ويلٌ لرجل سبق عقله زمانه

news image

 

كتب - عبدالله العميره

عند إعدام سقراط قال تلك الحكمة:

"عندما توجد في مجتمع لا يحترم الفكر ولا يقدّر الابتكار والإبداع، ولا يقرأ المستقبل جيداً".
"حين تقف مع الحقيقة ضد الفساد، حين تمتلك الشجاعة لتعلن الحقيقة وما تراه من بعيد ضد المصلحة، تُعاقب، تُقمع، تُطرد، تُخوّن، تلام وتُساءل في ما قلت وصرّحت. حين ينفضّ من حولك لقولك الحق، وتقف وحيدًا، هذا لا يعني أنك ضعيف أو وحيد، لأن وحدتك هنا قوة، ودلالة تميز وتفرد وتسامٍ على واقع داكن فاسد عاجز... وقوفك وحدك يعني أنك مناضل ومصلح، ونضالك مكلف لا شك، لكنه سيؤتي ثماره ولو بعد حين".

وقال حكيم: "في وقت العاصفة، تهرب كل الطيور لتختبئ، أما النسر، فيخترق العاصفة بشجاعة، ليصل إلى السماء الصافية فوقها".
__

كنتُ قد فكرت في الكتابة في الموضوع التالي قبل السابق، ثم طرأت الفكرة السابقة، ووجدت ارتباطًا - من نوع ما - بين الفكرتين أو المحورين. الموضوع التالي يتعلق ببداية عهد جديد للرئيس ترامب. في 20 يناير يدخل ترامب البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية، ويبدو أنه استفاد كثيرًا من تجربتين:
من تجربة ولايته الأولى، إذا ظهرت بوادر هدوء ورزانة وحكمة أكثر من السابق، والتفكير قبل أن يتحدث ويقرر، حتى لو أمامه ما يغري مادياً، لكنه يفكر بعمق في : ماذا بعد؟
هكذا العالم شاهد وسمع ترامب ، حتى في تصريحاته المثيرة، قبل دخوله المكتب البيضاوي، ظهر بما يؤشر أنه يعرف ماذا يقول.
ترامب؛ نموذج، يرأس دولة تقود العالم. أو بمعنى آخر؛ أنها أقوى دول العالم.

واستفاد ترامب من تجربة بايدن وفريقه المدمر للولايات المتحدة وعلاقاتها بأصدقائها، والوصول بأمريكا إلى أعلى درجات الفساد، بهدر أموال أمريكا على ما يزعم بايدن وفريقه أنها مساعدات لأوكرانيا، وغيرها من منافذ الإهدار أمام الشعب الأمريكي والعالم، وإهمال الداخل ومصلحة المواطنين. ومنها، السماح للأجانب بالدخول لمنافسة المواطن الأمريكي في كل شيء، وإتاحة الفرصة لمجرمي العالم بممارسة كل الجرائم وعلى رأسها المخدرات.

وأطل ترامب ببوادر تؤكد أنه يعرف كل مراحل الفساد في إدارة بايدن... بدأ بترحيل المهاجرين، وترامب يعرف أن المهاجرين هم أكثر خطراً على أمريكا وشعبها من أي عدو آخر.
ومن المتوقع أن يتخذ ترامب قرارات صارمة ومفصلية في كثير من القضايا التي سنتها إدارة بايدن، وشكلت أذى وإهانة للشعب. لذلك ترامب دائمًا يصرح بأنه سيعيد أمريكا قوية.
لا يمكن لترامب أن يحقق غايته إلا بوجود مستشارين من الكفاءات المخلصة، وممن يملكون بعدًا استراتيجيًا، وقراءة حصيفة لنتائج القرارات السلبية السابقة وتناغم أدمغتهم مع القرارات الجديدة التي يفكر فيها ترامب. ويبدعون له في الأفكار الجديدة بعيدة المدى المفيدة لأمريكا على المدى الطويل.
المسألة لا تتعلق فقط بمحاسبة الفاسدين؛ الكبير قبل الصغير، ولا يعنيه اهتمام الإعلام الأمريكي أو العالمي (الوقتي) بإجراءات التصحيح، بل هو رجل استراتيجي، مخلص لأمريكا وللشعب الأمريكي قبل أي أحد... يرى أن مساعدة شعبه أهم من مساعدة أوكرانيا في حرب إذا استمرت ستنعكس عليه.

هناك فقاعات تبدو أمام الإعلام، تنفجر عن تحليلات وأقوال بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يضحك على أمريكا وأوروبا باستحلابه للأموال، وأن هذا (قد) يكون لبناء قوة لا يمكن للغرب أن يواجهوها.
والتجارب تقول، إذا أردت أن تدعم أحدًا، فيجب أن يكون دعمًا مقنّنًا.
هناك من يتم دعمهم بالأموال، ولا يصرفونها على شعوبهم، بل يكنزوها في بنوك أوروبا، يمارسون بها كل أنواع اللهو، وأيضًا المجون.
وهناك من يتقوى بها ليهاجم من دعمه.
وهناك من تدعمه بالأغذية والمؤن، فتصل إلى أيادي عابثة، وعصابات بيع المساعدات. ومنها عصابات دولية في هيئات رسمية!

من الواضح أن الرئيس ترامب قد هضم التجارب، وستكون ولايته الجديدة والأخيرة في حياته، منهجًا جديدًا في حاضر الولايات المتحدة، ولمستقبل أقوى لها.
من اختيارات ترامب التي أراها تناسب عبقرية رجل المال والأعمال، ترامب، أنه اختار العبقري إيلون ماسك الكندي، الأمريكي بالتجنس.
رجل أعمال ناجح مع رجل أعمال ناجح.
ترامب لم يأتِ بفقير أو جائع، أو ممافق فارغ؛ بل رجل ناجح في الاستثمار، عبقري في التفكير.
ماسك رجل "مشاكس"، لا أعني بالمشاكس كما يقوله العرب عن الولد الشقي، العابث المؤذي.
المشاكس - بحسب تعريف آنيت موزر ويلمان مؤلف كتاب "وجوه العبقرية الخمس - مهارات لتسخير الأفكار" -  المشاكس؛ هو صاحب العقل اللامع غير التقليدي الذي يقرأ الحاضر بسرعة الصوت، ويقرأ المستقبل بأسرع من الصوت!


كان سقراط في زمن يعيش فيه ويهمن عليه مجتمع خامل يطغى الفساد والنفاق والجهل فيه، لذلك قال حكمته الشهيرة "ويلٌ لرجل سبق عقله زمانه".
ولكن، من عبقرية إيلون ماسك وحظه الكبير، أنه جاء في زمن ترامب.
ولا يمكن أن يكون كل العالم يفكرون كما يفكر ماسك وترامب، لذلك سيعتبر كثير من الأوروبيين أن ماسك مجرد "مهرطق" يجب القضاء عليه، كما قضى أسلافهم على أفلاطون، وعلى جان جاك روسو، وغيرهما ممن كانت عقولهم تسبق أزمنتهم التي عاشوا فيها.
وفي زماننا هذا، يوجد تشابه كبير بين العقلية الأوروبية، والعقلية العربية!