلّ قرية، يدخل إليها جنوده. هكذا عندما تتحوّل الديانة إلى إيديولوجيا.

هذا ما حذّر منه الفيلسوفُ الهولندي اليهودي باروخ سبينوزا في القرن السابع عشر، فكان أنّ الحاخامات الذين طَردهم السيّدُ المسيح من الهيكل، وقال "أنا الهيكل"، طاردوا سبينوزا بالسكاكين، من هولندا إلى البرتغال، مسقط رأس آبائه؛ فضلاً عن الخلط بين ما يقوله يهوه وما يقوله شايلوك (في رائعة شكسبير "تاجر البندقيّة"). أصوات يهوديّة كثيرة تعترض على أن يكون "دورنا في الشرق الأوسط أن نشقّ الطريق، بالنار، أمام العربة الأميركيّة".

لنرَ كلّ ذلك في الرسالة التي بعثَ بها تيودور هرتزل في العام 1902 إلى سيسيل رودس، وهو من كبار دُعاة الاستعمار الأبيض. كان واضحاً، وبخلفيّة مكيافيليّة لا تَقبل الجدل، أنّه يَضع مشروعَه في إقامة وطن لليهود في خدمة الاستعمار الذي كان ناشطاً جدّاً في تلك المرحلة.

زئيف جابوتنسكي زعيم "الصهيونيّة التصحيحيّة" وَصَفَ ذلك المشروع بـ "المُغامرة الاستيطانيّة". أمّا إيريك وولف، وهو أحد المنظّرين المؤثّرين في الدراسات الاستعماريّة، فقد رأى فيه "هَيكلاً وليس حَدَثاً".

إسرائيل حالة أم حالة طارئة؟ دولة أم دولة طارئة وتنتهي بانتهاء المهمّة التي أُحدثت من أجلها؟ اللّافت هنا أنّ جون (خوان) كول، أستاذ التاريخ في جامعة ميتشيغان، قاربَ هذه المسألة بأسئلةٍ أكثر حدّة، آخذاً على قادة إسرائيل أنّهم بسياساتهم التي يتقاطع فيها الهاجس الإيديولوجي مع الهاجس الاستراتيجي، يوحون للآخرين بأنّهم يبنون مقبرة لا دولة، بعدما أظهرتها "البروباغندا المنظّمة" على أنّها "الفردوس الديمقراطي" في منطقة تبدو فيها الدولُ الأخرى، كما لو أنّها "قطع من جهنّم". لكنّها هي "التي تَصنع جهنّماً هناك".

كول الذي يتعاطف مع إسرائيل كإسرائيل، يُحذِّر من "السقوط في جاذبيّة التاريخ" الذي إذ "يرتفع بالقوّة يسقط بالقوّة". يدعو إلى "حمْل الشموع لا حمْل القنابل"، باعتبار أنّ "تلك المنطقة من العالَم تنطوي على حساسيّاتٍ ثقافيّة قابلة للانفجار".

الآن يوصف ترامب بأنّه الرئيس الأكثر إسرائيليّة من سائر الرؤساء الأميركيّين. تصوّروا هذا الكلام للسفير الأميركي المُعيَّن لدى إسرائيل مايك هاكابي، وهو في المناسبة كان قسّيساً وحاكماً لولاية أركنساس، "أعتقد أنّنا سنُحقِّق تغييراً بأبعادٍ توراتيّة خلال هذه الإدارة في الشرق الأوسط"، مُضيفاً "هناك بعض الكلمات التي أرفض استخدامَها. لا يوجد شيء يُدعى الضفّة الغربيّة".

هذا سفير أميركا لدى إسرائيل، لا سفير إسرائيل لدى أميركا. في هذه الحال، علينا أن نكون أمام مفاجآت مدوّية في المنطقة. رجلان في ذروة الجنون (الجنون التوراتي) في واشنطن وتل أبيب. هذا ما يُحدث صدمةً حتّى لدى جيريمي بن عامي، رئيس جماعة "جي ـ ستريت" اليهوديّة الذي يُبدي خشيتَهُ من "ذلك الرقص على حافّة الهاوية". على مواقع التواصل في إسرائيل "لكأنّ علينا أن نبقى داخل حقائبنا". بن عامي يرى أنّ الوقوف الأعمى إلى جانب نتنياهو، لا بدّ أن يؤدّي إلى "إقفال أبواب كثيرة في وجه إسرائيل"، في حين يسأل ديفيد أغناثيوس ما إذا كانت المصالح الأميركيّة في الشرق الأوسط مهدَّدة بالانهيار، كون المنطقة، ومهما كانت متانة أو صلابة علاقاتها بالولايات المتّحدة، "لا تَقبل أن تُعلَّق على المشانق".

المُثير أن تسال صحيفة "ها آرتس" ما إذا كان باستطاعة إسرائيل أن تتحمّل كلّ ذلك "الحبّ الأميركي". لنتذكَّر قول الأصمعي "ومن الحبّ ما قَتل". دولةٌ قامت على الكراهية كضرورة توراتيّة، باتت تَخشى حتّى من "الغرام الأميركي".

الكوميدي الكندي الأميركي الساخر جيم كاري قال "من فضلكم لا تتفاجأوا إذا ما رأينا دونالد ترامب يوقِّع على قرارٍ تنفيذي بإقالة يهوه، والحلول محلّه، لكونه يمتلك كلّ مواصفات ... يهوه القرن الحادي والعشرين!!".

 

كاتب ومُحلِّل سياسي من لبنان – مؤسسة الفكر العربي