الصحفي والدبلوماسي

news image

 

كتب - عبدالله العميره

بعد تحرير الكويت، كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - وزيراً للدفاع. في ذلك الحين، تم توجيه دعوة للصحافة السعودية لزيارة قاعدة الرياض الجوية (قاعدة الملك سلمان حالياً)، للإطلاع على أحدث الأسلحة السعودية، وبخاصة طائرات القوات الملكية السعودية التي ساهمت في تحرير الكويت.

تجمع الصحفيون عند الوزارة، وركبنا في (باص) واحد، وكان ممثل الوزارة، وقائد المجموعة الصحفية - حينها، الرائد سبأ باهبري.

القصة أو فكرة هذا الموضوع انبثقت من جملة أتذكرها جيداً قالها لنا سبأ باهبري: "سنطلعكم على ما لدينا - طبعاً لم يقل كل ما لدينا - ولكنه قال: ليس لدينا ما نخفيه.. كل شيء مكشوف للصديق والعدو، كما هم مكشوفون لنا.. هم؛ قد يعلمون كل شيء، إلا..." وتوقف، ثم أكمل: "إلا ما في رأس قيادتنا".

سبأ باهبري معروف أنه إعلامي تلفزيوني، وضابط في وزارة الدفاع، وبالتالي لديه إمكانية التعامل الإعلامي في مجاله العسكري بأريحية وذكاء. وكما نعلم، بأهمية التخصص في الصحافة، أو الصحفي المتخصص. ولكن، الأمثل هو الصحفي المتميز المتنوع. هذا يمكن الاعتماد عليه في أي مناسبة قد يقابل فيها سياسياً، أو أمنياً، أو حربياً، أو اقتصادياً... إلخ. يمكنه التعامل معهم بسهولة.

عندما أقول متميزاً، يعني ملمّاً بكل شيء تقريباً: مثقف، عميق، مدرك جيداً جداً لسياسة البلاد، والسياسة الدولية.

وصدقوني، يمكن التعامل مع أي سياسي - وهم أصعب الناس - مهما كانت قوتهم الذهنية. المهم أن يُحضّر الصحفي جيداً، ويستعد لأي مناسبة بالأسئلة المتنوعة الدقيقة. لا أتحدث عن إعداد التقارير، فهذه يمكن إعدادها في المكاتب بسهولة وأريحية.

دعونا نركز على السياسة والتعامل مع السياسيين...

قاعدة: "في داخل كل إنسان، كبير أو صغير، زعيم أو سياسي، أو أقل، في داخل كل منهم أربع صفات ثابتة طوال الحياة، قد تغلب أحدها أو اثنتان منها على الجميع: طفل صغير، ومراهق مشاكس، وشرير، وحكيم. والحكمة تعني: الصبر، وبعد النظر، والأناءة. وهذا لا يعني أن الحكيم لا توجد بداخله الصفات الثلاث الأخرى."

وصفة في الدبلوماسي: أنهم يدورون على نقطة ارتكاز، وهي مصلحة الدولة التي ينتمون إليها. منهم من يغلّب مصلحة الدولة في الظاهر والباطن، ومنهم من يجعل لمصلحته الشخصية مكاناً، بخاصة في الدول غير المستقرة أنظمتها، أو في الدول المتقلبة. ومنهم من يعتقد أن الدول التي تسمي نفسها كبرى لا غالب لهم. ومنهم الحكيم؛ عندما تستعدي الحكمة وتنادي على الحزم والمواجهة الدبلوماسية الكاشفة لضعف الطرف الآخر.

مثال: يسألني زميل: كيف يمكن أن يتعامل القائد السوري أحمد الشرع، مع (دهاة) الدبلوماسية في الغرب، وهم يتوافدون على دمشق، بخاصة أن خبراته ليست كبيرة؟ وسأقول الإجابة، وهي رأي شخصي من متابعة ومراقبة وفحص من خلال عملي الصحفي (40) عاماً. ستتفاجأون عندما أقول: لا يوجد دهاة في السياسة الغربية، ولا الشرقية! فهم منكشفون تماماً. توصف الحالة كملعب يمارس فيه الغربيون اللعب أمام فريق مفكك، يحب الراحة، وبدون مدرب بارع. مع وجود المدرب البارع... لكن  هناك من لايريده، وهناك من يريد ولكنه متردد، وهناك من يريد، ويريد من يعينه على إرادته. وبسبب ذلك؛ الفريق فيه مشكلة..
 

ونلاحظ أنه عندما يتحرك سياسي عربي من دولة عربية قوية، تظهر العقول الأخرى.

ثمة نقطة في غاية الأهمية، أراها تسهل كثيراً أمام أحمد الشرع، فكيف بخبراء السياسة العرب! أن الغربيين يرون مصلحتهم في أفق قبله لا يرون شيئاً آخر! الغربيون يحسنون اصطياد الفرص بين المآسي، لذلك يستديمون في خلق المآسي، أو يبحثون عن موطن مآساة. ثقافتهم قائمة على الشك، وقليل من اليقين. وهذا اليقين لا يوجد له مكان إلا بصعوبة بالغة!

هذه ثقافة مكشوفة، لا يمكن أن تتغير في وقت قصير. إلا إذا تغيرت قوة اللاعب الآخر.

واللاعب في منطقتنا العربية يتجه بقوة نحو الاحتراف في لعبة السياسة. 
مراد الغربيين معروف،  كما أن دهاة السياسة من العرب المؤثرين الأقوياء، قد تضعف أمام حاجة الشقيق العربي، لإخراجه مما هو فيه وإعادة إنعاشه. وهذا لا يتعارض مطلقاً مع بناء علاقات متكافئة مع الغرب المريد للتعاون والتكامل الاقتصادي، وتبادل المنافع، بدلاً من البحث عنها بطرق ملتوية لا يوجد فيها خير للشعوب، ولا للحكومات.

خلاصة: يمكن محاصرة السياسة الغربية بسهولة، ومعرفة نواياهم بسهولة أكبر، ويمكن تعزيز إرادة الخير فيهم بسهولة. ففي داخلهم ذلك المكون البشري: (الطفل، والمراهق، والشرير، والحكيم).
صحيح أن الشر والشك ما زالا غالبين عليهم... شك من إسلام مزور (شيعي وقاعدي وداعشي... وفئات أخرى لا علاقة لها بالإسلام الصحيح). فئات بعضها صنعه الغرب، وبعضها اختاروه على اعتقاد أنه أسلم لهم، فاتضح أن تلك الفئات الضالة يجمعهم الإرهاب: قتل وتخريب... هي الأخطر على الإسلام وعلى الغربيين.

أكثر ما يثير الدهشة من العقلية الغربية أنهم يخلقون ويدعمون إسلاماً مزيفاً، ويشيعون في العالم خوفهم من الإسلام!
لا نيأس، فخلف الشر مباشرة يوجد طفل ومراهق وحكيم.