قنوات الأخبار العالمية.. وعقلية "تورا بورا"

news image


كتب - عبدالله العميره
زرت مسؤولاً في مكتبه لأكثر من مرة .
لم أجده يوماً فاتح التلفزيون على أخبار.
طبعاً سألته عن السبب..
قال : الأخبار المهمة أعرف موعدها.
وبقية القنوات الإخبارية كـ #العربية و #الجزيرة وما شاكلهما، لايوجد عندهم إلا المصائب والكوارث.. وكل ما يجلب الهم والغم .
ويصنعون "من الحبة قبة" ..  كالقبة الحديدية!!
لا ألومة .. فكلامه حقيقة وحق.
لماذا تلك القنوات تركز على الحروب، وتبحث عن المصائب؟!
يذكروني بالمثل: " فلان يدور على القرش من ذنب الكلب"..
هو الصحيح؛ يبحثون عن كل ما يكدر "من ذيل الكلب" !

نعم؛ أعرف شريحة من شعوب عربية، تتابع الكوارث .. فيها عشق عجيب للمصائب والمشاكل.
ممكن أن يطلقون نكته، يضحكون .. ثم يتبعونها بجملة "اللهم اجعله خير" ، ثم يخلقون المشكلات الجالبة للنكد، أو التوقف عند ما يسبب الهم والغم!
معظم الشعوب العربية؛ هكذا تعيش.
حتى في برامجهم ، لاتخلوا من "طقطقة بليدة" وإسقاطات للتنكيد والنيل من المشاهد بزرع الفتنة والهم في دماغة المتأرجح - أصلاَ .
نعم هكذا معظم الشعوب العربية .. وشعوب العالم المتخلفة.
لا أعلم هل هي عادة منقولة مع الجينات؟
أو فضول عقل تشبع بالتخلف؟
أو حب استطلاع  على الهدم؛ غالب على حب البناء والسعادة؟!
نجد حادث مروري، وقد أبطأ السائقون السير في شارع مزدحم؛ ليزيدونه ازدحاماً من أجل التحملق في الحادث، والتدقيق فيه (!).
أو شجار " مهاوش - مضارب " في سوق أو شارع، وقد تجمع الناس حولهم ، وكأنهم في فرجة حول حلبة مصارعة !
ناس تحب مشاهدة المشاكل، وكأنهم لايستوعبون المشكلة إلا بإطالة النظر فيها ، ويجدون في الحملقة متعة!

النوع الأول ليس بيدهم حل مشكلة الحادث المروري أو معالجة المصابين.
والثاني، لايتدخلون لفض الشجار.
لو كان بيدهم حل المشكلة؛ لقلت ذلك سلوك إنساني طيب.
لكنه ليس كذلك..
هذا النوع من البشر، أسميتهم في عالم الصحافة والإعلام "المترددون"، والمتردد هو من تتحكم عواطفه فيه ، ومن أسبابها؛ الجهل .. وهي من مؤشرات التخلف.
نوعية من المتلقين؛ هم المستهدفين من الوسائل الإخبارية : كالجزيرة والعربية. طبعاً المذيع أو المذيعة وفريق الفنيين، ليس لهم ذنب. فهم يعرضون ويقرأون ما تم التخطيط به للمشاهد.
ومن درجة  فهمه (صفر)  لما يتم بثه؛ يكتفي بمتابعة جمال المذيعة الممتع لهم.. الحمد لله أن هذا النوع بدأ ينقرض.

من السهل جداً على أي محطة ، أن تأتي بمذيعة جميلة ، ومعدين ومصورين غير قادرين على الإبتكار.. فقط النقل، وتنفيذ ما يُملى عليهم،  وهو أسهل أنواع العمل في الإعلام ( لايمكن أن أسميها صناعة في الفنون الإعلامية ).

قد يبدو لنا أن المنتصر الأوحد هو من يدير الحرب أو الكارثة .
الواقع، في زمننا هذا (الآن) انتهى هذا النوع من العروض البليدة التي كانت قبل سنوات؛ هدفها التأثير وتشكيل رأي عام .
حتى على مستوى الدول؛ لاتتابع ما تبثه نشرات الأخبار، إلا ما قد يعرض بين أسطرها من تصريحات يتم تحليلها، وهي تصريحات؛ لايفهم مغزاها الدهماء من المتابعين.
ويمكننا أن نعتبر بعض ما يبث في تلك القنوات، نوع من الدعايات المظللة ، أو الشائعات الكاذبة. وقليل يمكن لها مدلولات؛ يفهمها المتخصصون.
أعني، أن معظم ما تبثه تلك القنوات غير مفيد للناس، بل تزيدهم كآبة وكبت، وإرباك وجهل.
قد يقول قائل:  من أهدافهم؛ جلب الكآبة والكبت للشعوب.

ذلك التفكير؛ ممكن أن يكون في السابق، إنما  لو كان العمل في تلك القنوات ممنهج، ومتطور، ممكن أن تكون هذه الرؤية صحيحة 100%.
الآن؛ عقول المتلقين تطورت.. والرسالة مازالت كما هي .
لم بعد للجزيرة ولا للعربية قيمة؛ كما كانتا سابقاً.. الأشخاص المؤثرين؛ لا يتابعون هكذا أساليب وعروض.
 

إلا ..   من الحلول :
إذا تغيرت سياسة القنوات، وتحولت إلى  ذات تأثير علمي ، ولها مردود إيجابي على المتابع..
ونرى بعضها قد تحولت إلى قنوات " تقريرية / تصنع تقارير ، وأخبار خاصة  عميقة ، لها بُعد إيجابي. وقنوات وثائقية، تطرح قصصاً وتجارب  بلغة خطاب بسيطة من الواقع، أو قنوات للحياة البرية، وبلغات متعددة.

ويجب الإبتعاد عن لغة الخطاب الثقيلة المتكلسة، وذات الطابع الدعائي .

ونتذكر في كل الأعمال أن “  أفضل الدعايات ليست دعاية
 

_____

على “سيرة” ذكر قنوات الحياة البرية .. 

العجيب؛ نلاحظ ؛ أن قوانين الغاب أرحم من قوانين الإنسان " التي يقولون عنها متمدنة أو متحضرة ".
نشاهد أسوداً ونموراً، لا تقتل إلا إذا جاعت، ونقتل بشكل رحيم. 
ونشاهد أسوداً ونموراً لاتقتل صغار الحيوانات.
بينما الإنسان " المتحضر" يقتل  ببشاعة عندما يشبع، لأنه يريد إشباع نهمه في رؤية الدماء والجثث، ويقتل الأطفال ولا يبالي .. لا القاتل يبالي، ولا قوى العالم تهتم .
بئس من عالم ينذر بكارثة ربانية .
الدول التي تسمى بالعظمى، والتي تشبعت بالمال ومتع الحياة ( ليس لها هدف في الحياة إلا النساء والشراب والطعام)؛ صار قتل الإنسان، بخاصة الأطفال عندهم عادي جداً.
غابة قرود ، تأكل وتشرب وتتسافد.
وأرى ما يخيف، أو يسعد - فسروا قول الله تعالى كما تشاؤون، لكنها النهاية المحتومة للظلمة، والمصيبة أن الظلمة يأخذوا معهم المساكين!
يقول تعالى  في الآية 16 من سورة الإسراء:
" ذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا "

أعود لأقول ، لن يتعير شئ إلا إذا تعدلت عقلية إدارة القنوات وبرامجها الإخبارية، وتحولت من السلبية إلى ما يترك أثراً إيجابياً. 
حتى الآن؛ كل ما تعرضه نشرات الأخبار، إما إملاءات أو كوارث .. يعني رسالة من طرف واحد ، وليست رسالة تفاعلية، ولاتحترم عقلية المتلقي.
حتى الآن، الجزيرة والعربية، وما يماثلهما، مازالوا على طريقة أخبار "تورا بورا"، سياسة الحرب بالوكالة  أيام الجهل.. يخاطبون ما تبقى من عقول متخلفة.
المريح والجميل، أن عقليات المتلقي ، صارت أكثر وعياً ونضجاً، وتستطيع التمييز، وهي تزيد في التحول من العقليات "المترددة" إلى العقليات "القائدة".
من الأفضل والأنجح لأهداف القنوات، أن تنزل إلى مستوى عقليات الناس لترتقي بهم.
أن تخاطب عاقل فاهم، خير من أن تخاطب مجنون أو متخلف، سينقلب عليك في يوم ما .
توضيح للجملة السابقة:
هل  يعتقد من يقف خلف قناتي العربية والجزيرة، بهذا الأسلوب؛ أن المشاهد " الهدف"  لن يقلب عليهم؟
المشاهد يفهم جداً المعادلة التالية:
السلوك الإعلامي + المستفيد