خسارة روسيا .. التخطيط المتعجل والاختيار الخاطئ

news image

كتب - عبدالله العميره

سأبدأ بسؤال مهم:
هل خسرت روسيا اسمها عند العرب؟
ربما يسأل أحد الناس: وماذا عن إيران؟
أقول: إيران خاسرة دوماً اسمها، فالنظام في إيران لا نفع منه في الخيرعلى الإطلاق.  
أما روسيا؛ قد يأتي منها بعض الخير، ولكنها تضيع خيرها في شرورها!
ما يحدث في روسيا اليوم درس.. خسارتها في سوريا هي نتيجة التخطيط المتعجل، والاعتقاد بالقوة العسكرية المطلقة التي لا تُهزم.
لست مع من يقول: إن أمريكا خدعت روسيا وورطتها في سوريا وأوكرانيا، كما كان يقال إن أمريكا خدعت صدام حسين وجعلته يغزو الكويت. وإن كان يبدو شيء من الصحة.. فالحرب خدعة ومكر.
المسألة ليست في قدرات أمريكا، المشكلة في رؤوس الآخرين!

لا أعتقد أبداً أن بوتين لا يعرف نتيجة قراراته. فمن الواضح أنه ذكي جداً، ولكن ذكائه يفوق قدرات فريق العمل المحيط به. هذا واضح.
المثير للدهشة أنه يمتلك واحدة من أقوى الاستخبارات في العالم (GRU وريثة الكي جي بي)، ولكن يبدو أنها مصابة بالترهل. وآخر الأمثلة؛ اغتيال قائد قوات الحماية النووية الروسية في انفجار بموسكو؛ هو مؤشر على ضعف الحماية، وبالتالي مؤشر على ترهل الإدارة الأمنية والتخطيط الأمني الاستباقي أو الاستراتيجي.

روسيا دعمت بشار الأسد، واستعانت بنظام إيران -  هذا مثير للإستغراب -  ضد مصالح ما يمكن أن يكونوا من حلفائها الحقيقيين المفيدين!

أنا هنا أحلل، ولا أحمّل مآسي على أحد.
كان بإمكان روسيا أن تكسب العرب والغرب، وتحقق مصالحها دون التدخل فيما يعود عليها بالخسران. ومعالجة الخطأ وإعادة التصحيح، بالاعتراف به أولاً، ثم البدء في المعالجة، هو من شيم العظماء الواثقين.

وأرى تركيا في بداية طريق نفس الخطأ الروسي والإيراني، وحتى الأمريكي!
تريد تركيا أن يكون لها مكان في سوريا والصومال، كمحاولاتها في ليبيا. تريد إنشاء مكان لها في خاصرة الدول الضعيفة.
تركيا تسلك الطريق الخطأ.. المؤكد أنها ستخرج من تلك الدول خاسرة. لا تنفع المساومات - وإلا كانت نفعت دول سبقتها..
القوة ليست في دخول الدول الضعيفة وإشعال النيران فيها.. التاريخ يكشف أن أمريكا بقواتها لسعتها نيران تلك السياسة في أفغانستان والعراق والصومال، وقبل ذلك فيتنام، وفي دول أمريكا الوسطى.

المعادلة في قوى المنطقة والعالم: السياسية والعسكرية؛ تغيرت.

كمواطن عربي؛ لا يهمني - كما لا يهم الشعوب - ما يجري تحت الطاولة؛ المهم ما يحدث تحت الشمس.

روسيا .. خسارة أم تكتيك؟

أرتال من الجيش الروسي شوهدت تدخل سوريا متقطعة (فرادى) إبان انتفاضة السوريين ضد الأسد قبل سنوات، وهي تحط على الأرض السورية، وشاركت جيش بشار ومليشيا إيران في ضرب الشعب السوري وبيوتهم. وما كشفته وسائل الإعلام من تدمير في كل المدن السورية مهول.

التقارير التي يتم نقلها اليوم تكشف عن أعمال مشيبة ومشينة: فضاعة ما تركه الأسد ومن عاونه، ليس في سجون التعذيب فقط، بل مشاهد المدن المدمرة، سويت كثيراً من بيوت الناس بالأرض.

كما أن مشاهد مغادرة أرتال الجيش الروسي سوريا بعد تحريرها من رعب نظام بشار، أثارت مشاعر العرب - كل العرب، بل والعالم أجمع.. استياء بسبب ما كشفته كاميرات التلفزيونات عن كمية العتاد الروسي في سوريا والذي شارك في تدمير المدن السورية.

واكتملت قصة الموقف غير الطيب من روسيا في تهريب الأسد وأعوانه!

هل يعتقد الروس أن هذه الأفعال يمكن أن ينساها العرب بسهولة؟
بل هل يعتقد الروس أن هذا السلوك مناسب ممن كان يعتقد العرب أنهم أصدقاء؟
شرخ واسع تركه الروس في وجدان الشارع العربي.
وجعل العرب يتوقفون ويسألون: ما هو الموقف الجيد الذي فعله الروس لصالح العرب؟ بل، السؤال الأضخم: ماذا فعلت روسيا بمصالحها في العالم العربي؟

العرب سعداء بما آل إليه بشار.
ومن المؤكد أن بشار يعيش حالة خذلان ممن اعتمد عليهم في تعذيب الشعب السوري وتدمير سوريا.
السؤال الأهم:
كيف يمكن أن تخرج روسيا من هذه المشكلة الكبيرة؟
أعلم أن السياسة هي "فن الممكن والمستحيل"، وعدو اليوم قد يصبح صديقاً في الغد، والعكس صحيح.
أتمنى - وهذا تمني ليس من نوع المستحيل - أن تعيد روسيا قراءة سياساتها الخارجية، بخاصة مع العرب، ومراجعة علاقاتها مع من يريد تدمير العرب، وأعني هنا بالدرجة الأولى ، النظام العدواني في إيران.
ويمكنها فعل ذلك بتعهد علاقات متميزة مع الدول العربية، بخاصة القوية. وتصحيح اتجاهاتها لمسح - ولو جزءاً من مواقفها المدمرة في العالم العربي.
روسيا دولة قوية ومهمة، وبقاؤها قوية يعطي توازناً في العالم. ولكنها لا يمكن أن تخلق توازناً خلاقاً بعلاقتها المشبوهة مع  من لا يوجد في رأسه إلا الإجرام..
عودة روسيا عن خط سيرها ممكنة، بخاصة في عهد رجل فيه من الحكمة والقبول بحيث يمكن أن يعود ويُسرّع بإعادة قبوله - المتراجع - عند العرب وفي العالم.

أكرر السؤال الأهم:
كيف يمكن أن تعيد روسيا اسمها وسمعتها عند العرب؟

أعتقد يمكنها ذلك.. يمكنها أن تكون صديقة جيدة مع الدول المفيدة لها المعززة والتي ستساعدها على العودة، وعلى التعاون مع العرب وتحقيق العدالة، وتعويض ما تم تدميره.. مع أن الجراح التي تركتها روسيا في سوريا وتأثيرها الموجع على الشعوب العربية لن تلتئم بسهولة، ولكن لا يوجد جرح يتم معالجته إلا ويلتئم، بشرط أن تعود، وتعدل من مسارها - والعودة إلى الحق فضيلة - وعليها أن تختار العلاج المناسب والصحيح والأطباء المهرة الصادقين في المنطقة.

أقرأ مؤشرات في تعديل المواقف؛ إلى ما يعزز الإستقرار في المنطقة، وعودة الدول العربية المتضررة من العبث، وتعزيز السلام والأمن في المنطقة والعالم.

العالم سئم من اتجاه بعض الدول على طريق الحروب والتدمير. وسئم من سياسة استخدام أدوات للضغط.
صارت سياسات من الماضي.
الآن، بدأت المباشرة، واختصار الوقت والجهد.
أنت تريد وأنا أريد، وكلانا نعلم ما نريد.. المصلحة في الخير، وليست في الشر.
والعودة إلى طريق الاستقرار والسلام.

أسئلة وأفكار

لا يهم الرأي العام ما يُشاع من أن هناك اتفاقيات وتوافقات تحت الطاولة، المهم عند الرأي العام ما يشاهده بأم عينه. ولا شك أن ما يُشاهد من تدمير وإيواء المجرمين؛ هو الموضوع. على من يحمي المجرمين أن يسلمهم للعدالة، ولا يكون شريكاً في الإجرام. وعليهم المساهمة في الإعمار، وتعويض ما دمروه، أو ما ساهموا في تدميره.

على روسيا أن تقدم درساً للآخرين، بأن من يرتكب جرماً عليه أن يدفع الثمن.

هل ترى روسيا أن مصالحها أهم من العرب، أو في معاداة العرب، أو مع العرب؟

هل كان من مصلحتها الارتباط بشخصية إجرامية مثل بشار، وبدولة سياستها التدمير؟

أعلم أن العالم كالبحر.. وأعلم أنه لا يوجد هيئة أمم متحدة يمكنها أن تقود السفينة إلى بر الأمان، وأعلم أن على الأرض بشر يقودون دول نبتت على رؤوسهم قرون شيطانية، وأعلم أن على الأرض حكام حكام أقوياء.. أعلم بوجود الخير والشر.
لفظ "الخير"، ذكر في القرآن الكريم 180 مرة.
وكلمة "الشر" ذكرت في 400 آية.
هذا يعني أن صناعة الشر؛ سهلة، وهي امتحان للبشر.
أما الخير، فلا يصنعه إلا الأخيار الحكماء - الحكام الحقيقيين.

يجب إعادة برمجة أدمغتنا التي أثرت عليها البروباغندا، فالقوى العظمى، فيها قوة، ولكنها مضخمة، قوة دعائية.. لقد تغيرت الأحوال، وظهرت قوى حقيقية تديرها عقول حكيمة.
______

لا أود الدخول في شبكة من المعلومات المتداخلة، تظهر طريقة التعامل مع الأحدث، سأذكرها في نقاط، وعليكم بقية التحليل: 
-  علاقة روسيا بالعراق في عهد صدام، ونهاية صدام، وتجنيب بشار نفس المصير.
-  تهريب الأسد، واستثمارات بشار وعائلته الضخمة في روسيا.
-  دخول إسرائيل لاقتناص مزيد من أرض الجولان.
-  تدمير إسرائيل لما يسمى بأسلحة الأسد لحرمان حكام سوريا الجدد منها.
-  داعش بين إيران وأمريكا وروسيا (والعراق وإسرائيل): الصانع والهدف.
-  دور قسد وداعش: الصانع والهدف.
- تركيا وذراعها الرئيسي "الإخوان".
- محاولة إعادة إحياء سايكس بيكو ، في زمن المتغيرات، وبداية ذبول عناصر المعاهدة.